منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 17 - 09 - 2022, 06:38 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003


الاحد الرابع من المجيء: هوية يسوع ورسالة يوسف(متى 1: 18-24)

الاحد الرابع من المجيء: هوية يسوع ورسالة يوسف (متى 1: 18-24)





يصف انجيل الاحد الرابع (متى 1: 18-24) موقف يوسف ودوره تجاه ميلاد يسوع المسيح، "عمّانوئيل"، أيّ الربّ معنا ويدخل شخصيّاً في البشريّة؛إنّ السرّ الحقيقي للميلاد هو: الربّ قريب من الإنسان ليتضامن معه ويخلصه. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع نص الإنجيل وتطبيقاته.



أولا: وقائع نص الإنجيلي (متى 1: 18-24)



18أَمَّا ميلاد يسوعَ المسيح فكانَ أنَّ مَريمَ أُمَّه، لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف، وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس.



تشير عبارة "ميلاد" في الترجمة الاصلية اليونانية γένεσις أي تكوين يسوع المسيح . قد تكون الولادة بحسب اللحم والدم، او ولادة بالتبنِّي. وإن أمر الميلاد الشرعي، الذي أثبته نسب ( γένεσις)يسوع، (متى 1: 1) يشير الى ان يوسف، ابن داود، قَبِلَ يسوع في سلالته استند إلى أقوال يوسف (متى 2: 13)؛ اما عبارة " َمخْطوبةً " فتشير الى مثابة زواج، وليست كالخطوبة عند المسيحيين أو المسلمين، ويجب أن تمر فترة زمنية حتى يسكنا معًا ويعرفا بعضهما؛ وهذا هو الوضع الذي حملت فيه العذراء بالمسيح. فقد شدد متى الإنجيلي على رسالة يوسف (متى 1: 18)، وهي الوصول الى يسوع وارتباطه بمريم. إذ ان يوسف ابن داود تقبل يسوع في سلالته. فيسوع هو ابن داود، مع كونه مولوداً من عذراء، وقد استشهد متى بنبوءة اشعيا (اشعيا 7: 14) المعبّرة عن ميلاد المسيح من عذراء، وهكذا دل متى الإنجيلي بواسطة الولادة على ان يسوع يتجذر في سلالة داود. اما عبارة "يوسُف" اسم عبري יוֹסֵף معناه "يزيد" وهو زوج مريم العذراء (متى 1: 16) ومن بيت داود من بيت لحم (متى 1: 20). وقد هاجر الى الناصرة (لوقا 2: 4)، ومارس مهنة النجارة (متى 13: 55). ومن المرجح ان يوسف مات قبل ان يشرع يسوع في خدمته العلنية لأننا لم نسمع الاّ عن اعمال مريم بعد ظهور يسوع للخدمة العلنية بين الناس. اما عبارة "وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا " فتُشير إلى الوقت الذي سبق الزواج حيث كانت مريم على وشك أن تصير زوجة. وقبل حدوث ذلك وُجدت حُبلى من الروح القدس. لكن لا يتبع هذا أن يجتمع يوسف بمريم بعد الولادة. فمريم بقيت عذراء قبل الولادة بيسوع وأثناء الولادة وبعد الولادة؛اما عبارة " حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس" فتشير الى عمل الروح القدس بها " الكلمة صار جسداً. وهذا يدل على ان الطفل ليس عاديا لأنه " إنسان وإله". فهو إنسان لأنه وُلد من امرأة، وعاش إنساناً وعرف اختباراتنا في الحياة وكفاحنا فيها (العبرانيين 4: 15) واستطاع ان يعيش ويموت لخلاص كل من يؤمن به. ولكن ابن الله فقد ولد منزّهاً عن خطيئة البشر، وله القوة والسلطان ان يخلصنا من الخطيئة (قورنتس 2: 15). وعليه فإنه لا يمكن أن يموت يسوع عن نفسه بل عن البشرية فهو بلا خطيئة وغير وارث للخطيئة الأصلية.



