رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس غريغوريوس اللاهوتي الكاهن والأسقف كمعالجين لقد أشرنا من قبل إلي أن الكهنوت هو علم علاجي. سوف نري الآن بشكل أكثر خصوصية حقيقة أن المهمة الأولية للكهنة والأسقف هي العلاج. سوف ننوه لبعض الجوانب المهمة في هذا الموضوع كما يشرحها القديس غريغوريوس اللاهوتي. لقد تلقي الكاهن من الله موهبة الشفاء العظمي، وبالتالي ينبغي عليه استعمالها. ليس الشفاء مجرد مسألة مسح انطباعات الشر من النفس، "لكنه يتعلق بدمج الانطباعات الصالحة". هذا هو المعني العملي للشفاء. يستعمل القديس غريغوريوس اللاهوتي المثل القائل: "إنهم يحاولون شفاء الآخرين بينما هم أنفسهم مملوئون قرحاً". ينبغي علي الكهنة الذين يحاولون علاج الآخرين أن يتحرروا هم أنفسهم من كل أنواع الجراح. القدرة علي الشفاء هي موهبة كبري للنعمة يمنحها الله. كان للقديسين الرسولين بطرس وبولس مثل هذه النعمة. يكتب القديس غريغوريوس قائلاً: "توجد حاجة لبطرس أو بولس للعلاج أو لإيقاف المرض، رسولي المسيح العظيمين، اللذين بالإضافة إلي الإرشاد بالكلمة والفعل، تلقيا هذه النعمة وصارا كل شيء لكل الناس حتي يربحا الكل". إنها موهبة كبيرة يمنحها الله مانح كل المواهب. يكون عمل الكهنة العلاجي مؤلماً وشاقاً جداً. "المهمة خطيرة جداً وشاقة بالنسبة لقلب حساس وحزين، إنها نخر في عظام الرجل المرهف الحس". إنها مهمة شاقة لدرجة أنها تأكل في عظامه. لا ينبغي علي المرء أن يتولى مثل هذا العمل المؤلم والشاق إلا بعد إعداد مناسب. لا يستطيع من تنقصه الموهبة والخبرة الملائمة أن يتولى هذه المهمة الثقيلة. ينبغي علي الكاهن نفسه أن يخضع للسلطة قبل أن يبتغي ممارسة السلطة، ورعاية القطيع وتوجيه النفوس. "إنه ليس أمراً غريباً أو غير ملائم بالمرة بالنسبة لأغلبية الذين ينشغلون بالأمور الإلهية أن يرتقوا من الخضوع إلي السيادة، ولا يتجاوز ذلك الحدود الموضوعة من الفلسفة، ولا يتعلق ذلك بالخزي". تحتاج كل مهارة إلي فترة من التدريب، وينطبق نفس الشيء علي خدمة علاج نفوس البشر، التي هي موهبة الشفاء الروحي. الغرض من العلاج هو قيادة الشخص نحو الله، وتمكينه من اختبار حالة الاتحاد بالله المباركة. كيف يمكن للكاهن أن يحقق ذلك لو كان هو نفسه لم يلتق الله من قبل؟ ولو كان عديم الخبرة في الاتحاد بالله؟ لأن الشخص الطاهر هو فقط القادر علي الإمساك بالله الطاهر". لكي يتمم المرء هذه المهمة ينبغي علي نوسه أن يكون قد استنار، وينبغي علي كلماته أن تكون قوية وعلي سمعه أن يكون حساساً، وأن يكون قد تطهر من قبل. يفترض ذلك أن المعالج يكون قد تعافي. ينبغي أن يأتي شفاؤنا الشخصي أولاً قبل أن نستطيع علاج آخرين. لو أن المهمة الأعظم هي شفاء أمراض الآخرين الروحية، "فإنه أمر عظيم أن نتعرف علي أهوائنا وأمراضنا الخاصة، وأن نعالجها". يؤكد القديس غريغوريوس في نص تقليدي علي أنه ينبغي علي المرء أن يتطهر ويستنير أولاً قبل أن يشفي