مزمور 76 - تفسير سفر المزامير
الله مهوب لملوك الأرض الطغاة
يرتبط هذا المزمور بالمزمور السابق، إذ نرى الرب يملك خلال صليبه، كملكٍ كاهنٍ، وقد صار الكل خاضعًا له.
إن كانت الخطية قد أفسدت العالم، فانتقل الإنسان من جنة عدن بكل إمكانياتها ومباهجها وسلامها إلى عالم صار أشبه بأرض معركة لا تتوقف، يطلب الإنسان السلام فلا يجده، ويشتهي الراحة الحقيقية وكأنها صارت من وحي الخيال. لكن الله الكلي الصلاح يحول هذه المعركة لبنيان الإنسان وسلامه وسعادته. حين يدخل الرب نفسه المعركة، خاصة على الصليب، يمزق صك الدين المكتوب ضدنا، ويحطم سلطان إبليس ويشهّر به، ويملك الرب على القلوب، معلنًا بهاءه وجلاله فينا.
جاء هذا المزمور متطابقًا مع المزامير ٤٦-٤٨ التي لقورح.
أقسامه
١. اسم الملك الكاهن
١-٣.
٢. عمل الملك الكاهن
٤-٦.
٣. حكم الملك الكاهن
٧-٩.
٤. العبادة للملك الكاهن
١٠-١٢.
من وحي مزمور ٧٦
العنوان
لإِمَامِ المُغَنِّينَ عَلَى ذَوَاتِ الأَوْتَارِ.
مَزْمُورٌ لآسَافَ. تَسْبِيحَةٌ.
مزمور نصرة عسكرية تحققت خلال حضرة الله في هيكله بأورشليم، محطمًا أذرع الطغاة، ومُنصفًا المحطمين والمظلومين. يمكن أن يكون قد كُتب في إحدى المناسبات التالية: تجليس ملكٍ جديدٍ، أو الاحتفال بتجليسه، أو تقديم خدمة شكر لله على نصرةٍ تحققت، أو كتذكارٍ سنويٍ للنصرة، أو الاحتفالٍ بأي عيدٍ في أورشليم.
ويعتقد البعض أن النصرة الواردة هنا تشير إلى تلك التي تحققت بواسطة داود على الفلسطينيين في وادي رفاييم. وآخرون يرون في المزمور نبوة عن نصرة تتحقق فيما بعد لشعب الله.
جاء في الترجمة السبعينية كما في كتابات الكثير من الدارسين الحديثين أن هذا المزمور وُضع بمناسبة غزو الأشوريين في أيام الملك سنحاريب.
١. اسم الملك الكاهن
اَللهُ مَعْرُوفٌ فِي يَهُوذَا.
اسْمُهُ عَظِيمٌ فِي إِسْرَائِيلَ [1].
عظيم هو الله، ومجده في داخله، ولا يحتاج إلى من يَّعظمه أو يمجده. معرفتنا له ولمجده ولأسراره لا تضيف إلى مجده شيئًا. إنما تجعل منه عظيمًا فينا، وممجدًا في حياتنا.
يشير سبط يهوذا إلى إسرائيل ككل بكونه السبط الملوكي صاحب السلطان على كل الشعب وكما جاء في المزمور 114: 2 "كان يهوذا مقدسه، وإسرائيل محل سلطانه".
حقا لا يستطيع أحد أن يتعرف عليه ما لم يكن منتسبًا ليهوذا، ولا ينعم أحد بالتلامس مع عظمة اسمه ما لم يصر إسرائيليًا. لكن ليس بالمفهوم الحرفي لسبط يهوذا وشعب إسرائيل القديم. ينطبق هذا القول على من كان بالحق ينتسب ليهوذا روحيًا، ويصير عضوًا حيًا في إسرائيل الجديد روحيًا.
صار اسم الله معروفًا في يهوذا، إذ هو ابن داود، الأسد الخارج من سبط يهوذا، يهب مؤمنيه حياة النصرة. جاء السيد المسيح ملك الملوك ورئيس الكهنة السماوي ليملك على إسرائيل الجديد (الكنيسة)، ويعلن عن سكناه في صهيون.
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن اسم الله صار عظيمًا في الأمم مثل مصر وبقية أقطار المسكونة، حيث صارت يهوذا الجديد وإسرائيل الروحي الجديد.
* قبل أن يجلب الصليب النور للعالم، قبل أن يُرى الرب على الأرض كان الله معروفًا في يهوذا؛ في إسرائيل كان بالأكثر اسمه عظيمًا. ولكن لما جاء المخلص دوَّى صوته في الأرض كلها وبلغت رسالته إلى أقاصي العالم[1].
* قبل قيامة المسيح كان الله معروفًا في اليهودية فقط، واسمه عظيم في إسرائيل وحدها[2].