19وكان يُوسُفُ زَوجُها باراًّ، فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، فعزَمَ على أَن يُطلِّقَها سِرّاً.



تشير عبارة " زَوجُها "الى ان يوسف هو رجل مريم العذراء بحسب طريقة الزواج في المحيط اليهودي. فالخطوة الأولى في الزواج اليهودي قائمة بمجرد موافقة الاسرتين على الارتباط، والخطوة الثانية تقوم بإذاعة الامر علنا ويصبح العروسان مرتبطين برباط لا ينفصم الاَّ بالموت او الطلاق. واما الخطوة الثالثة فهي المساكنة وإتمام العلاقة الزوجيّة الجسديّة. وبما ان مريم ويوسف كان متواعدين بالزوج فكان في الخطوة الثانية من الزواج وبالتالي كان الطلاق الشرعي وحده يفسخ الوثاق الذي يربطها؛ اما عبارة "باراًّ "فتشير الى ان يوسف يحفظ الفروض والطقوس اليهودية والشريعة اليهودية بغيرة وأمانة (لوقا 2: 21-24)، فهو بار حين فعل ما أمره به ملاك الرب متقبلا مخطط الله بالرغم من عدم فهمه له؛ اما عبارة "فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، فعزَمَ على أَن يُطلِّقَها سِرّاً" فتشير الى إجراءين جائزين ليوسف بحكم الشريعة اليهودية والعُرف : إمّا ان يُشهر أمرها أي أن يحاكمها أمام الشيوخ فترجم حسب شريعة موسى، وهو تمام البرّ والعدل ، لان الشريعة تطالبه برجمها "وإِذا كانت فَتاةٌ عَذْراءُ مَخطوبةً لِرَجُلٍ، فصادَفَها رَجُل في المَدينَةِ فضاجَعَها، فأَخرِجوهُما كِلَيهِما إِلى بابِ تِلك المَدينة واَرجُموهما بالحِجارةِ حتَّى يَموتا. أَمَّا الفَتاة، فلأَنَّها لم تَصرُخْ وهي في مَدينة، وأَمَّا الرَّجُل، فلأَنَّه اَغتصَبَ امرأَةَ قَريبِه، فاَقلعَ الشَرَّ مِن وَسْطِكَ" (تثنية الاشتراع 22: 23-24)، او يطلقها سرا أي ان يطلقها أمام شهود بدون علة حتى لا يشهرها كما جاء في الشريعة اليهودية "إِذا اتَخَذَ رَجُلٌ اَمرَأَةً وتَزَوَّجَها، ثُمَّ لم تَنَلْ حُظْوَةً في عَينَيه، لأَمرٍ غَيرِ لائِق وجَدَه فيها، فلْيَكتبْ لَها كِتابَ طَلاقٍ وُيسَلِّمْها إِيّاه ولَصرِفْها مِن بَيته"(تثنية الاشتراع 1:24). ويعلق القديس ايرونيموس "إن لم يتخلَ عنها يُحسب يوسف مذنبًا حسب الشريعة، فإنه ليس فقط من يرتكب الخطيّة يتحمّل وزرها، وإنما من يشاهدها ولا يتخذ موقفًا منها"؛ ولان يوسف رجل بار كن ينوي ان يتخذ الاجراء الثاني. فكر يوسف في فسخ الخطوبة دون ان يفضح الامر او ان يلحق بخطيبته مريم أي أذى. وقد وضع يوسف الانسان (مريم) وليس الشريعة (القوانين) في مركز الأول. فالشريعة في خدمة الانسان وليس الانسان في خدمة الشريعة. فالبر هو هنا هو الانفتاح على مشيئة الربّ.


