رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فم غاش وتصرفات شريرة كان داود المرتل يعاني من خداع الأعداء، وقد اتسمتْ كلماتهم بثلاث صفات وهي الشر والخداع والكذب. أما قلبهم فسمته الرئيسية هي الكراهية. قدَّم المرتل حبًا وحنوًا وتلقي بغضة في هذا الموقف كان داود رمزًا للسيد المسيح، الحب ذاته، وموقف خاصته منه. لأَنَّهُ قَدِ انْفَتَحَ عَلَيَّ فَمُ الشِّرِّيرِ، وَفَمُ الْغِشِّ. تَكَلَّمُوا مَعِي بِلِسَانِ كَذِبٍ [2]. يقول الإنجيلي: "وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا. لأن كثيرين شهدوا عليه زورًا، ولم تتفق شهادتهم، ثم قام قومٌ وشهدوا عليه زورًا، قائلين: "نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي، وفي ثلاث أيام أبني آخر غير مصنوع بأيادٍ. ولا بهذا كانت شهادتهم تتفق" (مر 14: 55-59). لقد شهد الحاكم: "إني بريء من دم هذا البار، أبصروا أنتم" (مت 27: 24). * "قد انفتح عليَّ فم الشرير"، لأن الكراهية التي كانت مغطاة بالخداع قد تفجَّرتْ إلى لغة (كلمات). "تكلموا معي بلسان كذب"، حدث هذا بصورة واضحة عندما مدَحوه بكونه مُعَلِّمًا صالحًا بتملقٍ غادرٍ. في موضع آخر قيل: "الذين يمدحونني كانوا يتحالفون عليّ" (مز 102: 8 LXX). إنهم إذ انفجروا في صراخ: "أصلبه، أصلبه" (يو 19: 6) قيل: "بكلام بغض أحاطوا بيّ" . القديس أغسطينوس * "لقد فتحوا أفواههم الشريرة والغاشة عليّ". لنفكرْ في يهوذا الخائن وغدره الغاش ضد الرب. لقد جاء إلى الرب عن عمدٍ لكي يخونه ويدعوه "ربوني"، يا سيد (راجع مت 26: 49). هنا نجد مثلًا كاملًا عن فم الخاطئ الغاش. في حنوي أريد أن أُخَلِّصه؛ لقد تجاوبت مع قُبْلَتِه، فشوقي عظيم أن أتغلب على مكره، لكنه هو مُصِّر على غشه وخيانته لي. هذه هي قصة يهوذا، على وجه الخصوص، وبصفة عامة هي قصة اليهود. في الوقت الذي صرخوا فيه: أصلبه، أصلبه (يو 19: 6) كانت شفاههم شفاه خاطئة تسيء إلى ربها. * "تكلموا معي بألسنة كاذبة". كنتُ أطلب من أجلهم، وهم كانوا يكيلون لي الشتائم. كانت جراحاتي لأجل شفائهم، وهم تطلعوا إليّ بسخرية. القديس جيروم بِكَلاَمِ بُغْضٍ أَحَاطُوا بِي، وَقَاتَلُونِي بِلاَ سَبَبٍ [3]. لقد حمل المقاومون للسيد المسيح عداوة ضده بلا سبب. لم يستريحوا حتى سفكوا دمه. * "بكلام بغض أحاطوا بيّ".ليس في نيتهم أن يؤمنوا، وإنما فقط أن يهاجموني ويسحقونني. "وقاتلونني بلا سبب"... لم أرتكب جريمة، لهذا لا أستحق هجومهم. أي عذر لهم أن يحاربونني؟ هل لأني شفيتُ مرضاهم؟ هل لأني أقمتُ أمواتهم إلى الحياة...؟ والأمر الثاني أنهم غير شاكرين. يريدون أن يمحوا اسمي ويبيدوه، ولم يستطيعوا. عندما يتآمر إنسان في بغضة ضد آخر ولا ينجح ولا يحقق ذلك يضطهده بلا سبب. القديس جيروم بَدَلَ مَحَبَّتِي يُخَاصِمُونَنِي. أَمَّا أَنَا فَصَلاَةً [4]. كانت محبة السيد المسيح للبشرية واضحة خلال أعماله واهتمامه بشفاء كل ضعفات الجسد مع اهتمامه بخلاص نفوسهم، أما هم فردُّوا له محبته بالعداوة. كلما جال يصنع خيرًا تلتهب في داخلهم نيران الحسد والكراهية. كثيرًا ما كان يقضي الليل في الصلاة، لكي ما يحملنا فيه إلى هذا العمل وسط ضيقاتنا. فتدفعنا مقاومة الأشرار لنا إلى الالتجاء إلى عرش نعمته، فننعم بروح الحب للمقاومين. جاءت ترجمة "أما أنا فصلاة" هكذا: "أما أنا فكنت أصلي من أجلهم". هذه العبارة تكشف عن قلب داود ومنهجه، فإنه إذ كانت المقاومة ضده من كل جانب، كان ملجأه هو الصلاة، لا لكي يهبه الرب حكمة في التصرُّف فحسب، وإنما لكي يعطيه فهمًا روحيًا وحكمة بالنسبة للمقاومين إليه، فيرجعوا عن الشر الذي في قلوبهم. * العبارة: "بدل محبتي يخاصمونني" [4] لا توحي بشيء سوى أن المقاومة جاءت من شخص يُحسِنُ إليه، وكان يستحق منه الحب ونوال مكافأة، لكنه قدَّم له ما هو مضاد لهذا... "أما أنا فكنت أصلي من أجلهم" [4] أترون الوداعة؟ أترون تقوى الروح؟ يقول: إني لم أستخدم أسلحة، ولا أثرت معركة. عوض هذا كنتُ ملجأً لكم، وقُمتُ بمساندتكم، بأعظم أسلحة لها فاعليتها، قدَّمتُ عونًا لا يُغلَب . القديس يوحنا الذهبي الفم * بدل حنوي الذي قدَّمته بسخاء نحوهم، يفترون عليّ. ولكن ماذا فعلت؟ صلَّيْتُ هذا هو سلاح الرب، هذا هو سلاحنا نحن أيضًا، الصلاة! إن كان أحد يضطهدنا ويكرهنا، لنفعل هكذا (نصلي)... ماذا كانت صلاته...؟ يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعْلَمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). القديس جيروم * توجد ستة تصرفات مختلفة يمكننا أن نضعها في أذهاننا: أ. مقابلة الشر بالخير. ب. عدم مقابلة الشر بالشر. ج. مقابلة الخير بالخير. د. مقابلة الشر بالشر. هـ. عدم مقابلة الخير بالخير. و. مقابلة الخير بالشر. التصرف الأول والثاني خاصان بالصالحين، الأول أفضل من الثاني. التصرفان الأخيران خاصان بالأشرار، الأخير أشر من السابق له. التصرفان اللذان في المنتصف يخصان نوع من الشخصيات التي في المنتصف ما بين الصالحين والأشرار. يليق بنا ملاحظة ذلك في الأسفار المقدسة. ربنا نفسه يرد الخير مقابل الشر، إذ يبرر الفاجر (رو 4: 5). وعندما عُلِّق على الصليب، قال: "يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). القديس أغسطينوس وَضَعُوا عَلَيَّ شَرًّا بَدَلَ خَيْرٍ، وَبُغْضًا بَدَلَ حُبِّي [5]. لم يجد المقاومون في المسيح شرًا ليقاوموا شرًا بشرٍ بروح الانتقام. وإنما إذ قدَّم خيرًا ردوه إليه شرًا، لا بروح الانتقام، وإنما بروح الوحشية والعمل الشيطاني. هنا يُمَيِّز القديس أغسطينوس بين الإنسان الذي يرد الشر بالشر وبين القاضي الذي يعاقب الشرير، فإنه لا يرد الشر بالشر، إنما يرد الظلم بالعدالة، والعدالة هي بالتأكيد صالحة. حب العدالة أمر نافع حتى للشرير. * "وضعوا عليّ شرًا بدل خير، وبغضًا بدل حبي" هذا هو جُرْمُهم العظيم. إذ كيف يمكن للمضطهدين أن يضروا من مات بكامل حرية إرادته وليس قهرًا؟ إنما البغضة هي الجريمة الكبرى للمُضطهِد، حتى وإن كان التكفير تحقَّق بإرادة المتألم نفسه. وقد أوضح ذلك بما فيه الكفاية بقوله: "بدل حبي"... وقد أشار إلى هذا الحب في الإنجيل، عندما قال: "كم مرة أرادت أن أجمع أولادك... ولم تريدوا" (مت 23: 37). القديس أغسطينوس * أترون مدى الشر؟ أترون مدى شركته في تدبير المكائد؟ أتنظرون التصميم على الشر؟ هذا بالطبع السبب الدافع للسخط أمام الله، عندما يرتكب المجرمون جرائمهم عن عمدٍ، بطريقة محسوبة وفي باعٍ طويلٍ في الممارسة. إنكم ترون أنه إذا تعثر شخص عندما يُفاجأ بأمرٍ أو يُخدَع يختلف عمن يمارس شرًا ضد آخر غير شرير . القديس يوحنا الذهبي الفم * "وضعوا عليّ شرًا بدل خيرٍ". عندما عُلقتُ على الصليب ترافعت عن الذين كانوا يصلبونني، وهم سخروا مني: "يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام، خَلِّصْ نفسك. ليأت الآن الآب الذي يحبك ويُخَلِّصك" (راجع مت 27: 39-44). من أجلهم قمتُ من بين الأموات، وهم يقولون: جاء تلاميذه ليلًا وسرقوه (مت 28: 13). "وبغضًا بدل حبي" . فكر مليًّا أيها المسيحي... إن كان الرب قد استقبل المتآمر عليه والخائن بقُبْلة، وصلَّى من أجل مضطهديه، فما هو واجبنا نحو إخوتنا؟ القديس جيروم |
|