رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أعداؤه وقديسوه: يحوي هذا القسم مقابلة بين مقاومي أولاد الله وبين المشتاقين إلى الخلاص، أي بين أعداء الله وقديسيه. لقد رأى المرتل أن خطاياه وخطايا الآخرين (الغرباء) قد اكتنفته، حتى فقد بصيرته الداخلية، وفارقه قلبه، لذا صار يصرخ إلى الله مخلصه، قائلًا: "يا رب ارضَ بخلاصي. يا رب التفت إلى معونتي" [13]. هنا أول إشارة إلى أن الضيقة كانت لا تزال قائمة، لذا يصرخ المرتل في إيمان ورجاء. ويعلّق القديس أغسطينوس على هذه الصرخة قائلًا: [كأنه يقول: "إن أردتَ (ارتضيت) تقدر أن تطهرني" (مت 8: 2). يا رب ارتضِ بخلاصي. يا رب التفت إلى معونتي". تطلع إلى الأعضاء التائبة المتألمة، هذه التي تخضع لمشرط الجراح، وهي لا تزال في رجاء]. إنه يسأل من أجل الذين يريدون تدمير خلاصه، كي يبدد الله مشورتهم الشريرة ومقاصدهم الآثمة. "ليخزَ ويُعير طالبوا نفسي جميعًا ليبيدوها" [12]. إنه لا يئن من أجل الذين يريدون اغتصاب مملكته أو حتى كرسي ملكه، ولا الذين يشوّهون سمعته، أو يريدون قتله، إنما يئن من أجل الذين يريدون ابادة نفسه، أي تحطيم خلاصه. يمكن أيضًا القول بإن هذه هي كلمات السيد المسيح المتألم حيث طلب في البستان إن أمكن أن تعبر عنه الكأس لا يمنع الألم وإنما بعبوره. أما بالنسبة لصالبيه، الذين استخدمهم عدو الخير كأداته الخاصة، حاسبًا أنه قادر أن يُحطم السيد المسيح، فقد قيل عنهم: "يرتد إلى خلف ويفتضح الذين يريدون لي السوء" [14]. هذا ما قد حدث بالفعل حين جاءوا ليقبضوا على السيد المسيح في البستان، إذ رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض. كان صالبوه يسخرون به ويستهزئون، ولم يدركوا أنه بالصليب قد جرَّد الريايات والسلاطين وأشهرهم جهارًا ظافرًا بهم (كو 2: 15). بهذا تتحقق النبوة: "ليُقبل خزيهم بغتة القائلون لي: نعمًا نعمًا" [15]. ترتد السخرية على الأشرار الذين يسخرون بخلاص الرب، أما الذين يطلبون الرب وخلاصه فيمتلئون فرحًا وبهجة، يمجدون الرب المهتم بالمساكين والضعفاء... "ليتهلل ويُسر بك جميع الذين يلتمسونك يا رب. وليقل في كل حين الذين يحبون خلاصك. فليعظم الرب في كل حين. أما أنا فمسكين وضعيف والرب يهتم بي. معيني وناصري أنت هو. يا إلهي لا تبطئ" [16-17]. يعتبر المرتل أنه قد بلغ حالة يُرثى لها. إنه في ضيقه أدرك أنه مسكين وضعيف، لكنه وجد في الله معين المساكين والضعفاء. وقد اختبر المرتل في ضيقته هنا البركات التالية: 1. التمتع بالتهليل الداخلي أو السرور الحقيقي، لا يتمتع بهذا وحده بل ويشترك معه الذين يلتمسون الرب، أي الذين اشتركوا معه بالصلاة لكي ينقذه الرب. فإن كان الأشرار قد سخروا به قائلين: "نعمًا نعمًا"، إذ ينطقون بروح الشماته، قائلين: "حسنًا حسنًا" إنه يستحق ما حلَّ به، إذ بالأتقياء يُصلّون معه وعنه هؤلاء يرون الله قد تمجد فيه فيفرحون. الأولون يطلبون نفس المرتل ليبيدوها [14]، أما هؤلاء فيطلبون الله لخلاص نفس المرتل [16]. 