رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تأملات في سفر نشيد الأناشيد10 السبت 15 ديسمبر 2012 بقلم :قداسة البابا شنودة الثالث الروحيون يقرأون هذا السفر,فيزدادون محبة لله..أما الجسدانيون فيحتاجون في قراءته إلي مرشد يفسر لهم,لئلا يسيئوا فهمه ويخرجوا عن معناه السامي إلي معان عالمية. من هذه الطالعة من البرية ب كأعمدة من دخان,معطرة بالمر واللباننش8:5نش3:6 كأعمدة من دخان: هنا يتأمل الرب كنيسته في برها وفي عبادتها وفي آلامها من أجله فيقول:من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان؟! لاشك أن عبارة أعمدة من دخانلايمكن أن تعني ذلك الغزل الرخيص الذي يتهمون به سفر النشيد,فلا يمكن أن تقبل امرأة من حبيبها هذا الوصف!ثم هل يتفق هذا التعبير من قوله عن العروس إنها جميلة كالقمر,مشرقة كالشمسنش6:10. نعم,المعنيان يتفقان في المفهوم الروحي.. إن عبارة كأعمدة من دخانتحمل معني روحيا جميلا يليق بالنفس العابدة في علاقتها مع الله فكيف يكون هذا؟ تصور أنك أمام المجمرةالشوريةوأتيت بحفنة من البخور وضعتها فيها,فما الذي يحدث؟يحترق البخور من لهيب النار,ويصعد كأعمدة من دخان زكية الرائحة هكذا الكنيسة. نعم,تصور معي هذا المنظر الجميل:مجمرة مملوءة من النار المقدسة,التي هي الحب الإلهي والمحبة يشبهها سفر النشيد بالنار,فيقول:مياه كثيرة لاتستطيع أن تطفيء المحبةنش8:7. هذه المجمرة وضعت فيها حبات من البخور هي شخصيات القديسين. حبة اسمها القديس أنطونيوس الكبير وحبة اسمها أبا مقار الكبير,وحبة اسمها الأنبا بيشوي ورابعة اسمها القديس أثناسيوس الرسولي وخامسة اسمها الشهيد مارجرجس.. وحبات أخري كثيرة من السواح والمتوحدين والشهداء والبطاركة والأساقفة والأبرار في كل جيل... هذه الحبات اشتعلت بالحب,وطلعت إلي فوق كأعمدة من دخان كرائحة بخور تنسم منها الله رائحة الرضاتك8:21. وتنسمتها الملائكة,فأعجبت برائحتها الزكية وغنت في فرحمن هذه الطالعة من البرية,كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان؟. 000 معطرة بالمر واللبان: كان المر من العطور التي تدخل في تركيب الدهن المقدس. الذي كان يستخدم في المسحة المقدسة في العهد القديم تلك التي مسحت بها خيمة الاجتماع وتابوت العهد وكل أواني الخدمة كما مسح بها هارون رئيس الكهنة وبنوهخر30:23-30. كما كان المر واللبان من تقدمات المجوس للمسيح. اللبان كان يرمز إلي الكهنوت. والمر كان يرمز إلي الآلام وإلي رائحة الحياة الطيبة. وبكل هذا تعطرت الكنيسة وتعطرت النفس البشرية التي تحب المسيح. ومن العطور المقدسة الميعة والسليخة ,لذلك فإن المرتل قال للكنيسة في المزمورالمر والميعة والسليخة من ثيابكمز45:8. لذلك لم يكتف سفر النشيد بأن يجعل العروس معطرة بالمر واللبان فقط.وإنما أضاف وبكل أذرة التاجربكل العطور جميعها.. وكل أذرة التاجر. وأنت أيها الابن المبارك-بعد عمر طويل-عندما تصعد روحك إلي فوق:هل تكون زكية الرائحة معطرة بالمر واللبان وبكل أذرة التاجر؟أم تفوح منها رائحة الخطية البشعة لا سمح الله.. لأن بعض الناس حينما يموتون تمتليء حجراتهم برائحة البخور وآخرون تتعفن أجسادهم بسرعة ويحاول أقرباؤهم أن يدفنوهم قبل أن تفوح الرائحة! والآن نسأل:ما هي أذرة التاجر التي تتعطر بها الروح؟ هي ثمار الروح التي قال عنها الرسولوأما ثمر الروح فهو محبة,فرح,سلام,طول أناة ,لطف صلاح إيمان ,ووداعة,تعففعل5:23,22..هي الطهارة والنقاوة والقداسة وحرارة الروح والشوق إلي الله.هي زيت العذاري الحكيمات وشركة الروح القدس,هي البذل والعطاء,والجهاد...هي ثمر الإيمان,وثمر التوبة.. وتري من هو التاجر؟ هو الذي قال عنه الرب يشبه ملكوت السموات إنسانا تاجرا يطلب لآليء حسنة فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضي وباع كل ما كان له واشتراهامت13:16,15. هو التاجر الذي يقول للرب في اليوم الأخيريا سيد ,خمس وزنات سلمتني هوذا خمس وزنات أخر ربحتها فوقهامت25:20. وأيضا التاجر هو كل خادم للرب يقدم للناس الروحيات ويقول مع القديس بولس الرسولصرت للكل كل شيء لأخلص علي كل حال قوما1كو9:22. هؤلاء التجار الحكماء ملأوا الكنيسة عطرا ولبانا ومرا وميعة وسليخة وقرفة وعودا وقصب ذريرةخر30:23-25..وكل أذرة التاجر..