منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 10 - 07 - 2023, 06:32 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

توصيات يسوع في الإرسالية الأولى


توصيات يسوع في الإرسالية الأولى


الأحد الحادي عَشَر من السنة:
توصيات يسوع في الإرسالية الأولى (متى 9: 36-10: 8)





النص الإنجيلي ((متى 9: 36-10:8)




36-ورأَى الجُموعَ فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعيَ لها.37 فقالَ لِتلاميذِه: ((الحَصادُ كثيرٌ ولَكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون. 38فاسأَلوا رَبّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه)). 1 ودَعا تَلاميذَه الاثَني عَشَر، فأَولاهُم سُلطاناً يَطرُدُونَ بِه الأَرواحَ النَّجِسَة ويَشْفونَ النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة 2 وهَذِه أَسْماءُ الرُّسُل الاثنَي عَشَر: أَوَّلُهم سِمعانُ الَّذي يُقالُ لَه بُطرُس، وأَندَراوسُ أَخوه، فيَعقوبُ بْنُ زَبَدى ويوحنَّا أَخوه، 3 ففِيلِبُّس وبَرتُلُماوُس، فتُوما ومَتَّى الجابي، فيَعقوبُ بْنُ حَلْفى وتَدَّاوُس، 4 فسِمعانُ الغَيور ويهوذا الإِسْخَريُوطيّ ذاكَ الَّذي أَسلَمَه 5 هؤلاءِ الاثنا عَشَر أَرسلَهُم يسوع وأَوْصاهم قال: ((لا تَسلُكوا طَريقاً إِلى الوثَنِيِّين ولا تَدخُلوا مَدينةً لِلسَّامرِيِّين، 6 بَلِ اذهَبوا إِلى الخِرافِ الضَّالَّةِ من بَيتِ إِسرائيل، 7 وأَعلِنوا في الطَّريق أَنْ قَدِ اقتَرَبَ مَلَكوتُ السَّمَوات 8 اِشْفوا المَرْضى، وأَقيموا المَوتى، وأَبرِئوا البُرْص، واطرُدوا الشَّياطين. أَخَذتُم مَجَّاناً فَمَجَّاناً أَعطوا.





مُقدِّمَة



بعد أن أنهي يسوع المسيح العظة الأولى، عظة الجبل (متى 5: 1-7: 29) والمعجزات العَشَر (متى 8: 9: 38) بدأ عظته الثانية حول الإرسالية مُقدِّمًا تعليماته ووصاياه لتلاميذه قبل أن يرسلهم إلى الجموع ليعلنوا بشارة المَلَكوت ويشفوا مرضى الجسد والروح. وهنا يصف إنجيل متى الإرساليَّة الأولى الخاصة بالاثني عَشَر رسولاً (متى 9: 36-10:8). تنطلق هذه الإرسالية من رؤية يسوع الجموع وشفقته على الإنسانية التي تتخبط في الألم والظلام من ناحية، وتنطلق من ناحية أخرى في مناخ من المجانية والثقة بالله والانفتاح على الآخر، فتعلن مَلَكوت السلام والعدالة والأخوة بين البشر، ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص وتطبيقاته.





أولا: وقائع النص الإنجيلي وتحليله (يوحنا 6: 51-59)



9: 36 ورأَى الجُموعَ فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعيَ لها.



تشير عبارة "ورأَى الجُموعَ إلى تطلع يسوع إلى الجموع الملتفَّة وحوله، وأشار إليهم كحقلٍ قد نضج للحَصَاد. أمَّا عبارة "فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم" فتشير إلى تصرف يسوع المليء بالرحمة. هو كالأم التي تتحرّك أحشاؤها من أجل أولادها. هو الراعي، كما تنبأ حزقيال النبي "هاءنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها" (حزقيال 34: 11). جاء يسوع إلينا بنفسه بكونه الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يوحنا 10: 11). وبما أنَّ الراعي الحقيقي في العهد القديم هو الله (مزمور 23) فيسوع الذي يفتقد شعبه بعد أن رآه بائسًا مُشتَّتا، هو الله بصورة محسوسة أيضًا. اعتبر يسوع نفسه ذاك المُرسل إلى الخراف الضَّالة في أرض إسْرائيل (متى 15: 24)، بعد أن صار شعبه دون رعاة، بل رعاة يصدُّون الشعب عن رؤية الحق، ولذلك نجده الآن يرسل رسله عوضًا عن رعاة إسرائيل غير الأمناء. وفي سفر حزقيال يقول الرب: "هاءنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها" (حز 34: 11)، فإنه ليس شيء أثمن لدى الله من النفس البشريّة التي أوجدها على صورته ومثاله. جاء إلينا بنفسه كونه الرَّاعي الصَّالِحُ الذي يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف (يوحنا 10: 11). ينتبه يسوع الشديد على كلّ أشكال الضعف عند كلّ إنسان، ويتعاطف معه. أمَّا عبارة " تَعِبينَ " في الأصل اليوناني ἐσκυλμένοι (معناها منزعجين) فتشير إلى من هم في حالة بؤس وضيق واضطراب. وهذا الاضطراب هو الذي يصاحب السقوط في الخطيئة والبُعد عن الله. أمَّا عبارة "رازِحين" في الأصل اليوناني ἐρριμμένοι (ساقطين إلى الأرض) فتشير إلى كل من لم يستطع النهوض لِمَا فيه من الضعف والتعب، لأنَّه معرضٌ لهجمات إبليس والسقوط في الخطايا (يوحنا 8:10). هكذا كانت الحال في العالم كلّه عندما جاء الرّب يسوع المسيح برحمته اللامتناهية. أمَّا عبارة " كَغَنَمٍ لا راعيَ لها" فتشير إلى عبارة مقتبسة من سفر العدد "لِئَلاَّ تَبْقى جَماعة الرَّبًّ كَغَنَمٍ لا راعيَ لَها" (27: 17). تصرّف يسوع الذي عَدَّ نفسه مُرسَلاً إلى الخراف الضَّالة من آل إسرائيل (متى 15: 26). وترد هذه الاستعارة نفسها في مرقس (6: 34)، وفي حديث تكثير الأرغفة، أما هنا، فهي تضفي على إرسالية الرُّسُل معناها، أي رحمة الراعي الصالح، يسوع هو الراعي الصالح الذي يُحقق انتظار العهد القديم "أُقيمُ علَيها راعِيًا آخَرَ لِيَرْعاها"(خروج 34: 23) " يَقولُ رَبُّ القُوَّات إِضرِب الراعِيَ فتَتَبَدَّدَ الخِراف (زكريا 13: 7). كيف يمكن أن نكون رعاة لإخوتنا؟ إلى أي مراعٍ نقودهم؟ ماهي البشرى السارة التي سنبشِّرهم؟



9: 37 قالَ لِتلاميذِه: الحَصَادُ كثيرٌ ولَكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون.



تشير عبارة " الحَصَاد كثيرٌ ولَكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون" إلى عمل يسوع دون توقف، لان الشعب دون راع ٍ. فيطلب يسوع من رسله الصلاة إلى الآب السَّماوي ليُرسل عَمَلة إلى حَصَاده. يعلق البابا فرنسيس " مَنْ الذي عمل ليكون الحصاد كثيرًا؟ لا توجد سوى إجابة واحدة: إنه الله. لا شك في أن الحقل، الذي يتكلم عنه يسوع، هو البشرية، هو نحن، وأن العمل الفعّال الذي أنتج هذا "الحصاد الكثير" هو نعمة الله، والشَرِكة معه (يوحنا 15: 5)" (رسالة البابا فرنسيس، بمناسبة اليوم الحادي والخمسين، للصلاة من أجل الدعوات 2014). أمَّا عبارة "الحَصَادُ" فتشير إلى استعارة مألوفة لدينونة الله الأخيرة (متى 3: 12)، كما وصفه أنبياء العهد القديم "الحَصَاد قد بَلغَ وهَلُمُّوا دوسوا فإِنًّ المَعصَرَةَ مَلأَى والدِّنانَ فائِضَة لِأَنَّ شَرَّهم قد كَثُر"(يوئيل 4: 13) وارميا (51: 33). وهي تطبق هنا على زمن يسوع (مرقس 4: 29): فبالخدمة الرسولية التي قام بها يسوع وتلاميذه، تجري الدينونة (متى 10: 15)، لان مَلَكوت الله قد أتى (متى 3: 2). ويرتبط الحَصَاد أيضا بيوم الدينونة وبمجيء الرّب وسط شعبه (أشعيا 63، 1-6). وجعل يوحنا المعمدان من الحَصَاد "عمل "الأقوى، أي المسيح، إذ قال: "أَنا أُعَمِّدُكم بِالماء، ولكِن يأتي مَن هُو أَقوى مِنِّي" (لوقا 3: 16-17). "الحَصَاد " هي صورة الاكتمال والإنجاز والنضج. حقل الرب تعب فيه الكثيرون وهو جاهز الآن للحَصَاد. والدينونة تطبق هنا على زمن يسوع، لانَّ مَلَكوت الله قد أتى (متى 3: 2) عن طريق الخدمة الرَّسولية التي قام بها يسوع وتلاميذه (متى 10: 15). أمَّا عبارة " العَمَلَةَ قَليلون " فتشير إلى اثني عَشَر رسولاً، هو عدد قليل، يُدرك يسوع خطورة نقص الحَصَّادين وينتظر معاونين. ورد فعله الأول هو طلبه أن نصلي لهذه النيَّة، أي أن يَرسل الآب السّماوي، رَبُّ الحَصادِ عَمَلة ً إلى حَصَاده.



9: 38 فاسأَلوا رَبّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه.



