منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 03 - 03 - 2023, 06:08 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,146

أيوب | صارت حياته كريهة


صارت حياته كريهة



قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي.
أُسَيِّبُ شَكْوَاي،
أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي [1].
في شيءٍ من الشجاعة يقف أيوب أمام الديان ليرفع شكواه إلى من أصدر الحكم عليه بالدخول في ضيقات مرة. لقد أدرك أيوب المُجَّرب أنه ليس من طريق للشكوى فيما حلَّ به بسماح من الله إلا أن يرفعه إلى الله نفسه.
عجز أيوب عن أن يدافع عن نفسه أمام الله، وقد خشي عظمته، ولم يجد من يصالحه معه، عندئذ صرخ: "قد كرهت نفسي حياتي". اشتهَى الموت يأسًا.
أطلق أيوب شكواه ضد نفسه، فهو لا يتهم الله بالظلم والقسوة، إنما يتهم نفسه بالجهل، لا يعرف أساس الخصومة، إذ افترض أيوب أن العيب فيه، لكنه لا يعرفه.
لم يرد أن ينطق بكلمة، لئلا يخطئ، لكن انطلقت المرارة التي في داخله تتكلم. وكما يقول الرسول "الخطية الساكنة فيَّ" (رو 7: 20).
* "نفسي قلقة من جهة حياتي" [1]. الآن إذ بدأت الحياة الحاضرة أن تصير بلا طعم، وتصير محبة الخالق عذبة، التهبت النفس ضد ذاتها، فتتهم ذاتها بالخطايا التي كانت قبلًا تبررها، بكونها تجهل العلويات. لهذا أكمل: "أسيب كلامي ضد نفسي" [1].
البابا غريغوريوس (الكبير)
* لتكن آلامك كتبًا تنصحك.
مار أفرآم السرياني
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن أيوب البار وسط المحن الشديدة ارتفع قلبه نحو السماويات، والتهب قلبه بالحب نحو الله، فتجلت أمامه الخطايا التي لم يكن يشعر بها قبلًا أو التي كان يستتفهها أو يبررها، لذلك كره ما كانت عليه حياته، وصار هو متهمًا لنفسه، يسمح لنفسه أن ينطق بشكواه ضد نفسه.
صار أيوب ديانًا لنفسه، حتى لا يسقط تحت الدينونة في يوم الرب العظيم الذي يستذنبه. إنه يفضل أن يستذنب نفسه قبل أن يستذنبه الله حتى في هذا العالم، فيسخر منه أعداؤه حين يسلمه الله لهم لتأديبه. حقًا ما أعذب أن يلقي الإنسان باللوم على نفسه!
هكذا تتحول الضيقة من ثقل يمرر النفس، إلى تمتع بثقل أمجادٍ أبديةٍ، نختبرها وسط الآلام. لذا يقول الرسول بولس: "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبدي" (2 كو 17:4).
* "أتكلم في مرارة نفسي"، من يخبر عن خطاياه، مشمئزا منها، يلزمه أن يتكلم في مرارة نفسه، حتى أن المرارة ذاتها تعاقب اتهامات لسانه في تبريره لضميره. لكن يلزمنا أن نضع في ذهننا أنها تجلب نوعًا من الأمان من آلام الندامة التي تسدد ضربة إلى نفسها، وعندئذ ترتفع بثقة أعظم لمواجهة استجواب الديان السماوي.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* لا ترجع النفس إلى الله إلا إذا انتزعت من العالم، ولا ينزعها بحق إلا التعب والألم.
القديس أغسطينوس
* لم تكن طبيعة بولس الرسول تختلف عن طبيعتنا؛ ولا نفسه مختلفة عن نفوسنا، ولا عاش في عالمٍ آخرٍ، بل سكن في نفس العالم والمدينة وخضع لنفس القوانين والعادات، لكنه فاق في الفضيلة كل البشر في الماضي والحاضر. الآن، أين هؤلاء المعترضين على صعوبة الفضيلة وسهولة الخطية؟ فهذا الرجل يدينهم بكلماته: "لأن خفة ضيقاتنا الوقتية تُنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبديٍ" (2 كو 17:4). فإن كانت ضيقاته محتملة وخفيفة، فكم بالحري ضيقاتنا التي إن قارنتها صارت كلا شيء أو مجرد لذٌات...؟
احتضن بولس الآلام بمحبة بلا مُقابل، وتحْمَل بكل فرحٍ ما اعترضه من صعوبات وعوائق في طريق الفضيلة. فلم يتضايق من ضعف الجسد أو ضغوط المسئولية أو بطش العادات، ولا من أي شيءٍ آخر. عِلاوة على ذلك فاقت مسئولياته كل مهام القادة والملوك، لكنه كان يزداد في الفضيلة يوميًا. وصار ازدياد المخاطر سببًا في التهاب غيرته بالأكثر، فقال: "أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام" (في 13:3).
عندما اقترب منه الموت، دعا الجميع لمشاركته هذا الفرح، قائلًا: "وبهذا عينه كونوا أنتم مسرورين أيضًا، وأفرحوا معي" (في 18:2). فكان يتهلل فرحًا في الضيق والألم وفي كل مذلةٍ. كتب إلى أهل كورنثوس: "لذلك أُسَر بالضيقات والشتائم الضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2 كو 10:12). ودَعا ذلك أذرع العدالة، موضًحًا أنها مصدر مثمر لفائدته، فصار لا يُهزَم أمام أعدائه. وبالرغم من الضرب والاضطهاد والشتم كان كمن في عرسٍ مبهجٍ، مُصحِحًَا الكثير من مفاهيم النصرة، متهللًا فرحًا، شاكرًا الله بقوله: "ولكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين" (2 كو 14:2).
* ما أمجد الآلام! بها نتشبه بموته!
كما يُلقى ممحص الذهب بقطعة الذهب في الفرن لتحتمل النار إلى حين حتى يراها قد تنقت، هكذا يسمح الله بامتحان البشرية بالضيقات حتى تتنقى وتحصل على نفعٍ عظيمٍ... فليتنا لا نضطرب ولا نيأس عندما تحل بنا التجارب. لأنه كما أن ممحص الذهب يعلم الزمن الذي ينبغي أن يترك فيه الذهب في الفرن، فيُخرجه في الوقت المعين، ولا يتركه بعد في النار، حتى لا يفسد ولا يحترق، هكذا كم بالأكثر يعلم الله ذلك. فعندما يرانا قد تنقينا بالأكثر، يعتقنا من تجاربنا حتى لا ننطرح ونُطرد بسبب تزايد شرورنا.
عندما يحل بنا أمر ما لم نكن نتوقعه، لا نتذمر ولا تخور قلوبنا، بل نتحمل الله الذي يعرف هذه الأمور بدقةٍ، حتى يمتحن قلوبنا بالنار كيفما يُسر، إذا يفعل هذا بهدفٍ لفائدة المجربين، لذلك يوصينا الحكيم قائلًا بأن نخضع لله في كل الأمور، لأنه يعرف تمامًا متى يخرجنا من فرن الشر. (حكمة يشوع 1:1، 2)
نخضع له على الدوام، ونشكره باستمرار، محتملين كل شيءٍ برضا، سواء عندما يمنحنا بركات أو يقدم لنا تأديبات. لأن هذه الأخيرة هي نوع من أنواع البركات.
فالطبيب ليس فقط يسمح لنا بالاستحمام (في الحمامات)... أو الذهاب إلى الحدائق المبهجة، بل وأيضًا عندما يستخدم المشرط والسكين هو طبيب!
والأب ليس فقط عندما يلاطف ابنه، بل وعندما يؤدبه ويعاقبه... هو أب!
وإذ نعلم أن الله أكثر حنوًا من كل الأطباء، فليس لنا أن نستقصي عن معاملته، ولا أن نطلب منه حسابًا عنها، بل ما يحسن في عينيه يفعله. فلا نميز إن كان يعتقنا من التجربة أو يؤدبنا لأنه بكلٍ من الطريقين يود ردنا إلى الصحة، ويجعلنا شركاء معه، وهو يعلم احتياجاتنا المختلفة، وما يناسب كل واحدٍ منا، وكيف، وبأية طريقة يلزمنا أن نخلص.
لنتبعه حيثما يأمرنا، ولا نفكر كثيرًا إن كان يأمرنا أن نسلك طريقًا سهلًا وممهدًا أو طريقًا صعبًا وعرًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم


