سيرة القديس الناسك المجاهد أبــا فيس الذي أكمل جهاده الحسن وتنيح في اليوم التاسع من شهر طوبه . بركاته المقدسة تكون معنا آمين .
أسألكم أيها الأخوة المحبين لله أن تعطوني مسامع قلوبكم وتصغوا لسماع الكلام جيدا لأخبركم بسيرة هذا القديس المجاهد , هذا الذي أحب الرب من كل قلبه منذ طفوليته ونعمه الله كانت حالة عليه .
أبا فيس عند القديس أباهور :
بعد نياح أبوي القديس ومضيهم إلي المسيح الذي أحباه , قام أبافيس وعبر النهر إلي الشرق وسكن عند قديس راهب يدعي أباهور , لأن اسم أباهور قد شاع في كورة مصر وتجمع حوله أخوة رهبان كثيرون أقاموا معه .
وصل القديس أبافيس إلي مكان سكني القديس أباهور وقرع باب قلايته . فقام القديس أباهور وفتح باب القلايه ورحب كثيرا بالقديس أبافيس الذي طلب منه قائلا :
" بارك علي يأبى وأجعلنى أسكن معك " فأجابه القديس أباهور قائلا :
" مرحبا بمجيئك يا ابني , السلام لك أيها البتول من البطن وإلي حين الوفاة , السلام لك يا أبا فيس الرجل المحبوب الآن أيها المبارك من الرب "
ثم قبلوا بعضهم بقبلة طاهرة مقدسة وصليا وجلسا ثم استمر وقتا طويلا يتحدثان فيه بعظائم الله .
وبعد قليل ألبسه أباهور الأسكيم المقدس وهو عالم أن هذا الأمر من قبل الله , فتعبد حسنا وأجهد نفسه بنسكيات كثيرة بدون ملل حتى أنهم دعوه الآب الصبور وكان القديس أباهور يحبه مع أخ راهب يسمي ببنودة وكان يمدحهما كثيرا وتنبأ عما سيكون منهما .
أبافيس ينفرد بالعبادة :
فلما تنيح القديس أباهور بشيخوخة حسنه مرضيه لله . عند ذلك قام القديس أبافيس وخرج وملاك الرب يمشي معه إلي أن عبر النهر من الشرق حتى وصل إلي الغرب , وأنفرد علي الشاطئ في ذلك الموضع .
أما ما كان مني أنا الحقير (زكامان) * المتكلم معكم , فأني خرجت من بيتي طالبا إرشاد الله . الذي كنوزه مملوءة رحمة ورأفة ويشتهي أن جميع الناس يخلصون , وإذا هو المخلص المحي وحيد الآب , الكلمة المخوفة فأرشدني إلي بحر الخير والسلامة الذي ليس فيه غضب ولا قلق الذي هو رجل الله أبا فيس .
وأتي بي إلي قيطونته وخفي عني . فقرعت الباب وللوقت خرج إلي رجل الله ووجهه مبتسم مضئ كوجه ملاك الرب فقبلني فقلت له : إغفر لي يا أبي أنا عبدك . فقال لي : الرب يحفظك أدخل بفرح , إلي الرب جعلت لي ميراثا . وبعد أيام أرشدني فيها بالتعاليم والتداريب الروحية ثم ألبسني ثوب الرهبنة والإسكيم الملائكي وأقمت تحت ظل صلاته , ورأيت بعيني قوات وعجائب كثيرة صنعها أبي ومرات كثيرة ظهر له المخلص وأعلمه بالأسرار السمائية .