تشير عبارة "فاسأَلوا رَبَّ الحَصَاد" إلى اختيار المدعوين الذي يأتي بالصلاة أولاً. الصلاة هي أول توصية للتبشير، لأنَّ رب الحَصَاد هو الله، أساس كل دعوة. فالدعوة تولد من قلب الله وتُزهر في الأرض الطيّبة للشعب الأمين. الرب نفسه هو الذي يُبذر، وهو أيضًا الذي يحصد، إذ يقول: " بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئاً" (يوحنا 15: 5)، ويُشرك يسوع تلاميذه بالصلاة ورسالة التبشير في الحَصَاد (الدينونة) (متى 9: 37). فالصلاة ضرورية لإرسال الرب عَمَلة إلى حَصَاده. أمَّا عبارة "فاسأَلوا رَبّ الحَصادِ" فتشير إلى توصية يسوع أن نطلب ونسأل، والله هو الذي يُرسل خُدَّامه. فالصلاة التي يطلبها يسوع من الكنيسة تتعلق بطلب زيادة أعداد الذين يخدمون ملكوت الله. يعلق البابا فرنسيس (البابا فرنسيس، بمناسبة اليوم الحادي والخمسين، للصلاة من أجل الدعوات 2014). تُعد الآيتان "((الحَصادُ كثيرٌ ولَكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون. فاسأَلوا رَبّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه" (9: 37-38). وتُعد إرسالية الرُّسُل الأولى احدى الفقرات الأساسية في الإرسالية في العهد الجديد. والإرساليَّة الثانية خاصة بالتلاميذ الاثنين والسبعين التي تمثِّل تبشير الأمم (لوقا 10: 1-17)، ثم إرسالية التلاميذ الثالثة في السامرة (يوحنا 4: 35-38). ليتنا نهتم بخلاص نفوس من حولنا فنشفق على الكل بدلًا من أن تتضايق لأخطائهم الكثيرة، ونصلى ليُحرِّك الله قلوبهم، لأنه يريد خلاصهم. فها نطلب نعمة الرغبة في اتّحاد أكبر مع حسّ الإرسالية للرَّبّ



10: 1 ودَعا تَلاميذَه الاثَني عَشَر، فأَولاهُم سُلطاناً يَطرُدُونَ بِه الأَرواحَ النَّجِسَة ويَشْفونَ النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة



تشير عبارة "دَعا تَلاميذَه الاثَني عَشَر" إلى دعوة يسوع تلاميذه لمتابعة إعلان المَلَكوت الذي بدأه هو نفسه (متى 9: 35). ولا أحد يأخذ هذه الوظيفة لنفسه، بل المدعو من الله (عبرانيين 4:5). ولا يُسمُّون الرُّسُل الآثني عَشَر إلا في الآية لللاحقة (متى 10: 2). جمعهم يسوع ونادى كل شخص منهم بمفرده وها هو يوصيهم بما يعملون ويقولون في رسالتهم. وخير مثال على دعوة الله هو أشعيا "سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ قَائِلاً: "مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟ فَقُلْتُ: هاءنذا أَرْسِلْنِي" (أشعيا 6: 8). فهنا أشعيا يتطوع لأن يرسله الله ليبشّر ويتكلم ويخبر الآخرين عن الله. أمَّا عبارة " دَعا " فتشير إلى طلب يسوع من التلاميذ التطوع، أي الاختيار لخدمة رسالته دون إكراه. والمسيح يدعونا اليوم لأن نتبعه، ولا يُجبرنا، على فعل شيء لا نريد أن نفعله، فهل نحن على استعداد لتلبية دعوته؟ أمَّا عبارة " أَولاهُم سُلطاناً " فتشير إلى تلاميذ الرَّب الذين هم ليسوا أصحاب مواهب خارقة، أو من الشخصيّات البارزة في المجتمع، وإنَّما هم أناس عاديّون، بل وغالبيتّهم من طبقات فقيرة، لكن قوتهم في التبشير هي من فضل قوّة الله الذي وهبهم سلطانًا روحيًا وقوة روحية لهدم مملكة الشر وإعلان ملكوت السَّموات. ولقد اختار السيد المسيح تلاميذه من وسط الناس البسطاء واهبًا إمكانياته ليعملوا لا باسمهم بل باسمه ولحساب مملكته بكونه العامل فيهم. وقد ذكر الإنجيلي أسماء الاثني عَشَر رسولًا بعد أن أعلن السلطان الذي وُهب لهم. أمَّا عبارة " يَطرُدُونَ بِه الأَرواحَ النَّجِسَة ويَشْفونَ النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ" فتشير إلى موجز لِمَا يجب أن يفعله الرُّسُل على مثال يسوع (متى 9: 35): يَطرُدُونَ بِه الأَرواحَ النَّجِسَة ويَشْفونَ النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ. أمّا عبارة " الأَرواحَ النَّجِسَة " فتشير إلى كائن غير مادي لا جسد له، وهو نجس وما يسمَّى الشيطان. والشيطان كائن حقيقي، أعلى شأناً من الإنسان وهو رئيس رتبة من الأرواح النجسة (متى 12: 24). وقد أطلقت كلمة شياطين في الجمع على الأرواح الشريرة وهي مُرسَلة من قبل الشيطان، وتحت أمره وسلطانه (متى 9: 34 و12: 24). أما تلك الأرواح الشريرة، فقد كانت تدخل الناس والبهائم فتحدث فيهم أعراض الجنون والصراع. ودخول الشياطين في الناس أمرٌ حقيقيٌ، وقد ظهر على هيئة أمراض جسدية وعقلية والخرس (متى 9: 32) والعمي (متى 12: 22) والصرع (مرقس 9: 17-27) والجنون (متى 8: 28). وقد أخرج الرّب هؤلاء الشياطين فعلاً؛ إذ لا يجب أن ننسى أن المسيح جاء لكي ينقض أعمال إبليس (1 يوحنا 3: 8). أمَّا عبارة " مَرَضٍ " فتشير إلى سلطة إبليس، إذ أنَّ المرض علامةٌ لمُلك الشيطان والخطيئة. أمَّا عبارة " يَشْفونَ " فتشير إلى شفاء كعلامة الانتصار على الشيطان (متى 17: 18). طرد الشياطين والشفاء يَخضعانِ لسلطانٍ واحدٍ هو سُلطان يسوع. رسالة الرُّسُل هو رسالة يسوع أي هدم الشر وعمل الخير.



10: 2 وهَذِه أَسْماءُ الرُّسُل الاثنَي عَشَر: أَوَّلُهم سِمعانُ الَّذي يُقالُ لَه بُطرُس، وأَندَراوسُ أَخوه، فيَعقوبُ بْنُ زَبَدى ويوحنَّا أَخوه،