20وما نَوى ذلك حتَّى تراءَى له مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلمِ وقالَ له: ((يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس،




تشير عبارة " مَلاكُ الرَّبِّ " إلى تدخل الله نفسه (التكوين 16: 7) حيث انه ما من زوج ينتظر منه تصديق حقيقة الحمل البتولي ما لم يُعلن له الحق بكيفية هذا الامر غير الاعتيادي. ولا بد من التمييز بين ملاك الرب والملائكة. الملائكة هم كائنات حية روحية خلقها الله للقيام بما يريد ه على الأرض. وهم يحملون رسائله الى الناس (لوقا 1: 26)، ويحمون شعبه (دانيال 6: 22) ويمنحون التشجيع (التكوين 16: 7) ويقدِّمون الارشاد (خروج 14: 19)، ويوقعون العقاب (2 صموئيل 24: 16)، ويحرسون الأرض (زكريا 1: 10) ويحاربون قوات الشر (2 ملوك 6: 16)؛ أمَّا عبارة " الحُلمِ" فتشير الى وسيلة بها يُكلم الرب يوسف ابن داود وتكشف حضور الرب في الحياة الشخصيّة. وقد ورد ذكر الحلم في إنجيل متى خمس مرات: الحلم الّذي يُنبّه المجوس كي لا يعودوا إلى هيرودس (متّى 2، 12)؛ والحلم الّذي يُنبّه يوسف كي يهرب إلى مصر (متّى 2، 13)، والحلم الّذي يأمره العودة من مصر (متّى 2، 20 و22)؛ وأخيراً حلم زوجة بيلاطس (متّى 27، 19)، الّتي تُرسل إلى زوجها من يقول له بأن لا يكون له أيّة علاقة مع يسوع البارّ، لأنّها حلمت به حلماً أقلقها كثيراً. وكانت الاحلام في الشرق تعتبر وسيلة للإعلان، ولا زالت كذلك اليوم؛ اما عبارة "ابنَ داود" فتشير الى الصيغة العبرية للدلالة على سلالة داود، وان المولود هو المسيح ابن داود المنتظر؛ اما عبارة " امرَأَتِكَ " فتشير الى أن الخطبة في الطقس اليهودي تعطي ذات الحقوق والالتزامات الخاصة بالزواج فيما عدا العلاقة الزوجيّة الجسديّة التي تتم بعد المساكنة. هذا هو السبب لدعوة الملاك إيّاها "امرأتك". ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "هنا يدعو الخطيبة زوجة، كما تعوّد الكتاب أن يدعو المخطوبين أزواجًا قبل الزواج. وماذا تعني "تأتي"" παραλαβεῖν؟ أي تحفظها في بيتك، أي تحفظها في بيتك فهو كان ناويًا أن يخرجها.لأنه بالنيّة قد أخرجها. احفظ هذه التي أخرجتها، كما قد عُهد بها إليك من قبل الله، وليس من قبل والديها".



21وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع، لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم)).



تشير عبارة "ستَلِدُ" الى ان يسوع سيُولِدَ من امرأة، فهو لا يحتقر جنس البشر بل يكره الخطيئة؛ اما عبارة "يسوع" Ἰησοῦν فهي اللفظة اليونانية للفظ العبري يشوع יוֹשִׁיעַ ومعناه "الرب يخلص" كما أعلن بطرس هامة الرسل " لا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص" (اعمال الرسل 4: 12)؛ وأما اليهود فقد فهموا الخلاص بطريقة غير صحيحة، وهو أن الخلاص يكون من الرومان أو من أي مصائب وقتية، وما زال البعض حتى الآن يفهمونها هكذا. وكان هذا هو الفهم الخاطئ لتلميذي عمواس (لوقا 21:24)؛ اما عبارة " فسَمِّهِ يسوع" فتشير الى كشف الملاك ليوسف عن حبل مريم البتولي والعهد اليه بإعطاء اسم يسوع للولد، وكأنه ابوه او قد يشير الى كشف الملاك ان ليوسف دوراً رئيسيا يقوم به، بالرغم من حَبل مريم بقوة الروح القدس، وهو ان يُسمي هذا الولد باسمه فيكون الطفل بذلك من ذرية داود. اما يسوع، كابن الله، فهو علامة حضور الله الخلاصي؛ اما عبارة " يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم " فتشير الى يسوع يخلص من جُرم الخطايا وعقابها كما يخلص من سلطانها وقوّتها. ان هذا البيان أساسي في مستهل العهد الجديد.


22وكانَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ:




تشير عبارة "يَتِمَّ " الى تحقيق النبوءة بكمالها (متى 5: 17). فأقوال العهد القديم تتحقق في العهد الجديد، وتردد هذه العبارة " لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ" نحو 20 مرة في انجيل متى. وهكذا ارتبط العهدان، بما أن العهد القديم هو كلام الله ومشيئته، فهذا يعني ان مشيئة الله بدأت تتم في يسوع منذ حُبِلَ به؛ واما عبارة " ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ " فتشير إلى ان الرب هو مصدر النبوءة، والنبي هو الناطق بلسان الله. وهذا هو اول استشهاد لمتى الانجيلي للدلالة على تحقيق نبوءات حول أحداث يسوع الكبرى (متى 1: 22، 2: 15، 4: 14، 8: 17، 13: 35، 21: 3، 27: 9).



23 ((ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ابناً يُسمُّونَه عِمَّانوئيل)) أَيِ ((اللهُ معَنا)).



تشير عبارة "العَذراءَ" παρθένος وفي العبرية הָ עַ לְ מָ ה الى فتاة عذراء قد تكون مخطوبة لكن غير متزوجة، وجاءت هذه الصفة مطابقة على القدّيسة مريم تمامًا. اما عبارة " عِمَّانوئيل" فتشير الى نص اشعيا (اشعيا 7: 14). وقد تبنأ أشعيا بمولد عمانوئيل، أي المسيح المنتظر قبل مولده بسبعة قرون وكانت تنبؤاته رمزا للمسيح (متى 1: 22). هذه أول نبوءة من سلسلة نبوات أتى بها متى البشير ليُثبت أن في المسيح تتحقق النبوات، وأنه هو المسيح المنتظر. وقد وردت مقتبسات من العهد القديم في انجيل متى نحو 47 مرة بشكل صريح، هذا عدا التلميحات. وكانت نبوءة اشعيا عن ملك جديد يخلف الملك آحاز، فصار كلاما عن الحبل البتولي ومجيء الهنا معنا الذي هو يسوع عمانوئيل؛ اما عبارة "اللهُ معَنا " فتشير الى الترجمة السبعينية لأشعيا حيث ترجمة من العبريةעִמָּנוּ אֵל لعمانوئيل. ويكشف هذا البيان ان يسوع هو الله، وان المسيح هو الرب المتجسد كما جاء في مقدمة انجيل يوحنا "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا (يوحنا 1: 1).



24فلمَّا قامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوم، فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ فأَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه،



تشير عبارة "فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ" الى تجاوب يوسف مع الله فغيّر خططه وأطاع الله وتمم إجراءات الزواج. اما عبارة " فأَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه " فتشير الى انَّ يوسف اختار ان يتزوجها كما اراد الله وان يترك الاختيارين الآخرين وهما الطلاق من مريم او تسليمها للرجم.



ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 1: 18-24)

بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (متى 1: 18-24)،نستنتج انه يتمحور حول دور يوسف في ميلاد يسوع، أذ بفضله يصبح يسوع من سلالة داود وبالتالي يتحقق الوعد لمريم "وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود" (لوقا 1: 32). وعليه فالنص الإنجيلي يكشف أربع حقائق دينية وهي:





الحقيقة الاولى: انتماء يسوع الى سلالة داود.