قَائِلًا لله: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي.
فَهِّمْنِي، لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي! [2]
مع ما يبدو في أيوب من تذمرٍ، لكنه يعلن جهله عن سرّ الخصومة ويستذنب نفسه، وإن كان لا يعرف ما هو ذنبه، لهذا في تواضع يطلب: "لا تسذنبني"، أي لا تفصلني عنك.
إذ سمحت لي بحمل الآلام، فلا تسمح للخطية علة تعبي أن تستقر في داخلي.
إذ سمحت لي بعصا التأديب، لا تسمح بهلاكي.
أدبني لكن لا تحكم عليَّ إني مستحق للدينونة. وكما يقول الرسول: "إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب لكي لا نُدان مع العالم" (1 كو 11: 32).
ما اشتهاه أيوب تحقق بالمسيح يسوع: "إذ لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 1).
يسمح الله بالتجارب لكي يصرخ المؤمن طالبًا المعرفة، واكتشاف أسرار الله: "فهمني، لا تخاصمني".
خلال الضيق أدرك أيوب البار أنه خاطي، لكن هذا لا يكفيه، بل يريد من الله أن يهبه فهمًا ليدرك ما هي خطيته، فيعترف بها لله، ويهرب منها خلال النعمة الإلهية.
* عظيم هو الإيمان، وعظيمة هي قوة الضمير، أن يستدعي الإنسان الله كشاهدٍ على تحقيق هدفه.
لم يرفض أيوب ما يحل به خلال حاله البشري، إنما يرفض ما يأتي من عدم القداسة، معترفًا أنه يحل به عن ضعفٍ.
أن يخطئ الإنسان هذا من خلال واقعه البشري، لأنه ليس أحد مُستثنى من السقوط.
أما أن يعمل بطريقٍ غير مقدس، فهذا ليس من حاله البشري، إنما هو سم عدم الإيمان خلال القلب الشرير.
لا يليق بالإنسان البار أن يفعل هذا.
تعتمد المغفرة للإنسان على مراحم الله، لا على قوة الإنسان.
القديس أمبروسيوس
* "قائلًا لله: لا تدينني، فهمني لماذا تخاصمني؟" [2] إذ يعلن عن نفسه أنه خاطي، "في مرارة نفسه"، ماذا يقول لله إلا أنه يطلب ألا يُدان، حيث أن مرارة ندامته الحاضرة تنزع آلام السخط عن خطاياه؟
يدين الله الإنسان في هذه الحياة بطريقين: بإدراك أنه بالمتاعب الحاضرة قد بدأ فعلًا أن يجلب عليه العذابات العتيدة، وإلا أن يرفع العذابات العتيدة خلال الضربات الحالية...
يُخَّلص التأديب من الويل أولئك للذين يتغيرون وحدهم. أما الذين لا ينصلحون بالمتاعب الحاضرة، فيدخلون إلى متاعبٍ أخرى كنتيجة لذلك.
لو أن بعض العقوبات الحاضرة لا تحفظ من الويل الأبدي، ما كان بولس يقول: "ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب، لكي لا ندان مع العالم" (1 كو 11: 32). كما قيل ليوحنا بصوت الملاك: "إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه" (رؤ 3: 19)، كما كتب: "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله" (عب 12: 6)...
بعدلٍ قيل هنا: "فهمني، لماذا تحاكمني؟" [2]. وكأنه يقول بوضوح: لقد مارست حكمك عليّ بضرباتك علي، لكي بهذه الضربات تجعلني في أمانٍ من الدينونة.
يمكن أيضًا أن تفهم هذه العبارة بمعنى آخر. كثيرًا ما يتقبل البار ضربات التجربة، وإذ يمتحن حياته بالعين الحاذقة التي تستجوبه لا يقدر أن يحدد أية خطية على وجه التدقيق لأجلها قد ضُرب، حتى وإن شعر في نفسه أنه خاطي. إنه يرتعب بالأكثر تحت العصا بالنسبة لجهله السبب الحقيقي للضربات. إنه يصلي للديان ليُظهر له غاية ضربه إياه، حتى يتأدب بالبكاء على خطيته. فهو متأكد تمامًا أن المنتقم البار لن يُحزن أحدًا بظلمٍ. وأنه قد وُضع تحت الجلدات كإنذارٍ خطيرٍ، ومع ذلك لم يقدر أن يكتشف من نفسه ما يجب أن يحزن عليه.


أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِم،َ
أَنْ تَرْذُلَ عَمَلَ يَدَيْكَ،
وَتُشْرِقَ عَلَى مَشُورَةِ الأَشْرَارِ؟ [3]
عاد أيوب يعاتب الله كمن شعر بالظلم، إذ يترك الأشرار يتممون مشورتهم الشريرة في حياة مؤمنيه الذين هم من عمل يديه.
واضح في السفر كله أن أيوب لم ينسب الظلم إلى الله، لكنه كان في حيرة شديدة، إذ لم يعرف كيف يفسر الأحداث بالرغم من إدراكه وتأكده من عناية الله.
إذ يركز الإنسان في ضعفه على الضيقات التي حلت به، يتعجب كيف يترك الله الأشرار يتممون مشوراتهم الشريرة ضد أولاد الله. يظن الإنسان كأن الله قد نسي أنه عمل يديه، وموضع رعايته، وأنه ترك الأشرار يفعلون ما يريدون.
لكن إذ يرفع المؤمن نظره إلى الله، يدرك أنه الطبيب السماوي الصالح الذي يحٌَول مشورات الأشرار لبنيان أولاده ومجدهم. يسمح لهم أن يمارسوا الضيق، لكنه يهب أولاده قدرة على الصبر والاحتمال. لن يسمح الله بتجربة فوق طاقة مؤمنيه وإمكانياتهم! بحق نترنم قائلين: "قد كسر الرب عصا الأشرار، قضيب المتسلطين" (إش 5:14) .
* الرب لم "يهتم بمشورة الأشرار" بطريقة تكبح نفس البار، حتى عندما يسلم جسده لفنون تجربتهم له... لكن حدة مشورتهم تصير كلا شيء، إذ يكيف الخالق الضربات حسب قدرتنا على الاحتمال...
حسنًا قال بولس: "ولكن الله أمين، الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا" (1 كو 10: 13). فلو أن الله الرحيم يسمح بالتجارب فوق قدرتنا، بالتأكيد ما كان يوجد إنسان يقدر أن يقف أمام خطط الأرواح الشريرة الماكرة دون أن يسقط أرضًا.
* إنه بلياقة يضيف: "عمل يديك"، كمن يقول بصراحة: إنك لن تضغط بقسوة صلدة على من تذكر أنك قد خلقته بنعمتك.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* لم يقل: "لماذا تتبرأ من البار، الإنسان الفاضل"، بل من "عمل يديك".
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "أنت تهتم بمشورة الأشرار"، فإن كان بسبب خطاياي (تؤدبني)، فكيف تهتم بمشورتهم؟
* حقًا يتألم الأبرار في الوقت الحاضر في حدودٍ معينة، وفي الوقت الحاضر يطغي الأشرار على الأبرار، كيف؟ يبلغ أحيانًا الأشرار مراكز عالمية، فيكونوا قضاة أو ملوكًا.
يفعل الله هذا لتأديب قطيعه، لتأديب شعبه... لكنه لا يترك العصا هكذا. فإن عصا الأشرار تُترك إلى حين على نصيب الأبرار، لكنها لا تُترك إلى الأبد.
القديس أغسطينوس
* "أورشليم الجبال حولها، والرب حول شعبه من الآن وإلى الدهر" (مز 2:125)... يقول: إن كانت حتى الجبال محصِّنة لها، فهي في حاجة إلى الحصانة من الرب لكي تكون منيعة... ليس لها أن تثق في سلسلة الجبال.
ما الذي يجعلها مُحصنة، انظروا هذا: "لأن الرب لا يسمح لعصا الخطاة أن تستقر على نصيب الصديقين" (مز 3:125). إنه يشير إلى سبب لائق لنوال معونة الرب، حتى يشجعهم أن يثقوا فيه. ما هو؟ يقول المرتل: إنه لم يحتمل أن يكون صلاح الصديقين في أيدي الخطاة...
إنه لا يسمح لهم أن ينالوا سلطانًا على ميراث الأبرار، فإن سمح به، إنما إلى حين لأجل إصلاحهم ونصحهم وتأديبهم.
القديس يوحنا ذهبي الفم


أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ،
أَمْ كَنَظَرِ الإِنْسَانِ تَنْظُرُ؟ [4]
وثق أيوب أن عيني الله ليستا كعيون البشر الجسدية، فهو يري في الظلام، ويعرف الخفيات، عيناه في كل مكان (أم 15: 3)، تجولان في كل الأرض (2 أي 16: 9). كل شيء مكشوف أمام الله. لهذا يقول الرسول: "نحن نعلم أن دينونة الله هي حسب الحق" (رو 2: 2).
مادام الله مدركًا لأسرار قلب أيوب، ويعلم محبته له ونقاوة قلبه، فهو ليس بمحتاجٍ أن يسمح للعدو أن يجربه كيف يتزكى أمام الرب.
حقًا لم يكن الله محتاجًا أن يُسلم أيوب للتجربة لكي يفحص أعماقه، إنما سمح بذلك ليخزي عدو الخير، ولكي يتزكى بالأكثر أيوب خلال صبره واحتماله بشكرٍ دون أن يجدف على الله.
في عتاب صريح يقول أيوب لله إن عينيه ليست كعيون البشر، فهي فاحصة لأعماق الإنسان بلا حدود، تعرف حتى ما سيفعله في المستقبل، فما الحاجة لفحصه؟ يسأله ألا يسلمه للشرير حتى لا يضغط عليه فيخطئ.
* "ألك عينا بشر، أم كنظر الإنسان تنظر؟" [4]... لا تقدر أعين الجسد أن تتطلع إلى أعمال الحقبات الزمنية إلا في حدود زمنٍ معين، علاوة على هذا فإن أيام البشر وسنواتهم تختلف عن أيام الأبدية وسنواتها. حياتنا تبدأ في زمنٍ وتنتهي في زمنٍ، بينما الأبدية فبلا حدود...
البابا غريغوريوس (الكبير)
* "أم كنظر الإنسان تنظر؟" هذه الكلمات معناها... ليس من ضرورة لك أن تفحص أيوب، وتمعن النظر فيه لتنظره إن كان هو كما يدعي العدو، فإذ أنت هو الله تعرفه مقدمًا. إنك لا تنظر كما ينظر المائت، فلماذا سُلمت أنا للعدو ليلزمني أن أرتكب إثمًا؟
الأب هيسيخيوس الأورشليمي