تشير عبارة "الرُّسُل الاثنَي عَشَر" إلى عبارة شبه وحيدة في العهد الجديد (أعمال الرُّسُل 1: 26، ورؤية 21: 14)، وهي تجمعُ بين طريقتين لتسمية تلاميذ يسوع الأولين: هم " الاثنا عَشَر" (متى 26: 14)، وهم "الرُّسُل" أيضاً (لوقا 6: 13). هؤلاء اختارهم يسوع من بين التلاميذ ليحملوا بُشْرى الخلاص، ومنحهم سلطات خاصة. نجد الاثني عَشَر يُشكلون جماعة رسولية أي مُرسلة. وفي هذا الصدد يقول المجمع الفاتيكاني الثاني:" كما يؤلف القديس بطرس وسائر الرُّسُل، بأمر الرب، جماعة رسولية واحدة، كذلك الحبر الروماني، خليفة بطرس والأساقفة خلفاء الرُّسُل يرتبطون بعضهم ببعض... أن الاهتمام بنشر الإنجيل في أنحاء العالم منوط بجماعة الرعاة الذين أوصاهم المسيح وصية مشتركة وكلفهم بواجبٍ مشترك... فعلى الجميع أن يساعدوا الإرساليات بكل قواهم، سواء بإرسال عملة للحَصَاد أو بتقدمة مساعدات روحية ومادية" (نور الأمم، 22-23). أمَّا عبارة "الرُّسُل" في الأصل اليوناني ἀπόστολος (معناه مُرسَل)، وفي اللغة السِّريانية السليحين أي المرسلين) فتشير إلى مفرد رسول وهو المُرسَل المُفوَّض (متى 10: 40). وأطلق هذا اللقب على التلاميذ الاثني عَشَر عندما كُلفوا بعمل خاص، كما ورد في هذه الآية. أما عبارة "الاثنَي عَشَر" فتشير إلى العدد 12 الذي يرمز إلى الكمال وهو امتداد عدد أسباط إسرائيل الاثني عَشَر، كما جاء في قول يسوع "الحَقَّ أَقولُ لكم: أَنتُم الَّذينَ تَبِعوني، متى جلَسَ ابنُ الإِنسانِ على عَرشِ مَجدِه عِندما يُجَدَّدُ كُلُّ شَيء، تَجلِسونَ أَنتم أَيضاً على اثنَي عَشَرَ عَرْشاً، لِتَدينوا أَسباطَ إِسرائيلَ الاثَنيْ عَشَر" (متى 19: 28). كان الأسباط آباء الشعب الأول، والرُّسُل هم آباء الشعب الثاني وأساس بناء الكنيسة الذي شيَّده يسوع، حجر الزاوية (أفسس 2: 20). فكأن المسيح يُعِّدْ شعبًا جديدًا برئاسة جديدة. ويرمز رقم 12 أيضا إلى مملكة الله على الأرض، حيث يملك الثالوث (3) في كل جهات المسكونة الشرّق الغرب والشمال والجنوب (4). مملكة الله هم المؤمنون بالله مثلث الأقانيم في كل العالم. أمَّا عبارة "أَوَّلُهم سِمعانُ الَّذي يُقالُ لَه بُطرُس، وأَندَراوسُ أَخوه، فيَعقوبُ بْنُ زَبَدى ويوحنَّا أَخوه" فتشير إلى التلاميذ الأربعة الأولين. وجاء اسم يعقوب قبل يوحنا ربما يكون البكر. وهناك ترتيب آخر في الأناجيل الأخرى. َيُقَدّمُ إنجيل مرقس على أندراوس ابني زبدى اللذين يؤلفان مع بطرس ثُلاثياً مُفضّلاً (مرقس 5: 37)، ويُقَدّمُ لوقا يوحنا على يعقوب، نظراً ولا شك لدورهِ المُميَّز في الكنيسة الأولى (أعمال الرُّسُل 1: 13). أمّا عبارة " أَوَّلُهم " فتشير إلى بطرس على راس الأربع قوائم للاثني عَشَر. لآنَّه كان من أبرز الرُّسُل وقد مارس قيادة طبيعية بينهم (مرقس 3: 6، لوقا 6: 14، أعمال الرُّسُل 1: 13). أمَّا عبارة "سِمعانُ الَّذي يُقالُ لَه بُطرُس" فيشير إلى الرَّسول الذي كان يُسمَّى أولاً اسمًا يهوديًا سمعان واسم أبيه يونا (متى 16: 17) واسم أخيه اندراوس، واسم مدينته بيت صيدا. فلما تبع يسوع سُمِّي ((كيفا)) وهي كلمة آرامية معناها صخرة، (1 قورنتس 22:3). يقابلها في العربية صفا أي صخرة وقد سّماه المسيح بهذا الاسم. والصخرة باليونانية Πέτρος بطرس (متى 16: 18) وكانت مهنة بطرس (وكانت مهنة بطرس صيد السمك (متى 16: 18) التي كان بواسطتها يحصل على ما يكفي عائلته المقيمة في كفر ناحوم كما يستدل من عيادة يسوع لحماته وشفائها من الحمّى (متى 8: 14). ويرجح أن بطرس كان تلميذاً ليوحنا المعمدان قبل مجيئه إلى المسيح. وقد جاء به إلى يسوع أخوه اندراوس واحد من تلميذي يوحنا المعمدان المُقرّبين منه (يوحنا 1: 41). وقد ساعد حماس بطرس ونشاطه وغيرته على أن يبرز كالمُتقدِّم بين التلاميذ من البداية. فيذكر اسمه دائماً أولاً عند ذكر أسماء الرُّسُل (متى 10: 2 ومرقس 3: 16 ولوقا 6: 14 وأعمال الرُّسُل 1: 13)، وكذلك عند ذكر أسماء التلاميذ الثلاثة المُقربين من يسوع كان اسمه يذكر أولاً فمثلاً في التَّجلِّي (متى 17: 1)، وعند إقامة ابنه بآيرس (مرقس 5: 37)، وفي بستان جَتسَمانِيَّة (متى 26: 37) 17). وبعد القيامة، يخبرنا سفر الأعمال أن بطرس حقق ما أنبأ المسيح عنه:" على هذه الصخرة ابني كنيستي)) ونشط بطرس لقيادة أعضاء الكنيسة الأولى. أمَّا عبارة "أَنْدَراوُس" اسم يوناني Ἀνδρέας (معناه رجلٌ حقاً) فتشير إلى أخ بطرس، وكان موطنه بيت صيدا (يوحنا 1: 44) وكانت مهنته صياداً كبطرس (مرقس 1: 16 -18) وكان لأندراوس بيت مع بطرس في كفرناحوم (مرقس 1: 29) وكان تلميذاً ليوحنا المعمدان الذي أرشده إلى يسوع حمل الله، وبعد ما اقتنع أندراوس بأن يسوع هو المسيح المنتظر أحضر أخاه بطرس إلى يسوع (يوحنا 1 35 -42) ليتبعه (مرقس 1: 16). وأندراوس هو الذي أخبر يسوع عن الصبي الذي كان معه خمسة أرغفة وسمكتان عند إطعام الخمسة آلاف (يوحنا 6: 8 -9) وقد سأل هو وبطرس ويعقوب ويوحنا عن خراب أورشليم ومجيء المسيح الثاني (مرقس 13: 3 -4)، وأخبر هو وفيلبس يسوع برغبة بعض اليونانيين في رؤيته (يوحنا 12: 22). ويقول التقليد أن أندراوس استشهد في باتريا في أخائيا في القسم الجنوبي من بلاد اليونان وأنه صُلب على صليب بشكل ×، وهذا النوع من الصُلبان يُسمى الآن صليب القديس أندراوس. وضع مرقس الإنجيلي اسم أندراوس مع فيلبس وذلك ارتباطهما معا بصداقة (يوحنا 12: 20-22). أما عبارة "يَعقوبُ بْنُ زَبَدى ويوحنَّا أَخوه" فتشير إلى يعقوب ويوحنا، وهما ابنا زبدي، والمسيح أسَماهما بوانرجس Βοανηργες "ابني الرعد" أو الغضب (مرقس 3: 17)، وهو اسم يدلُّ على غيرتهما (لوقا 54:9). هذه الغيرة تحوَّلت لحماس في التبشير بالإنجيل. أمَّا عبارة "يَعقوبُ بْنُ زَبَدى" في الأصل اليوناني Ἰάκωβος مشتق من اسم عبري יעקב (معناه يعقب، يمسك العقب، يحل محل) فتشير إلى يعقوب الكبير، أحد الاثني عَشَر والأخ الأكبر ليوحنا الرَّسول (متى 4: 21). وكانت سالومة أمَّهما، أخت أمِّ يسوع (يوحنا 19: 25). فهو ابن خالة يسوع، ترك مهنة الصيد وتبع يسوع (متى 4: 21). وكان له مقامٌ خاصٌ عند يسوع، فكان من المقرَّبين منه عند إقامة ابنة يائيرس (متى 9 18-26)، وعند التجلي (متى 17: 1)، وعند نزاعه في جتسمانية (متى 26: 37)؛ ختم شهادته بالموت، لأن هيرودس أغريباس الأول أمر بقطع رأسه (أعمال الرُّسُل 12: 2). وكان ذلك على الأرجح سنة 44 م. وبذلك كان أول الرُّسُل الذين ختموا حياتهم بدم شهادتهم. أمَّا عبارة "يوحنَّا بْنُ زَبَدى" في الأصل اليوناني Ἰωάννης مشتق من العبرية יוחנן (الله يَحن) فتشير إلى ابن زبدى و(أسم عبري معناه الله أعطى)، وهو من بيت صيدا في الجليل. ويبدو أنه كان على جانب من الغنى لان أباه كان يملك عددًا من الخدم المأجورين (مرقس 1: 20)، وامّه سالومة سيدة فاضلة نقية شريكة النساء اللواتي اشترين الحنوط الكثير الثمن لتكفين جسد يسوع. وكانت على الأرجح أخت مريم أمِّ يسوع (يوحنا 19: 25). وكان يوحنا من تلاميذ المعمدان (مرقس 1: 19؛ ومن تلاميذ يسوع الأوَّلين (متى 4: 21-22). وكان وأخوه شريكي سمعان في الصيد (لوقا 5: 10). وكان معروفًا لدى قيافا رئيس الكهنة (يوحنا 18: 15). وكان أحد الرُّسُل الثلاثة المُقرَّبين من يسوع مع بطرس ويعقوب. وثق يسوع بيوحنا وأحبَّه بنوع خاص، ودليل ذلك من تسميته له "بالتلميذ الحبيب". وظل يوحنا أمينًا ليسوع: في الليلة التي أسلم فيها سيده، تبعه على دار رئيس الكهنة، عن قرب، وعند الصليب ظل أمينًا، فأوصاه يسوع بالعناية بأمِّه، وعندما قصد القبر الفارغ في بكر يوم القيامة، كان أولَّ من آمن بقيامة المسيح (يوحنا 20: 1 -10). نعرف أن يوحنا كان أحد أعمدة الكنيسة في أورشليم إلى جانب يعقوب وبطرس، يوم زارها بولس الرسول على أثر رحلته التبشيرية الأولى، ويوم بدأت أول عاصفة من عواصف الاضطهاد تثور ضدها (أعمال الرُّسُل 15: 6). ولدينا في العهد الجديد خمسة أسفار نسبت إلى يوحنا وهي: الإنجيل الرابع، والرسائل الثلاث، وسفر الرؤيا. ويقول التقليد أن يوحنا نادى بالإنجيل في آسيا الصغرى، ولاسيما في أفسس. وبموجب هذا التقليد تكون الكنائس السبع في آسيا الصغرى قد تمتعت برعايته واهتمامه (رؤيا 1: 11). وقد نُفى أثناء الاضطهاد الذي حدث في حكم الإمبراطور الروماني دوميتيانوس إلى جزيرة بطمس. وهناك تجلت عليه الرؤيا وأوحى إليه بكتابتها. وعندما تبوأ الإمبراطور "نيرفا" العرش سنة 96 ب.م. أطلق سراحه، فرجع إلى أفسس. وكان بوليكاربوس، وأغناطيوس من تلاميذه. ويقول ايرونيموس أن يوحنا توفي في أفسس 98م. في حكم الإمبراطور تراجان.



