رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نصيب منسى وقعت القرعة بعد أفرايم على منسى، وقد طالبت بنات صلفحاد بنصيبهن كما أمر الرب موسى النبي (سفر العدد 27)، وقد امتاز بنو يوسف بحبهم للكفاح وغيرتهم لنوال نصيب أعظم خلال الجهاد. 1. نصيب منسى بكر يوسف... في الميراث الروحي لا يوجد التزام ببكورية الجسد بل الروح، فاحتل يهوذا مركز الصدارة مع أنه ليس بكرًا حسب الجسد، والآن نجد منسى يأتي بعد أفرايم الأصغر منه حسب الجسد، لقد نُزعت بكورية منسى ليسبقه أفرايم في التمتع بالميراث، لأن أفرايم يعني ثمر الروح المتكاثر، أما منسى فيعني نسيان العالم. يمكننا القول بأن ابني يوسف أفرايم ومنسى يمثلان عملًا واحدًا متكاملًا، أفرايم يُقدم الجانب الإيجابي وهو الشبع بثمر الروح والدخول إلى الحياة السماوية، أما منسى فيُمثل الجانب السلبي، وهو نسيان هموم العالم وملذاته. حقًا لا شبع بالسماويات دون التخلي عن محبة الزمنيات، ولا نسيان دون التمتع بالسماويات، ولكن الجانب الإيجابي يُعطى له الأولوية. في أكثر من موضع يرتبط السبطان معًا أفرايم ومنسى فيقول المرتل: "قدام أفرايم وبنيامين ومنسى أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا" (مز 80: 2) ويقول القديس أغسطينوس: [يظهر الله أمام أفرايم ومنسى... إنك تظهر أمام من هو مثمر، كما تظهر أمام من ينسى حتى لا يعود بعد بل تكون له الذاكرة التي تنقذه]. ويعلق القديس جيرومعلى كلمة "منسى"، قائلًا: [تعني (نسيان)... فإن الابن الذي أخذ ميراثه وبدده، نسى ما يخصني، وها هو الآن يتذكرني. إني أدعوه منسى، من "النسيان"، لأنه لم ينسى بل رجع إلى أبيه]. وكأن سبط منسى إنما يُشير إلى الإنسان الراجع إلى حضن أبيه بعد أن نسيه زمانًا، لكنه عاد فتذكره ولا يعود ينساه. يتمتع الابن الراجع إلى أبيه بنصيب منسى الذي يضم في تخمه مدينة شكيم، التي أُعطيت للاويين وقد اختيرت كإحدى مدن الملجأ (يش 20: 7). لشكيم ذكريات مقدسة في ذهن الشعب القديم فبالقرب منها خيم إبراهيم (تك 12: 6)، وهناك ابتاع يعقوب حقلًا نصب فيه خيمته (أع 7: 16)، وبالقرب منها رعى إخوة يوسف أغنامهم (تك 37: 12-13)، وفيها قرأ يشوع سفر الشريعة (يش 8: 30)، وقدم للشعب خطابه الوداعي (يش 24: 1)... وكما أبغض الله شيلوه لانحرافها هكذًا أيضًا بالنسبة لشكيم التي أقيم فيها مذبح للبعل (قض 8: 33، 9: 4)، وهناك ثار عشرة أسباط بني إسرائيل وأقاموا يربعام بن نباط ملكًا عليهم (1 مل 12: 1-9)، فصارت عاصمة إسرائيل في عهده (1 مل 12: 25) ومركزًا للسامريين... قد صارت رمزًا لانقسام الشعب وانتزاع روح الحب والوحدة. ["شكيم" في العبرية تعني (كتف - الجبل)، ربما لأنها عند سفح جبل جرزيم (قض 9: 7) في الوادي بين هذا الجبل وجبل عيبال. مع بداية القرن العشرين لا يُشكْ في أنها كانت في موقع "تل البلاطة" التي تبعد ميلًا ونصف شرق نابلس، والتي يرى البعض أنها أيضًا شكيم القديمة. والأخيرة "نابلس" تبعد حوالي 41 ميلًا شمال أورشليم، خمسة أميال ونصف جنوب شرق السامرة. يوجد في هذه المنطقة قليل من السامريين ولهم معبد خاص بهم، فيه يمارسون عبادتهم أيام السبوت، ولهم مدرسة لتعليم اللغة السامرية ]. 2. نصيب بنات صلفحاد... في دراستنا لسفر العدد . رأينا كيف استطاعت بنات صلفحاد أن يتمتعن بميراث أبيهن، وبسببهن تغيرت شريعة الميراث عند بني إسرائيل. وقد حملت قصتهن رموزًا روحية سبق الحديث عنها بشيء من التفصيل. 3. بقاء الكنعانيين بين سبط منسي... إن كان سبط أفرايم لم يقدر أن يطرد الكنعانيين فسكن الكنعانيون في جازار وسط السبط، فإن إخوتهم بني منسى أيضًا امتثلوا بهم وتركوهم، حيثما تشددوا لم يطردوهم بل جعلوهم تحت الجزية [12-13]. 