القديس چيروم
* انظروا فإننا نحن أيضًا نقول هذا، إن لم يكن الشخص في يهوذا لا يمكن أن يكون الله معروفًا له. ولكن ماذا يقول الرسول؟ اليهودي في الخفاء، الذي هو هكذا في ختان القلب، لا بالحرف بل بالروح. يوجد يهود في ختان الجسد، ويوجد يهود في ختان القلب. كثير من آبائنا القديسين (في العهد القديم) لهم ختان الجسد كختم للإيمان، ولهم ختان القلب من أجل الإيمان نفسه. من هؤلاء الآباء جاء أناس لهم مجد الاسم (كيهود) ولكنهم فقدوا العمل، بقوا يهودًا في الجسد، ولكنهم وثنيون في القلب...
من يهوذا جاء داود، ومن داود الرب يسوع المسيح . إننا إذ نؤمن بالمسيح نُنتسب ليهوذا، ونعرف المسيح...
ماذا يُقال عن إسرائيل؟ "الذي يرى الله".
كيف رأوا الله الذي سار بينهم في الجسد، وقد حسبوه إنسانًا وقتلوه...؟
"اسمه عظيم في إسرائيل". أتريدون أن تكونوا إسرائيل؟
لاحظوا ذاك الإنسان الذي قال عنه الرب: "هوذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه" (يو1: 47). إن كان الإسرائيلي حقًا لا غش فيه ، فإن من كان فيه غش أو كذب لا يكون إسرائيليًا بالحق[3].
* إننا نطلب هذه الطلبة لا لكون اسمه غير مقدس، بل لكي نراه مقدسًا، أي نطلب ألا نرى شيئًا أكثر قداسة منه، خائفين من معارضته.
فقد قيل: "الله معروف في يهوذا، اسمه عظيم في إسرائيل" (مز 76: 1). فلا يُفهم هذا كما لو كان اسمه عظيمًا في مكانٍ أكثر من آخر، بل يكون عظيمًا حيثما دعوناه عظيمًا. هكذا يُقال إن اسمه قدوس حيثما دعي بوقارٍ وخُشي من معارضته. وهذا ما نسعى لتحقيقه بالتبشير بالإنجيل، ليُدعى اسم الله الواحد بواسطة تدبير ابنه[4].
القديس أغسطينوس
* كان الله معروفًا في اليهودية وحدها (مز 76: 1)، واسمه كان يُدعى في إسرائيل، أما الآن فقد خرجت أصواتهم إلى كل الأرض، وبلغت كلماتهم إلى أقصى العالم (مز 19: 4)، فإن خدام إسحق (كرمز للمسيح) ذهبوا إلى كل العالم يحفرون الآبار (تك 26: 22) ويُظهرون المياه الحية للكل، معمِّدين الأمم باسم الآب والابن والروح القدس (مت 28: 19)، لأن "للرب الأرض ومملؤها" (مز 24: 1)[5].
العلامة أوريجينوس
* قبل مجيئه كان اسم المسيح بين شعب إسرائيل محصورًا في أذهان اليهود كما في نوع من الأوعية. لأن "الله معروف في يهوذا، اسمه عظيم في إسرائيل". بمعنى أن الاسم الذي كان في أوعية اليهود كان محصورًا في حدودهم الضيقة...
لكن بعد ذلك، ذاك الذي بمجيئه أشرق على العالم كله، نشر اسمه الإلهي في مناطق متسعة على كل الخليقة...إذ ملأ الفراغ صار اسمه عجيبًا في كل العالم. سكب اسمه يعني نوعًا من الغزارة الفائضة للنعم ووفرة الخيرات السماوية. لأن ما يُسكب إنما يفيض بوفرةٍ كثيرةٍ[6].
القديس أمبروسيوس
* قبل مجيء المسيح كان الله معروفًا في يهوذا وحدها. لكن بعد مجيئه ملأت نعمته العالم كله، حتى دوَّى صوت الرسل خلال الأرض كلها، وبلغت رسالتهم إلى أقاصي العالم[7].
* يقول الرب نفسه في الإنجيل: "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمُت، فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت، تأتي بثمرٍ كثيرٍ" (يو 12: 24). بعد أن ماتت حبة الحنطة الثمينة ودفنت خلال الآلام، من هذه الحبة الواحدة جاء حصاد الكنيسة الذي انطلق في العالم.
لم يعد الله مشهورًا في اليهودية وحدها كما كان سابقًا، ولا اسمه صار معبودًا في إسرائيل وحدها، وإنما صار من مشرق الشمس إلى مغربها (مز 76: 1)[8].
الأب قيصريوس أسقف آرل
* حيث أن إسرائيل تعني "من يرى الله"، فمن الضروري أن كل شخص يستنير بالنعمة - يهوديًا كان أو يونانيًا - يتحرر من عبودية مصر، حتى وإن كان فرعون -أي الشيطان- يضغط عليه بنيرٍ ثقيلٍ[9].
الشماس قودفيلتيدس
من هو إسرائيل الذي اسمه عظيم؟ كل مؤمنٍ يتمتع باستنارة النعمة الإلهية.
كَانَتْ فِي سَالِيمَ مَظَلَّتُهُ،
وَمَسْكَنُهُ فِي صِهْيَوْنَ [2].
