![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() حياته في يد الله يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا. أَفَتَبْتَلِعُنِي؟ [8] الإنسان مدين لله بوجوده، لكن عندما تحلّ به تجربة يرى كأن الله يريد أن يبتلعه. استخدم كثير من الآباء الكنسيين هذه العبارة للرد على أتباع ماني وغيرهم ممن ادعوا أن جسم الإنسان عنصر ظلمة، وأنه فاسد بطبعه يجب الخلاص منه. يرى القديس مار يعقوب السروجي أن الجسد لا يستطيع أن يعيش وحده، كذلك لا تستطيع النفس أن تعيش وحدها. [لم يُمنح الجسد حياة دائمة من دون النفس، ولم تُمنح النفس إحساسًا من دون الجسد. فحياة النفس هامدة بدون الجسد، والجسد الموضوع في التراب يبقى بدون حياة.] أشار كثير من آباء الكنيسة إلى أن إحدى بركات التجسد الإلهي، أن الله ردّ للجسد الذي خلقه كرامته، إذ لم يأنف كلمة الله الأزلي أن يحمل جسدًا بشريًا حقيقيًا، ويمارس أعمالًا جسدية. * من أجل أن الكلمة نزل وأتى ليكون جسدًا مع الجسدانيين، سار في طريق كل المولودين، وبقي في العالم ثلاثين سنة بتواضعٍ. حينئذ بدأ يفعل بقوة جبروته. عجيب أنه كان ساكنًا في بيت النجار، ومختلطًا بهم، ويسلك حسب عادتهم... العجب أن السماوات ممتلئة من تمجيده، وقد اكتفي ببيتٍ صغيرٍ يتربى فيه...! صار طفلًا ورضع اللبن ولم يمل... صار صبيًا وقاس الأسواق بخطواته... صار شابًا وتعبد في بيت النجار. صار رجلًا وأحنى رأسه قدام يوحنا، ومع التائبين نزل للتعميد بتواضعه... لنصدق أنه أتى وصار جسدًا، لا بالتشبيه بل بالحق. صار إنسانًا ليشعر العالم أن آدم الثاني أظهر نفسه ليجدد العالم عوض الأول الذي لدغته الحية. لو بدأ يفعل القوات من صباه لكانوا يظلمونه قائلين إنه لم يتجسد بالحق. وأن جسده خيال ولم يكن جسدًا. من أجل هذا ثبَّت ربنا ثلاثين سنة، وحينئذ بدأ يسير بطريق القوات. ليكون بالجسد رجلًا كاملًا يشبه آدم. لأنه خرج ليخاصم العدو (الشيطان) عوض آدم. القديس مار يعقوب السروجي * إن أردتم أن تتعلموا أية نوعية للجسد الذي خلقه الله أولًا، فلنذهب إلى الفردوس، ونبحث عن الإنسان الذي خُلق في البداية. فإن ذاك الجسد لم يكن فاسدًا ولا ميتًا. لكنه كان أشبه بتمثال ذهبي خارج من الفرن يشرق بهاءً، هيكله متحرر من كل فسادٍ. العمل لا يجعله متُعبًا ليس من عرق يتصبب منه. لا يتآمر عليه، ولا وجد شيء من هذا النوع يزعجه. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أمبروسيوس البابا غريغوريوس (الكبير) الأب هيسيخيوس الأورشليمي ماذا يعني بيديْ الله؟ * إذ نقرأ أن الروح القدس هو إصبع الله (لو 11: 20)، فإننا نحسب أن الأصابع تشير إلى الابن والروح. أخيرًا لكي يشير أنه يقتني التقديس من كل من الابن والروح يقول قديس معين: "يداك كونتاني وصنعتاني" (أي 10: 8). القديس أمبروسيوس ثيؤدورت أسقف قورش اُذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ. أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟ [9] يلجأ أيوب إلى حب الله الفائق للإنسان. أقامه الله من الطين، وقدم له كل هذه الإمكانيات الفائقة، فهل يرجع الله عن حبه، ويرد الإنسان إلى ما كان عليه؟ ليس للإنسان أن يفتخر لأنه جُبل من الطين، وفي نفس الوقت لا يستهين بنفسه، ولا يستخف بحياته، فهو من صنع الله، الذي خلقه على صورته ومثاله. * يبدو أيوب كمن يقول: أذكر ضعف الجسد، وأغفر إثمي. البابا غريغوريوس (الكبير) نعم لماذا تنسَ ضعفي؟ لأنه من هو الإنسان إلا افتقادك له؟ (مز 8: 4؛ عب 2: 6) لهذا لا تنسى من هو ضعيف. تذكر يا رب أنك خلقتني ضعيفًا، أذكر أنك جبلتني كالطين (مز 103: 14؛ أي 10: 9). كيف يمكنني أن أقف ما لم توجهني عنايتك على الدوام لتقوي هذا الطين، فتصدر قوتي عن وجهك؟ "تحجب وجهك، فيرتاع كل شيء" (مز 104: 29) . *احتياجات الجسم تولد اهتمامات، وتدخل بنا إلى مساعٍ تعوق قوة النفس وتمنع تركيزها. أوضح القديس أيوب ذلك حسنًا: "أذكر أنك جبلتني من الطين" (أي 10: 9). فإن كان الجسم طينًا، فبالتأكيد يلوثنا ولا يغسلنا. إنه يفسد النفس ويلوثها بالإفراط في إشباع الهوى. "كسوتني جلدًا ولحمًا، فنسجتني بعظامٍ وعصبٍ" (أي 10: 11). هكذا ترتبط نفوسنا وتتعذب بأعصاب الجسم وأحيانًا تقسو غالبًا عندما تنحني. "من ذنبي لا تحلني. إن كنت شريرًا، فيا ويلي! إن كنت بارًا، لا أتجاسر وأرفع رأسي، لأني شبعان هوانًا. تجلب عذابات ضدي" (أي 10: 14-15، 17LXX ). القديس أمبروسيوس الأب هيسيخيوس الأورشليمي هذا ما أراد أن يقوله: ألم تفرح بظل اليقطينة، فكم بالحري ينبغي لي أن أفرح بخلاص أهل نينوى؟! ألم تتألم بهلاكها؟! هكذا يؤلمني هلاك البشرية... لم يقل له: "أنت شفقت على اليقطينة" وتوقف... بل أكمل: "التي لم تتعب فيها ولا ربيتها". لأنه كما يشفق البستاني على الشجرة التي تعب فيها أكثر من غيره، هكذا أراد الله أن يثبت محبته للبشر خلال هذه المحبة. كأنه يقول له: أنت تدافع بقوة عن عمل غيرك الذي لم تتعب فيه، بالحري يليق بي الدفاع عن عمل يدي! ثم يخفف من حدة الاتهام الموجه ضدهم بقوله: "لا يعرفون يمينهم من شمالهم"، أي أخطأوا بغير معرفة... ويعاتب الذين يئنون بأنهم متروكون قائلًا: "من جهة بني ومن جهة عمل يديَّ أوصوني!" (إش 45: 11) وكأنه يقول: من يُذَّكر الأب بابنه أو يحثه ليفكر فيه؟ أو من يُذَّكر الفنان ألا يتلف فنه؟! القديس يوحنا الذهبي الفم من محبة الله أنه يسحب نعمة روحه القدوس منه كما إلى حين حتى يكتشف حقيقته فيصرخ: "أفتعيدني إلى التراب؟" [9]. يشعر الإنسان بضعفه ويدرك أنه بدون تدخل نفخة النعمة السماوية يكون ترابًا جافًا. أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ، وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟ [10] تشبيه رائع، فكما يمكن للشخص البسيط أن يصب اللبن أو يصنع الجبن هكذا في يُسر وسهولة صنع الله الإنسان. * إذ أخذ الرب جسدًا لم يخجل منه، إذ هو مكوِّنًا للأجساد. لكن من الذي أخبرنا بهذا؟ يقول الرب لإرميا: "قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك" (إر 5:1). فإن كان لم يخجل من خلقه جسد الإنسان، أفيخجل من الجسد الذي أخفي فيه لاهوته، الذي يخلق الأطفال في الأحشاء كما كتب أيوب: "ألم تصبني كاللبن، وخثرتني كالجبن، كسوتني جلدًا ولحمًا فنسجتني بعظام وعصب؟!" القديس كيرلس الأورشليمي * تختفي الطبيعة العاقلة الخالدة في جسدنا البالي، وتوحي بكل أفعالها فيه وخلاله. وهكذا إذ لكم هذا الجسد الذي صار مذبحًا يُقدم عليه البخور، لذلك ضعوا عليه كل أفكاركم ومشوراتكم الشريرة قدام وجه الرب، رافعين عقولكم وقلوبكم إليه، متوسلين أن يرسل ناره المقدسة لتحرق كل ما هو على هذا المذبح وتنقيه، فيخافكم خصومكم (الشياطين والخطايا) - كهنة البعل - ويهلكون على أيديكم، كما حدث مع إيليا النبي (1 مل 25:18 - إلخ) حينئذ تشاهدون الْمُعَزِّي القدوس في الماء الإلهي (المعمودية) الذي يمطر عليكم مطرًا روحيًا. القديس أنطونيوس الكبير كَسَوْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ [11]. حين خلق الله الإنسان، لم يخلقه عريانًا، لأنه كساه بالجلد، ولا أوجده ضعيفًا، إذ نسجه بالعظام والعصب. هكذا تتشح أجهزتنا الداخلية بالجلد وتتحصن بالعظام والأعصاب. وكان يُمكن أن يعيش الإنسان في وقارٍ وقوةٍ لو لم تعريه الخطية وتضعف قدرته. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الإنسان الداخلي ملتحف بجلدٍ ولحمٍ، وذلك لأنه في أثناء ارتفاعه نحو السماويات يجد في نفس الوقت إعاقة حيث يُحاصر بتحركات جسدية تعوقه. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن أيوب يلمس رعاية الله الفائقة الذي خلقه من العدم ووهبه جلدًا وجسمًا، عظامًا وأعصاب، فكيف يمكن لهذا الخالق المبدع في حبه ورعايته وقدراته ألا يهتم بالإنسان محبوبه؟ * إنه يعني: ألست أنت هو الذي تقدم له تأكيدًا على عظمة الحب نحو الإنسان، وعلى عظمة الحكمة هذه؟ فإن كان أيوب يشير إلى تكوين الإنسان في شيء من التفصيل إنما ليبرهن أنه بعدما خلقه من العدم، هل ينكر رعاية الله العظيمة وحكمته الفائقة هذه؟ وقد أظهر أن الإنسان (بذاته) عدم. القديس يوحنا الذهبي الفم من يهب الحياة للأشياء التي بلا حياة في داخلك؟! من الذي ربطنا بعضلات وعظام، وكسانا بجلدٍ ولحمٍ، وما أن يولد الطفل حتى يفيض اللبن من الثديين؟! كيف ينمو الطفل ليكون صبيًا، فشابًا، فرجلًا، ويبقى هكذا حتى يعبر إلى الشيخوخة، دون أن يلاحظ أحد هذا التحول الدقيق من يومٍ إلى يومٍ؟! القديس كيرلس الأورشليمي مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي [12]. إن كان لنا ما نشتكي منه حتى مما صدر عن الله، فإننا نلجأ إليه. إنه يسمح بالضيق لكي نتعلم أن نلجأ إليه فهو الذي خلقنا لكي ننعم به، لا لكي نتذمر. مع عطية الجسد في روعة خلقته وإمكانياته الظاهرة والخفية، قدم الله لنا ما هو أعظم، ألا وهي