إن علاقة يوسف بالطفل هي ان يؤمِّن يوسف للطفل ابوة شرعية بحيث يؤمِّن له سلالة داود. فكلمة ميلاد γένεσις يسوعَ المسيح الواردة في انجيل متى (1: 18)، هي اللفظة نفسها استخدمت للدلالة على نسب يسوع المسيح γένεσις, في بدء انجيل متى(متى 1: 1). وهذا النسب هو نسب يسوع بدءا من إبراهيم وداود مروراً بيوسف. وبما ان يسوع ليس ابن يوسف بحسب الجسد، فمطلوب من يوسف ان يعترف به شرعيا ويتخذه ابنا له بالتبني. وبهذا الاعتراف يصبح انتماء يسوع الى نسل داود بالرغم من الحبل البتولي. وهكذا يفي الله بوعده كما جاء في كتاب المزامير "مِن ثَمَرَةِ بَطنِكَ أجلِسُ على العَرْشِ الَّذي لَكَ " (مزمور 132: 11). وهكذا دخل يسوع في التاريخ. وأدمجنا في علاقة بنويّة مع الآب، ويعلق القديس ساويروس الانطاكي"هذا الذي كان قبل الدهور مساويًا في الأزليّة للآب ذاته، هو نفسه الذي حُسب في الأنساب حسب الجسد، لأنه إذ هو إله في الحقيقة، صار هو ذاته في آخر الأزمة إنسانًا بدون تغيير، وقد أظهره متّى مشتركًا في طبيعتنا حتى لا يقول أحد أنه ظهر كخيالٍ أو وهمِ" كما كان يدَّعي مذهب الغنوصية. واما القديس يوحنا الذهبي الفم فيشرح لماذا سمح يسوع لنفسه ان يُدعى ابن داود قائلا: "ذلك ليجعلك ابن الله! سمح لعبد أن يصير له أبًا، حتى يكون لك، أيها العبد، الرب أبًا لك...! وُلد حسب الجسد لتُولد أنت حسب الروح! وُلد من امرأة لكي تكف عن أن تكون ابنًا لامرأة".



الحقيقية الثانية: حبل مريم بيسوع من الروح القدس:

أكدّ الكتاب المقدّس أن الحبل به في أحشاء القدّيسة مريم تحقّق بالروح القدس، الذي هيّأها وقدّسها ليحل كلمة الله فيها، ابن الله الوحيد. إنه ليس من زرع بشر. ويُبيِّن انجيل متى ان حبل مريم بيسوع من الروح القدس هو حدث قد تمّ " لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف، وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس" (متى 1: 18). وتكررت هذه العبارة مرتين مما يؤكد ما جاء في انجيل لوقا بشأن حبل مريم بقدرة الروح "إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى" (لوقا 1: 35).



فان مريم حَبلت بيسوع حَبلا بتوليا من الروح القدس (لوقا 1: 31). ويعتبر الحبل البتولي إحدى معطيات تقليد عائلة مريم ويوسف ثم الرسل. فليس الحبل البتولي هو موضوع بشارة الملاك ليوسف، ذلك لأنه كان على علم به وكان يعاني من اضطراب نفسي في موقفه تجاه مريم خطيبته. كان يوسف يعلم بالأمر، لكنه كان رجلا باراً فأبى ان يطلق اسمه البشري على طفل المعجزة. فأتى الله يسأله ان يهب لهذا الطفل "كيانه الاجتماعي" وذلك بإطلاق اسم له فيدخله في سلالته " يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع" (متى 1: 20-21).



وربما من الصعب على الانسان قبول ما جاء في تعليم بولس الرسول "فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ " (غلاطية 4: 4). ومفاده أن الربّ يُحبل به ويُولد من امرأة. فقد ردّ العلاّمة ترتليانوس على إنسان كان يرتعش من فكرة إله يُحبل به وسط الأوجاع، ويُغسل ويُقمّط باللفائف فقال "لم يكتف السيّد المسيح بأن يُحبّ العالم، بل إنّه مع الإنسان أحبّ أيضاً أسلوبه في المجيء إلى العالم".



