رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يقول العلامة أوريجينوس: [يذهب أطباء الأجساد إلى المرضى حتى إلى فراشهم ولا يَكُفون عن بذل كل جهدهم، كما تتطلب منهم مهنة الطب، ليشفوا المرضى. وهم في ذلك يرون مناظر فظيعة ويلمسون أشياءً تثير الاشمئزاز؛ وأمام أوجاع الآخرين لا يحصدون لأنفسهم سوى الأحزان؛ حياتهم غير مستقرة أبدًا. لا يوجَدون أبدًا مع أناسٍ أصحاءٍ، وإنما دائمًا مع المجروحين والمفلوجين والمصابين بالقروح والصديد والحميات وكل أنواع الأمراض. إن أردنا أن نمارس الطب، علينا أن نقوم بكل ما تتطلبه منا هذه المهنة التي اخترناها، نقوم بها بدون اشمئزاز ولا إهمال عندما نلتقي بأي نوع من أنواع المرضى الذين ذكرناهم... الأنبياء مثل أطباء الأرواح، يقضون كل وقتهم حيث يوجد المحتاجون إلى الشفاء، لأنه "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (لو 5: 31). ما يقاسيه الأطباء من المرضى المعاندين، يقاسيه أيضًا الأنبياء والمعلمون من الذين لا يريدون أن يُشفوا. يرجع سبب كراهية الناس لهم إلى فرضهم علاجًا يخالف ما يتمناه المرضى، يمنعون عنهم اللذات والشهوات التي يريدونها، لذلك يُصّر هؤلاء المرضى في عنادهم على عدم أخذ الأدوية المناسبة لمرضهم. يهرب المعاندون من الأطباء، بل وكثيرًا ما يسيئون إليهم ويهينوهم ويشتمونهم ويفعلون بهم كل ما يمكن أن يفعله الأعداء. يغيب عن ذهنهم أن الطبيب يأتي كصديقٍ وليس كعدوٍ. لا يرون سوى الجانب المؤلم من نظام العلاج واستخدام المشرط، دون أن يروا النتيجة التي تعقب الألم. يكرهون الأطباء كما لو كانوا لا يحملون إليهم سوى الآلام، ولا ينظرون إلى هذه الآلام كمرحلة من مراحل الشفاء. كان ذلك الشعب الذي يسمي نفسه شعب الله مريضًا، مصابًا بكل أنواع الأمراض. أرسل الله إليهم الأنبياء مثل الأطباء، أحدهم إرميا. وجه إرميا عتابه للخطاة راغبًا في رجوعهم عن طرقهم. كان ينبغي أن ينصتوا إلى هذه الكلمات، لكنهم اتهموا النبي أمام القضاة والحكام، فكان متورطًا في قضايا مستمرة، اتهمه هؤلاء الذين كان يقوم برعايتهم، أي الذين كان يوجه لهم كلمات نبوته، لكنهم لم يُشفوا بسبب عنادهم. أمام كل هذا كان إرميا يقول: "فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه، فكان في قلبي كنارٍ محرقةٍ محصورة في عظامي" (إر 20: 9). مرة أخرى يقول حينما يرى نفسه دائم التعرض للقضايا وللاهانات والشكاوى وشهادات الزور: "ويللييا أمي لأنك ولدتني إنسان خصام". يريد أن يقول عن نفسه، أنه بدلًا من أن يدين الناس على خطاياهم، إذا به يُدان ويُحكم عليه، وبدلًا من أن يقاوم وينازع صار هو نفسه "إنسان نزاع لكل الأرض"]. |
|