رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"هكذا قال الرب: ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان، ويجعل البشر (الجسد) ذراعه وعن الرب يحيد قلبه... مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله" [5، 7]. لعله لهذا الهدف يسمح الله لنا بالضيقة حتى تتبدد أمامنا كل الأذرع البشرية ونجد الله هو الملجأ الوحيد لنا. وكما يقول القديس جيروم: [أتريد أن يسمع لك الرب متحننًا؟ أدعوه وأنت في الضيق فيجيبك مترفقًا. فإنه لا يقدر الإنسان أن يدعو الرب لمعونته إلا وهو في الضيق، حيث يكون ذراع الإنسان بلا قيمة]. يقدم الله لنا ذاته لكي نقتنيه سر قوة وشبع فلا نعتاز إلى شيء، أما إذ وضعنا ثقتنا في أنفسنا أو طاقاتنا أو خبراتنا الماضية أو سلطاننا أو اقربائنا أو أصدقائنا، أي نتكل على الجسد، ينسحب الله منا ونسقط! * يليق بنا أن نعتمد على الله وحده وليس على أحدٍ غيره، حتى إن قيل إنه جاء من فردوس الله، كما يقول بولس: "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما" (غلا 1: 8). العلامة أوريجينوس * لينسحب الإنسان من ذاته، لا لينحط إلى أسفل! لينسحب الإنسان من ذاته ليلتصق بالله. القديس أغسطينوس * لنتحدث الآن عن الآية الموجودة في الأصحاح السابع عشر، والتي تقول: "ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل الشر ذراعه" (إر 17: 5). هذه الكلمات تساعدنا وتمكننا من الرد على الذين يعتقدون أن المخلص كان إنسانًا ولم يكن أبدًا ابن الله، لأنه إلى جانب جرائم الناس، فإن بعضًا منهم تجرءوا أن يقولوا إن "الوحيد الجنس والكائن قبل كل الخليقة" ليس هو الله."ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان"، يمكنني أن أقول إنني لا أتكل على إنسان؛ فحينما أتكل على السيد المسيح، لا أعرفه كإنسانٍ (موجود معي بالجسد)، لكنني أعرفه بكونه الحكمة والعدل، بكونه الكلمة الذي به كل الأشياء خلق ما في السموات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى. بالرغم من أن المخلص يشهد ويؤكد أن ما أخذه كان جسدًا بشريًا إنسانيًا، وبالرغم من أنه كان إنسانًا بالحقيقة، إلا أنه لم يعد إنسانًا في وقتنا الحاضر. لأنه "وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد" (2 كو 5: 16). أنا نفسي، بالسيد المسيح، لم أعد بعد إنسانًا، فهو يؤكد لنا: "أنا قلت أنكم آلهة وبني العلي تُدعَوْن". "ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه": أي ملعون الذي يعطي قيمة للأشياء الجسدية والمادية والذي يستخدم قوته الجسدية ويتكل على جسده. أما الإنسان البار فلا يجعل البشر ذراعه إنما يحمل في جسده كل حين إماتة الرب يسوع ويميت أعضاءه الجسدية، الزنا والنجاسة؛ وبإماتة أعضائه لا يتكل على ذراعه. هذه الآية أيضًا موجهة إلى الذين يتكلون على المراكز العليا والوسائط لمساعدتهم: إن صديقي فلان رجل سياسي كبير؛ أو محافظ؛ أو حاكم؛ أو أن صديقي هذا رجل غنى يعطيني بسخاء. يجب علينا ألا نتكل على أي إنسانٍ حتى ولو بدى صديقًا لنا. اتكالنا هو على ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي له المجد والقدرة إلى دهر الدهور. آمين. العلامة أوريجينوس * لا يمكننا القول بحق إن الإنسان لا يضع رجاءه في إنسان متى وضعه في نفسه.* إن وضعت رجاءك في إلهك لن تخزى، فإن الذي تضع فيه ثقتك لا يمكن أن يخدع. * ليس أحد يليق به أن يثق في ذاته ليصير مواطنًا في المدينة الأخرى الغير مدشنة باسم ابن قايين في هذا الزمان الحاضر، أي في الفترة الزائلة لهذا العالم الميت، وإنما في الخلود للبركة الدائمة. * ينبغي للشخص ألا يكون له فرحه في ذاته، إن تطلع إلى الأمر بوضوح، إذ لا يليق بأحدٍ أن يحب حتى ذاته لأجل ذاته، بل لأجل (الله)، ذاك الذي هو موضوع المتعة الحقيقية. * يلزمنا ألا نطلب شيئًا إلا من الله الرب، سواء ما نرجو عمله حسنًا، أو نرجو نواله كمكافأة عن الأعمال الصالحة. هذه هي الخطية الأولى: "الاتكال على ذراع بشر"، خاصة اتكال الإنسان على بره الذاتي أو قدراته أو مواهبه أو خبراته القديمة لا على ذراع الرب. مثل هذا يحرم نفسه من مجاري مياه الروح القدس، القادر وحده أن يقود نفسه بكل إمكانياتها، وجسده بكل أحاسيسه وقدراته ليحيا كشجرةٍ مثمرةٍ تحمل ثلاثين وستين ومائة! أشر خطية يمارسها الإنسان هي اتكاله على ذاته أو على الآخرين، وأجمل فضيلة يمارسها الإنسان هي أن يرتمي عل صدر الله ليتقبل عمل الروح القدس فيه، فيشكله على صورة المسيح ويجعله على مثاله، ويهبه شركة الطبيعة الإلهية، مهما بدت الظروف قاسية ومقاومة للعمل الإلهي! * ليته لا يغش إنسان نفسه، ليته لا يخدع أحد ذاته، فإن الرب وحده يقدر أن يرحم. هو وحده القادر أن يهب غفرانًا عن الخطايا التي اُرتكبت ضده، هذا الذي حمل خطايانا وتألم لأجلنا. القديس كبريانوس إذ كان إرميا النبي يتحدث عن التأديب بالقحط، لذا أوضح أن من يتكل على ذراعٍ بشري يصير كنبات العرعر الذي يظهر في منطقة العربة، هذا الذي سرعان ما يصير كالقش الجاف. أيضًا يشبه النبات المزروع في أرض مملوءة ملوحة، هذا وكان وجود الملح في التربة يُحسب لعنة. أما الذين يتكلون على الله فينالون ثمرًا حتى في فترة الجفاف أو القحط: "ويكون (المتكل على جسدٍ) مثل العرعرِ في البادية (الصحراء)، ولا يرى إذا جاء الخير، بل يسكن الحر في البرية أرضًا سبخة (حقولًا حجرية) مملحة وغير مسكونة. مبارك الرجل الذي يتكل على الرب. وكان الرب متكله. |
|