كل فضيلة وبر من كل نوع.. 000 وهكذا ارتفعت الكنيسة إلي الربأعمدة من دخانوهو: دخان الذبائح والمحرقات: كانت الذبائح والمحرقات توضع علي المذبح وتوقد النار فترتفع أعمدة من دخان. وقد طلب إلينا القديس بولس الرسول أن نتشبه بتلك الذبائح عندما قالأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقليةرو12:1. فياليتنا نعيض علي الأرض كذبيحة كمحرقة علي المذبح تلتهمها النار المقدسة. وتصعد كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر. وتقديم النفس كذبيحة أمر واضح في صلواتنا:يقول المرتل فلتستقم صلاتي كالبخو قدامك وليكن رفع يدي ذبيحة مسائيةمز141:2فلتستقم صلاتي كالبخور أي كأعمدة من دخان كذبيحة مسائية,وكما قال المرتل أيضا باسمك أرفع يدي فتشبع نفسي كما من لحم ودسممز63:5,4 أبعد هذا يقول إنسان إن سفر النشيد يعثرني!! بل تعثرك يا أخي أفكارك الجسدانية التي لم ترتفع بعد عن هذا المستوي الجسداني.. ولم تصعد إلي فوق,كأعمدة من دخان. 000 الطالعة من البرية: عبارةالطالعة من البرية قد تطلق علي كنيسة العهد القديم كما تطلق أيضا علي كنيسة العهد الجديد المزينة بالفضائل التي يعمل فيها الروح القدس بكل مواهبه بكل أذرة التاجر. فإنه قيل:بالروح يعطي لواحد كلام حكمة ولآخر كلام علم ولآخر إيمان ولآخر مواهب شفاء,ولآخر عمل قوات,ولآخر نبوة ولآخر تمييز أرواح ولآخر ترجمة ألسنة..هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء1كو12:8-11...هذه كلها من أذرة التاجر. وعبارة الطالعة من البرية ربما تقصد بها الصلوات. الكنيسة ليلا ونهارا تصعد منها صلوات والحان وتسابيح ..كلها تصعد إلي فوق فتستقبلها الملائكة بهذا النشيدمن هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان وبكل أذرة التاجر..صلوات معطرة بالحرارة,والإيمان,والخشوع,والفهم,والتأمل ,والشكر..وكل أذرة التاجر... فهل كنيستنا اليوم لاتزال -كما كانت في القديم-كنيسة صلاة؟ هل كل نفس فيها ترتفع منها كل يوم صلوات وتسابيح وتراتيل ومزامير وأغان روحيةكو3:16أف5:19أم أن الملائكة ينتظرونها بلا جدوي وكأنها في عطلة أو غفوة!!لا مر ولا لبان ولا شيء من أذرة التاجر!هل كل بيت من بيوتنا تصعد منه أعمدة الدخان المقدسة,كأعمدة الهيكل معطرة بالمسحة المقدسة بالمر واللبان. ما أجمل أن يقول الملائكة بعضهم لبعض:هلم ننظر مصانع الروحيات في هذا البلد المقدس,تطلع منها أعمدة من دخان معطرة بالمر واللبانيكلمون بعضهم بمزامير وتسابيح وأغان روحية مترنمين ومرتلين في قلوبهم للربشاكرين كل حين علي كل شيءأف5:20,19. هناك أشياء مهما حاولت أن تكتمها لا تستطيع. روائح عطرة جميلة لايمكن أن تخفيها لايمكن أن تخفي مدينة كائنة علي جبلمت5:14ولايمكن أن تكتم روائح بستان مملوء بالورد والفل والريحان..هكذا الكنيسة -العالم الآخر يتأمل جمالها العجيب في قدسيتها وطهرها في حرارتها وعبادتها في محبتها لله والناس في كل مافيها من أذرة التاجر. تصوروا أن الكنيسة أصبحت موضع دهشة الملائكة.. أصبحت موضع دهشة السماء.بل موضع دهشة العالم كله ينظر إليها فينذهل:ما هذا الجمال؟ما هذا السمو والعلو؟ما هذا الصبر في الجهاد؟ما هذه المثالية؟لم نر قبل مثل هذا..من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان,مثلما دخل المسيح أورشليم فقالوا:من هذا..؟! مت21:10وارتجت المدينة كلها. موقف روحي يتميز به عمل ما,فينظر إليه الكل في دهشة: ويقولون:قد رأينا اليوم إنسانا عجيبا شخصية من نوع فريد!من هذا الإنسان؟في أمانته,في دقته,في رقته,في أدبه,في محبته,في فهمه؟..تري من تكون هذه الشخصية؟من هذه الطالعة من البرية معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر. عبارة كل أذرة التاجر,تشير أيضا إلي كمال الكنيسة: ليست متحلية بفضيلة واحدة فقط,وإنما بالكل بكل أذرة التاجر..بكل بركات النعمة بكل ثمر الروح.. كنيسة جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان2تي4:7جمعت كل الخير جمعت الإيمان والأعمال تعبت من أجل الرب ولم تكلرؤ2:3. أما نحن فقد دخلنا علي ما لم نتعب فيه.. آخرون تعبوا ونحن دخلنا علي تعبهميو4:38. إننا ننظر إلي كنيسة الآباء في إعجاب شديد,وهي معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر,مستندة علي حبيبها, ونقول من هذه التي طلعت من البرية؟كيف وصلت إلي هذه الدرجة؟!. |
|