الحقيقة الثالثة: اسم يسوع -عمانوئيل:

اعطى الله ابنه الوحيد يسوع للعالم كما جاء في انجيل يوحنا "فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة "(يوحنا 3: 16)، وقد انبا اشعيا باسم هذا الطفل "عمانوئيل" ومعناه "الله معنا" (اشعيا 7: 14) وعليه فإنّ خلاص الشعب يقوم عليه (مزمور 46: 8). ولان الرب يسوع هو الله وقد ظهر في الجسد، لذلك فأن الله كان معنا. لكي يجد الناس في عمانوئيل الشركة مع الله. فان الله تجلي في هذا الطفل يسوع فأصبح "عمانوئيل" أي الله معنا (متى 1: 23)، وفيه انجز الوعد الذي وعد به يشوع بن نون، وهو ان يكون معه وان يعلن ذاته بصفته "الرب " المخلص (تثنية الاشتراع 31: 7-8). "لله معنا"، "عمانوئيل"، الربّ الّذي جعل نفسه واحداً منّا، كي يكون معنا دائما ويصير أخاً من بين أخوة كثيرين، ويعيش في وسطنا دائماً ليرفع طبيعتنا البشريّة ويخلصنا.



وقد أنبأ الملاك باسم " عمانوئيل: فسمّاه يوسف "يسوع" أي الله يخلص (متى 1: 21). والاسم في الكتاب المقدس يُعبّر عن معنى الرسالة الموكلة الى الشخص. فاسم يسوع، وبالعبرية يشوع יוֹשִׁיעַ ومعناه "الرب يخلص" هو المعنى الحقيقي لرسالة يسوع كما فسّره متى الإنجيلي " لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" (متى 1: 21)، لان الانسان لا يستطيع ان يخلّص نفسه من نتائج الخطيئة. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "شعبه ليس هم اليهود وحدهم، وإنما يشمل كل من يقتربون إليه، ويتقبّلون المعرفة الصادرة عنه". والخلاص بهذا المعنى لا يقوم به إلا الله وحده. كما اكّد ذلك بعض الكتبة "فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه " (مرقس 2: 7). وهكذا تبيَّن ليوسف ان الطفل الذي كُلف بان يؤمّن له البنوة من سلالة داود إنما هو الله المخلص. ولم يضف الى اسمه لتعيينه اسم والده وأجداده، كما هو الحال في افراد الاسر الشهيرة (سيراخ 51: 30)، وانما اضيف الى اسمه اسم موطنه الصغير الناصرة، "يسوع الناصري" (يوحنا 19: 19).



واهتم متى الإنجيلي كيفية توضيح نبوءات العهد القديم في احداث حياة يسوع، بقوله "كانَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ" (متى 1: 22).فاستشهد بنبوءة اشعيا عن حبل العذراء. "ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ابناً يُسمُّونَه عِمَّانوئيل أَيِ اللهُ معَنا" (متى 1: 23، اشعيا 7: 14). ومن الاسمين معًا: “عمانوئيل" و"يسوع" نفهم أن المسيح هو الرب المتجسد.



والرغم من ان التفسير التاريخي لهذه الآية تشير الى مولد حزقيا ابن آحاز من عذراء παρθένος وقد تترجم أيضا بكلمة صبية، فالغرض الأساسي من هذه النبوءة هي إعلان ولادة نسل لداود، وهو ان يسوع سيكون من نسل داود. ونبوءة اشعيا تصرح بان العذراء تعطي الطفل اسم عمانوئيل (اشعيا 7: 4 1) الذي يشير الى طبيعة يسوع الإلهية كما أعلن يوحنا الإنجيلي “الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ" (يوحنا 1: 14)، إنه "عمانوئيل" (متى 1: 23، ولن يستطيع هذه الاله المخلص ان يكون الله معنا على وجه حقيقي إلا بعد مروره بالموت والقيامة "هكذا ابنُ الإِنسانِ لم يأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفسِه جَماعَةَ النَّاس " (متى 20: 28)، " وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية " (لوقا 1: 33)؛ ومع ذلك فإن حضوره لا بد أن ينتهي، فينبغي أن يغادر خاصته (يوحنا 13: 23)، إذ ينبغي له أن يُعدَّ لهم المنازل العديدة التي في بيت الآب السماوي "في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون. " (يوحنا 14: 2-3).