10: 3 ففِيلِبُّس وبَرتُلُماوُس، فتُوما ومَتَّى الجابي، فيَعقوبُ بْنُ حَلْفى وتَدَّاوُس،



يشير عبارة "فِيلِبُّس" إلى اسم يوناني Φίλιππος (معناه مُحبُّ للخِيل) فيشير إلى أحد الرُّسُل الاثني عَشَر (متى 10: 3). وكان من بيت صيدا على بحيرة طبرية، مدينة أندراوس وبطرس. التقى به يسوع أولًا في بيت عنيا عبر الأردن حيث كان يوحنا يُعمِّد، فدعاه فتبعه. ووجد فيلبس نثنائيل فجاء به إلى يسوع ثقة منه بأن مقابلة واحدة منه مع السيد تقنعه أنه هو المسيح (يوحنا 1: 43-49). وبعد ذلك بسنة اختاره يسوع ليكون تلميذًا له. وعندما أراد إطعام الخمسة الآلاف امتحن أولًا فيلبس وسأله: "من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء؟" (يوحنا 6: 5، 6). ويوم دخول يسوع اورشليم منتصرًا جاء بعض اليونانيين يريدون مقابلته، فأوصلهم فيلبس إليه (يوحنا 12: 20-23). وعندما كلم يسوع تلاميذه مُبيِّنًّا لهم أنهم قد رأوا الآب لم يفهم فيلبس الكلام على ما يظهر، فقال ليسوع: "يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا" يوحنا 14: 12). وكان أحد الرُّسُل المُجتمعين في العِليَّة بعد القيامة (أعمال الرسل 1: 13). ويقول يوسابيوس مؤرخ الكنيسة أن فيلبس قد دفن في هيرابوليس في آسيا الصغرى. أمَّا عبارة "بَرتُلُماوُس" اسم يوناني Βαρθολομαίος مشتق عن الآرامية תולמי‎‎‎‎‎-בר ومعناه "ابن تولماي" كنية أو لقب لنثنائيل) فتشير إلى نتنائيل المذكور في إنجيل يوحنا (21: 2). ويرّجح أن اسم برثولماوس ورد في الكتاب المقدس مع اسم فيلبس، لأن فيلبس هو الذي آتى به إلى المسيح (1: 45-51). ويقول التقليد أنه بشر في الشرق وأنه مات شهيدًا بانتزاع جلده. أمّا عبارة "تُوما" في الأصل اليوناني Θωμάς (مشتق من اسم أرامي תומאס معناه "توأم") فيشير إلى أحد الاثني عَشَر رسولًا، وكان يُسمى التوأم، والظاهر انه كان ذا مزاج سوداوي. ومحبة توما ليسوع قال:" لِسائِرِ التَّلاميذ: فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضاً لِنَموتَ معَه"(يوحنا 11: 16). هو التلميذ الذي طرح على يسوع سؤال حول الطريق: " يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟ "(يوحنا 14: 5)، طلب أن يرى أثر المسامير والحربة (يوحنا 20: 24) لأنه شكَّ في قيامة المسيح من الموت (يوحنا 20: 25). ويُعلق أوغسطينوس "توما شكَّ على أنه لا يجب أن نشك نحن". وبعد ثمانية أيام أراه المسيح الجروح التي في يده وجنبه. أَجابَه توما:" رَبِّي وإِلهي!"(يوحنا 20: 28). وكان على بحر الجليل مع ستة آخرين من التلاميذ لما ظهر لهم يسوع بعد قيامته (يوحنا 21: 2)، وكان أيضا مع بقية التلاميذ في العِليَّة في اورشليم بعد الصعود (أعمال الرُّسُل 1: 13) ويفيد التقليد أن تُوما كان بعد ذلك عاملًا في برثيا والفرس، ويَعتقد أنَّ الرسول توما بشر في الهند إلى أن مات شهيدًا. أمَّا عبارة "مَتَّى الجابي" فتشير إلى العشَّار، أي جابي الضرائب، وذكره الإنجيل اسمه مع صفته (متى (9: 13). اسمه الأصلي في اليوناني Ματθαῖος مشتق من الاسم العبري מתתיהו "مثتيا" (معناه "عطية الله"، أو "عطية مِنْ الله)، وهو أحد الاثني عَشَر رسولًا وكاتب الإنجيل المنسوب إليه وسُمِّي أيضًا لاوي بن حلفى (مرقس 2: 14). وكان في الأصل عشارا أي جابيًا في كفرناحوم. وكانت وظيفة الجباية مُحتقرة بين اليهود إلا أنها أفادت متى خبرة بمعرفته الأشغال. يُذكر أنه كان من جملة الذين اجتمعوا في العِليَّة بعد صعود المسيح (أعمال 1: 13). ويرّجح أنه هو كاتِب الإنجيل الأول. أمَّا عبارة "يَعقوبُ بْنُ حَلْفى" (يعقوب اسم عبري معناه "يعقب"، "يمسك العقب"، "يحِل محل") فيشير إلى أحد الاثني عشر أيضًا. ربما لقب بـ "الصغير" نظرًا لصغر قيمته (مرقس 15: 40). وهو معروف باسم يعقوب أخو الرَّب، ابن كلوبا، وأمه مريم كانت إحدى النساء اللواتي رافَقْنَ المسيح. أخوه يوسي. ولربما كان لاوي، أي متى ابن حلفى المذكور في (مرقس 2: 14) أخًا آخر له. ولكن مما لا شك فيه أن يعقوب هذا كان من عائلة مسيحية معروفة. ومن الجدير بالذكر أن هذا هو الرسول الوحيد في بداية العصر المسيحي الذي كان أسقفًا على أورشليم، وبعد استشهاده حلَّ محله أخيه يهوذا ابن حلفى. أمَّا عبارة "تَدَّاوُس" فتشير إلى أحد التلاميذ الاثني عَشَر. ويُدعى لبّاؤس في إنجيل متى، وتداوس في إنجيل مرقس، ويهوذا بن يعقوب في إنجيل لوقا (لوقا 6: 16). ولم يُسجل عنه سوى سؤاله للرب يسوع في أثناء العشاء الأخير: "قالَ له يَهوذا، غَيرُ الإِسخَريوطيّ: "يا ربّ، ما الأَمرُ حتَّى إِنَّكَ تُظِهرُ نَفْسَكَ لَنا ولا تُظهِرُها لِلعالَم؟" (يوحنا 14: 22).



10: 4 فسِمعانُ الغَيور ويهوذا الإِسْخَريُوطيّ ذاكَ الَّذي أَسلَمَه



تشير عبارة "سِمعانُ" في الأصل اليوناني Σίμων مشتق من اسم عبراني שמעון (معناه مستمع) إلى عضو في الحزب الوطني المعروف باسم الغيورين. وكان الحزب قد قاوم هيرودس الكبير وكان مستعدًا لأنْ يُقاوم بقوة السلاح كل حُكم أجنبي. ولقبه "الغَيور" في الأصل اليوناني Καναναῖος (القانوي هي تعريب للكلمة العبرية הַכְּנַעֲנִי معناها الغيور)، وهي اسم كان يُطلَق على أعضاء حركة سياسية قومية (متطرفة) نَمَت في القرن الأول الميلادي تحديداً عام 6م وأول من قادها شخص يُدعى يهوذا الجليلي، وهي حركة "الغيورين" أو "القانويين" ويُقصَد بها الغيورين على الشريعة والهوية اليهودية للدولة، وكانت تدعو أهالي مناطق يهودية أورشليم والجليل إلى التمرد على السُلطة الرومانية المستعمِرَة، وطردهم من فلسطين بقوة السلاح. الغيور هو ذاك الذي يستعمل سيفًا أو خنجرًا صغيرًا لاغتيال العدو به. من المحتمل أنَّ سِمعان كان ينتمي في وقتٍ سابق إلى هذه المجموعة من الغيورين، قبل أن يتعرّف على يسوع. هنا نفهم أن يُوضع سمعان الغيور مع اسم يهوذا الإِسْخَريُوطيّ لأن متى الإنجيلي اعتبر سمعان الغيور خان الأيديولوجيا التي أرادها لحياته (متى 17: 24-27). ويُقال إنه هو عريس عُرس قانا الجليل الذي حدثت فيه أولى معجزات الرب يسوع المسيح (يوحنا 2: 12). بحسب التقليد، فإن سمعان الغيور زار مصر مُبشِّراً لفترة بسيطة، ومن بعدها لبنان وأرمينيا، ثم اتجه بصحبة يهوذا تداوس الرسول إلى بلاد فارس وقد بشّراها بملكوت المسيح، واستشهدا معاً فيها، ويُذكَر أن سمعان الغيور استشهد عام 65م، بتقطيع جسده بمنشار ضخم وحاد، وهي أحد الميتات الشديدة العذاب والبشاعة. أن رفاتهما محفوظة في سرداب كنيسة القديس بطرس في روما تحت أحد المذابح الرئيسية المكرسة للقديس يوسف العفيف. أمَّا عبارة "يهوذا الإِسْخَريُوطيّ " يهوذا اسم عبري יהודה (معناه يحمد) ولقبه الإِسْخَريُوطيّ فيشير لقبه إلى عدة تفسيرات منها: אִישׁ־קְרִיּוֹת أي رجل من "قريوت"، وهي قرية في شمالي فلسطين (يشوع 15: 25)، أو من الآرامية םכריוטא" معناها كيس الدراهم) أي الشخص الذي يحمل كيس الدراهم، وهذه الراي الأرجح، أو من العبرية אִישׁ־קְרִה معناه تعني قاتل أو ذَبَّاحْ) أي الشخص الذي ِشُنق. أو اللاتينية Scariotes تعادل "الغيور"، وهذا التفسير يُساعدنا، بحسب أصحاب هذا الرأي، على تفهّم خيانة يهوذا ليسوع رافضاً عقائدية الغيورين (متى 17: 24-27)، أو "الإِسْخَريُوطيّ كلمة مشتقة من أصل آرامي (معناه كاذب) وهي صفة مُهينة أطلقت على الخائن بعد خيانته، أي "ذاكَ الَّذي أَسلَمَه. اختار السيد المسيح من ضمن التلاميذ يهوذا الذي خانه، لذلك على كل خادم أو راعي أن يحذر لئلا يسقط "فمَن ظنَّ أَنَّه قائم، فلْيَحذَرِ السُّقوط"(1قورنتس 10: 12). إن إسماء الاثني عَشَر مُرتَّبة في ستَّة أزواج، وهي ربما تتوافق مع التنظيم الذي به أُرسلوا في مهمتهم (مرقس (3: 1). دعا يسوع أناسا من مختلف المِهن: صيادي سمك، مشتغلين بالسياسة، جباه ضرائب، فقراء، ومتعلمين غير متعلمين. الله يستطيع أن يستخدم أي إنسان مهما كان، لحمل رسالة البشرى السارة. ولم يهتم يسوع بالبحث عن أشخاص مثقفين ولكن عن أشخاص مُستعدِّين وقادرين على إتباعه حتى النهاية. ففي المسيح يسوع اجتمع هؤلاء جميعًا ليتقدّسوا معًا كأعضاء بعضهم لبعض يعملون بروحٍ واحدٍ للكرازة بالإنجيل الواحد، المسيح غَيَّر منهم وأرسلهم ليُغَيِّروا الناس ويصبح الكل خليقة جديدة. وكان عملهم الأساسي هو طرد الأرواح النجسة وشفاء المرضى.