نسمة الحياة التي من فم الله. منحنا الحياة والرحمة، وقدم لنا نعمة العقل والفكر مع القلب والعواطف. أقام النفس مخفية في الجسم، لكن ما يحفظها، ليس الجسم بقدراته وطاقاته، إنما عناية الله. * يا لقوة مرثاة هذا الرجل القديس للضعف العام لكل البشر! كم كان ثقل الاتهام بأن الله صنع الإنسان بيديه قويًا، ومع ذلك يُقدم الإنسان عذرًا عن ارتكاب الذنب بدعوى أنه ضعيف، بينما تعلن النعمة عن العمل الأبدي فينا خلال حنو الحماية السماوية. القديس أمبروسيوس * إن كنت تشك في عناية الله سْل الأرض والسماء والشمس والقمر، سلْ الكائنات غير العاقلة والزروع... سلْ الصخور والجبال والكثبان الرملية والتلال. سلْ الليل والنهار. فإن عناية الله أوضح من الشمس وأشعتها. في كل مكان، في البراري والمدن المسكونة، على الأرض وفي البحار... أينما ذهبت تسمع شهادة ناطقة بهذه العناية الصارخة... في كل موضع ترتفع الأصوات مدوية بوضوح أعلى من أصوات البشر العاقلين، تعلن لكل من يريد أن يسمع عن محبة الله الساهرة! وإذ أراد النبي أن يسجل قوة هذه الأصوات قال: "في كل الأرض خرج صوتهم وفي أقصى المسكونة كلماتهم" (مز 19: 4). لا يفهم لغتنا نحن إلا أهل لساننا، أما الخليقة فتنطق بلغة تفهمها جميع الشعوب! القديس يوحنا الذهبي الفم لَكِنَّكَ كَتَمْتَ هَذِهِ فِي قَلْبِكَ. عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عِنْدَكَ [13]. كان أيوب في صراعٍ بين هذه النعم الإلهية المجانية ورعاية الله الفائقة للحفاظ على الجسم كما على النفس، وبين ما سُمح له بأن تحلّ به متاعب لا تُحتمل. لهذا يقول: "لكنك كتمت هذه في قلبك"، أي أن الأمرين يتفقان معًا خلال مشيئتك المكتومة في داخلك، لا يستطيع أحد منا أن يدرك أعماقها. إنه في يقين من نحو عناية الله ومن نحو سماح الله له بالألم: "علمت أن هذا عندك". * "إذ كتمت هذه في نفسي، أعرف أنك تستطيع كل شيء، ولا يستحيل عليك شيء". ألا ترون أن إمكانية معرفة الله معلنة في خليقته (رؤ 1: 19)؛ فإنه يكفيني خلقتي أن تظهر لي وجود الله وقوته دون حاجة إلى السماء؟ فإننا إذ خُلقنا هكذا، أن نوجد من حيوان منوي (بذرة)، وأن نكون بهذا العون، ولا يسمح لنا بالسقوط في مخاطرٍ، هذا كله يكفي ليظهر قوة الله وسلطانه. وذلك كما في حقيقة حفظ الخاطي وعدم معاقبته (هنا)، وفي تأديب البار ومعاقبته. القديس يوحنا الذهبي الفم أي شيء يمكن أن يكون مستحيلًا عليه؟ فإن كنت جعلت الطين على صورة الله (تك 2: 7)، وجعلت التراب يعبر إلى درجة الكائن العاقل، إن كنت تهب الكائنات الأرضية سعادة تعادل ما للكائنات السماوية، كيف لا تقدر أن تصنع معجزة لي؟ الأب هيسيخيوس الأورشليمي |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيوب | صارت حياته كريهة |
هكذا عاش أيوب كل حياته يطلب التوبة، فتصير حياته مطوبة |
أيوب حياته قد انطفأ |
استخدم الرب حرب إبليس على أيوب لتنقية حياته |
أيوب زعل وكره حياته كلها |