رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ [14]. يوبخ أيوب أصدقاءه على عنفهم وقسوتهم. حقًا لم يتكلم سوى أليفاز، لكن ظهرت علامات القبول والموافقة من الصديقين الآخرين. يشعر أيوب أن قسوتهم صارت علة جديدة ليتمنى الموت، لأنه أية راحة له في هذا العالم إن كان أصدقاؤه الذين جاءوا ليعزوه صاروا معذبين له؟ إنه من حق الإنسان الحزين أن يُقدم له المستريحون عطفًا، ويظهروا له محبة خالصة، ويطيبوا خاطره، ويستمعوا إلى شكواه، ويمزجوا دموعه بدموعهم. هذا ما يليق بهم كأعضاء مع الحزين في ذات الجسد الواحد. من لا يقدم حنوًا للمتألم يكون قد ترك خشية القدير، أي فقد مخافة الرب لأنه كيف تثبت محبة الرب ومخافته فيمن لا يبالي بآلام أخيه (1 يو 3: 17)؟ الشدائد هي محك الصداقة؟ تكشف الأصدقاء بالحق ممن يدعون الصداقة. "الأخ للشدة يولد" (أم 17: 17). * توجد وصيتان للحب: محبة الله ومحبة قريبنا. بحب الله يصير لمحبة القريب وجودها. وبمحبة القريب تتشدد محبة الله. فمن لا يبالي بمحبة الله بالحق لا يعرف شيئًا عن كيفية محبة القريب، وحين نتقدم بأكثر كمالٍ في محبة الله نرضع لبن الحب نحو قريبنا. لأن محبة الله تلد محبة القريب، لذلك عندما تحدث الرب بصوت الناموس ونطق بالكلمات: "تحب قريبك" سبق ذلك قوله: "تحب الرب إلهك" (مت 37:22؛ تث 5:6، 10، 12)... مرة أخرى محبة الله تتقوى بحب قريبنا، وقد شهد يوحنا بذلك إذ يقول: "من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟" (1 يو 20:4)... بهذا يقول بحق حكيم: "لا يمكن معرفة صديق وقت الرخاء، ولا يمكن أن يختفي عدو وقت المحنة" (ابن سيراخ 8:12). البابا غريغوريوس (الكبير) وقد ركّز على نفس النقطة بقوّة عندما كتب إلى أهل كورنثوس ليحثّهم على الاتساع، إذ يقول: "من يزرع بالشح فبالشح أيضًا يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضًا يحصد" (2 كو 9: 6). ولكي يصحّح مزاجهم يقول: "ليس عن حزنٍ أو اضطرارٍ" (2 كو 9: 7)... فإنك إن حزنت وأنت تصنع رحمة فأنت قاس وعنيف. إن كنت حزينًا كيف تقدر أن تسند الذين هم في حزن...؟ هذا هو السبب في قوله "الراحم فبسرور"، لأنه كيف يكون حزين الملامح من يتقبّل الملكوت؟! من يبقى كئيب النظرة وهو ينال غفران خطاياه؟ إذن لا تفكّر في إنفاقك المال (عمل الرحمة)، بل في الفيض الذي تناله خلال الإنفاق. فإن كان الذي يبذر يفرح مع أنه يبذر وهو غير متأكد من جهة الحصاد، كم بالأكثر من يُفْلِح السماوات؟ فإنك تعطي إنما القليل لتنال الكثير... بالفلسين حُسبت الأرملة أنها فاقت من قدّم وزنات كثيرة وذلك بسبب روحها المتسع. * يرتبط القوي بالضعيف فيسنده، ولا يسمح بهلاكه. مرة أخرى إن ارتبط بشخص متكاسل يقيمه ويدفعه للعمل. قيل: "أخ يعينه أخ هو مدينة قوية". هذه لا يفوقها بعد المسافة ولا السماء ولا الأرض ولا الموت، ولا أي أمر آخر، إنما هي أقوى وأكثر فاعلية من كل الأشياء. هذه وإن صدرت عن نفسٍ واحدةٍ، قادرة أن تحتضن كثيرين دفعة واحدة. اسمع ما يقوله بولس: "لستم متضايقين فينا بل متضايقين في أحشائكم. كونوا أنتم أيضًا متسعين" . القديس يوحنا الذهبي الفم لا يوجد علاج مؤثر في شفاء الأوجاع مثل الصديق الصادق الذي يعزيك في ضيقاتك، ويدبرك في مشاكلك، ويفرح بنجاحك، ويحزن في بلاياك. من وجد صديقًا هكذا فقد وجد ذخيرة. فالصديق الأمين لا شبيه له، فوزن الذهب والفضة لا يعادل صلاح أمانته (انظر ابن سيراخ 6: 14، 15). * بحق ليكن لك صديق تدعوه "نصف نفسي". * لا توجد صداقة حقيقيّة، ما لم تجعلها كوصلة تلحم النفوس، فتلتصق معًا بالحب المنسكب في قلوبنا بالروح القدس. * لا يوجد علاج مؤثر لشفاء الآلام مثل الصديق الصادق الذي يعزيك في ضيقاتك. القديس أغسطينوس |
|