الحقيقة علاقة يوسف بمريم وبيسوع



ا) علاقة يوسف بمريم:

إن يوسف خطيب مريم العذراء كما جاء في انجيل متى " لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف" (متى 1: 18) وقد سبق وقاله لوقا "عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ العَذْراءِ مَريَم." (لوقا 1: 27). وكخطيب مريم، لم يتخذ يوسف موقف التشهير بها "فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، (متى 1: 19) وإن كان ذلك ممكنا بتطبيق الشريعة التي تسمح بفسخ الخطوبة رسميا في حال خيانة الخطيبة. لكنه "عزَمَ على أَن يُطلِّقَها سِرّاً"(متى 1: 19)، فيعيد اليها حريتها الكاملة لتسلك الطريق المحفوفة بالأسرار التي ادخلها الله.





أما تصرّف يوسف بهذا الاجراء فلانَّه " كان بارا" (متى 1: 19). وهذا البر الذي يتكلم عنه متى لا يقوم على المطابقة القانونية للشريعة ولا على الإنصاف تجاه مريم بل على ما تعنيه هذه اللفظة في الكتاب المقدس الا وهي المطابقة للقصد الإلهي. وهذه اللفظة عزيزة على متى الإنجيلي ويتكرر أكثر من 20 مرة في انجيليه، وهو يستعملها بخصوص هابيل البار (متى 23: 35)، أي ذلك الرجل المؤمن الامين لله الذي يتنظر تدخل الله في حياته. وحياة شعبه.



وبناء على وحي ملا ك الرب له "فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ فأَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه" (متى 1: 24).ويعلق القديس ايرونيموس على ضرورة استمرارية خطوبة يوسف البار مع مريم العذراء بقوله " أولًا: لكي يُنسب يسوع للقدّيس يوسف قريب القدّيسة مريم، فيظهر أنه المسيّح الموعود به من نسل داود من سبط يهوذا. ثانيًا: لكيلا تُرجم القدّيسة مريم طبقًا للشريعة الموسويّة كزانية، فقد سلّمها الرب للقدّيس البار الذي عرف برّ خطيبته، وأكّد له الملاك سرّ حبلها بالمسيّح المخلّص. ثالثًا: لكي تجد القدّيسة مريم من يشاركها في تربية يسوع ورعايته خاصة أثناء هروبه إلى أرض مصر".



ب) علاقة يوسف بيسوع

أطلع ملاك الرب يوسف على دوره بيسوع، وهو انتماء يسوع الى داود وذلك بان يتخذ مريم امرأة له، كما قال له الملاك "لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ" (متى 1: 20). فعمل يوسف بإرادة الله واتخذ من مريم زوجة له "أَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه" (متى 1: 24). وعليه فان يسوع ابن مريم أصبح ابنا ليوسف.



ومما يُثير التساؤل " كيف يكون يسوع ابن يوسف وبالتالي ابن داود بالرغم من الحبل البتولي؟ يوسف من نسل داود فحين ينسب له المسيح يكون سوع ابن داود، اذ اعترف يوسف شرعا بان يسوع هو ابنه. وهكذا يعقد يسوع علاقة بنوية مع يوسف. فهو من الآن "ابن يوسف" (متى 4: 22). فقد عرّف فيلبس لنثتائيل عن هوية يسوع قال "يسوعُ ابنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة" (يوحنا 1: 45). وكيف أصبح يسوع ابن داود؟ تبنّى يوسف يسوع من خلال عملين: الأول “فأَتى يوسف بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه" (متى 1: 24) وجعل منها زوجة بحسب العرف اليهودي، واعترف بالتالي شرعا بأبوة الطفل المزمع ان يولد. واما العمل الثاني فان يوسف سيطلق اسم على الطفل المولد حسب كلام الملاك "وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع (متى 1: 21). وإطلاق الاسم يُظهر بوضوح عن السلطة الابوية وانه أبوه الشرعيّ، لأنّ الاسم كان يعطى من قبل الأب.