10: 5 هؤلاءِ الاثنا عَشَر أَرسلَهُم يسوع وأَوْصاهم قال: ((لا تَسلُكوا طَريقاً إِلى الوثَنِيِّين ولا تَدخُلوا مَدينةً لِلسَّامرِيِّين



تشير عبارة "أَرسلَهُم" إلى الرسل الآثني عشر الذي أرسلهم يسوع لتبشير اليهود. هي الرسالة الوحيدة التي تنطلق من الآب وتعود إلى الآب. يسوع هو المرسَل من قبل الآب (يوحنا 3: 17). يَصح فيهم المبدأ القائل إنَّ الرسول مثل مُرسله، والمُرسَل على مستوى المُرسِل (متى 15: 24). هؤلاء الاثنا عَشَر دعاه يسوع واختارهم وأرسلهم. ثلاثة أفعال تدلّ على مصدر إلهيّ واحد. أمَّا عبارة "أَوْصاهم" في الأصل اليوناني ἀπέστειλεν فتشير إلى السيّد المسيح الذي يتكلَّم كقائد أعلى لأتباعه أن يتهيؤوا للجهاد الروحي المُستمر والقتال ضدّ الشيطان والقوات الروحيّة الشرّيرة (أفسس 6: 10-12)، أو يتكلم كمعلم مع تلاميذه ليحملوا فِكرَه، أو كملك الذي يرسل سفراءه، يحملون سماته شهادة حق له، ويُعلنون دستوره الروحي في حياتهم كما في كرازتهم. ويعلق كتاب التّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة "استودع الرَّبُّ يسوع هؤلاءِ الاثنا عَشَر رسالة الخلاص التي أتمّها، ومعهم انطلق التّقليد الرَّسولي الحيّ، وهو أنّ المسيح الذي فيه اكتمل كلّ الوحي الإلهيّ، وأعلن إنجيل الخلاص بفمه، أمرهم بإعلانه لجميع النّاس، كمصدر لكلّ حقيقة خلاصيّة، وكقاعدة أخلاقيّة للحياة. ومنحهم لهذه الغاية مواهبه بالرّوح القدس (كتاب التّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، 75). أمَّا عبارة "لا تَسلُكوا طَريقاً إِلى الوثَنِيِّين ولا تَدخُلوا مَدينةً لِلسَّامرِيِّين" فتشير إلى أول وصية بان لا يقصدوا التلاميذ أرضًا وثنيَّة، بل يلبثوا في حدود شعب إسرائيل. كان في الجليل مدن يونانية يعيش سكانها في عزلة عن اليهود، وكان اليهود والسَّامريُّون في بغضة شديدة لبعضهم البعض. لذلك أرسلهم السيد المسيح أولًا إلى اليهود، حتى لا يكون لليهود عذر في رفضهم للمسيح. ولكن بعد صلب اليهود للمسيح ورفضهم لتلاميذه وبعد حلول الروح القدس على التلاميذ أرسل الرب يسوع تلاميذه للأمم وللسامريين بقوله: "اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس"(متى 28: 19). أمَّا عبارة "الوثَنِيِّين" في الأصل اليوناني ἐθνῶν (معناها الأمم) فتشير إلى كل من ليس يهوديًا. أمَّا عبارة " اِلسَّامرِيِّين" فتشير إلى السَّامريِّين الذين هم موضوع احتقار لدى اليهود، وهم بدورهم يحتقرون اليهود. والسّامريون هم شعب من نتاج التزاوج المختلط بين اليهود والأمم بعد سبي إسرائيل في العهد القديم منذ سقوط السامرة في السنة 721 ق.م، (2 ملوك 17: 24)؛ وكان لهم هيكلهم الخاص في جبل جرزيم (يوحنا 4: 20)، وكان عَداء بينهم وبين اليهود، لكن ردم يسوع هذا العداء شيئًا فشيئًا (لوقا 10: 30-37، ويوحنا 4: -48، أعمال الرُّسُل 1: 8). بعد القيامة وقبل الصعود، يُرسل يسوع تلاميذه إلى جميع الأمم (متى 28: 19) إلى اليهودية والسامرة (أعمال الرُّسُل 1: 8) والى أقاصي الأرض. هذه هي مهمَّة المُرسَلين اليوم. الرّسالة الحقيقيّة تبدأ في الداخل ثمّ تنطلق إلى الأبعد.



10: 6 بَلِ اذهَبوا إِلى الخِرافِ الضَّالَّةِ من بَيتِ إِسرائيل



تشير عبارة "اذهَبوا إِلى الخِرافِ الضَّالَّةِ من بَيتِ إِسرائيل" إلى طلب يسوع من تلاميذه في بدء كرازتهم تحديد لهم منطقة الكرازة "بالأمة اليهوديّة" دون أن يتجاوزوها إلى مدينة للسَامريّين أو طريق الأمم، على أنه قبيل صعوده أعلن لهم حدود الكرازة بقوله في نفس الإنجيل: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم" (متى 28: 19). وهذا ما حدث، فقد كرز التلاميذ والرُّسُل بالبشارة عن المسيح القائم في كل جهات الإمبراطورية الرومانية. رسالة الخلاص التي أتى بها يسوع هي لكل الناس، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو القومية (أعمال الرُّسُل 10: 34-35، رومة 3: 29). لم يكن هذا تحيزًا لليهود على حساب الأمم، وإنما لكيلا يتشكّك اليهود في رسالته المسيحانيّة، فإذا ما رفضوه ينفتح الباب للأمم، وإن كان السيّد المسيح نفسه لم يَحرم السَامرة من خدمته وبعض الأمميّين من التمتّع ببركات نعمه. أمَّا عبارة "الخِرافِ الضَّالَّةِ من بَيتِ إِسرائيل" فتشير إلى اعتبار يسوع أن شعب إسرائيل ضال، يشبه خرافًا لا راعي لها (متى 9: 36)، لذلك يذهب إليه الرُّسُل أولا، ويعلنون له اقتراب مَلَكوت السماوات (متى 3: 2).



10: 7 وأَعلِنوا في الطَّريق أَنْ قَدِ اقتَرَبَ مَلَكوت السَّمَوات



أمَّا عبارة "اقتَرَبَ مَلَكوتُ السَّمَوات" فتشير إلى نفس ما قاله المعمدان (متى 2:3) وقاله السيد المسيح بنفسه (متى17:4). فالمسيح جاء لتأسيس مَلَكوته الروحي في القلوب التائبة. القلب التائب يستطيع أن يملك الرب يسوع عليه، ولكن القلب غير التائب والمعاند لن يُمكنه ذلك. لذلك كانت رسالة المعمدان ثم رسالة المسيح نفسه هي "توبوا" (متى 2:3، 17:4). وحينما يملك الله على القلب يعيش الإنسان في فرح، والعكس فحينما يملك إبليس يشيع الحزن والكآبة في القلب. ولأن مَلَكوت السَّمَوات فرح يقول المسيح لهم اكرزوا بأن الفرح الآن متاح لكم. أمَّا عبارة "اقتَرَبَ" فتشير إلى مَلَكوت السَّمَوات الذي أصبح قريبًا وحاضرًا في شخص يسوع وتعليمه وأعماله. يبشر يسوع بمجيء هذا المَلَكوت على وجهٍ وشيكٍ وشاملٍ. فإن مجيء المَلَكوت يتطلب التوبة، كما كان ينادي يوحنا المعمدان في البرية "توبوا، فقد اقتَربَ مَلَكوت السَّمَوات" (متى 3: 2). والتوبة المطلوبة هي التوبة العاملة فينا بالروح القدس التي تدخل بنا إلى مَلَكوت السماوات، فنحيا مع الآب في ابنه بالروح القدس، وتوَلِّد فرح الروح ومحبّته وسلامه وتنطلق بالنفس من مجدٍ إلى مجدٍ لتبلغ إلى ذروة السماويّات. فان اقتراب مَلَكوت الله هو قلب رسالة يسوع الإنجيلية. ويبشر متى الإنجيلي أنَّ هذا المَلَكوت قد "اقترب" من الناس في شخص يسوع. أمَّا عبارة "مَلَكوتُ السَّمَوات" فتشير إلى تفضيل متى الإنجيلي استعمال "مَلَكوت السَّمَوات" على استعمال "مَلَكوت الله"، جريً على عادةِ اليهود في تَجّنب لفظ اسم الله. لا تعني كلمة " السَّمَوات" أن هذا المَلَكوت سماوي، بل أن الرب الذي في السَّمَوات (متى5: 48) يملكُ على العالم. لمَلَكوت السَّموات معاني متعددة، من معانيها، مُلك الله الأبدي، أو حضور المَلَكوت في شخص يسوع، أو اقتراب المَلَكوت في شكل روحي، هو مَلَكوت كله حرية وفرح وسلام وهذا لا يشعر به سوى من انفتحت عينيه، ولن تفتح عيني إنسان يحيا في نجاسة "طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله" (متى 5: 8). وهذا المَلَكوت هو موضوع كرازة يسوع (لوقا 8: 1) وتلاميذه (لوقا 9: 2-60). هذا المَلَكوت هو واقع حاضر وهو رجاء مقبل. حاضر منذ الآن في شخص المسيح الذي بشّر بمجيء هذا المَلَكوت فيصل إلى الكنيسة، وبالكنيسة إلى العالم. وليس المَلَكوت "مكان" ندخل إليه، بل حالة نعيشها. لكن كان اليهود ينتظرون المسيح إعلان لمَلَكوته ويتوقعون مَلكا سياسيَّا وحربيًا يُحرّرهم من الحكم الروماني، ويُعيد لهم أيام حكم داود وسليمان. ولكن يسوع كان يتكلم عن ملك روحي يقضى على الشر، ويعيش الناس في سلام بعضهم مع بعض.



