رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تسبحة وسط الآلام: 12 فَيَا رَبَّ الْجُنُودِ، مُخْتَبِرَ الصِّدِّيقِ، نَاظِرَ الْكُلَى وَالْقَلْبِ، دَعْنِي أَرَى نَقْمَتَكَ مِنْهُمْ لأَنِّي لَكَ كَشَفْتُ دَعْوَايَ. 13 رَنِّمُوا لِلرَّبِّ، سَبِّحُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُ قَدْ أَنْقَذَ نَفْسَ الْمِسْكِينِ مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ. إذ يدرك إرميا النبي معية الله وسط الآلام تتحول حياته من الضيق إلى الفرح، مسبحًا الله المنقذ نفس المسكين من يد الأشرار، وذلك كما فعل المرنمون، إذ غالبًا ما تنتهي مزامير الرثاء بعبارات مفرحة تكشف عن الثقة في الله كمخلصٍ وسندٍ للمتألمين. "فيا رب الجنود مختبر الصديق، ناظر الكلى والقلب، دعني أرى نقمتك منهم، لأني لك كشفت دعواي. رنموا للرب، سبحوا للرب، لأنه قد أنقذ نفس المسكين من يد الأشرار" [12-13]. كلمة الرب تسبب مرارة في البداية لكن تتحول المرارة إلى عذوبة فتتحول حياة المؤمن كلها إلى تسبيح داخلي لا ينقطع. جاءت التسبحة هنا مطابقة لتلك التي وردت في (إر 11: 20)، حينما وقف أهل عناثوث ضده. فمع كل ضيقة ينتهي إرميا إلى ممارسة حياة التسبيح والتمتع بفرح الله مخلصه. لماذا يُدعى الله "مختبر الصديق"؟ * الله لا يتعلم شيئًا عن الشخص الذي يختبره، إذ هو عارف كل شيء قبل حدوثه... توجد أسباب أخرى لاختبارنا وتجربتنا: أحيانًا يختبرنا لكي يعلن عن فضائلنا... كما حدث مع أيوب (أي 40: 8-9)... وأحيانًا يضع الناس في تجربة لكي إذ يروا أعمالهم، ويدركوا كيف يسلكون، يتوبون عن شرورهم أو يثبتون في الإيمان كما يتطلب الأمر(441). البابا أثناسيوس الرسولي يُدعى الله "ناظر الكلى والقلب"، بكون الكلي هو كرسي العواطف والدوافع الخفية، بينما القلب هو مركز الفكر والإرادة.كانت الضيقة لخير إرميا نفسه فقد تحقق بالأكثر أنه "المسكين" الذي لا يقدر بنفسه أن يخلص من أيدي الأعداء الجبابرة، لكن تبقى نفسه محفوظة في يد رب الجنود، مُنقذ المساكين! الآن كمسكينٍ يرى نفسه موضع اهتمام الله الذي ينسب نفسه للمساكين والمرذولين والمطرودين والمظلومين، كما لليتامى والأرامل! هو أب يهتم بالذين ليس لهم من يسأل عنهم! كان إرميا النبي في وسط ضيقته يسبح الرب، بل ويدعو الكل للتسبيح: "رنموا للرب سبحوا الرب، لأنه قد أنقذ نفس المسكين من يد الأشرار" [20]. قدم لنا إرميا النبي خبرته العملية في التسبيح لله وسط الآلام، هذه التي عاشها دانيال النبي في السبي كل يومٍ، إذ قيل عنه: "جثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وحمد قدام إلهه" (دا 6: 10). وكان بولس وسيلا الرسولان المسجونان "يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما" (أع 16: 25). دعى داود النبي التسبيح ذبيحة (مز 27: 6؛ 116: 17؛ 50: 14؛ 2: 141). يقول الشهيد يوستين: [تُعتبر الصلوات وتقديم الحمد حينما تُقدم من أشخاص معتبرينهي وحدها الذبائح الكاملة والمقبولة لدى الله]. [الكرامة الوحيدة التي تليق بالله، ليست في حرق الذبائح بالنار، هذه التي أوجدها الله لقوام حياتنا، إنما تُقدم الكرامة له... بتقديم الحمد له بالتسابيح والألحان لأنه خلقنا]. التسبيح هو تجاوب كيان الإنسان كله لمحبة الله، فتهتز كل مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وإرادته كأوتار قيثارة تُخرج لحن الحب المتجاوب مع حب الله الفائق. هذا التجاوب يُعلن في المخدع حتى في لحظات النوم، كما في العمل والكنيسة... ما نريد تأكيده أن التسبيح ليس عملًا فرديًا، لكنه شركة الجماعة كلها: المجاهدة والمنتصرة مع طغمات السمائيين: "أمام الملائكة أرتل لك" (مز 138). "سبحوه في جميع قديسيه" (مز 150). "في وسط الجماعة العظيمة أسبحك" (مز 22). فالمؤمن يقاسم الكنيسة مجدها الأبدي، دون أن ينفصل عنها. لا يمارس التسبيح في السماء بطقس منفرد خاص به... هكذا عمل التسبحة والليتورجيات كلها أن تكشف للمؤمن عن عضويته الكنسية ليدرك لا وحدته مع الكنيسة بل هو جزء لا يتجزأ منها، جاء ذلك ثمرة طبيعية لعمل الروح القدس فيه. إنه لا يحتاج إلى ما يوحده فيها بعد كأنها غريبة عنه. كان ثمر يوم الخمسين: "قبلوا كلامه بفرح واعتمدوا... وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة... كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب، مسبحين الله... وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع 2). |
|