شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
العدد 24 - تفسير سفر العدد
نبوات بلعام (بقية)
الايات 2،1:- فلما راى بلعام انه يحسن في عيني الرب ان يبارك إسرائيل لم ينطلق كالمرة الاولى و الثانية ليوافي فالا بل جعل نحو البرية وجهه. ورفع بلعام عينيه وراى إسرائيل حالا حسب اسباطه فكان عليه روح الله.
يبدو أنه كان متفائلًا بالمكان الذي يذهب إليه أن الرب سيغير قراره ويجعله يلعن الشعب فيحصل على المكافأة. ولما وجد إصرار الله على البركة إستسلم ولم يذهب ثانية إلى مكان منعزل بل ذهب مباشرة متجهًا نحو الشعب النبوة الثالثة:- الآيات 3-9 فنطق بمثله وقال وحي بلعام بن بعور وحي الرجل المفتوح العينين. وحي الذي يسمع اقوال الله الذي يرى رؤيا القدير مطروحا وهو مكشوف العينين. ما احسن خيامك يا يعقوب مساكنك يا إسرائيل. كاودية ممتدة كجنات على نهر كشجرات عود غرسها الرب كارزات على مياه. يجري ماء من دلائه ويكون زرعه على مياه غزيرة ويتسامى ملكه على اجاج وترتفع مملكته. الله اخرجه من مصر له مثل سرعة الرئم ياكل امما مضايقيه و يقضم عظامهم ويحطم سهامه. جثم كاسد ربض كلبوة من يقيمه مباركك مبارك ولاعنك ملعون. الروح القدس يحل على الكنيسة
لأن النبوة خاصة بالروح القدس نسمع هنا أن بلعام حل عليه روح الله ليكشف عن عمل الروح وحى الرجل المفتوح العينيين
بينما أن الخطية تعمى العينين فشهوة المال أعمت عينى بلعام عن رؤية الملاك في الطريق نرى هنا أن عينيه مفتوحة لأنه حل عليه روح الله فالروح القدس يفتح العيون على الأمور السماوية. بينما أن الخطية تفتح العيون على الشر. وحى الذي يسمع أقوال الله... مطروحًا
كما أن الروح يفتح الأعين فهو يعطى الأذان أن تسمع. ومطروحًا أي مذهولًا وساقطًا من شدة الرؤيا ورهبتها ما أحسن خيامك يا يعقوب. مساكنك يا إسرائيل
هى قد تعنى جمال ترتيب خيام إسرائيل واستقرارهم لوجود الله وسطهم. كما رأى بلعام توزيع خيامهم فعلًا. وهذا حال الكنيسة وكأنها تقول " أنا سوداء لكن جميلة " فسر جمالها هو المسيح. وقارن مع " ألا تعلمون أنكم هيكل الله والله ساكن فيكم " فجمال الخيام لسكن الله فيها. الروح القدس ساكن في الكنيسة ويعطينا إتحاد مع الله في ابنه " أنت جميلة لا عيب فيك" (نش 4:7). كأودية ممتدة كجنات على النهر كشجرات عودٍ غرسها الرب كأرزات على مياه
محلتهم مترامية الأطراف كأودية ممتدة. وهم ناضرون كجنات أي هم أمة مثمرة. وشجرات العود هي شجر ضخم رائحته جميلة جدًا والعود يستخدم كبخور (قد يكون خشب الصندل) وهذا الشجر ساقه طويلة جدًا وفروعه ممتدة جدًا فيبدو كخيمة. والأرز أشجار عالية مستقيمة دائمًا دائمة الخضرة وخشبها أغلى الأنواع ويعمر طويلًا ورائحته جميلة وهو ينمو أعلى جبال لبنان في أعلى قمم جبالها وساقه يحيط بها خمسة رجال بصعوبة وأفرعه تنمو في صفوف متوازية كالخيام فلها شكل مخروطى (مز12:92). الكنيسة هنا كغابات مظللة وجنات على نهر تفرح قلب الإنسان وتعيد إليه سلامه المفقود. ما أجمل الكنيسة فقد نصب الله نفسه خيامها على الأنهار المقدسة. فالله غرس المؤمنين في مياه المعمودية المقدسة ،ويغرس كل معمد عضوًا فى جسد المسيح ويصيره هيكلًا للروح القدس. ومثل هذا الإنسان يلجأ إليه الجميع يستريحوا تحت ظلاله من ضربات الشمس الحارقة (نش 16:4+ 1:5). ولاحظ الأرز هنا لا يمثل الكبرياء. يجرى ماء من دلائه ويكون زرعه على مياه غزيرة ويتسامى مَلِكهُ على أجاج
التصوير هنا بالطريقة الشرقية فكانوا يحصلون على الماء عن طريق الأبار. وهنا يُصور إسرائيل برجل أتى إلى البئر حاملًا دلوين وملأهم بالماء وكانا يفيضان بالماء كناية عن البركة والنجاح وكثرته وبركاته. وقد تعنى الصورة أن الله يفيض عليهم. ويكون زرعه أي يكون نسل إسرائيل ساكنًا على مياه كنعان وارثًا البركات وزرعه وفير فالمياه وفيرة وهذه النبوة جاءت في السبعينية" يأتي رجل من زرعه ويحكم على أمم كثيرة " فيكون المعنى أن السيد المسيح ياتى متجسدًا من بيت إسرائيل ويملك روحيًا على أمم كثيرة خلال عمل الروح القدس في كنيسته (مز 8:2) ويتسامى ملكه على أجاج. وأجاج اسم لملوك عماليق مثل فرعون لمصر والعمالقة كانوا أقوى الشعوب وإسرائيل يسحقهم والمسيح سحق الموت والشيطان والخطية أكبر أعداء البشرية. ( المياه رمز للروح القدس يو 37:7) الله أخرجه من مصر لهُ مثل سرعة الرئم
هذه المرة سرعة الرئم تختلف عن المرة السابقة فالكنيسة قد تكونت والروح القدس حل عليها والآن عملها الكرازة وقد انتشرت بسرعة الرئم وبقوة عظيمة. وغرض الكرازة هي تحرير النفس من العبودية ليملك عليها المسيح إلى أقاصى الأرض (تث17:33) يأكل أمما مضايقيه ويقضم عظامهم ويحطم سهامه
الأمم التي تضايق النفس هي أفكار الشر التي تقاوم الإنسان. وخلال هذه الكرازة يحطم الروح القدس هذه الأفكار. ويقضم عظامهم أي الشهوات الجسدية ويحطم سهام التجارب الشريرة فينقل الإنسان نفسًا وجسدًا إلى الحياة المقدسة. واهبًا إياه روح الغلبة والنصرة. جثم كأسد ربض كلبوة من يقيمه. مباركك مبارك
يحدث العريس والعروس هنا معًا، لأنهما متحدان فقد جثا العريس كأسد على الصليب وربضت معه عروسه . (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فميدان المعركة مع إبليس كان الصليب سواء للمسيح أو لكنيسته " من أراد أن يصير لي تلميذًا فليحمل صليبه ويتبعنى " أي صالبا أهوائه مع شهواته.
ومن يصنع هذا تكون لهُ قوة القيامة يهبها لهُ المسيح. ويعطيه المسيح إمكانياته فيكون مباركًا آية10:- فاشتعل غضب بالاق على بلعام وصفق بيديه وقال بالاق لبلعام لتشتم اعدائي دعوتك و هوذا انت قد باركتهم الان ثلاث دفعات.
توضح غضب بالاق وحيرته الشديدة وعجزه عن التصرف آية11:- فالان اهرب إلى مكانك قلت اكرمك اكراما وهوذا الرب قد منعك عن الكرامة.