أَأَيَّامُكَ كَأَيَّامِ الإِنْسَانِ
أَمْ سِنُوكَ كَأَيَّامِ الرَّجُل [5].
كما أن الله غير محدود، فإن أيامه غير محدودة، هو خالق الزمن. أيام الإنسان كما قال ليعقوب لفرعون: "قليلة ورديئة"، عرضة للتغيير. لذا فإن نظرة الله للأمور وأحكامه تختلف عن نظرة الإنسان. فبالنسبة لله الماضي كما الحاضر والمستقبل، الكل حاضر قدامه.


حَتَّى تَبْحَثَ عَنْ إِثْمِي،
وَتُفَتِّشَ عَلَى خَطِيَّتِي؟ [6]
يرى أيوب أن الله أعظم من أن يبحث عن خطيته أو يفتش عن إثمه، أو أن أيوب في عيني نفسه أتفه من أن ينشغل به الله ليبحث عن خطاياه. وكأنه يقول مع إرميا النبي: "قد عرفنا يا رب شرنا، إثم آبائنا، لأننا قد أخطأنا إليك، لا ترفض لأجل اسمك. لا تهن كرسي مجدك" (إر 14: 20-21).
* كأنه يقول وهو يتساءل في تواضعٍ: لماذا تفحصني بالضربات في زمنٍ، بينما حتى قبل أن يوجد الزمن تعرفني معرفة كاملة في داخلك؟ لماذا تقيم استجوابًا عن خطاياي خلال الضربات، وأنت بقدرة أبديتك تعرفني قبل أن تخلقني؟
البابا غريغوريوس (الكبير)


فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا،
وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ [7].
سبق أن اعترف أنه خاطئ، لكنه ليس بالمعاند الشرير والمقاوم لله ووصيته، ولا بالمرائي. لهذا يقول: "في علمك إني لست مذنبًا".
هكذا يليق بنا أن نعترف أننا خطاة، لكننا بالنعمة نعلن له مع الرسول: "أنت تعرف إني أحبك" (يو 21: 17).
مع اعترافي بأني شرير، لكن ليس من ينقذني من يدك سواك! إليك ألجأ فلا تغضب عليّ!
* "ليس من يفلت من يدك"، إنه كمن يقول بوضوح: ماذا لك سوى أن تصفح، يا من لا يقدر إنسان على مقاومة قدرتك؟ فإنه كما لا يوجد من ينعم بافتقادك عن استحقاق بسموه، هكذا، فإن حنوك هو الذي يسمح بنوال المغفرة.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* حتى إن قدمت شهادة عني، فإني لا أستطيع أن أخلص ببري، وإذ أنت تريد أن تضربني لا أقدر أن أخلص نفسي، لأنه "من يقدر أن ينقذني من يديك؟" كل الخليقة في يمين هذا الذي له المجد الأبدي.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
يرى المؤمن في الأواني الذهبيَّة المقدَّسة للرب حياته الداخليَّة التي صارت بالإيمان سماءً
أيوب | حياته في يد الله
هكذا عاش أيوب كل حياته يطلب التوبة، فتصير حياته مطوبة
أيوب حياته قد انطفأ
أيوب زعل وكره حياته كلها


الساعة الآن 03:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025