من لا يشتهي أن يقيم السيد المسيح مظلته في قلبه، ويعلن سكناه في أعماقه؟ لتصر قلوبنا أورشليم الجديدة، حيث السلام الداخلي، أي تصير ساليم الجديدة التي يملك عليها ملكي صادق السماوي، كما ملك ملكي صادق قديمًا على ساليم.
حقًا توجد خيمته في ساليم (اختصار كلمة أورشليم)، أي تتأسس كنيسته على السيد المسيح الذي على رتبة ملكي صادق (مز 110: 4، عب 5: 6، 10، 20)، ملك ساليم (تك 14: 18، عب 7: 1، 21)، ملك السلام والبرّ، خلال ذبيحته وكهنوته، فتتحطم أسلحة العدو إبليس [٣].
مسكن المسيح هو صهيون الجديدة، أي كنيسته. أما كلمة "صهيون" فمعناها حصن أو برج رقابة، لذلك حيث توجد معرفة الكتاب المقدس حصننا في النفس وتعاليمه فهي مسكن الله.
* يلزمنا أن نفعل الصلاح إن أردنا أن نترك الشر. يلزمنا أن نطلب السلام إن أردنا تجنب الحرب. ولا يكفي مجرد طلبه، وإنما حينما نجده، وعندما يهرب من أمامنا، يلزمنا أن نقتني أثره بكل طاقاتنا. فإنه "يفوق كل فهمٍ" (في 4: 7). (السلام) هو مسكن الله. وكما يقول المرتل: "في سلام مسكنه" (مز 76: 2 LXX)[10].
* "في ساليم": ها أنتم ترون المعنى الحرفي هو أورشليم - أي ساليم - هذه التي كانت تُدعى أولًا ساليم، ومؤخرًا "يبوس Jebus"، وأخيرًا أورشليم. هذه هي ساليم التي كان ملكي صادق هو ملكها (عب 7: 1). ونحن نقرأ: ما هو معنى: "أنت كاهن على رتبة ملكي صادق"؟ واضح أنه يشير إلى المسيح.
قدَّم هرون ذبائح، وسكب دم ذبائح حيوانية. لم يفعل ملكي صادق شيئًا من هذا، إنما قدم خبزًا وخمرًا. ولهذا السبب قيل: "على رتبة ملكي صادق".
لا توجد خيمة للرب إلاَّ حيث يوجد سلام. لكن حيث يوجد صراع وخلاف لا يكون الله هناك كحامٍ للموضع. لنقبل تفسير الترجمة السبعينية مسكن الله يكون فقط في النفس المملوءة سلامًا. لذا لتعرف النفس التي بلا سلام أنها ليست مسكنًا لله. "سلامًا أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم" (يو ١٤: ٢٧). السلام هو ميراثنا من المخلص[11].
القديس چيروم
* كانت صهيون مدينة اليهود. صهيون الحقيقية هي كنيسة المسيحيين. لكن تفسير الأسماء العبرية بلغ إلينا. "يهوذا" معناه "اعتراف"، و"إسرائيل" معناه "من يرى الله". بعد يهوذا يأتي إسرائيل. أتريد أن ترى الله؟ أولًا اعترف، وعندئذ يصير مسكن الله فيك، إذ "في سلام مسكنه". ما دمت لا تعترف بخطاياك، فأنت في نزاع مع الله[12].
القديس أغسطينوس
هُنَاكَ سَحَقَ القِسِيَّ البَارِقَةَ.
المِجَنَّ وَالسَيْفَ والقِتَالَ. سِلاَهْ [3].
حاصر الأشوريون أورشليم، ولكنهم التزموا برفع الحصار بطريقة معجزية من قبل الله، إذ قيل: "وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا، ولما بكروا صباحًا إذ هم جميعًا جثث ميتة، فانصرف سنحاريب ملك أشور، وذهب راجعًا وأقام في نينوى" (2 مل 19: 35-36). ما حدث هنا يحدث بصورة أو أخرى، علانية أو خفية، في حياة الكنيسة في كل جيل، كما في حياة أولاد الله كأعضاء في كنيسته.
يرى القديس أغسطينوس أن الذين لا يعترفون بخطاياهم، وفي تشامخ يدخلون كما في معركة ضد الله، تنكسر كل أسلحتهم التي يعتمدون عليها.
* إذن أين مسكن الله؟ في أورشليم وفي صهيون. في أورشليم حيث يقوم السلام، وفي صهيون حيث برج المراقبة. ليت النفس البشرية التي بها سلام الله والتأمل، وثانيًا تكون في الكنيسة وبالتأكيد مرتبطة بالأسفار المقدسة.
بالتأكيد فيها يكون السلام ومسكن الله وعاصمته هناك يحطم سهام القسيّ البارقة، السهام التي يصوِّبها الشيطان. يحطم الرب دومًا الدرع والسيف وأسلحة الحرب[13].
القديس چيروم
٢. عمل الملك الكاهن
أَبْهَى أَنْتَ،
أَمْجَدُ مِنْ جِبَالِ السَلَبِ [4].
