الشجرة المطروحة في مارة
«فصرخ إلى الرب. فأراهُ الرب شجرة فطرحها
في الماء فصار الماءُ عذبًا»
( خروج 15: 25 )
هذه الشجرة التي طُرحت في الماء، فعالجَتهُ تمامًا، فصار عذبًا، تُكلِّمنا عن المسيح الذي هو العلاج الوحيد والدائم لكل مشاكل شعب الله، خلال رحلتهم في العالم، الذي وُعدوا أنه سيكون لهم فيه ضيق ( يو 16: 33 ). ونلاحظ الآتي في هذه الشجرة:
أولاً: شجرة تدب فيها الحياة، وسط صحراء قاحلة بلا ماء: من أين لها الماء العذب؟! لا بد أن جذورها امتدَّت لمسافات بعيدة تحت السطح بحثًا عن مصادر تَصلُح لتغذيتها. وهكذا المسيح، في رحلة حياته الشاقة والمليئة بالتجارب، كان في قُرب دائم من مصادر إروائه وإنعاشه؛ كان في اتصال مستمر بأبيه، مرتويًا بالشركة معه، مُستمدًا منه العون والقوة «من النهر يشرب في الطريق، لذلك يرفع الرأس» ( مز 110: 7 )، ولذلك استطاع أن يقول: «الذي أرسلني هو معي ... لأني في كل حين أفعل ما يُرضيه» ( يو 8: 29 ).
ثانيًا: شجرة مورقة خضراء، وسط صحراء جرداء: ويا له من منظر مُبهج للعين، ومُسرّ للنفس! وهكذا كان المسيح لعيني أبيه «نبتَ قدامه كفرخٍ، وكعرقٍ من أرضٍ يابسة» ( إش 53: 2 )، وكل مؤمن الآن وهو يتأمل في حياة السَيِّد المجيد المعبود، يهتف «أنتَ أبرع جمالاً من بني البشر» ( مز 45: 2 ).
ثالثًا: شجرة تقطَّع من أرض الأحياء: إنه منظر أليم أن تُقطع أية شجرة، فكم بالحري قطع شجرة في صحراء جرداء؟ ولكن هكذا قُطع المسيح أيضًا «وفي جيله مَن كان يظنُّ أنه قُطِعَ من أرض الأحياء؟» ( إش 53: 8 ). لقد قُطعت تلك الحياة الجميلة الرائعة التي أُنفِقَت في عمل الخير لآخر لحظة!
رابعًا: شجرة طُرحت في مرارة الماء: لقد نزل المسيح إلى عمق نجاستنا لكي ينتشلنا منها، ويُمتعنا بالخلاص والتطهير «الرب وَضَعَ عليه إثمَ جميعنَا» ( إش 53: 6 )، «لأنه جعَلَ الذي لم يعرف خطية، خطيةً لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه» ( 2كو 5: 21 ).
خامسًا: شجرة طُرحت في الماء المُر، فصار الماء عذبًا وفيه الدواء: عندما نختبر حكم الصليب، ونُطبِّق حكم الموت في أنفسنا، ونُخضِع إرادتنا له مُتمثلين به في كل ظروفنا الصعبة والمُرَّة، ولسان حال قلوبنا: «لتكن لا إرادتي بل إرادتك» ( لو 22: 42 )، عندئذٍ تزول المرارة من كل تجربة، ونتقبَّلها بشكر، فيصير الماء عذبًا.