رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اِفْتَح لي أبوابَ التّوبَة أيها الأحبّةُ جَميعًا في الْمسيحِ يسوع، في هذا الأحدِ مجموعةُ أمثالٍ ضَرَبَها السّيدُ الْمسيح، تَتَحدّثُ عَن حَقيقةِ واقِعنا مع الله! فَنَحنُ بينَ مَدِّ العَودةِ إليهِ، وَجَزْرِ الابتعادِ عَنه. بينَ الهُدَى والاستِقامة، وبينَ الضّلالِ والانْحِراف. قَد نَضيعُ وفي ضياعِنا لا نَبحثُ عن الله، وَلَكِنّهُ يَبحثُ عنّا، فنحنُ أبناؤه، وَيرغَبُ في عودَتِنا إليه. فهي مِن نَاحيةٍ مَغفِرةُ الله، ومِن نَاحيةٍ أُخرى توبَةُ الإنسان. وَمع ذَلِك يَبقَى الغُفرانُ الْمُعطَى من الله، أسهلَ من تَوبَةِ الإنسان! ذلكَ أنَّ الغُفرانَ هو صفةٌ مُلازِمَةٌ لجوهرِ الله! أَمّا التّوبة فهي مَسيرَةٌ شَاقَّة وتَتطلّبُ جُهدًا ومُثابَرة، وتحتاجُ كثيرًا مِن الّلياقِة الرّوحية والإرادةِ، الّتي يَفقِدُها البَعضُ عند أوّلِ الْمسيرة، أو في منتَصَفِها، أو حتّى قبلَ نهايتِها. والبعضُ الآخر قَد يُفضِّلُ حياةَ الضّياعِ والضَّلال، وَمَا تُعطيه مِن حلاوَةٍ قائِمَةٍ على وَهمٍ وخِداع، عَلى حَياةِ التّوبةِ بِمرارتِها وقساوَتِها! وإذا كانَ الغُفرانُ عندَ الله طبيعة، فَعِندَنَا نحنُ البَشر هي نِعمَةٌ نَلتَمِسُها وَنَسألُها. لأنّنا في طَبيعِتنا البَشَريّة، نُفَضّلُ الانتِقامَ وَحِفظَ العداوَة والأخذَ بالثّأر، عَلى مَنِح الغُفران. أَو نُرجِّحُ كَفَّةَ الكبرياء، وتبريرَ الذّات وما يَصدر عنها مِن أخطاء، على طَلبِ الغُفرانِ والاعترافِ بالذّنب! فَإِذَا كانَ اللهُ يغفِرُ بِبساطةٍ للإنسانِ التّائِب بِصدقٍ وَيمحي زلاتِه، فَنَحنُ البَشر لا نَغفِرُ بِسهولَة، وَإنْ غَفرَنَا قَد لا نَنسَى، إذْ تَبقَى الْمشاعِرُ دَفينَةً في الصّدورِ، كبُركانٍ هَادِئ وَلَكنّهُ نَشِطٌ ومُستِعر، قَد يَثورُ عِندَ أَيّ مَوقِفٍ وَحَدَث! هَذهِ الأمثلة يا أحبّة، مِن أَروَعِ الأمثلة الّتي ضَرَبَها السّيدُ الْمسيح، عَن رَحمَةِ اللهِ الّتي لا تَعرِفُ حَدًّا، وَصَبرِهِ الواسعِ، وَعَفوِهِ غيرِ الْمشروطِ عَن الخاطِئِ التَّائبِ إليه. كُلُّ هذهِ الصّفات، تَنْتَظِرُ مُبادَرةَ الإنسان، عِندما يَخطو في دربِ التّوبةِ، ولو بعدَ تيهٍ وضياعٍ وابْتِعاد، طالِبًا الْمغفرةِ مِن الله تَعالى! اللهُ في رَحمَتِه هو أَبٌ، والأبُ الحليمُ الرّحيم يَغفِرُ لأبنائِه زلاتّهم وهفواتِهم. وَيَبْقَى مَثَلُ الابنِ الضّال (لوقا 11:15-32)، أَجمَلَ مَثَلٍ يُحدِّثُنا عن مَسيرةِ التّوبة. فإنْ كانَت الخطيئةُ تَبدَأُ بِفكرةٍ ثُمّ تَنضُجُ لِتُصبِحَ قَرارًا وَفِعلًا، فالتّوبةُ تَبدأُ بِفكرة ثُمّ قرارٍ فَعَمَل! أمّا الفرق، فَالخَطيئةُ دَربٌ يُوصِلُ لِلهَلاك، والتّوبةُ دَربٌ يُوصِلُ لِلنَّجَاة! فَفي مَثَلِ الابن الضّال، نَراهُ يَرجِعُ إلى نَفسه، ويُفكّرُ كَيفَ هي الحياةُ في بَيتِ أَبيه، وكيفَ أمْسَت حَياتُه هو تَعيسَةً، عِندَمَا قَرّرَ الرّحيل! وَبناءً عَلى هذهِ الْمقارَنةِ الفكريّة، يُقرِّرُ العودة ويُنفِّذُ القرارَ ويَعود! لِيَلقَى من أَبيهِ رحمَةً فاقَت كُلّ تصوِّرٍ وتوقُّع. دَعونا نُفكّرُ نحنُ بِدورِنا، على مِثالِهِ، لِلحظات، كيفَ أنَّ الخطيئةَ تُدمّرنا، تُشوِّهُنا، تُلَوِّثُنا، تُقلْقِلُنا، تُنزِلُنَا أَدنَى الْمَراتِب، تُجَرِّدُنا