تشير الجبال أيضًا إلى الممالك، فجبال السلب تشير إلى الممالك التي تقوم خلال النهب والسلب، والتي تظن أنه ليس من إله يمكن أن يردعها. قيل عن هذه الممالك: "أين مأوى الأسود ومرعى أشبال الأسود، حيث يمشي الأسد واللبوة وشبل الأسد ليس من يخوف. الأسد المفترس لحاجة جرائه والخانق لأجل لبواته حتى ملأ مغاراته فرائس ومآويه مفترسات" (نا 2: 11- 12)، "ويل لمدينة الدماء؛ كلها ملآنة كذبًا وخطفًا. لا يزول الافتراس" (نا 3: 1).
يقول المرتل إن الله أعظم وأقوى وأبهى من كل الممالك الأرضية مهما بلغ سلطانها ورعبها على وجه الأرض. فإن سلطان هذه الممالك إلى حين، أما سلطان الله فأبدي لا يزول. عظمتهم تزول في لحظات، أما مجد الرب وعظمته فلا يزولان.
جاء في الترجمة السبعينية: "أنت تضيء بالعجب من الجبال الأبدية" (75: 3 LXX).
تطلع القديس يوحنا الحبيب إلى الكنائس فوجدها سبع منارات، والسيد المسيح شمس البرّ حال في وسطها، هو يضيء كما من جباله المقدسة، مشرقًا بأعماله العجيبة خلالها. يقول المرتل: "أرسل نورك وحقك هما يهديانني، ويأتيان بي إلى جبل قدسك، وإلى مساكنك" (مز 43: 3).
* نفسر الجبال بطريقتين: في العهد القديم هي الأنبياء؛ وفي الجديد الرسل. يقول الكتاب عن هذه الجبال: "رفعت عينيَّ إلى الجبال من حيث يأتي عوني" (مز ١٢١: ١). على هذه الجبال أيضًا استراحت مدينة الله.
أيَّة مدينة موضوعة على جبل لا يمكن أن تُخفى. كنا نحن جميعًا جالسين في الظلمة، في ظلال الموت، والرب أشرق علينا من جباله الأبدية، أي من الأنبياء والرسل.
القديس چيروم
* ما هي الجبال الأبدية؟ أولئك الذين يجعلهم خالدين، الجبال العظيمة، الكارزون بالحق... تتقبل الجبال العظيمة أولًا نورك، ومن النور الذي تتقبله الجبال تكتسي الأرض به أيضًا[14].
القديس أغسطينوس
* الجبال الأبدية هي السماوات التي منها أرسل موهبة الروح القدس، وأنار الرسل، وبهم استنار العالم قاطبة بحالٍ لا يدركه عقل بشري. وأيضًا جبال الأبدية هي القوات الملائكية التي بواسطتها يثير نفوس المستحقين للاستنارة. وأيضًا الرجال القديسون مثل موسى وبقية الأنبياء الذين كانوا قبل حضور ربنا جبالًا أبدية. والذين بعد حضوره مثل الرسل والمعلمين الذين بهم أضاء الله نفوس المؤمنين. بحالٍ عجيبٍ، أي برؤى واستعلانات. وأيضًا جبال أبدية هي معتقدات الإيمان الحقيقي التي منها ينير الله كل نفسٍ آتية إلى الإيمان.
الأب أنثيموس الأورشليمي
سُلِبَ أَشِدَّاءُ القَلْبِ.
نَامُوا سِنَتَهُمْ.
كُلُّ رِجَالِ البَأْسِ لَمْ يَجِدُوا أَيْدِيَهُمْ [5].
يترجمها البعض: "يضطرب جميع أغبياء القلب، ناموا نومهم؛ كل رجال البأس (الغنى) لم يجدوا شيئًا في أيديهم".
إذ حاول الأشوريون وغيرهم غزو بعض البلاد من أجل الغنيمة، عوض استيلائهم على غنائم، اضطروا إلى ترك كنوزهم وما في أياديهم وهربوا، فصار ما لهم غنيمة.
لقد ناموا ولم يقوموا إذ صاروا جثثًا ميتة (2 مل 19: 35- 36). اُستخدم تعبير النوم عن الموت في العهد القديم (مز 13: 3؛ إر 51: 39، 57؛ نا 3: 18).
"لم يجدوا أيديهم" إذ صارت عاجزة عن حمل السلاح، سواء للغزو أو للدفاع عن أنفسهم. إنه تعبير عن العجز التام عن العمل.
تشير هذه العبارة أيضًا إلى الذين وضعوا كل رجائهم في الأمور الزمنية، لكن سرعان ما تعبر حياتهم كحلمٍ رأوه وهم نيام، فاستيقظوا ليجدوا أنفسهم لم يقتنوا شيئًا.
* إنهم يحبون الأمور الحاضرة، ويذهبون ليناموا وسط هذه الأمور الحاضرة عينها، فتصير لهم مبهجة، كمن يجد كنزًا في حلمٍ، فيبقى غنيًا مادام لم يستيقظ بعد. الحلم يجعله غنيًا، والاستيقاظ يجعله فقيرًا[15].