8:10 اِشْفوا المَرْضى، وأَقيموا المَوتى، وأَبرِئوا البُرْص، واطرُدوا الشَّياطين. أَخَذتُم مَجَّاناً فَمَجَّاناً أَعطوا.



تشير عبارة "أشفْوا المَرْضى" إلى سلطة المسيح لتلاميذه على مقدرة شفاء المرضى لتأكيد بشارتهم. نشاط الرُّسُل هو نشاط يسوع نفسه بما فيه إقامة الموتى. المسيح يعطي لتلاميذه إمكانيات جبارة للخدمة، تسندهم وتفتح الطريق أمامهم. فالناس سوف تصدقهم حينما تصاحب المعجزات كرازتهم. وبهذا يعلنوا محبة الله للبشر التي تريد لهم الشفاء والحياة، وتريد لهم الحرية من سلطان الشيطان ليملك الرب بنفسه عليهم. أما عبارة "أَخَذتُم مَجَّاناً فَمَجَّاناً أَعطوا" فتشير إلى وصية يسوع في خدمة الآخرين. يشدِّد إنجيل متى وحده على مجانية الرسالة. تسلم التلاميذ دعوتهم مجَّانًا من أجل بشرى المَلَكوت، فجَّانًا عليهم أن يحملوا هذه البشرى إلى الآخرين، وذلك كي لا يصبح جمع الأموال هدفًا لهم فيهتموا بالأغنياء ويتركوا الفقراء. وحتى لا يظنوا أنهم بقوتهم يفعلون هذا بل هم أخذوا المواهب مَجَّانًا. حيث إن الله قد غمرنا ببركاته، فيجب علينا أن نعطي الآخرين بسخاء من أوقاتنا ومحبتنا وممتلكاتنا.



ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 6: 51-59)



بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (يوحنا 6: 51-59)، نستنتج انه يتمحور حول إرسالية الرُّسُل والتوصيات الرب يسوع المسيح لهم ميزات هذه الإرسالية.



1 الإرسالية



ارتبط مفهوم الإرسالية للتبشير في العهد القديم والعهد الجديد. ارتبطت الإرسالية في العهد القديم في الأنبياء، وفي العهد الجديد ارتبطت في المسيح والرُّسُل والمرسلين.



أ) إرسالية الأنبياء



تفرض الإرسالية الإلهية وجود نداء أو دعوة من قبل الله. فالله يدعو والإنسان يستجيب. وظهرت هذه الإرسالية في دعوة الله للأنبياء الذين يتقدّمهم موسى "مِن يَومَ خَرَجَ آباؤُكم مِن أَرضِ مِصرَ إِلى هذا اليَوم، ما زِلتُ أُرسِلُ إِلَيكُم جَميعَ عبيدِيَ الأَنبِياءِ بِلا مَلَل (إرميا 7: 25). فالإرسال هو محور كلّ دعوة نبوية " كما حدث مع إرميا النبي "فإنَّكَ لِكلِّ ما أُرسِلُكَ لَه تَذهَب وكُلَّ ما آمُرُكَ بِه تَقول"(إرميا 1: 7).



على هذه الدعوة، يجيب كلّ الأنبياء، كلأٌ منهم بحسب تكوينه الخاص: نرى أشعيا يقدّم نفسه "هاءنذا، فأرسلني" (أشعيا 6: 8)، بينما يثير إرميا النبي الاعتراضات "آهِ أيُّها السَّيِّد الرَّبّ هاءنَذا لا أَعرِفُ أَن آتكم لِأَنِّي وَلَد" (إرميا 1: 6)، أما موسى فيطلب علامات تُثبت إرساليته "فقالَ موسى لله: ((مَن أَنا حَتَّى أَذهَبَ إِلى فِرعَون وأُخرِجَ بني إِسرائيلَ من مِصر؟)) قال: "أَنا أَكونُ معَكَ، وهذه علامةٌ لكَ على أَنِّي أَنا أَرسَلتُكَ: إِذا أَخرَجتَ الشَّعبَ مِن مِصر، تَعبُدونَ اللهَ على هذا الجَبَل" (خروج 3: 11-13)، إلاّ أن جميع الأنبياء في نهاية الأمر يُبدون الطاعة باستثناء حالة يونان الخاصة "فقامَ يونانُ لِيَهرُبَ إِلى تَرْشيشَ مِن وَجهِ الرَّبّ" (يونان 1: 3)، فهو يرفض إرساليته العالمية الشاملة، مستنكراً إمكانية الخلاص للأمم. فالأنبياء هم مرسلون لحثّ القلوب على التوبة والإنذار بالعقوبات، أو التبشير بالمواعيد: فيرتبط دورهم ارتباطاً وثيقاً بكلمة الله، التي هم مكلّفون بإعلانها للناس أجمعين. فتاريخ الخلاص مرتبط ويتحقق بفضل كل هذه الإرساليات.



ب) إرسالية يسوع المسيح



بعد ظهور يوحنا المعمدان، آخر الأنبياء وأعظمهم، (متى 11: 9-14)، تقدم يسوع المسيح، إلى الناس، باعتباره المُرسل من الله أو الرسول بكل معنى الكلمة، ذاك الذي تحدث عنه أشعيا "روحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَليَّ لِأَنَّ الرَّبَّ مسحني وأَرسَلَني لِأُبشِّرَ الفقراء وأَجبُرَ مُنكَسِري القُلوب وأُنادِيَ بِإِفْراجٍ عنَ المَسبِيِّين وبتَخلِيَةٍ لِلمَأسورين" (أشعيا 61: 1-2). أرسل الله أخيراً ابنه كما ورد في إنجيل مرقس "فبَقِيَ عِندَه واحِدٌ وهو ابنُه الحَبيب. فأَرسَلَه إِلَيهم آخِرَ الأَمرِ"(مرقس 12: 2-8). أرسله الآب " ليبشّر بالإنجيل" (مرقس 1: 38)، وليُكمل الشريعة والأنبياء (متى 5: 17)، وليُلقي ناراً على الأرض (لوقا 12: 49)، لا ليحمل سلامًا بل سيفًا (متى 10: 34)، لا ليدعو الأبرار، بل الخاطئين (مرقس 2: 17)، ويبحث عن الهالك فيُخلّصه (لوقا 19: 10)، ويخدم ويفدي بنفسه جماعة كثيرة (مرقس 10: 45). لذلك فإن من يقبله أو ينبذه، إنما يقبل أو ينبذ ذلك الذي أرسله (لوقا 10: 16). إن موضوع الإيمان الذي يطلبه يسوع من الناس هو أنّه مُرسل من الآب (يوحنا 11: 42). وهذا ما يتضمن في الوقت نفسه الإيمان بالابن على أنه المُرسَل (يوحنا 6: 29) والإيمان بالآب على أنه أرسله (يوحنا 5: 24).



لم يتردَّد بولس الرسول تأكيد هذه الحقيقة بان الله أرسل ابنه في ملء الزمن ليفتدينا ويمنحنا التبني قائلا: "لَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعةْ لِيَفتَدِيَ الَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعة، فنَحْظى بِالتَّبَنِّي" (غلاطية 4: 4-5). الله أرسل ابنه إلى العالم مخلصًا وكفارة عن خطايانا، حتى نحيا به كالدليل الأسمى لمحبته لنا "ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه" (1 يوحنا 4: 9). ويصبح يسوع هكذا المُرسَل الحقيقي بالمعنى الأكمل (يوحنا 9: 7)، ورسول اعتراف إيماننا كما يعلن صاحب الرسالة للعبرانيين "تَأَمَّلوا رَسولَ شَهادَتِنا وعَظيمَ كَهَنَتِها يَسوع (عبرانيين 3: 1). وبعد البحث عن إرسالية يسوع لا بدَّ أن نبحث عن إرسالية يسوع للرُّسَل، حيث يصف إنجيل اليوم مصدر هذه الإرسَالية وحدودها وتوصيات المسيح وميزاتها.