مِن إنْسَانيّتِنا، وَتَسلبُ مِنّا كَرامَتَنا. وَكيفَ أنَّ التّوبةَ نقيضَ كُلِّ ذلك، تُعيدُ إلينا بهاءَ صورَتِنَا، صُورةِ اللهِ فينا، تَشفينا وتُداوينا، تُرمِّمُ ما انكسرَ وَتُجَمِّلُ ما تَشَوَّهَ فِينَا، تُعطينا سَلامًا وعُذوبَة، وتجعلُ مِنّا إنسانًا عَلى صُورةِ الْمَسيحِ ابنِ الإنسان! التّوبَةُ يا أحبّة هي جِهادٌ لأجلِ غايةٍ شريفة، والجهادُ كِفاحٌ، والكِفاحُ نِضال وَاسْتبسَال، في سَبيلِ الخيرِ والصّلاحِ الأسمى، والنّضالُ مُقَاوَمَةٌ لِلتّجَارِب وَأَسبابِ الزَّلّات. في التّوبَة نَذرِفُ دُموعَ النّدامَة على مَا خَسِرناهُ جرّاءَ مَعاصينَا، ونَسكُبُ دُموعَ الفرحِ على عَودَتِنا سَالِمينَ إلى حِضنِ اللهِ أَبينَا. في التّوبَة لَستَ وَحدَك مَن يَفرح، بل السّماءُ كُلُّها تَفرح لِعَودَتِك، لأنَّ اللهَ خَلَقنا لِكي نَخلُصَ ونحيا، لا لِكي نموتَ ونهلِك! التّوبَةُ بابٌ مَفتوح يُريدُنا اللهُ أن نَلِجَ مِنه صوبَ الدّيارِ الأبدية. بَابُ التَّوبَةِ مَفْتوحٌ في سرِّ الْمُصَالَحةِ والاعتراف، وَالبَابُ مَرئِيٌّ وظاهِرٌ أَمامَ أَعيُنِ الجميع، ولكنَّ قَليلونَ مَن يَقرَعونَه ويَدخُلون! في نَفس الوَقت، التّوبَةُ لَيست فقط دخولًا وإقرارًا بالخَطايا في كُرسيّ الاعتراف، بَل هي مَسيرَةُ حياةٍ كَامِلة، تَقومُ عَلى تَطهيرِ الذّاتِ وَتَنقِيَتِها مِن شوائِبِها، وَهذهِ هي مَسيرَةُ القَداسة! أَمَّا مَن يَعتَقِدُ أنّه بِلا خَطيئة ولا لزومَ للتّوبةِ والاعتِراف، كَما اعتقَدَ الكَتَبَةُ والفريّسيّون مِن قَبلِه، فَعَلَى الأقل نَرجو أَلّا يُمسِكَ لَنا حِجَارَة، لِيَرمينَا وَيرجُمَنا بها، نحنُ الخَطَأة! (راجع قصّة الْمرأة الزّانية 1:8-11). داوُودُ الْملِكُ العَظيم وصاحِبُ الْمزامير، سَقَط سقوطًا عَظيمًا، فالتَمَس الرّحمَةَ والْمغفرَةَ من الله مُنشِدًا: ﴿اِرْحَمني يا اللهُ بِحَسَبِ رَحمَتِكَ، وَبِكَثرَةِ رَأفَتِكَ اُمْحُ مَعاصِيَّ﴾ (مزمور 1:51). وَأيضًا قَالَ حِكمَةً خالِدة: ﴿لِنَقَع في يَدِ الرّبِّ، لأنَّ مَراحِمَهُ كَثيرة، ولا أَقَعُ في يَدِ النّاس﴾ (2صموئيل 14:24). فالنّاسُ عادَةً لا تَرحم بَل تَحكُم! وَيَدُ النّاس تَشمَلُ أَيضًا ألْسِنَتهم وَعُيونَهم وَأَفكارَهم وحواسَّهم، والّتي مِن خلالِها يراقِبونَكَ ويريدونَ فَقَط مَوقِفًا، يَحكمونَ بِهِ عَليكَ وَيُدينونَك! وَهَذا ما حَدَث مع يسوع في إنجيلِ اليوم، عِندَمَا حَكَموا عَليه بِنَظراتِهم وذَمّوه بألْسِنِتِهم، لأنّه يستقبِلُ العشّارين والخاطِئين! ولكنَّهُ كان يعلمُ بِخُبثِ وسوءِ ولُؤمِ أولئِكَ الّذين يعتقِدونَ أنّهم أبرارٌ وأفضلُ مِن سائِر النّاس! وَمع كُلِّ أسف نَجِدُ أيضًا في الكَنيسةِ والجماعَة والْمُجتَمَعِ أمثالَ هؤلاء، الّذين يُمارِسونَ دورَ الْمُنَظِّرِ والْمُعَلّمِ والْمُدَّعي والحاكِمِ والجلّاد! فَيا أَيّها الّذي تَقضي وقتَك في الحُكمِ عَلى النّاس، لا تَحكُم عَلى النّاس، فَأَنت تَبقَى وَاحِدًا مِن النّاس، وعِندَكَ مِن السّيئاتِ ما يُماثِلُ سائِرَ النّاس! لِذلِك، خيرٌ أن تُصَلّي لأجلِ إِخوتِك، إن رأيتَ مِنهم زَلَّةً وَهَفوَة، وأن تُرشِدَهم إن أمكَنَكَ ذلِك، فَغَدًا عِندَمَا يأتي دورُك وَتَسقُط، عَلَّكَ تَجِدُ مَن يرحمُكَ على الأقل ولا يَحكُمُ عَليك!. |
|