وهل الأمر ببالاق بأن يهدد بلعام = إهرب إلى مكانك... الرب منعك عن الكرامة يقصد العطايا المادية التي كان سيهبها لهُ
ولكن لأن بلعام كان ممتلئًا بالروح فاستمر في نبواته غير عابئًا بتهديدات بالاق. النبوة الرابعة:- الآيات 15-25: - ثم نطق بمثله وقال وحي بلعام بن بعور وحي الرجل المفتوح العينين. وحي الذي يسمع اقوال الله ويعرف معرفة العلي الذي يرى رؤيا القدير ساقطا وهو مكشوف العينين. اراه ولكن ليس الان ابصره ولكن ليس قريبا يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي مواب ويهلك كل بني الوغى. ويكون ادوم ميراثا ويكون سعير اعداؤه ميراثا ويصنع إسرائيل بباس. ويتسلط الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة. ثم راى عماليق فنطق بمثله وقال عماليق اول الشعوب واما اخرته فالى الهلاك. ثم راى القيني فنطق بمثله وقال ليكن مسكنك متينا وعشك موضوعا في صخرة. لكن يكون قاين للدمار حتى متى يستاسرك اشور. ثم نطق بمثله وقال اه من يعيش حين يفعل ذلك. وتاتي سفن من ناحية كتيم وتخضع اشور وتخضع عابر فهو أيضًا الى الهلاك. ثم قام بلعام وانطلق ورجع إلى مكانه و بالاق ايضا ذهب في طريقه الذى يسمع أقوال الله ويعرف معرفة العلى... مكشوف العينين
بقدر ما تغلق الخطية حواس الإنسان بقدر ما يفتحها الروح القدس. والآن بلعام مملوء من الروح والروح القدس يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم. أراه ولكن ليس الآن... يبرز كوكب من يعقوب... فيحطم طرفى موآب ويهلك كل بنى الوغا ويكون أدوم ميراثًا... ويصنع إسرائيل ببأس... ويتسلط الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة
هو يتكلم عن شخص ليس موجودًا الآن وسط إسرائيل. وهذه الآيات قد تنطبق على داود. وداود هو الذي ضرب عماليق ضربة شديدة بعد أن كان شاول قد هزمهم ثم محاهم حزقيا تمامًا (1صم1:15-9 + 1 صم30 + 1 أي 41:4-43). وداود ضرب الموآبيين (2صم2:8) ولكن هذه النبوات تشير لأبعد من داود. فهي تشير للمسيح الذي أتى بعد هذه البنوات بـ 1500 سنة في ملء الزمان. والمسيح هو كوكب الصبح المنير (رؤ16:22) وكونه قضيب من إسرائيل تعنى أنه فرع أو غصن من عائلة داود التي قُطعتْ. وتشير لكونه ملكًا يملك وله سلطان. وهذه البنوة غالبًا هي التي فسرها المجوس على مولود بيت لحم ففهموا أنه سيكون ملكًا وفي إسرائيل ، حين يظهر هذا الكوكب أو النجم. أما تحطيمه لطرفى موآب وكل بنى الوغا فيشير لتحطيمه مملكة الشياطين. هو حطّم خداعاتهم اليمينية (البر الذاتى) واليسارية (الخطايا).. وهذين هما الطرفين
هو حطمهم حين جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا على صليبه (كو15:2) وكلمة الوغى تعنى الحرب. فالشياطين هم بنى الوغى الذين لا يكفوا عن إعلان الحرب على بنى البشر. وبصليب المسيح إمتلك البشرية التي كانت قد إبتعدت عنه وصارت ميراثًا لهُ والإشارة لها هنا بأدوم أو سعير. ويحولها لإسرائيل الروحي = ويصنعإسرائيل ببأس وهو يتسلط ويملك بل ويتصور في تابعيه ويظهر فيهم. هو يتجلى في حياة المؤمنين ببهاء مجده، ويهرب الشيطان الشارد من مدينة الله (القلب) فحين يدخل المسيح للقلب لا يكون هناك موضعًا للشيطان داخل النفس. وقد تشير أدوم وسعير للجسد بكون أدوم تشير للدم (الجسد) وسعير للشعر. فالجسد يقاوم الروح (غل17:5) ولكن بنعمة المسيح يخضع الجسد للروح ليكون لهُ نصيب في القيامة. بل يصير الكل جسد المسيح = يصنع إسرائيل ببأس.
