رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لِلسَّكَنِ فِي أَوْدِيَةٍ مُرْعِبَةٍ وَثُقَبِ التُّرَابِ وَالصُّخُورِ [6]. إذ كان أيوب حاكمًا وقاضيًا كان ينظر مع شيوخ المدينة في القضايا الكبرى مثل التصرف مع المتشردين الخطيرين على الأمن. فكان البعض منهم يهربون من المدينة ويبحثون عن مغاير في وسط وديان غير آهلة بالسكان وجبال، يعيشون فيها بعيدًا عن نظر القضاء. الآن إذ سمعوا عن أيوب وكيف صار حاله، ظنوا أنه قد صار متشردًا مثلهم، لا مأوى له، وليس من يقبله أو يعزيه، فجاءوا يسخرون منه كأبأس واحدٍ منهم. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) وغيره أنهم يمثلون من ليس لهم موضع في مدينة الله، يسكنون كما في البراري وبين الصخور في مغاير، في مناطق مرعبة. ما يشغلهم لا رجوعهم إلى الله بل السخرية برجال الله وقديسيه. اختاروا لأنفسهم البؤس والكآبة والعزلة والمرارة، وما يفكرون فيه هو التشفي في الأبرار المتألمين. فما يبهج قلوبهم ليس أن يتمتعوا بالخيرات، بل أن يُصاب غيرهم بالشرور والمصائب. هذا من فعل روح العداوة مع البغضة والحقد. ما يشغل ذهن الحاقد هو دمار إخوته لا بنيانه هو. من يعزل نفسه عن كنيسة السيد المسيح يكون كمن حرم نفسه من الفردوس الروحي ليعيش في وسط قفر البراري، فلا يقدر أن يشترك في النشيد الكنسي: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16)؛ حبيبي نزل إلى جنته، إلى خمائل الطيب ليرعى في الجنات، ويجمع السوسن" (نش 6: 2). * "ليأت حبيبي إلى جنته، ويأكل ثمرة النفيس" (نش 16:4). إنه لتعبير جرئ من نفس ممتلئة حماسًا وروعة ترتفع على كل تعجب. من تدعوه العروس لوليمتها التي تتكون من فاكهتها الخاصة؟ لمن تُجهز العروس وليمتها التي أقامتها من مصادرها الخاصة؟ من تدعوه العروس لكي يأكل مما عرضته؟ "هو الذي منه وبه وله كل الأشياء" (رو 36:11). إنه يعطي كل شخصٍ طعامه في حينه (مز 15:145)، يفتح يده ويملأ كل كائن حي بالنعيم. هو الخبز النازل من السماء (يو 41:6)، هو الذي يعطي الحياة للعالم، ويجعل المياه تفيض من نبعه الخاص للحياة. هذا هو الواحد الذي ترتب العروس له مائدتها. وهي الحديقة التي تنبت منها أشجار حيّة. ترمز الأشجار إلينا، وتُشير أرواحنا المُخلّصة إلى الطعام المُقدم له. وقال لتلاميذه: "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم" (يو 32:4، 34). تتميم إرادة الله المقدسة: "فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 4:2). فهذا الخلاص هو الغذاء الذي يُجهز له. تُعطي إرادتنا الحرة الثمرة لله وهي أرواحنا، ليقطفها من على أغصانها الصغيرة. تمتعت العروس في البداية بثمرة التفاح حلوة المذاق قائلة: "وثمرته حلوة لحلقي" (نش 3:2). ثم أصبحت هي نفسها الثمرة الجميلة الحلوة التي قُدمت للراعي ليتمتع بها. القديس غريغوريوس النيسي |
|