4. غيرة بني يوسف... التقى السبطان معًا بكونهما بني يوسف وتكلما مع يشوع، قائلين: "لماذا أعطيتني قرعة واحدة وحصة واحدة نصيبًا، وأنا شعب عظيم لأنه إلى الآن قد باركني الرب" [14]. التقاء السبطين معًا وإدراكهما أنهما من أب واحد هو يوسف، وحديثهما بروح الوحدة "أنا شعب عظيم" أعطاهما نعمة في عيني يشوع، فإنه ليس شيء يجعل صلواتنا مقدسة في عيني الله وطلباتنا مقبولة لديه مثل التقائنا معًا بروح واحد في الرب، وحديثنا مع الله بقلب واحد، كأعضاء متحدة بالرأس الواحد! بهذا تغتصب مراحمه لننعم بنصيب أعظم! هذا ما يؤكده السيد نفسه بقوله: "إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم". امتاز بنو يوسف بالغيرة المقدسة في الرب، فإذ اتحد أفرايم مع منسى، التقى الثمر الروحي المتكاثر مع نسيان محبة العالم وهمومه، اتقد القلب نارًا مشتاقًا إلى نصيب أعظم في السماويات. خلال هذه الغيرة يُغتصب ملكوت السموات، والغاصبون يختطفونه (مت 11: 12). ملكوت السموات لا يوهب للمتراخين والفاترين بل للقلوب المؤمنة بحقها في الرب، المجاهدة بلا انقطاع لتنعم بالنصيب السماوي الأعظم. سر نجاح بني يوسف ليس فقط وحدتهم في الرب وجهادهم المملوء غيرة مقدسة، وإنما أيضًا إدراكهم مركزهم الجديد في الرب ومعرفتهم لحقهم فيه، إذ يقولون: "أنا شعب عظيم، لأنه إلى الآن قد باركني الرب". حقًا ما أعظم أن يدرك المؤمن أنه وإن كان بذاته لا شيء، لكنه في المسيح يسوع شعب عظيم قد باركه الرب. يحمل في قلبه وجسده شعبًا عظيمًا هو المشاعر المقدسة والأحاسيس المقدسة والإرادة المقدسة في الرب والمواهب المقدسة إلخ... فيه طاقات جبارة هي عطية الله له الذي يباركه. خلال هذا الفهم يطلب المؤمن كابن لله له حق التمتع بما هو أكثر، لأن "الذي له يُعطي فيزداد، والذي ليس له فالذي عنده يؤخذ منه". "قال لهم يشوع: إن كنت شعبًا عظيمًا فإصعد إلى الوعر واقطع لنفسك هناك في أرض الفرزيين والرفائيين إذ ضاق عليك جبل افرايم" [15]. يقول العلامة أوريجانوسإن الفرزيين تعني (تُعطي ثمرًا)، والرفائيين تعني (أمهات مُرتخيات). فإن كان بنو يوسف قد طالبوا يشوع بنصيب أكبر، فقد فتح لهم الوعر ليصعدوا فيقطعوا الأشجار التي بلا ثمر "أو ذات الثمار غير الصالحة ويغرسوا الأشجار الصالحة المثمرة. فالميراث لا يتحقق إلاَّ بجانبين: سحق الشر وممارسة الصلاح في الرب، رفض أعمال الإنسان العتيق والتمتع بأعمال الإنسان الجديد! لنطرد الفرزيين الذين "يعطون ثمارًا" لكنها أثمار الشر المُهلكة ليقوم عوضه "أفرايم" الذي به الروح المتكاثر. ولنطرد الرفائيين أي الوالدات المتراخيات اللواتي ينجبن محبة العالم وملذاته وليقم عوضًا عنهم بنو منسى الذين ينسون كل محبة زمنية! إن كان قلبنا لازال وعرًا فلأنه تحت حكم الفرزيين أصحاب الثمر الشرير والرفائيين والدو الأفكار الضعيفة المتراخية في الجهاد الروحي... لكننا بيسوع عوض الوعر يُقام فردوس الله الذي ليس فيه ثمر شرير ولا موضع للتراخي، بل فيه بنو أفرايم وبنو منسى، الثمر الصالح والزهد في الزمنيات! يعلق العلامة أوريجانوسعلى كلمات يشوع هذه، قائلًا: [لنحييّ الجبل فينا، فنقتلع الأشجار التي بلا قيمة وبلا ثمر لكي نزرع حقلًا جديدًا، يتجدد باستمرار، فنحصد الثمار: "بعضًا مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين" (مت 13: 8-23). هذا التعليم نجده في الكتاب المقدس إذ يقول: "والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتلقى في النار" (مت 3: 10). هذا ما علّم به يشوع بن نون أجدادنا بخصوص الأشجار العقيمة التي يجب اقتلاعها، وهذا ما يأمرنا به السيد الرب في إنجيله ]. |
|