آخرين. ينبغي علي المرء أن يتطهر هو نفسه قبل أن يطهر آخرين؛ فنبغي عليه أن يصبح هو نفسه حكيماً، بحيث يستطيع جعل الآخرين حكماء؛ أن يصير نوراً وعندئذ يعطي نوراً، أن يقترب من الله فيقرب الآخرين إليه، أن يتقدس ثم يقدسهم، أن يمسك بأيدي الآخرين ويعطي نصيحة حكيمة". لا يكون من الضروري أن يكون الطبيب في صحة جيدة لكي يعالج الأمراض البدنية، لكن ذلك يكون ضرورياً في علاج الأمراض الروحية. قد يكون عالم النفس قادراً علي علاج الآخرين دون أن يكون هو نفسه سليماً بشكل مطلق، لكن في التقليد الأرثوذكسي، لأن الشفاء يعني قبل كل شيء الوصول للاتحاد بالله، يكون أمراً إجبارياً علي الطبيب الروحي أن تكون لديه خبرة شخصية في الاتحاد بالله. لا تكون مهمته مجرد إعطاء النصيحة علي المستوي الإنساني لكن قيادة المرء في الطريق إلي الخلاص. يري القديس غريغوريوس اللاهوتي أن قيادة المرء نحو الاتحاد بالله دون أي خبرة في هذه الحالة هو أمر شرير. إنه يستشهد بالمثل القائل: "يوجد شر رأيته تحت السماء: رجل يظن أنه حكيم" ويكتب قائلاً: "بل هو شر أعظم أن نأتمن رجلاً علي تعليم الآخرين لا يكون حتي واعياً بجهله الخاص". أسوأ الكل هو أن يحاول شخص ما تعليم الآخرين دون أن يدرك أنه لا يعرف شيئاً. يري القديس غريغوريوس أنه ينبغي علي ذلك أن يجعلنا نبكي وننتحب. "هذا هو هوي يقتضي بدرجة خاصة دموعنا وتنهداتنا". ينبغي علي الطبيب الروحي أن يكون أولاً عضواً في الكنيسة مؤهلاً قبل أن يدخل المذبح المقدس ليخدم. لا غني أيضاً عن طهارته الشخصية لكي يقيم الأسرار. يكتب القديس غريغوريوس اللاهوتي قائلاً: "إننا بعيدين جداً عن القيام بخدمة الكهنوت أمام الله" ويستكمل قائلاً: "إننا نستطيع أن نكون مستحقين للمذبح فقط بعد أن نصبح مستحقين للكنيسة، وأن نكون مستحقين للأسقفية بعد أن نصبح مستحقين للمذبح". يشير القديس غريغوريوس اللاهوتي أيضاً للشروط الرئيسية المطلوبة لكي يصبح المرء كاهناً ويضطلع بمهمة علاج المسيحين. ينبغي عليه إماتة حواسه، وتوجيه انتباهه إلي الداخل، وإقصاء نفسه بعيداً عن الجسد والعالم، بمعني أنه لا ينبغي عليه أن يقتني ذهناً دنيوياً أو شهوانياً. يتحقق ذلك من خلال الصلاة النوسية في القلب. ينبغي عليه أن يعيش بعيداً عن الأمور المنظورة، وأن يقتني خبرة ومعرفة، وأن يصبح مرآة نقية تعكس أشعة النور الإلهي. ينبغي عليه أن يعيش مع الملائكة. سوف أقتبس النص بكامله من القديس غريغوريوس اللاهوتي حيث أنه نص مميز جداً: "لأنه لا يبدو بالنسبة لي أنه يوجد أمر محبوب مثل غلق أبواب حواسي، والهروب من الجسد والعالم، منجمعاً داخل نفسي، بدون أية ارتباطات إضافية مع المسائل البشرية بخلاف ما هو ضروري جداً، ومتحدثاً إلي نفسي وإلي الله، والحياة فوق الأمور المنظورة، محافظاً باستمرار في ذاتي علي الانطباعات الإلهية طاهرة وغير مختلطة بالتذكارات المضلة التي لهذا العالم الحقير، والنمو المستمر لكي أصبح مرآة نقية لله وللأمور الإلهية، مضيفاً