الأقباط والفن بين الهوية والعقيدة-9
السبت 03 نوفمبر 2012
القمص روفائيل سامي
يوكد لنا تاريخ الأقباط أن الإنسان القبطي علي مر العصور والأزمنة صاحب عقل وفكر مبتكر منذ وجوده وهو يسجل عبر أروقة التاريخ ابتكارات في كل المجالات فهو صاحب أول أبجدية في التاريخ لولاها ما عرف العالم الحضارات والثقافات التي سطرتها البشرية علي الورق الذي أبدع الإنسان المصري في صنعه والكتابة عليه ونقل عنه العلماء في كل أنحاء الدنيا فنون الثقافة والمعرفة والبحث معترفين بعبقريته التي فتحت أبواب العلم والمعرفة والرقي لكل الدنيا في ظل حرية الفكر والإبداع كما عبر فولتير قائلا:إذا طرق الرقي باب أمة سأل
أولا:هل لديكم فكر حر؟فإذا أجابوه لا هرب وتأخرت الأمة وإذا أجابوه نعم دخل وأرتقت الأمة فالرقي يحتاج منا أن نرجع إلي حرية الأجداد الفكرية التي أبدعت وتركت لنا ميراثا حضاريا نفخر به وشهد العالم كله أن الإنسان المصري هو أول من فتح أبواب المعرفة بفنونه المختلفة بداية من الكتابة وصناعة الورق والعلاج بالأعشاب وفنون الطب المختلفة التي إلي الآن يسبح العالم في بحرها قاصدا شاطيء الحياة وربما تغيب الذاكراة عن الفن الموسيقي الذي ينسبه البعض إلي الغرب فنعود بها ونقول إن أول من اخترع السلم الموسيقي ثلاثي ثم خماسي ثم سباعي هم الأقباطالمصريينالذين صنفوا لنا الألحان الفرايحي والحزايني واستخدموها في كل المناسبات ونقشوا علي جدران معابدهم كثيرا من أشكال الآلات الموسيقية المستخدمة في العبادة ولعلك يا عزيزي تشاركني الرأي عندما تنظر إلي المعابد في شكلها وهندستها المعمارية وأيضا المقابر العملاقة وغيرها من الصروح القديمة التي تشهد أن الإنسان المصري القديم كان بارعا في فن العمارة والبناء.. ألم تنظر إلي الأهرامات وتلك التوابيت ومن فيها والتي أبهرت العالم كله بعد آلاف السنين وهي تشهد لفن التحنيط عند الأجداد الذين كانوا يؤمنون بفكر الأبدية والخلود لذلك برعوا في التصوير والنحت وتحضير المواد المستخدمة فيهما مثل الأدوات المستخدمة في النحت والألوان المستخدمة في الرسم والتصوير علي الجدران والتي إلي الآن يأتي إليها الأجانب من كل مكان في العالم ليروا براعة الفن المصري وكيف استخرجوا الألوان التي تبهر الناظر إليها حتي الآن دون أن يؤثر فيها أي من المؤثرات الزمنية أو العوامل الجوية بل كل يوم تزداد رونقا وجمالا يجعل الإنسان يسأل من أين أتي المصري القديم بهذه الألوان الزاهية البراقة؟.. فالإجابة جاء بها الأجداد من الطبيعة التي حولهم فتارة من الزهور وثمار الأشجار ونبات النيلة والحشرات مثل الفراشات أما تلك الألوان التي ينسبها العالم إلي مصر وأهمها الأزرق المصري وكان يحضر من الرملالسيلكاالمنصهر في درجة حرارة1000 مئوية واللون الأخضر كان يحضر في درجة 900 مئوية أما اللون الشفاف 1200 مئوية واستخدم الأجداد الذهب في التذهيب للتماثيل الخشبية ومادة الغراء التي استخدموها في التثبيت واستخرجوها من أظافر الحيونات والعسل الأبيض والبيض وشجر السنط وكان عندهم طرق خاصة لتحضير هذه الألوان والمثبتات التي استخدموها في كل فنون الرسم والتصوير وجعلوا إنتاجهم الفني محفوظا لنا حتي الآن دون أن تبهت ألوانه أو تضعف خاماته أمام العوامل الجوية علي مر العصور وهاهي آثار توت عنخ آمون التي جالت كل العالم وتتهافت عليها كل بلدانه لإلقاء نظرة علي عظمة مصر وفنها.. حقا إنها مصر أم الدنيا وهؤلاء هم أجدادنا ونحن فخورون بهم أمس واليوم وغدا ومدانون لهم بكل ثقافة وعلم وفن لأنهم أصل كل ذلك ولم يتركوا مجالا حياتيا إلا ومارسوه وتركوا لنا رصيدا وكنزا في أصوله وأساسياته التي إلي الآن العالم يبحث ويحاول الكشف عنها ولم يستطع فمصر الطب والثقافة والهندسة والعمارة والنحت والتصوير وفنون الحرب والإدارة وغيرها مازالت فينا ولعلك تكتشفها كل يوم في أبنائها البررة الذين يحبونها مثال من نظموا وأداروا كيف تكون انتخابات البابا ال118 وبرعوا شاهدهم كل العالم وشهد لهم قائلا أنهم أبناء مصر البررة الذين يحبون ويعطون عن حب وليس طمعا فيها لهذا عاشت مصر فينا ولايمكن لأحد علي وجه هذه البسيطة أن يمحو هويتنا القبطية أي المصرية عنا مهما طال الزمان ووفدت إليها الشعوب فمصر هي مصر التي تغني لها أمير الشعراء قائلا:
مشت بمنارهم في الأرض روما ومن أنوارهم قبست أثينا
تعالي الله كان السحر فيهم أليسوا للحجار منطقينا
وسر العبقرية حين يسري فينتظم الصنائع والفنونا
وإلي اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الرب وعشنا.