ولكن يهلك كل بنى الوغى جاءت في السبعينية كل بنى شيث الذي خرج منهُ كل بنى البشر لأن نسل قايين أهلكهُ الطوفان. وإذا أضفنا كلمة يصنع إسرائيل ببأس نرى صورة رائعة لعمل المسيح فالمعمودية هي دفن مع المسيح وموت معه (ليهلك الإنسان القديم) ثم قيامة المسيح ليصنع المسيح إسرائيل الجديد. عماليق أول الشعوب واما آخرته فإلى الهلاك
هناك أكثر من ذكر لعماليق فهناك جماعة عماليق بن اليفاز بكر عيسو ولكن هناك من هم أقدم من ذلك بكثير فهم موجودين قبل إبراهيم فكدر لعومر ضرب بلاد العمالقة. وعمومًا العمالقة قد تشير لسكان الوديان. وهم شعوب قوية ومنهم الهكسوس الذين حكموا مصر ومنهم من أسس دولة الأنباط في فلسطين ودولة تدمر في سوريا ودولةحمورابي في بابل. وربما هو أي بلعام وهو فوق رأس الجبل قد رآهم من بعيد وقوله أول الشعوب قد تشير إلى أنهم أكثرهم قوة أو أن أول حرب تمت في البرية كانت ضد عماليق وقد استمرت حروبهم مع إسرائيل حتى إنتهى عماليق في أيام حزقيا (1 أي 43:4)
ولكن عماليق هذا كأول شعب يقاوم شعب الله فهو يمثل باكورة المقاومة لله في شعبه كما كان السيد المسيح باكورة الطاعة لله في شعبه. لذلك جاء السيد المسيح الذي هو الباكورة (1كو32:15) ليهلك باكورة الشر أي عماليق وكون عماليق هذا يظل قائمًا يحارب شعب الله حتى يهلكه حزقيا فهذا إشارة لاستمرار العداوة بين الشيطان والإنسان حتى يقضى المسيح تمامًا عليه في آخر الأيام = وأما آخرته فإلى الهلاك القينى.. ليكن مسكنك متينًا وعشك موضوعًا في صخرة لكن يكون قايين للدمار.. حتى متى يستأسرك أشور.. آه من يعيش حين يفعل ذلك
القينى نسل رجل اسمه قايين وكانوا قومًا رحل إستقروا في أرض كنعان في أيام إبراهيم (تك19:15) وكان منهم يثرون كاهن مديان وهذا يشير أنهم عاشوا وسط المديانيين. وعائلة حوباب عاشوا وسط اليهود ومنهم الركابيون. وهؤلاء القينيين كان موطنهم محصنًا وسط الأماكن الصخرية. وكان دمار القينيين مع دمار إسرائيل حين جاء سبى أشور على كليهما فكان القينيين يعيشون وسط إسرائيل كما قلنا وأخذهم للسبى.
لكن هناك تفسير آخر أنه مهما كان الشيطان محصنًا وعشه في صخرة فسيأتي وقت حين يأتي المسيح ويدمر عشه المتحصن فيه ويحرر شعبه من السبى لذلك هو يتساءل حتى متى يستأسرك أشور.. وفي رؤيته لأفراح تلك الحرية يقول آه من يعيش حين يفعل ذلك أي حين يفعل الله ذلك. هو أدرك أنه يتكلم عن عمل المسيح في تحرير شعبه وتأتى سفن من ناحية كتيم وتخضع أشور.. وعابر فهو أيضًا للهلاك
هذه النبوة أعتقد أنها تحدد ميعاد مجىء المسيح بأنه خلال العصر الروماني. والرومان كانوا قد سادوا العالم حين جاءت سفنهم وحملت جيوشهم لكل العالم. فكانت كتيم تشير إلى الغرب كله وإلى جزيرة كريت وإلى قبرص وإيطاليا, وسفر المكابيين أطلق على مقدونيا موطن الإسكندر كتيم أيضًا (1 مكا1:1) وهؤلاء الرومان أخضعوا لهم أشور وعابر, ونسل عابر منهم اليهود ومنهم آخرين وكان أشور وعابر من نسل سام, وكان أشور يمثل الساميين الذين سكنوا شرق الفرات والعابريين هم الساميين الذين سكنوا نزحوا للغرب. والمعنى أن المسيح سيأتي في هذا الوقت حين تخضع جيوش الرومان أشور وعابر. ولكن هو أيضًا أي الرومان للهلاك هذه البنوة تشبه حلم نبوخذ نصر ورؤى دانيال. (قد تشير أيضًا للغزو اليوناني للعالم) ملحوظة:- فى آية14:- و الان هوذا انا منطلق إلى شعبي هلم انبئك بما يفعله هذا الشعب بشعبك في اخر الأيام.
قال بلعام هوذا أنا منطلق إلى شعبى. لكن لم يذهب لشعبه بل تلكأ وسكن بين المديانيين حتى قتل وكان سببًا بمشوراته الردية في خراب إسرائيل (عد16:31 + رؤ 14:2).