نوراً علي نور، موضحاً ما كان غامضاً، مستمتعاً بالفعل من خلال الرجاء ببركات العالم الآتي، مصاحباً الملائكة، حتي الآن وأنا علي الأرض متخلياً عنها، ومرتفعاً للعلو بالروح القدس. لو أن أياً منكم يكون مأخوذاً بهذا الحنين، فإنه يعرف ما أعنيه وسوف يتفهم مشاعري في هذا الوقت". هذا النص لاهوتي بشدة. إنه يطالب الكاهن أن يكون مكاناً لسكني الله الحي، وأن يصل للاتحاد بالله. يتفق ذلك مع تقليد الكنيسة بجملته، الذي يربط درجات الكهنوت بمراحل الحياة الروحية: التطهير، والاستنارة، والاتحاد بالله. يقدم القديس ديونيسيوس الأريوباغي هذا الارتباط ويحلله. إنه يربط الشموسية بالتطيهر، والكهنوت بالاستنارة، والأسقفية بالاتحاد بالله. يعلم القديس غريغوريوس اللاهوتي قائلاً: "لا يقدر أحد أن يدخل المذبح ما لم يكن طاهر النفس والجسد في أصغر الأمور". التطهير والاستنارة هما الخاصيتان الأكثر تمييزاً لأولئك الذين يضطلعون بهذه المهمة العظيمة. هذا هو السبب الذي يجعل القديس يسأل: "كيف يمكن لأي شخص مازال ملتحفاً بظلمة هذا العالم وبثقل الجسد أن يضطلع بنقاوة بكل نوسه إلي هذا النوس الإلهي الشامل، ومن وسط الأمور المتغيرة والمنظورة أن يتحد بالثابت غير المنظور؟". إنه يكون ممكناً فقط بالنسبة "لمن هو قد تطهر إلي أقصي حد" أن يري نوعاً من صورة ما هو صالح. ينبغي علي الكاهن لكي يقيم القداس، ولكي يُحسب كمعالج أن يصبح أولاً ذبيحة لله ويقدم نفسه "كذبيحة حية مقدسة". ينبغي عليه اولاً أن يقدم لله "ذبيحة التسبيح وروحاً منسحقة"، وان يفعل بيديه أفعالاً مقدسة، وأن يري الخليقة بعينيه بوضوح، وأن يكتسب ويختبر تعليم الرب. ينبغي علي كل حواسه أن تُقدم لله، وأن تصبح أدوات لله، بحيث تستقبل وتتذوق قدراته. ينبغي عليه أن يتخلى تماماً عن الفساد بحيث يُبتَلَع تماماً من الحياة. ينبغي علي قلبه أن يلتهب بالنار بواسطة كلمة الله الإلهية التي ينبغي أن تُنقَش كنقش ثلاثي علي عرض قلبه". ينبغي عليه أن يكتسب نوس المسيح، وأن ينظر جمال الله، ويصبح هيكلاً حياً لله الحي، وأن يعبر من خلال العمل ومعاينة الله إلي كل قوي المسيح وألقابه. ينبغي عليه أن يُعَد بين بني إسرائيل، أي بين أولئك الذين رأوا مجد المسيح. علي كل حال، يعرف القديس غريغوريوس اللاهوتي أن العديد من الناس يضطلعون بهذه المسئولية بدون استعداد. إنه إذ يشير للعديد من الكهنة في وقته يقول: "إلا أنه لا يوجد فيما بيننا حد فاصل بين إعطاء التعليم واستقباله". بتعبير آخر، لا يوجد تمييز بين التعليم والتعلم، بالتالي نقوم بتدريب وعلاج الآخرين دون أن نكون قد تدربنا وشُفينا نحن أنفسنا. الوضع رديء لدرجة أن "أغلبنا، ولا أقول جميعنا، قبل أن نكون قد تخلصنا من تجاعيد شعرنا الطفولية ومن لعثمتنا، وقبل أن نكون قد دخلنا بيت الله"، وقبل أن نكون قد تطهرنا من تبجح نفوسنا، "وإذ تعلمنا قولين أو ثلاثة من أقوال الكتاب الأتقياء عن طريق السماع وليس عن طريق الدراسة" نصبح