ج) إرسالية الرُّسُل



إن إرسالية الرُّسُل تنبع على الصعيد البشري من قلب المسيح الذي " أَخذَته الشَّفَقَةُ علَى الجموع لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين " (متى 9: 36). فالإرسالية هي أولا حاجة في الله الآب، رب الحَصَاد، وفي المسيح الذي اهتزت مشاعره لبؤسنا، وفي الروح القدس الذي يرسل المُرسلين، كما جاء في تعليم يسوع "فلَستُم أَنتُمُ المُتَكَلِّمين، بل رُوحُ أَبيكم يَتكَلَّمُ بِلِسانِكم" (متى 10: 20). إن إرسالية الرُّسُل ترتبط بإرسالية يسوع: "كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضاً" (20: 21). ومن هذا المنطلق، فإن إرسالية يسوع تستمر عن طريق مرسليه الاثني عَشَر أولا، ثم عن طريق التلاميذ الاثنين والسبعين ثانيًا، ثم عن طريق الكنيسة ثالثًا. لهذا السبب بالذات يحمل التلاميذ لقب المُرسَلين أو الرُّسُل.



لا عجب أن يكون المسيح القائم من الموت وحده قادرًا على إرسال أولئك التلاميذ إلى العالم كله: ذلك بأنَّه أولي "كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض" (متى 28: 18) وأنه دخل نهائيًا إلى مجد الله، وانه قادرَا على إرسال تلاميذه قائلا لهم " هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم " (متى 28: 20).



حيث أنَّ الله هو مصدر الإرسالية، فالتغلب في نقص عدد المرسلين من خلال الاعتماد على الصلاة، لانَّ الدعوة الرسولية هي نعمة مجانية من الله. وقد عبَّر القديس بولس عن ذلك بقوله "وبِنِعمَةِ اللهِ ما أَنا علَيه" (1 قورنتس 15: 10). لذا لا نستغرب من قول المسيح لتلاميذه: ((الحَصادُ كثيرٌ ولكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون، فاسأَلوا رَبَّ الحَصَاد أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه. (لوقا 10: 2).



(1) مكان إرسالية الرُّسُل



أرسل يسوع الاثني عَشَر في الإرسالية الأولى إلى منطقة الشمال، إذ لاحظ فيها قلة العملة وكثرة الحَصَاد (متى 9: 1-7)؛ وفي هذا الصدد يقول المجمع الفاتيكاني " بعد أن صلَّى الربُّ يسوع لأبيه طويلاً، دعا الذين أرادهم هو، وأقام منهم اثني عَشَر ليكونوا معه ويُرسلهم يبشرون بمَلَكوت الله (متى 10: 1 -42). لقد جعلهم رسله (لوقا 6: 13)، لقد أرسلهم أولاً إلى أبناء إسرائيل ومن ثم إلى كل الأمم (رومة 1: 16)، حتى يتلمذوا كل الشعوب، بالسلطان الذي أشركهم فيه، فيقدسوهم ويدبروهم (متى 28: 16 -20) (نور الأمم، 19).



أمَّا في الإرسالية الثانية، فانه أرسل أعدادًا مضاعفة من تلاميذه إلى المنطقة الجنوبية التي كان مزمعا أن يجتاز فيها (لوقا 10: 1-2). وعند ظهور المسيح للرسل بعد القيامة يرسلهم "اذهبوا…". فهم يذهبون إذاً ليبشروا بالإنجيل (مرقس 16: 15)، وليتلمذوا جميع الأمم (متى 28: 19)، وليقدّموا شهادتهم في كل مكان (أعمال الرُّسُل 1: 8). وبذلك تبلّغ إرسالية الابن فعلاً إلى جميع الناس، بفضل إرسالية رسله وتلاميذه وكنيسته.



(2) توصيات الإرسالية للرُسُل



أرسل يسوع الاثني عَشَر في الإرسالية الأولى إلى منطقة الشمال لقلة العملة وكثرة الحَصَاد (متى 9: 1-7)؛ وقبل إرسال تلاميذه للتبشير في حقل الرب أعطى يسوع لرسله بعض التوصيات. وهذه التوصيات ليست توصيات عقائدية تتطرق إلى مضمون الإيمان الذي ينبغي تعليمه، بل إلى تعليمات عملية، لان رسالة يسوع هي أولا حدث خلاصي.



التوصية الأولى: إعلان مَلَكوت السَّمَوات



أوصى يسوع رُسُله في الإرسالية الأولى "أَعلِنوا في الطَّريق أَنْ قَدِ اقتَرَبَ مَلَكوت السَّمَوات (متى 10: 7). يخصّص يسوع لمَلَكوت الله المكان الأول في كرازته. فما يعلنه في تخوم الجليل هو بشارة المَلَكوت السعيدة (متى 4: 23، 9: 35)، يدعو مرقس هذا المَلَكوت "مَلَكوت الله"، ويدعوه متى تمشياً مع تقاليد الأسلوب الرَّباني "مَلَكوت السماوات". إن مَلَكوت الله (أو مُلك الله) قد اقترب": ذلك هو الموضوع الأول لكرازة يوحنا المَعْمدان (متى 3: 1) وكرازة يسوع (متى 4: 17). يرتبط موضوع مَلَكوت الله وملك يسوع أحدهما بالآخر أوثق ارتباط، لأن المسيح المَلك هو أبن الله، ذاته ومكانة يسوع هذه في وسط سر المَلَكوت.



ملكوت الله هو دخول الله في حياة الإنسان، والإنسان في حياة الله، أي الاتحاد بين الله والإنسان كما يقول يسوع “فها إِنَّ مَلكوتَ اللهِ بَينَكم " (لوقا 17: 21). إنّه ملكوت القداسة والسّلام. وانطلاقـًا من هذا الاتحاد بالله، ومن السّلام في داخل الإنسان، تبدأ رسالة بناء ملكوت الله في المجتمع البشريّ. وهو ملكوت المحبّة والحقيقة والعدالة والحريّة والتضامن والتكامل.



إن مَلَكوت الله حقيقة سرِّية لا يستطيع أن يُطلعنا على طبيعتها إلا يسوع وحده. على أنه لا يكشفها إلاَّ إلى المتواضعين والصِّغار، وليس لحكماء هذا العالم وأذكيائه (متى11: 25). والمَلَكوت قائم الآن. ابتدأ التبشير في الملكوت مع يوحنا المعمدان، وافتتح عصر المَلَكوت مع المسيح (متى 9: 37-39)، إنه زمن الحَصَاد (متى 9: 37-39). إلا أن الأمثال عن النمو الزرع (متى 13: 3-30)، حبة الخردل (متى 13: 31-32)، الخميرة (متى 13: 33-35)، الزؤان والزرع الطيب (متى 13: 36-43)، الشبكة (متى 13: 47-50) تدعو إلى مهلة ما بين افتتاح المَلَكوت هذا في التاريخ، وبين تحقيقه كاملاً، فإنما الآن " لا يزال المَلَكوت في خضم جهاد عنيف "مُنذُ أَيَّامِ يُوحنَّا المَعْمَدانِ إِلى اليَومِ مَلَكوتُ السَّمواتِ يُؤخَذُ بِالجِهاد، والمُجاهِدونَ يَختَطِفونَه"(متى 11: 12)، والقوم يُريدون منعه من الانتشار الذي تؤتيه له الكرازة الإنجيلية.



لا يستطيع أحد أن يصير تلميذاً ليسوع، إلا إذا ما اهتدى، واعتنق طابعاً مختارًا ما يقتضي المَلَكوت. فالمطلوب ممن يريد أن يدخل المَلَكوت ويرثه: روح الفقر (متى 3:5) روح الطفولة الروحية (متى 18: 1-4) والجهاد في سبيل مَلَكوت الله وبرِّه (متى 6: 33)، واحتمال للاضطهادات (متى 5: 10). وتضحية بكل ما نملك (متى 13: 44-46)، وكمال أعظم من كمال الفِرّيسيِّين (متى 5: 20)، وبعبارة موجزة إتمام مشيئة الآب (متى 7: 21)، ولاسيما فيما يتعلق بشؤون المحبَّة الأخوية (متى 25: 34). والجميع مدعوِّين، إلا أنهم لن يكونوا جميعاً مختارين: فسيطرد من الوليمة المَدعو الذي لا يرْتدي حُلَّة العُرس (متى 22: 11-14).



التوصية الثانية: شفاء المرضى



الوصية الثانية التي أوصاها يسوع إلى رُسُله هي: " اِشْفوا المَرْضى" (متى 10: 8). يوصي يسوع تلاميذه المُرسلين بعمل الخير وإبعاد الشر والمؤاساة ومساعدته في الشفاء" اشفْوا المَرْضى فيها وقولوا لِلنَّاس: قَدِ اقتَرَبَ مِنكُم مَلَكوتُ الله. (لوقا 10: 9). يرى يسوع في المرض شراً يعانيه البشر، كنتيجة للخطيئة، ودليلاً على تسلّط الشيطان عليهم (لوقا 13: 16). فالمرض هو رمز للحالة التي يوجد فيه الإنسان الخاطئ. فشفاء المرضى يعني انتصار يسوع الشيطان وإقامة مَلَكوت الله في حياة الدنيا. لذا أشرك يسوع رُسُله وتلاميذه في سلطان شفاء المرضى (متى 10: 1)، وذلك لتأييد بشارتهم بالإنجيل (مرقس 16: 17-18).



والمعجزات التي تصحب الكرازة مثل إحياء المَوتى، وتبرئة البُرْص (متى 10: 8) ما هي إلاَّ علامات لقيام المَلَكوت. وبمجيء المَلَكوت ينقضي تسلُّط إبليس، والخطيئة، والموت، على البشر: " إِذا كُنتُ أَنا بِروحِ اللهِ أَطرُدُ الشَّياطين، فقد وافاكُم مَلَكوت الله" (متى 12: 28).