القديس أغسطينوس
* يدعو النبي الأشوريين سفهاء القلوب وجهلة، لأنهم توهموا أنهم يقووا على إله إسرائيل، وناموا حول أورشليم بنية أن يهدموا المدينة، وكان أملهم أن يغتنوا من السلب والغنائم، فأصبحوا مائتين، وصارت أياديهم فارغة مما كانوا يأملون فيه. وصار نومهم موصولًا بموتهم.
الأب أنثيموس الأورشليمي
* حقًا، هذه الحياة هي حلم، حلم خاص بالغنى. فعندما يبدو أنه صار في أيدينا للحال ينفد. يعبر إشعياء عن ذات الفكرة: "مثل إنسان ظمآن يشرب، وإذ يستيقظ في وهنٍ وجفافٍ" (إش ٢٩: ٨)، هكذا بالحقيقة هي ثروات هذا العالم، ما أن نبلغها حتى تتركنا.
القديس چيروم
* ليت نوم الإهمال ونُعاس الثروة لا يبتلعاننا... فبالحقيقة يوجد فرسان ينامون، هؤلاء قيل عنهم: "ينعس الذين ركبوا خيلًا (راجع مز 76: 6). هل يجرح الطمع قلبك؟ هل الشهوة ملتهبة فيك؟ إنك فارس نائم... كان يهوذا نعسان، لهذا لم يسمع كلمات المسيح. نعم كان يهوذا نعسان بنوم الثروة، إذ طلب أجرة خيانته (مت 26: 15). رآه إبليس نائمًا، نعم كان مدفونًا في نُعاس عميق للطمع. لقد دخل قلب يهوذا (لو 22: 3)، وجُرح الفَرس، وطرح الفارس الذي عزله عن المسيح[16].
القديس أمبروسيوس
* قال أبونا القديس أنطونيوس: [حدث أنني ذهبتُ إلى الإسكندرية لكي أحصل على بركة العمود المضيء، الحصن والقاعدة الراسخة للإيمان الرسولي، مسكن الروح القدس الباركليت، الذي صار قلبه عرشًا مقدسًا للضابط الكل، هذا الذي كان ثابتًا في الإيمان بالثالوث الواحد المتساوي في الجوهر، والمحبوب من ربنا يسوع المسيح، أثناسيوس العظيمابن الرسل، الذي صار شهيدًا عدة مرات بأمر الملوك بسبب الإيمان المستقيم الأرثوذكسي. ومكثتُ يومين بجواره، وتكلَّم معي في أمور الكتاب المقدس، ولأجل حلاوة كلامه العذب المحيي كنتُ أنام قليلًا، ولما كان يوقظني كان يقول لي: "يا أبّا أنطونيوس، أترك النوم الذي من هذا النوع، لأن الروح القدس قال: "إنهم يرقدون في نعاسهم ولا ينتفعون شيئًا" (مز 75: 5 حسب السبعينية)، فالذي يسهر باعتدالٍ هو الذي يفرح ويمتلئ ببهجة الحياة الأبدية، لأنّ فرح هذه الحياة ليس هو يقينًا الفرح الحقيقي، وحلاوة هذا العالم ليست هي الحلاوة الحقيقية.]
ولما قال لي هذا الكلام جثوتُ وسجدتُ أمامه، ورجعتُ إلى مكاني مسبِّحًا الله.
* إذا جاءك النوم فلا تستسلم له، لأنه مكتوبٌ في الإنجيل المقدس: "اسهروا وصلُّوا" (مت 26: 41)، ومكتوبٌ أيضًا: "كانوا نائمين ولم يكسبوا شيئًا" (مز 75: 5 حسب الترجمة السبعينية).
بستان الرهبان
مِنِ انْتِهَارِكَ يَا إِلَهَ يَعْقُوبَ،
يُسَبَّخُ فَارِسٌ وَخَيْلٌ [6].
يترجمها البعض: "من انتهارك يا إله يعقوب، يغطس رُكاب الخيل في النوم".
لا يحتاج الأشرار المقاومين للحق الإلهي إلا إلى كلمة انتهار من الرب، فتسقط مركبتهم وخيلهم كما في الموت الدائم. لقد تحول ضجيج العدو وتشامخه وصرخات القوة والعنف إلى شبه جنازة حيث يموت الخيل، فيفقد قادة المركبات إمكانياتهم للحركة أو يموت القادة أنفسهم، فتصير الخيول التي تجر المركبات في حكم الموت وعدم الوجود، ليس من يحركهم ويوجههم!
* من هم الذين يمتطون الخيل؟ أولئك الذين لا يريدون أن يكونوا متواضعين.
امتطاء الخيل ليس فيه خطية، إنما الخطية أن يرفع الإنسان عنق السلطة على الله، ويظن في نفسه أنه متميز (عن غيره)[17].
القديس أغسطينوس
* من غضب الله صار موت فرسانهم مثل النعاس. كذلك كانوا يدفعون عمرهم للتهاون والكسل ويتباهون بقوتهم وغناهم. والذين يولعون بالشهوات الجسدية عندما ينتهرهم ربنا يسوع المسيح يوم الدينونة، تخيب كافة أمالهم، ويرتجفون من غضبه، ولا يكون في أياديهم شيء مما اقتنوا في حياتهم الدنيوية.