2. قدمت الضيقة فرصة ذهبية ليتعلم المرتل وأصدقاؤه الأتقياء الالتجاء إلى الله وحده، يلتمسونه بروح الانسحاق. 3. التهاب القلب بحب الخلاص. 4. انفتاح لسانه وألسنة محبيه بالتسبيح يعظمون الرب بلا انقطاع. * "وليقل في كل حين الذين يحبون خلاصك: فليعظم الرب في كل حين"... إذ يرونني "ممجدًا فيك"؛ فإن من يفتخر فليفتخر بالرب (1 كو 1: 31). * حتى إن صار الخاطئ بارًا، أعطوا المجد لذاك الذي يبرر الفاجر (رو 4: 5). إن كان ثمة إنسان خاطئ فليعطِ مجدًا لذاك الذي يدعو إلى المغفرة. وإن كان ثمة إنسان يسلك في طريق البر فليسبح ويمجد ذاك الذي دعاه لنوال الإكليل. ليتعظم الرب في كل حين من الذين يحبون خلاصه. القديس أغسطينوس 5. الشعور بالمسكنة والاحتياج إلى المخلص. "أما أنا فمسكين وضعيف والرب يهتم بي" [17]. * كل ما عندك هو ملك للمسيح، وأيضًا كل ما ستملكه مستقبلًا هو ملك له، فماذا أنت في ذاتك؟ أنا مسكين وضعيف. أنا لست غنيًا، لأنني لست مغرورًا. القديس أغسطينوس * من يصير في شدة الاحتياج، في عوز من هذا النوع، يتحقق فيه قول النبي: "المسكين والبائس يمجد اسم الرب". حقًا أية مسكنة أعظم وأقدس من أن يعرف الإنسان نفسه أنه بلا قوة ولا قدرة للدفاع عن نفسه، طالبًا العون اليومي من صلاح غيره، وإذ يعلم أن كل لحظة من لحظات حياته إنما تقوم على العناية الإلهية، يعترف دومًا باحتياجه إلى الرب، ويصرخ إليه كل يوم: "أما أنا فمسكين وضعيف والرب يهتم بي" [17]. الأب اسحق هكذا شتان ما بين أشرار يطلبون هلاك النفوس فيسقطون في الخزي، وقديسين يسندون كل نفس لتخلص فيمتلئون بالبركات الإلهية، ويتلمسون تجلي الله في وسط شعبه، فيصرخ كل واحد منهم بروح الرجاء: "يا إلهي لا تبطئ". لتكن إرادتك لا إرادتي * ما أعذبك أيها المخلص، وما أعذب أعمالك معي. انتشلتني من هاوية الخطية، وحملتني فيك يا صخر الدهور، حولت حزني فرحًا، ومراثيّ تسبيحًا جديدًا! * أنت الأزلي قديم الأيام، أتيت إليّ في ملء الزمان، وهبتني الإنسان الجديد على صورتك، وأعطيتني الحياة الجديدة فيك، وفتحت فمي لأترنم بالتسبحة الجديدة. وتبقى مراحمك جديدة كل صباح حتى أعبر إليك! * عجيبة هي أعمالك، وبلا حصر! بالصليب قدمت لي كل شبع وغنى وجمال روحي. حوّلت قلبي إلى سمواتك. واستخدمتني شهادة لأعمالك محبتك. * ما أعجب أعمالك أيها الكلمة الإلهي! في طاعةٍ سلمت إرادتك بين يديْ الآب! احملني فيك لأُحسب مطيعًا. قدمت جسدك ذبيحة طاعة وحب، أقبل جسدي ذبيحة حيَّة مقبولة! * صليبك اجتذب الكثيرين بلغة الحب والطاعة! علمني كيف أشاركك صليبك لأنعم بقوة قيامتك! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 47 - لغة هذا المزمور مستعارة من نصرات الملك على أعدائه |
مزمور 41 - ولا يسلمه بأيدي أعدائه |
مزمور 35 - شتان ما بين سلوك داود النبي وسلوك أعدائه |
مزمور 27 - غلبته على أعدائه |
أعداؤه والبعيدون عنه |