لِذلكَ أَقولُ لكُم: لا يُهِمَّكُم لِلْعَيشِ ما تَأكُلون ولا لِلجَسَدِ ما تَلبَسون.
أَلَيْسَتِ الحَياةُ أَعْظَمَ مِنَ الطَّعام، والجَسدُ أَعظَمَ مِنَ اللِّباس؟
"لا يُهِمَّكُم" في الأصل اليوناني μὴ μεριμνᾶτε (معناها لا تهتموّا) فتشير إلى تعيين السيّد المسيح موقف التلاميذ إزاء حطام الدنيا ، وهو الاضطراب الذي يوَّلد التوتر وبالتالي القلق والشك، لكنه لا يقصد المسيح بها عدم الاهتمام في أمر معيشتنا ولا التشجيع على الكسل واللامبالاة، بل قصد أن يُدرّب الناس على الثقة بالله، كما جاء في تعليم بولس الرسول "إذا كان أَحدٌ لا يُريدُ أَن يَعمَل فلا يَأكُل" (2 تسالونيقي3: 10). المطلوب هو عدم الاهتمام أكثر من الواجب باحتياجاتكم الجسدية والاتكال على الله والثقة به غير خائفين من هموم المستقبل لكن دون اللامبالاة أو الكسل أو الخمول والاتكالية (لوقا 12: 50) التي تجعلكم عِبئا ثقيلا على أكتاف الآخرين ومتطفلين عليهم، كما يؤكد ذلك بولس الرسول "فإِنَّكم تَذكُرونَ، أَيُّها الإِخوَة، جَهْدَنا وكَدَّنا فقَد بَلَّغْناكم بِشارةَ الله ونَحنُ نَعمَلُ في اللَّيلِ والنَّهار لِئَلاَّ نُثَقِّلَ على أَحَدٍ مِنكم" ( تسالونيقي 2: 9) وتشير العبارة أيضا إلى عدم القلق والاتكال المُعبّر عنه في الصلاة (متى 6: 11) المرفوعة إلى الله، الآب السماوي الذي يُحرّر الإنسان من القلق الذي يُنسيه أن حياته هي في يد الآب (متى 16: 5-12)، وكأن الرَّبّ يسوع يقول "لا تقلقوا" بل ثقوا في عناية الله المُحب الذي يهتم بأبنائه (لوقا 12: 22-31). وقد وردت هذه عبارة في هذا النص ست مرات لأهميتها (متى 6: 25، 27، 28، 31، 34)، ويُعلق القديس ايرونيموس "فُرض علينا أن نعمل من أجل الضروريّات، لكن دون قلق؛ أمَّا عبارة "لِلْعَيشِ " فتشير إلى لوازم حياة الإنسان واحتياجاته هنا في هذا العالم. أمَّا عبارة "أَلَيْسَتِ الحَياةُ" فتشير إلى صيغة الاستفهام كي تكون عقولنا شاهدة على ما يقول، وهي أن الله الذي منحنا هذه الحياة يعتني بها، والذي أعطانا أجسادنا لا يتركها تحتاج إلى لوازمها من الطعام والرعاية والحماية.