رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس بولس حديثه الخاص بالمرأة + ولنلتفت الآن إلى حديث بولس الخاص بالمرأة - إن توجيهات الرسل الأطهار إلى المؤمنين تنقسم إلى قسمين متباينين: الأول منها يتعلق بالحقائق الأزلية الباقية هي هي على مدى الأزمان والملابسات كحديث بولس عن المحبة. وهو نفسه قد أعلن أنه حتى القوى الروحية تختلف في أهميّتها إذ قال: "أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (1كو 13: 13). أما القسم الثاني فيتعلق بأمور زمنية أو محلية أعطوها لظروفها الخاصة، وفيها عبرة للمؤمنين حتى وإن كانت خاصة كحديث بولس مثلًا عن العبيد إذ أمرهم بطاعة ساداتهم. ثم استطرد مباشرة إلى القول: "وأنتم أيها السادة اعلموا أنكم اشتُريتم بدم" معلنًا بذلك المساواة داخل الكنيسة. فالعبودية قد زالت حينما أدرك المسيحيون تمامًا بأن الإنسان الذي اشتراه السيد المسيح بدمه الغالي الثمين ليس سلعة تباع وتُشترى. فالمسيحية ليست دين انقلاب بل هي الخميرة التي تعمل من داخل، ومتى تخمرت داخل القلب والنفس جعلت الإنسان يسعى جاهدًا لتحقيق مبادئها. إذن فمبدأ المساواة الذي استخلصه بولس من حديثه إلى العبيد وإلى السادة باقٍ ما بقي الزمن مع أن العبودية تلاشت (ونص الآيات: "لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ. قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ. مَا دُعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلْيَلْبَثْ فِي ذلِكَ مَعَ اللهِ" (1كو 7: 22-24). ولنرجع إلى ذهبي الفم لنسمعه يقول: "إن بولس في رسالته إلى أهل رومية يكرم الجميع بالتساوي ولو أنه -في الوقت عينه- يوضِّح الفضيلة بكل منهم. فهل في اعترافه بتعب النسوة في الرب تناقض لقوله بأن تصمت النساء في الكنيسة؟ كلا. فهو أقّر بحقهن في الجهاد وفي الخدمة ولكن هنا إقصاءهن عن "البيما"(1) لا عن كلمة التعليم. وإلا فكيف علّمت بريسكلا أبولوس على مرأى ومسمع من بولس؟ ثم إن قوله "تعبت كثيرًا في الرب" يُبيِّن أن تعبها تضمّن التعليم إلى جانب تقديم المال والتعرّض للمخاطر والقيام بالأسفار. لأن النسوة في ذلك العصر امتزن ببسالة الأسود لأن الرسل أنفسهم قد أفسحوا لهن المجال لمشاركتهم، فجاهدن من أجل الإنجيل وهن راضيات بما يجلبه عليهن هذا الجهاد من مخاطر: فسافرن، وحملن الرسائل، وقدمن مختلف الخدمات من غير تردد. فالرسل قد اقتدوا بمخلصهم الذي كانت تتبعه النسوة(2). بل إن بولس قد ائتمن امرأة على كنيسة كورنثوس بالذات هي "خلوي" - وهذه الكلمة تدفع بالبعض إلى الظن بأن بولس سمع أخبار الكورنثوس من جماعة سرية. ولكن هذه الكلمة هي اسم لسيدة يكتب هكذا: chloe - إذن فهذه المرأة كانت ضمن تلاميذ بولس ولم يرقها الخصام المشتعل بين قومها فأخبرته به لكي يحسمه بحكمته. إذن ففي كورنثوس بالذات كانت لبولس تلميذات يقمن بالخدمة ويسهرن على الرعاية ويرفعن إليه التقارير عن الشعب الذي أئتمنهن عليه. وفي هذه الرسالة يتحدث عن الزواج ردًا على ما كان البعض من الكورنثيين قد كتب له عنه. ونعود مرة أخرى إلى ذهبي الفم لنستمع إلى تعليقه الآتي: "لاحظوا كيف يتناول بولس الموضوع من كل نواحيه فيوصي الرجل أن يوفي حق المرأة الواجب. ثم يطلب إلى المرأة الطلب عينه. ويستكمل بأنه ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل. ولا للرجل تسلط على جسده بل للمرأة وهذه مساواة منصفة مطلقة - وهي تبيّن أن كلًا منهما عبد للآخر وسيد له في آن واحد. والآن ما دام الزوج والزوجة كلاهما لا سلطة لهما على جسديهما فبالأولى أن لا تكون لهما سلطة على أموالهما. فاسمعوا أيها الأزواج جميعًا، وتيقّنوا أن للواحد من مال هو ملك للآخر، لذلك لا تحسبنّ أحدكم ماله ملكًا له". + ولقد علّمنا آباؤنا أن الأسفار الإلهية كلها مترابطة ترابطًا مٌحكمًا، وأن كلًا منها يفسّر الآخر. وهنا يجدر الربط بين ما قاله بولس عن المساواة التامة بين الأزواج والزوجات للكورنثيين وبين حديثه عن الزواج في رسالته إلى أهل أفسس، فنسأل مرة أخرى: هل هو يناقض نفسه؟ كلا. فالتعليم الأبوي يؤكد أن الواقع الروحي يتساوى في واقعيته مع الواقع المادي. ونحن نعرف أن الجسد الإنساني له رأس واحد وله قلب واحد. فالرأس هو الرجل والقلب هو المرأة في الجسد الواقع الذي تآلف بالزواج. ومرة أخرى نصغي إلى ذهبي الفم: "لقد بدأ بولس بمطالبة المرأة أن تخضع لزوجها لأن هذا هو الأمر الهيّن. فلا تفرحوا أيها الرجال قبل أن تتمعنوا الوصية الموضوعة عليكم. وما هي؟ "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 25). فقولوا لي من منكم بلغت محبته لزوجته هذه القمة. وليس ذلك فحسب - بل إن كل واحد منكم قد اختار زوجته اختيارًا. أما السيد المسيح فقد أخبرنا الأنبياء بأنه وجد عروسه ملقاه على الطريق ذات ثياب رثة قذرة، فرفعها بحنان وغسلها ونظّفها وألبسها ثوب العروس وعكس عليها جماله، بل إنه افتداها بدمه الزكي الكريم. وبعد هذا كله خاطبها بكل عذوبة ورقة وكأنه يستعطفها: "أريني وجهك فهو جميل، أسمعيني صوتك فهو لطيف" (ونص الآية: "أَرِينِي وَجْهَكِ، أَسْمِعِينِي صَوْتَكِ، لأَنَّ صَوْتَكِ لَطِيفٌ وَوَجْهَكِ جَمِيلٌ" (سفر نشيد الأنشاد 2: 14)). فقولوا لي أيها الأزواج: من أحب زوجته هذه المحبة العجيبة؟ وثقوا بأنكم يوم تحبون زوجاتكم محبة باذلة وفيّة سيخضعن لكن دون انتظار أمر. فبولس إذن يهدف إلى المحبة الخالصة حيث لا سيادة ولا خضوع بل تعاطف وتآلف"(3). واستكمالًا لهذا التعليم نذكر أن الحكيم يقول: "المرأة الفاضلة تاج لبعلها" (أمثال 12: 4) - أي أنها بمثابة الميزان للرأس. + وثمة ملحوظة لا بد منها هي بخصوص قول بولس إن الرجل رأس المرأة. فهو يقول ذلك في صدد حديثه عن الزواج، بمعنى أن الزوج رأس زوجته. وهذا ما يجب أن يذكره الجميع وبخاصة لأن الرسول نفسه أعلن أنه في السيد المسيح ليس ذكر ولا أنثى. ولنربط الآن بين هذا التعليم وبين رؤية الأنبا كيرلس الأول(4) للزواج المسيحي في إطار معجزة قانا الجليل، فهو يقول: "إننا لا نعبد حسب الناموس وإنما حسب الروح، نعبد بالروح والحق، والحق معناه أن كل الأشياء جديدة في السيد المسيح، والنص المقدس في إنجيل يوحنا يدعونا إلى أن نبتعد عن الناموس والعادات القديمة(5). فعرس قانا الجليل كان عرسًا ووليمة. وهذا معناه أنه في حد ذاته شيء مقدس حضرته أم المخلّص. وهو أيضًا جاء إلى العرس مع تلاميذه. جاء بالأكثر لكي يقدس الجنس البشري. وأنا أعني بشكل خاص أن يقدّس ما يخص الجسد. وكان من اللائق أن الذي جاء لكي يجدد طبيعة الإنسان ويعيد خلقها من جديد وبالكامل إلى ما هو أفضل أن لا يقصر منح بركته على من دعاهم من العدم إلى الوجود فقط، بل أيضًا يهيئ نعمة للذين سيولدون. فيجعل مجيئهم إلى العالم مقدسًا. وهناك سبب جذريّ: لقد قيل للمرأة من الله: بالوجع تلدين أولادك (تكوين 3: 16). فكم كانت الحاجة ماسّة إلى أن تخلص من هذه اللعنة أيضًا - وإلا فكيف يمكن أن نهرب من الحكم على الزواج بأنه لعنة؟ ولأن المخلص محب البشر فهو قد رفع هذه اللعنة إذ هو مسّرة وفرح الكل. وهذا ما جعله يكّرم الزواج بحضوره شخصيًا لكي يطرد العار القديم عن الحبل والولادة(6). والواقع أن أشياء كثيرة تمّت معًا في وقت واحد في أول معجزة: الزواج المكرّم صار مقدّسًا. اللعنة التي وُضعت على المرأة رُفعت. فلم يعد مجال للكلام عن "بالحزن تلدين الأولاد" لأن السيد المسيح بارك بداية ولادتنا ومجد المخلص أشرق مثل الشمس. ولقد تم الزواج في قانا الجليل: لم يكن في أورشليم ولا في اليهودية، وإنما في الجليل مقاطعة الأمم كما يقول عنها إشعياء النبي "جليل الأمم" (إشعياء 9: 1). إذن فعلينا أن ندرك أننا لا نستطيع وضع تشريعات العهد القديم مع التدبير الإلهي. وعلينا أن نتأكد من أن التجسّد لم يكن حَدَثًا خاصًا بشخص واحد هو يسوع، إنما كان تحوَّلًا في الطبيعة الإنسانية: إنه تجسد ليبيد اللعنة التي حلت بالمرأة الأولى(7) فإن امرأة ولدت عمانوئيل بالجسد - ولدت ذاك الذي هو الحياة. وبذلك أزال قوة اللعنة عندما وضع نهاية للموت، وأزال معها الحزن الذي قد أثقل الأمهات. واللعنة هي الحزن والحزن مصدره الموت وليس إفرازات الجسد. + وحين ظهر الرب للنسوة قال: "سلام" وهذه الكلمة صادرة من نفس الإله الذي أصدر الحكم باللعنة؛ وهي كلمة تعني للنسوة جميعًا الخلاص من اللوم ونهاية اللعنة. وهذا ما جعل بالضروري أن تنال النسوة نعمة الكرازة بالقيامة قبل الآخرين. وهكذا افتديت المرأة مما حدث في القديم. |
|