يحتوى الكتاب المقدس الذى بين أيدينا على جزئين: العهد القديم، والعهد الجديد0 وأن كان هناك فرق بين الكتابين فى حجمهما وفى زمن كتابتهما وفى أصل لغتهما، فأنه لا يوجد فرق فى مضمونها فكتاب العهد القديم كلمة الله بواسطة الأنبياء وكتاب العهد الجديد كلمة الله بواسطة يسوع المسيح ابن الله ورسله كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين فى مستهل رسالته: "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا فيه هذه الأيام الأخيرة فىابنه الذى جعله وارثاً لكل شئ"
وبناء عليه ندعو الكتاب بجزئيه الكتاب المقدس0 نترك العهد القديم ونتجه للحديث عن العهد الجديد، وإذا تصفحنا العهد الجديد نجد انه يبدأ بأناجيل أربعة هى بحسب ترتيبها: متى، مرقس، لوقا يوحنا وكلمة إنجيل كلمة أصلها يونانى، وتعنى الرسالة المفرحة أو البشارة المفرحة لذا يمكنا أن نضع كلمة بشارة قبل اسم كل إنجيل منهم فمثلاً نقول بشترة متى، وبشارة لوقا00 وهكذا0 والإنجيل بشارة مفرحة لأنه يحتوى على الخبر السار الذى جاءت به الملائكة من السماء ليلة ولادة يسوع مخبرة رعاة كانوا يسهرون على رعيتهم، تخبرهم عن مولد يسوع0 وقالت لهم الملائكة "ها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، انه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" فالبشارة إذا هى ولادة المخلص يسوع المسيح فى عالم يتوق إلى الخلاص وينتظر الانعتاق من الخطيئة والموت الابدى0 هذه هى البشارة والخبر الواحد المفرح0 ولكن
عندما نقول إنجيل متى، وإنجيل مرقس فنعنى بذلك انه الإنجيل الذى كتبه متى والإنجيل الذى كتبه مرقس والإنجيل الذى كتبه لوقا والإنجيل الذى كتبه يوحنا فمن هم هؤلاء الكتاب؟ كان اثنان منهم أى متى ويوحنا تلاميذ يسوع أى اتبعوه أثناء خدمته على هذه الأرض، أى قبل موته وقيامته أما مرقس ولوقا فقد أصبحا من تلاميذ يسوع بعد قيامته من بين الأموات وقد شاءت إرادة الله وحكمته الأزلية أن يختار أربعة أشخاص من اماكن متفرقة وأصحاب مهن ووظائف مختلفة ويوليهم ثقته، ليشهدوا بروح واحدة عن ابنه يسوع المسيح وتعاليمه السامية ويكتبوا بإرشاد الروح القدس ووحيه ما سمعوه بآذانهم وما رأوه بأم أعينهم متى كان موظفاً فى الحكومة الرومانية يجمع الضرائب، ومرقس كان جلاً بسيطاً من اهالى المدينة المقدسة أورشليم، ويوحنا كان صياداً للسمك، ولوقا طبيباً وهو الذى كتب سفر أعمال الرسل أيضاً وقد كتب كل واحد بأسلوبه الخاص وبلغته الخاصة وبيتعبيره الخاص، ما أوحى لهم الله بإرشاد من الروح القدس أن يكتبوا0 وتوسع متى بذكر أقوال يسوع المسيح، واهتم مرقس بسرد آياته وعجائبه، وعالج لوقا موضوع يسوع مخلص العالم أما
يوحنا فقد تعمق فى لاهوت المسيح وقد يتبادر إلى الذهن أن هناك تناقضاً بين الأناجيل الأربعة، إلا أن الواقع هو بخلاف ذلك، ولنوضح هذا بمثل عن ثمة زائر إى مدينة سنغافورة يرغب فى مشاهدى كاتدرائية القديس اندراوس، ولجهله موقعها يسأل شرطياً فييجيبه ذاك بدون تردد: أنها تقع فى شارع ستامفورد ثم يسأل أيضاً شخصاً آخر فيقول له: انها تقع فى شارع أندراوس ويستوضح، وقد أشكل عليه، شخصاً ثالثاً فيرشده إلى أنها تقع فى شارع نورث بريدج واحتار فى أمره حين أعلمه شخص رابع أنها فى شارع كولمان ولكى يحل مشكلته استقل سيارة تاكسى يريد بها المكان المطلوب وكم كانت دهشته عظيمة حين وجد أن كلا من الرجال الأربعة قد أخبره الحقيقة الناصعة فالكاتدرائية تشغل قطعة أرض مربعى مخاطة بأربعة شوارع وهكذا عرف الزائر أن سائق السيارة قد أوصله إلى حيث يقصد فهناك اعتبارات أربع تؤكد له موقع الكاتدرائية الصحيح هناك مميزات خاصة بكل من البشائر الأربعة: إنجيل متى يتضح منه محاولة متى الربط بين يسوع والنبوات الواردة عنه فى العهد القديم0 ويحاول متى أن يبرهن أن يسوع هو المسيا ولكى يفعل يستخدم وسائل مختلف فهو يذكر تفاصيل مختلفة عن الحياة فى المجتمع اليهودى فى عصره بشارة مرقس كتبت من روما للأمم أى
لغير اليهود يمكنا ملاحظة هذا إذا نظرنا إلى العادات الخاصة بفلسطين فى ذلك الوقت وكيف أن مرقس كان يشرحها ويوضحها ومرقس يحكى عن أعمال يسوع أكثر مما يحكى عن تعليمه لوقا يوضح من خلال البشارة التى تحمل إسمه رسالة يسوع وكيف أنها لا تخص شعب معين ولكن هى أخبار سارة لكل الشعوب لاحظ رسالة الملائكة فى إنجيل (لوقا 2: 14) "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" وقول سمعان الشيخ عن يسوع فى (لوقا 2: 32) إنه نور إعلان للمم ويظهر لوقا اهتمامه بمختلف الشخصيات مثل زكريا الكاهن المتقدم فى السن، واليصابات زوجته، وزكا جابى الضرائب القصير القامة الخ ويذكر لوقا أيضاً نساء وأطفال لا تتحدث عنهم الأناجيل الأخرى أما يوحنا فيتحدث للمؤمنين ولغير المؤمنين وقد اختار يوحنا بعض المعجزات لاقناع القراء بألوهية المسيح0 ويظهر فى كتاباته بأنه شاهد عيان لما يكتب، ومعرفته لحياة وعادات اليهود فى الفترة السابقة لسقوط أرشليم