وان تحديد اسم الولد في انجيل لوقا مرتبط بالختان "لـمَّا حانَ يَومُ طُهورِهما بِحَسَبِ شَريعَةِ موسى، صَعِدا بِه إِلى أُورَشَليم لِيُقَدِّماه لِلرَّبّ" (لوقا 2: 22)، والختان هو الفعل الرسمي الذي يُدخل به أبو العائلة ابنه بعد ثمانية أيام من ولاديته في عهد إسرائيل. فكان على يوسف أن يعطي يسوع سلالة شرعيّة. وعليه فان يسوع بفضل تبنّي يوسف له أصبح ابن مريم ابن داود الحقيقيّ. به يتمّم الربّ وعده بأن يعطي لداود سليل الملكوت الأبديّ. ويصبح داود أبٌ بالتبنّي، وليس بالولادة البشريّة، بحسب الجسد.



يعطينا انجيل متى اثباتا تاريخيا بان يوسف تبنَّي يسوع على الرغم من الحبل البتولي مما يدل على ان يسوع هو ابن الله ومن نسل داود معا. هذه الاحداث تلقاها متى من عائلة يسوع مستخدما نصوص العهد القديم لتأكيد الاحداث. لقد تمّ يوسف رسالته في الأمانة للروح القدس، وهذا الروح أيّد إيمان يوسف وعمله.






الخلاصة:

يساعدنا اختيار يوسف لمهمّة الأب المعلن ليسوع والحامي لبتوليّة مريم أن نفهم كيف لا بدّ أن نفسه قد كانت فاضلة، وغنيّة بالنعمة. ويدعوه الكتاب المقدّس "البارّ" ويشمل هذا اللقب كلّ الفضائل مجتمعة. البار بالإيمان يحيا، ولهذا نرى في يوسف، في المقام الأوّل، إيمانه الحيّ. يؤمن بألوهيّة الطفل الّذي يظهر على الأرض فقيراً وبائساً. يؤمن برغم الاتضاع الّذي يحيطه، ويمنحه هذا الإيمان، كمكافأة، كشف أسرار العليّ، الّتي ترسل إليه من خلال الملاك حول بأمومة مريم. قد آمن بهذه الكلمة: "إنّ الّذي كوّن فيها هو من الروح القدس"، فلم يخف " أن يأتي بامرأته مريم إلى بيته". وما هو أكثر من هذا، كان عليه أن يؤمن بما لا يمكن تصوّره من ناحية بشريّة: أمومة عذراء، وتجسّد ابن الربّ. وشرعية يسوع كإبن داود. وبفضل إيمانه وطاعته استحقّ يوسف بأن تتمّ هذه الأسرار العظيمة تحت سقف بيته. فهو "الوَكيلَ الأَمينَ العاقِلَ الَّذي يُقيمُه سَيِّدُه على عائلته" (لوقا 12، 42)، فكان يقظاً كليّاً للربّ، مستعداً دائماً إلى إيماءاته، منحنياً لخدمته. يكشف مثل هذا التكريس عن محبّة كاملة؛ يحبّ يوسف الربّ بكلّ قلبه وكلّ عقله وكلّ قواه.





دعاء

إمنحنا، أيّها الربّ الإله، فضيلة صمت يوسف وشجاعته وإيمانه ورجائه كي نعرف حقيقة سرّ يسوع المسيح المتجسد بيننا، ونعيش في اتّحاد وثيق معه، ونواجه الظروف الصعبة والشدائد ببأس، مستندين على كلمة الربّ ومواعده. آمين".


أ‌. د. لويس حزبون
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الاحد الرابع : أحد السامرية ( يو 4 : 1-42 )
الأحد الرابع من المجيء
الاحد الثاني من المجيء: مجيء الرب ورسالة يوحنَّا المعمدان
حزقيال 41: 2 و عرض المدخل عشر اذرع و جوانب المدخل
تاملات الاحد الرابع من شهر توت


الساعة الآن 11:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024