ظهور السيد المسيح له :
وذات يوم ظهر له مخلصنا وقال له : السلام لك يا حبيبي فيس الذي صنع إرادة سيده , أنهض وأتبعي إلي الموضع الذي أخذك إليه لتمجدني فيه , فتقيم زماناً طويلا وأنا أجمع لك شعباً حتى يذاع اسمك في العالم . حينئذ أمسك الرب له المجد يد أبي وخرجا إلي وادي الجزيرة وأنا أتبعهما , وقال الرب لآبا فيس إمسك قلنسوتك وأملاها حصى ففعل هكذا , فقال الرب ثانية , أمسكها واربطها وأحفظها , ثم قال لأبي هذا الموضع هو الذي حددته لك لتمجدني فيه وحدد له أساس البيعة ومكان مجمع الرهبان , ثم قال له :
" هذا عهدي الذي قررته معك أن جسدك يكون في هذا الموضع وقوات وعجائب أيضا تحدث منك , لكل الذين يأتون إلي موضعك بكل قلوبهم ولا يكون ذو قلبين , لأن الرجل ذا القلبين لا تستقيم طرقه قدام الله ولا يحصل له شفاء , لكن الذي يكون له قلب مستقيم في الله هذا يحبه أبي . أقول لك يا حبيبي فيس أن جموعا كثيرة بأصناف الأمراض إذا أتوا إلي موضعك بأمانة أنا أشفيهم وأعطيهم سؤالهم . وبركة أبي تكون دائمة فيه . ثم باركنا فسجدنا لمخلصنا وخفي عنا .
بنيان البيعة :
وتكاثر الأخوة حول القديس حتى بلغ عددهم مائة , وكنا كلنا نأكل على مائدة واحدة , ونعمل في بنيان البيعة بنفس واحدة مع بعضنا طائعين لأبينا أبا فيس في كل ما يأمرنا به , فلما كمل بنيان البيعة ومجمع الرهبان كما أمرنا السيد المسيح جعلني أبي علي خدمة الشعب , أما أبي فكان يصنع صلوات ونسكيات كثيرة مع سهر الليل حتى ذاع خبره وجاء إليه مرضي كثيرون بأمراض مختلفة وأرواح شريرة فشفاهم بقوة المسيح مخلصنا .
الشيطان يحاول هدم البيعة :
فلما رأي عدو الخير ذلك ظهر له وصار يزأر كالأسد ويصرخ قائلا : الغوث منك يا أبا فيس الشيخ لأنك اجتذ بت الناس إلي الصلاح وأنت واقف تحاربني فالشرور التي صنعتها بي ليست بقليلة , لكن وحق قوتي لأخرب البيعة التي بنيتها , حينئذ خرج إلي قبلي البيعة إلي النهر وأثار زوبعة عظيمة لأجل ما يهدم البيعة وعندما رأي أبي ما صنعة العدو حزن جدا ودخل إلي البيعة وخر علي وجهه باكيا قائلا : أذكر يارب عهدك الذي قررته مع بطرس الرسول أنك تبني بيعتك علي الصخرة التي لا تتزعزع وأبواب الجحيم لن تقوي عليها , والشيطان عدو الخير لا تدعه يتسلط عليها . والآن يارب لا تدعه يفرح ولئلا يفتخر قائلا أني قد قويت عليه . أذكر يارب نفسي وهؤلاء الأخوة الذين صنعوا مرضاك لا تدع العدو يبدد عملهم , فلما قال هذا بتضرع وخشوع ظهر له سيدنا السيد المسيح وقال له :
السلام لك يا عبدي فيس . فقام القديس من الأرض وقال : ربي و ألهي المجد لك , لأن صوت سلامك شفي عظامي وتهللت روحي .
فقال له المخلص : ما لي أراك باكيا حزينا أجابه الشيخ الطوباوى أبكي يا سيدي لأني رأيت العدو والشيطان يريد أن يبدد تعبي وتعب أبنائي فقال له مخلصنا الصالح : لا تخف فالعهد الذي قررته معك لا أنقضه , أسرع وأحضر قلنسوتك الملآنة حصى التي أوصيتك بحفظها , ثم آمره أن يلقي بالحصى أسفل النهر حيث أثار العدو الزوبعة . وللوقت صار ذلك الحصى صخوراً عظيمة محيطة بذلك الموضع (1) فلما رأي عدو الخير هذا افتضح أمره وولي هاربا وتمجد الله كثيراً صانع عجائب في قديسيه وحافظي وصاياه .