الأب أنثيموس الأورشليمي
* كما توجد جبال بهية وجبال مظلمة، توجد خيول صالحة وخيول رديئة. عندما جاء الفرسان إلى إليشع للقبض عليه، وخرج خادمه ورأى جيش الأشوريين حول المدينة، قال إليشع: "لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2 مل 6: 16)، ورأى مركبات وخيول. لم يكن يوجد أناس في المركبات وعلى الخيول، إنما رأى فقط مركبات وخيول، بمعنى جماهير من الملائكة. كانوا "مركباتك هي خلاص". هذا يُقال لله، إن كنا نحن فقط خيول الله، وقد تعين أن يقودنا الله! أما الخيول الأخرى فينامون نومهم الطويل، ومعهم الذين يقودونهم.
القديس چيروم
٣. حكم الملك الكاهن
أنْتَ مَهُوبٌ، أَنْتَ.
فَمَنْ يَقِفُ قُدَّامَكَ، حَالَ غَضَبِكَ؟ [7].
بتكرار كلمة "أنت" مرتين يعني المرتل: "أنت وحدك مهوب، وليس آخر مثلك".
في العبارة السابقة يقول المرتل إن المقاومين يسقطون في نوم الموت الدائم، والآن يقول: "فمن يقف قدامك؟"، بمعنى أنه حان وقت الدينونة، ولم تعد هناك فرصة للقيام أمام الرب سواء للمقاومة أو التوبة!
يرى القديس أغسطينوس في هؤلاء المتكبرين المعتمدين على قدراتهم وإمكانياتهم، مقاومين الله، يغطون في النوم، فلا يدركون أن الله ينتهرهم. بهذا يحل يوم الرب العظيم، فيقفوا أمام الرب المهوب حال غضبه.
مِنَ السَمَاءِ أَسْمَعْتَ حُكْمًا.
الأَرْضُ فَزِعَتْ وَسَكَتَتْ [8].
إذ أدان الله الأشرار، وأصدر عليهم حكمًا، سمعت السماء حكمه، وكأنها كانت تترقب في دهشة أمام طول أناة الله على الأشرار. أما الأرض ففزعت وصمتت أمام هذا الحكم، لأنه ليس من يقدر أن يدافع عنهم وقد امتلأ كأس شرهم.
عندما دفع الرب الفلسطينيين ليد شعبه قيل: "وكان ارتعاد في المحلة في الحقل وفي جميع الشعب. الصف والمخربون ارتعدوا هم أيضًا، ورجعت الأرض، فكان ارتعاد عظيم" (1 صم 14: 15).
إن كانت السماء تشير إلى أبناء الله القديسين المضطهدين، فإن الأرض تشير إلى الأشرار المقاومين لهم. ففي وسط الضيق الشديد تنصت نفوس الأبرار إلى حكم الله ورعايته لهم، بينما يحل الفزع بالأشرار الذين يفتخرون بقوتهم وقدرتهم وسلطانهم.
* بمعنى أن انكسار الآشوريين وإبادتهم صارت مسموعة للكل كالرعد من السماء، ومن ذلك فزعت الأرض وسكنت هادئة.
الأب أنثيموس الأورشليمي
عِنْدَ قِيَامِ اللهِ لِلْقَضَاءِ،
لِتَخْلِيصِ كُلِّ وُدَعَاءِ الأَرْضِ. سِلاَهْ [9].
يرى الأشرار كأن الله لا يبالي بالبشرية؛ ليس من أحدٍ يقدر أن يخلص الأتقياء من أيديهم. أما المؤمنون الأتقياء الودعاء والمساكين بالروح فيتمسكون بالوعود الإلهية، ويتهللون بالله منقذهم ومخلصهم، قبل أن يتحقق خلاصهم من أيدي الأشرار.
* من هم ودعاء القلب؟ أولئك الذين لا يمتطون الخيل وهي تصدر صهيلها، إنما في تواضع يعترفون بخطاياهم[18].
القديس أغسطينوس
* عندما يتحقق الشعب أن الله هو ديان، عندئذ يكفون عن أن يخطئوا[19].
القديس ديديموس الضرير
٤. العبادة للملك الكاهن
لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ يَحْمَدُكَ.
بَقِيَّةُ الغَضَبِ تَتَمَنْطَقُ بِهَا [10].
يحول الله الكلي الصلاح حتى غضب الإنسان وشره للخير، كما حول تصرفات إخوة يوسف لمجد اسمه، وقسوة قلب فرعون لخلاص شعبه، وخيانة يهوذا لتحقيق الخلاص الخ. إنه ضابط الكل صانع الخيرات!
جاء في الترجمة السبعينية: "لأن فكر الإنسان يعترف لك. وبقية الفكر يُعيد لك".