يذكر سفر أعمال الرُّسُل في مواقف متعددة معجزات الشفاء التي تظهر قوة اسم يسوع وحقيقة قيامته، منها: شفاء بطرس الرسول للمُقعد عند باب الهيكل في اورشليم (أعمال الرُّسُل 3: 1-3)، وشفاء الشَّماس فيلبُّس لمجموعة من المَمْسوسين والمُقْعدين والكُسحان في السَّامرة (أعمال الرُّسُل 8: 7)، وشفاء بطرس الرَّسول للمُعقد أيناس في اللد (أعمال الرُّسُل 9: 32-34)، وشفاء بولس الرسول لكسيح مقعد في لسترة في تركيا حاليًا (أعمال الرُّسُل 14: 8-10)، وشفاء بولس الرسول لابي حاكم جزيرة مالطة الذي كان مُصاب بالحِمَّى والدوسنطاريا (أعمال الرُّسُل 28: 8-9). ويُعلق أغناطيوس الأنطاكي على توصية المُرسلين لشفاء المرضى بقوله " إن خدمة المرضى هي خدمة يسوع نفسه في أعضائه المتألمة وسوف يقول يوم الدينونة: مَريضاً فعُدتُموني" (متى 25: 36). فالمريض هو صورة المسيح يسوع وعلامته الظاهرة".



3) ميزات الإرسالية للرُسُل:



لم يكتفِ يسوع بتقديم توصيات لرسله بخصوص إرساليتهم فحسب، إنَّما كشف لهم أيضا ميزات الإرسالية واهمها: المجانية، والشمولية، والحسم:



(أ) إرسالية مجانية:



مبادرة الإرسالية هي الله، فلا بد تعالى أن يرسل عملة لحَصَاده. ويسوع هو الذي أطلق المبادرة، لانَّ أحشاءه تحرّكت أمام شقاء الناس. والمُرسل يتم ّ اختياره مجانًا، لا بسبب استحقاقاته. أخذ كل شيء مجانًا، فمجانًا عليه أن يعطي ما أخذه. والمجانيّة طريقة حياة الملكوت. والمُرسَل لا يملك شيئا على مثال سيِّده، لا أمن له سوى سلطة مُعلمه هي التي يُعبَّر عنها خلال أقواله وأفعاله، وبأن الآب هو الذي يسهر عليه، وان روحه هو الذي يلهمه. وتعني كلمة مستحق هنا أن الإنسان هو كله تقبُّل لعطية الله هذه.



لا وجود ولا مصير للمُرسَل إلا وجود سيّده ومصيره، ولا بدّ أن يتألم ويناقَض، كما تألم ونُوقض سيُّده. ينبغي ألاّ ينخدع المُرسَل بخصوص المَصير الذي ينتظرهم: "ما كانَ الخادِمُ أَعظِمَ مِن سَيِّدهِ ولا كانَ الرَّسولُ أَعظَمَ مِن مُرسِلِه" (يوحنا 13: 16)، وكما عامل العالم السيد، هكذا سيعامل عبيده (متى 10: 24-25). ويرسل يسوع مرسَليه "كالخِرافِ بَينَ الذِّئاب" (متى 10: 16). إنه يعلم أن "الجيل الفاسد" سوف يضطهد مَن يُرسلهم وسوف يسلمهم إلى الموت "مِنْ أَجْلِ ذلك هاءَنَذا أُرسِلُ إِلَيْكُم أَنبِياءَ وحُكَماءَ وكَتَبَة، فَبَعضَهم تَقتُلونَ وتصلِبون، وبَعضَهم في مَجامِعِكم تَجلِدون ومن مَدينَةٍ إِلى مَدينَةٍ تُطارِدون" (متى 23: 34).





(ب) إرسالية شاملة:



أوصى يسوع رسَله الاثني عَشَر: "لا تَسلُكوا طَريقاً إِلى الوثَنِيِّين ولا تَدخُلوا مَدينةً لِلسَّامرِيِّين، بَلِ اذهَبوا إِلى الخِرافِ الضَّالَّةِ من بَيتِ إِسرائيل" (متى 10: 5-6). يظهر يسوع هنا بمظهر مسيح شعبه. وإذا اعترف به هذا الشعب، عاد فأصبح وسيلة تُمكِّن جميع الشعوب من لقاء الله.



لا شك أن عبارة "لا تَسلُكوا طَريقاً إِلى الوثَنِيِّين ولا تَدخُلوا مَدينةً لِلسَّامرِيِّين" تعني مكان جغرافي لكن خدمة يسوع الرَّسوليَّة في طرق إسرائيل تبقى مثالا لكل خدمة رسوليّة.



في الزمن الذي كتب فيه متى إنجيله، أعاد المسيحيُّون تفسير كلمة إسرائيل بمعنى جديد. كان لهذه الكلمة معنى جغرافي أو عرقي، لكنها اتخذت معنى لاهوتيًا، فدلَّت على جميع الذين يرون أو سيرون في يسوع إتمام مشيئة الله الخلاصية. فإسرائيل الحقيقي هو جماعة المؤمنين، سواء جاؤوا من الدين اليهودي أم من الوثنية. فالرسالة هي شاملة، لان يسوع سلَّم كامل سلطانه إلى الاثني عَشَر، ومن خلالهم إلى التلاميذ في المستقبل. وان التلاميذ " لن ينهوا التجوال في مدن إسرائيل قبل نهاية العالم، كما تنبأ يسوع "الحَقَّ أَقولُ لكم: لن تُنُهوا التَّجْوالَ في مُدُنِ إِسرائيل حتَّى يأتيَ ابنُ الإِنسان (متى 10: 23).



(ج) إرسالية حاسمة



المعاملة التي يعاملون بها المرسلون سوف تعود على يسوع المسيح نفسه، وبالتالي على الآب السماوي، كما جاء في تعليم يسوع: "مَن سَمِعَ إِلَيكُم سَمِعَ إِليَّ. ومَـــن أَعرَضَ عَنكم أَعرَضَ عَنِّي، ومَن أَعــــرَضَ عَنِّي أعرَضَ عَنِ الَّذي أَرسَلَني" (لوقا 10: 16)، "ومَن قَبِلَ الَّذي أُرسِلُه قَبِلَني أَنا، ومَن قَبِلَني قبِلَ الَّذي أَرسَلَني" (يوحنا 13: 20).

يظهر يسوع بمظهر حضور المَلَكوت الذي على الإنسان أن يكون له أو عليه. هذا الاختيار الحاسم، يجب على التلميذ، وعلى كل مؤمن مرُسَل، أن يقوم به أولا، ثم يُبشر الآخرين على القيام به بحضوره وعمله.



ولم يعتمد المرسلون والمبشّرون بالإنجيل على قواهم البشرية وحدها للقيام بهذه المهمة الإرسالية، وإنما يؤدّون مهمتهم بقوة الروح القدس. وقد أوضح يسوع دور الروح القدس بقوله " المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم. "(يوحنا 14: 26)





خلاصة



وهنا يصف إنجيل متى الإرساليَّة الأولى الخاصة بالاثني عَشَر رسولاً (متى 9: 36-10:8). أوكل الرب إليهم عملاً كبيراً جدّا للتبشير لليهود، في الوقت الذي يقلُّ فيها العملة، وهي احدى الفقرات الأساسية في الإرسالية في العهد الجديد. ثم قام في الإرساليَّة الثانية الخاصة بالتلاميذ الاثنين والسبعين التي تمثِّل تبشير الأمم (لوقا 10: 1-17). ثم إرسالية التلاميذ الثالثة في السَّامرة (يوحنا 4: 35-38). فرسالة الإنجيل ليست مقصورة على اليهود، إنما هي موجّهة للأمم الوثنية أيضا.



وفي هذا الموضوع لا بد من التوقف عند كلمة البابا الراحل خادم الله يوحنا بولس الثاني، أثناء استقباله أساقفة التشاد حين قال لهم: "أدعوكم مع مؤمنيكم إلى رفع الصلاة، كي يُرسل الله عملة صالحين إلى كرمه، عملة لا يتكلون على المال، ولا يطمئنون إلى الزاد ولا ينتعلون حذاء خوفًا على صحتهم ولا يتوقفون في الطرقات للسلام والكلام وإضاعة الوقت."



المسيحي هو رسول في خدمة سرِّ البُشرى السَّارة، في كل مكان، ولذلك يتوجب عليه أن يُمهِّد السبيل لدخول الرب وحلوله في كل منزل، وقرية، ومدينة، وبلد، وقارة. فالرِّسالة ليست حكرا على الرُّسُل وخلفائهم الأساقفة والكهنة والشمامسة، إنها واجب كل مُعمَّد في الكنيسة. كلّنا نشكّل جزءاً من فريق الرسالة هذا، إذ كلّ مُعمّد يحمل في طبيعة معموديّته دعوة الرّب له للانطلاق، والمشاركة في الحَصَاد وإعلان إنجيل الرّب. دعوتنا نحن اليوم تقوم على إعلان حبّ الرّب لكلّ إنسان، مهما كان لونه وأصله ومعتقده؛ ولإعلان إنجيل السَّلام والعدل والرحمة



دعاء


نرفع الصلاة إلى الآب السماويّ، أب كلّ رحمة، فحوّل قلوبنا إليك، فلا نفتّش سوى عن السَّلام الحقّ الّذي تهبه لنا، لكي نسعى إلى الخير الحقيقيّ والوحيد، والسلام الحقيقيّ والوحيد، فتصبح حياتنا بأكملها مكّرسة لمجد اسمه ولإعلان إنجيل المَلَكوت، إنجيل السلام والحبّ والخلاص، بشفاعة مريم أمّ وسلطانة الرُّسُل والقدِّيسين. آمين.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
توصيات الإرسالية للرُسُل
أرسل يسوع في الإرسالية الثانية، أرسل أعدادًا مضاعفة
أرسل يسوع الاثني عَشَر في الإرسالية الأولى إلى منطقة الشمال
فمنطقة عمل هذه الإرسالية أوسع جغرافيًا من الأولى
توصيات يسوع في الإرسالية (البعثة التبشيرية)


الساعة الآن 05:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024