يليق بنا إذ نعترف بخطايانا كبداية الفكر، وإذ نذكر عمل المخلص في حياتنا، نقدم تسابيح الفرح والتهليل لعمله معنا. هكذا يميز القديس أغسطينوس بين فكر الإنسان وبقية الفكر، قائلًا: [الأول الفكر، وبعد ذلك بقية الفكر. ما هو الفكر الأول؟ الفكر الصالح الذي نبدأ به هو الاعتراف. فالاعتراف يوحدنا مع المسيح. الآن الاعتراف نفسه الذي هو الفكر الأول، ينتج بقية الفكر، وهذه البقية للفكر تُعيد له. ما هو الفكر الذي يعترف؟ ذاك الذي يدين الحياة القديمة، تلك التي لا تسر... هو رحيل من الحياة القديمة... ولكن إن نسيتم خطاياكم التي تتحررون منها، فإنكم لا تردون الشكر لمخلصكم ولا تعيدون لله[20].]
* لقد أوقفنا كل فكرنا للاعتراف بإنعامك علينا، فإننا لا نشغله بشيءٍ آخر، ولا لدقيقةٍ إلا لتمجيدك.
الأب أنثيموس الأورشليمي
اُنْذُرُوا وَاوْفُوا لِلرَبِّ إِلَهِكُمْ يَا جَمِيعَ الَّذِينَ حَوْلَهُ.
لِيُقَدِّمُوا هَدِيَّةً لِلْمَهُوبِ [11].
يدعونا الله أن ننذر ونفي بالنذر. هنا يميز كثير من الآباء بين النذر العام لكل المؤمنين والنذر الخاص. النذر العام هو تكريس القلب وكل الطاقات لله. فإن كان السيد المسيح القدوس يقول: "من أجلهم أقدس ذاتي"، إنما لكي به نردد: "من أجلك يا رب نتقدس بك ولك يا أيها القدوس".
أما النذر الخاص فهو ليس للجميع، بل حسبما يعلن المؤمن عن محبته لله وشوقه للسمو والكمال. وقد ضرب القديس أغسطينوس مثالًا لذلك. فكل مسيحي متزوج ملتزم بالنذر ألا يعرف امرأة أخرى، أو تعرف هي رجلًا آخر، مادام الطرف الثاني على قيد الحياة. هذا نذر إلزامي. أما إذا انتقل الطرف الآخر ونذر الطرف الأول أن يعيش أرملًا، فهذا نذر اختياري. ويوجد من ينذر أن يعيش بتولًا فلا يتزوج قط لأجل التفرغ للعبادة أو الخدمة الخ.
* لا تتلكأوا في النذر، فإنكم ستوفون النذور ليس بقوتكم. إنكم ستفشلون إن كنتم تعتمدون على أنفسكم. أما إن اعتمدتم على ذاك الذي تنذرون له فإنكم تصيرون في أمان وتوفون النذور. "أنذروا واوفوا للرب إلهكم". ما الذي يلزمنا أن ننذره نحن جميعًا؟ أن نؤمن به، ونترجى منه الحياة الأبدية، ونحيا بالتقوى حسب القياس اللائق بكل البشر[21].
* "يا جميع الذين حوله". من هم المحيطون به... ما هو عام للكل يكون في الوسط. لماذا يُقال في الوسط؟ لأنه على نفس المسافة من الكل، وعلى نفس القرب من الجميع. ما لا يكون في الوسط يكون كما لو كان خاصًا (بمجموعةٍ ما).
ما هو عام يوجد في الوسط، حتى يكون لكل من يأتي أن يستخدمه ويستنير. لا يقل أحد هذا لي، لئلا يعجز عن أن يستخدم نصيبه مما هو في الوسط للجميع... الذين يعرفون إن الحق هو عام للجميع هم متواضعون[22].
القديس أغسطينوس
* ماذا ننذر ونوفي يا إخوة؟ آمنوا به، ترجوا منه الحياة الأبدية، والحياة الصالحة حسب المستوى العام. يوجد مستوى عام لكل البشر. "لا تزنِ" هي وصية للمتزوجين كما لغير المتزوجين... لذلك يلزمنا نحن جميعًا أن ننذر ما هو يخص الإيمان والعدل والعفة أو الرحمة، وبمعونة ذاك الذي ننذر له ذلك نوفي...
ينذر البعض ألاَّ يسمحوا أو يرغبوا في ألاَّ يعرفوا أحدًا في المستقبل، حتى وإن كانوا حاليًا غير متزوجين. هؤلاء نذرهم أعظم من السابقين. آخرون ينذرون هذه البتولية منذ بدء حياتهم، فلا يمارسون قط مثل أولئك الذين حاولوا لكنهم فيما بعد تركوا ذلك؛ هؤلاء أعظم الكل[23].
الأب قيصريوس أسقف آرل
يَقْطِفُ رُوحَ الرُؤَسَاءِ.
هُوَ مَهُوبٌ لِمُلُوكِ الأَرْضِ [12].
يتحدث هنا عن الرؤساء أو القادة، سواء الدينيين أو المدنيين أو العسكريين الذين يضادون الإيمان ويضطهدون المؤمنين، الذين دستورهم العنف والظلم والاستبداد، مثل فرعون في أيام موسى، وأدوني بازق، وشاول الملك وبيلشصر وسنحاريب، وأيضًا ابني عالي الكاهن وقورح وجماعته.
في تفسير هذه العبارة يشعر القديس چيروم بالرعب، إذ يخشى أن يعتمد على كونه راهبًا أو كاهنًا أو رئيسًا لدير ويسلك بروح الكبرياء، فيقف ضده الله نفسه.
* "من يصد روح الرؤساء" [١٢]. يمكننا أن نفهم الروح هنا بطريقتين: إما النفس أو روح الكبرياء. لنحسب القديسين رؤساء. سليمان كمثال كان رئيسًا، والقديسون الآخرون كانوا رؤساء، حتى يهوذا كان رئيسًا، وإذ أخطأوا صد الله روحهم. ليته لا يقل أحد: أنا أسقف، أنا كاهن، أو شماس أو راهب. أنا رئيس في هذا العالم. الله مهوب بما فيه الكفاية ليحطم روح الرؤساء.
مرة أخرى يلزمكم أن تتأكدوا أن الله تنحَّى عن روح الكبرياء. تذكروا كيف فارق روح الله الصالح شاول، وأقلقه روح شرير. يقول الكتاب المقدس إن روحًا شريرًا من الله أقلقه... انسحب الله من شاول حتى يقلقه روح شرير. أخيرًا، إذ يعرف داود القديس أن الله يقدر أن يسحب روح الرؤساء توسل إليه: "روحك القدوس لا تنزعه عني".
"هو مهوب لملوك الأرض" [١٢]. قد يسمح الله لنا أيضًا أن نكون ملوك الأرض، حتى نسيطر على جسدنا. في هذا يقول الرسول: "كذلك لا تدعوا الخطية تملك على جسدكم المائت".
مكتوب في الكتاب المقدس في موضعٍ آخر: "قلب الملك في يد الله". الملوك إذن هم القديسون، وقلوبهم في يد الرب. نحن نتوسل إلى الله أن يجعلنا ملوكًا حتى نسيطر على أجسادنا فتخضع لنا. كلمات الرسول التالية تناسب الموقف هنا: "أُخضع جسدي واستعبده، لئلا بعد ما كرزت للآخرين، أصير أنا نفسي مرفوضًا". لتُؤمر نفوسنا ولتُخضع أجسادنا، عندئذ يأتي المسيح ويجعل له مسكنًا فينا. في كل يومٍ يقف المسيح على باب قلوبنا، مشتاقًا أن يدخل. لنفتح له قلوبنا باِتساع، عندئذ يدخل ويُستضاف، ويسكن فينا ويتعشى معنا.
القديس چيروم
من وحي مزمور ٧٦
لتملك في أعماقي يا قائد المعركة
* أشعل العدو المعركة ضدي،
أراد أن يحول العالم الذي خلقته من أجلي جحيمًا!
لكنك لم تتركني وحدي،
أخفيتني فيك، لكي تهبني بك النصرة.
* تنازلت يا كلمة الله، وتجسدت في أحشاء ابنة داود.
صرت معروفًا في يهوذا،
فإنك أنت الأسد الخارج من يهوذا.
وصار اسمك عظيمًا في إسرائيل الجديد، كنيستك المقدسة.
أتيت رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق، ملك ساليم.
أينما حللت أقمت من الموضع مركزًا للسلام (ساليم)،
وحولته إلى صهيون (حصن أو برج مراقبة) جديدة.
لتسكن في أعماقي، فتصير نفسي مصدر سلام لكثيرين،
وتنفتح بصيرتي الداخلية،
وتصير كبرج مراقبة يرى أسرارك العلوية!
* يحاول العدو أن يرعبني بسهامه النارية الملتهبة
لكنك أنت وحدك تسحق قوسه وسهامه، درعه وسيفه.
تقيم من مؤمنيك جبالًا مقدسة، تتجلى أنت عليها.
تحوِّطهم بمركباتٍ وخيولٍ ناريةٍ.
فيُسبحونك مع إليشع النبي، قائلين:
الذين معنا أكثر من الذين علينا.
* أنت قائد المعركة،
إله مهوب، من يقدر أن يقف أمامك؟
ظن إبليس مع كل قوات الظلمة أنهم يبتلعوننا.
ليس من إمكانية بشرية تقف أمامهم.
لكنك تقوم يا أيها السماوي لتخلص كل ودعاء الأرض.
أنت إله المظلومين،
تقيمهم من المزبلة،
وتجعل منهم ملوكًا وعظماء!
* اِقبل نذري لك يا ملك الملوك.
اِقبل هديتي المتواضعة.
ماذا أقدم لك سوى الشكر الدائم والتسبيح المستمر!
* هب لي يا رب روح الحب والتواضع.
أراك محبًا لكل البشرية.
أراك النور القائم في وسط الجميع.
تريد أن الكل يخلصون، ويستنيرون بك.
تود أن يلتصق الكل بك بلا محاباة!
لتهب الكل نور معرفتك الإلهية.
لينعم الكل بخلاصك.
فتتهلل نفسي بعملك مع الجميع!