علي الفور حكماء ومعلمين ونأخذ دوراً روحياً رفيعاً. "إننا ننصب أنفسنا رجالاً للملكوت ونطلب أن نُدعي يا معلم. ما هو أكثر من ذلك هو "أننا نتضايق لو لم نُمَجَد بشدة". ولو حدث أن الناس لم يمدحوننا فإننا نكون متحفزين لأن نغضب. يظهر كل ما يقوله القديس غريغوريوس اللاهوتي بوضوح أن علم اللاهوت مرتبط بالأبوة الروحية. ينبغي علي الأب الروحي، الذي يريد أن يعالج الأمراض الروحية التي لأولاده الروحيين وأن يقودهم إلي معاينة الله، أن يكون لاهوتياً. بمعني أنه ينبغي عليه أن يعرف الله من خلال الخبرة الشخصية، بالإضافة إلي التعود علي الطريق والمنهج الذي يقود إلي الثايوريا. أيضاً، عندما يصبح شخص ما لاهوتياً، ليس بالمعني الأكاديمي ولكن بالمعني الكنسي أي برؤية الشخص لمجد الله، فإنه يصبح علي الدوام أباً روحياً لآخرين لأنه يصل بالناس إلي الولادة الجديدة. من الممكن ملاحظة الارتباط بين علم اللاهوت والأبوة الروحية في حالة موسي. علي حين أن كل الناس اقتربوا من جبل سيناء، بما فيهم هارون وأولاده والكهنة والشيوخ السبعين، "فإن الباقين أُمروا بالسجود بعيداً، وموسي وحده هو الذي سُمح له بالاقتراب، ولم يكن يُسمَح للشعب بالصعود معه. لأنه ليس كل أحد يستطيع الاقتراب من الله، لكن فقط الشخص الذي يستطيع المشاركة في مجد الله مثل موسي". موسي هو وحده الذي صعد الجبل لأنه كان قادراً علي معاينة مجد الله. لقد أُبقي الباقون بعيداً بأصوات البوق، والبرق، والرعود والظلام، "وبعد تطهير دقيق بالكاد سمعوا صوت الله". علي الرغم من أنهم هم أيضاً كانوا قد تطهروا، إلا أنهم سمعوا صوت الله فقط. لقد صعد موسي علي الجبل، وعاين مجد الله، وأصبح لاهوتياً وقائداً لشعب الله. يوضح ذلك أن معرفة الله تنتقل إلي الشعب من خلال أولئك الذين اتحدوا به، أي الذين رأوا الله. لقد رأي الأنبياء الله ثم بعد ذلك دُعوا لرعاية الشعب. لقد رفضوا هذه الدعوة في بعض الأحيان: "البعض خضعوا للدعوة، والبعض ترددوا في قبول الهبة". هارون كان متحمساً علي حين كان موسي متردداً. أشعياء أطاع، علي حين أن إرمياء خاف من كونه صغيراً جداً. لم يُلام الذين تراجعوا علي خجلهم، ولا الذين تحمسوا علي غيرتهم. اللاهوتيون، الذين دُعوا لصعود جبل سيناء وطور طابور وعاينوا مجد الله، هم في الواقع معالجون بكل معني الكلمة. إنهم يعرفون بالضبط ما هو المرض وما هي الصحة الجيدة، وكيفية قيادة الناس إلي معاينة الله. لا يمكن تصور وجود من يستطيع أن يكون لاهوتياً دون أن يكون أباً روحياً، أو أن يكون أباً روحياً دون أن يكون لاهوتياً. كما قلنا من قبل، يدخل الكثيرون الكهنوت ويمارسون هذه الخدمة دون استيفاء الشروط الرئيسية. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي أنه يشعر الخجل من أولئك الذين يقتربون من الأسرار المقدسة علي الرغم من كونهم ليسوا أفضل من الآخرين، بل وقد يكونون أسوأ منهم، وقبل أن يكونوا مستحقين. "إنهم يطرحون الدعاوي علي المذبح، ويندفعون حول المائدة المقدسة"، ليس لأنهم يوقرون عمل الكهنوت، "لكن لأنهم يظنون أن هذه الوظيفة هي وسيلة للعيش، أو مصدر للسلطة المطلقة، بدلاً من كونها خدمة سوف يقدمون عنها حساباً". يصبح الكثيرون كهنة لاعتبارات مهنية، لأنهم طموحون لوظيفة عليا، ولا ينظرون للكهنوت علي أنه خدمة تحمل مسئوليات. علي كل حال، تقع علي الكهنة مسئولية علاج القطيع. يتنبأ القديس غريغوريوس اللاهوتي بمجيء وقت لن يكون فيه أحد يُقاد، لأن كل أحد سوف يُعلَّم ويتنبأ بدلاً من أن يكون متعلماً من الله. أعتقد أننا نعيش في هذا الوقت، فكل أحد يتصرف كمعلم ويوجد القليل من التلاميذ الذين يتدربون من أجل ملكوت الله. إلا أنه يوجد بعض الكهنة الذين يعرفون كيف يقودون الناس، أو كيف يعالجونهم. هذا هو السبب الذي يجعل أغلب المسيحيين الذين صُدموا بغياب المنهج العلاجي يقومون بتعليم قطعانهم دون أن يعرفوا حتي أنهم هم ذواتهم يحتاجون إلي الشفاء. يتكدس الناس لدي الأطباء النفسيين ويملئون العيادات النفسية لأنه لا يوجد معالجون حقيقيون. يعطي القديس غريغوريوس اللاهوتي وصفاً واقعياً للوضع الوضيع الموجود بين الرعاة ورعيتهم في عصره. سوف أقتبس بعض النقاط الرئيسية. أدي نقص العلاج والمعالجين لشعب الله إلي حالة يرثي لها. "إننا جميعنا نصبح أبراراً ببساطة بأن ندين عدم بر الآخرين". يدخل أولئك الأشخاص غير الطاهرين "الذين لم يكن يجب أن يسمح لهم حتي بدخول كنيسة الله" إلي أقدس الأماكن. نحن بدلاً من أن نفتح أبواب البر للجميع، نفتح الطريق "لاستغلال وإهانة بعضنا البعض". إننا لا ننظر لخطايا الآخرين لكي نحزن ولكن لكي ندين، "ليس لكي نعالجها ولكن لكي نجعلها أردأ"، ولكي نستعمل جراح الآخرين كحجة لأهوائنا الشخصية. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي أننا نعيش في عصر حيث يكون الكاهن مثل الشعب. علي حين ينبغي علي الكهنة أن يكونوا قد حصلوا علي الشفاء لكي يكونوا قادرين علي علاج الآخرين، وينبغي أن يكون الشعب هم متلقو العلاج، إلا أنه "لا يوجد الآن فرق بين حالة الشعب وحالة الكاهن". ينطبق هنا القول: "الكاهن مثله مثل الشعب". أعتقد أن ملاحظات القديس غريغوريوس تلك تنطبق بالأكثر علي عصرنا هذا. ليس الكهنة فقط هم الجهال بالمعني الحقيقي للشفاء، لكن الشعب نفسه لا يطلب الشفاء. يريد الناس أن يروا الكنيسة منخرطة في العمل الاجتماعي، مقدمة المساهمات للمجتمع وللأسر المحتاجة. إنهم يريدون من الكهنة أن يجاهدوا من أجل العدل والسلام، وليس من أجل شفاء الأهواء. ينبغي علي الكاهن بالطبع أن يعمل هذا النوع من العمل، لكن ينبغي علينا أن نوضح أن هذه ليست مهمته الرئيسية. مهمته الرئيسية هي شفاء القلب، أي الإنسان الداخلي، لكي يعد الناس للوصول لله بمجرد تعافيهم، بحيث تكون معاينة الله بالنسبة لهم فردوساً وليس جحيماً. يستعمل القديس غريغوريوس مثال بولس الرسول لكي يظهر أن مهمة الكاهن الرئيسية هي مهمة علاجية. كان القديس بولس طبيباً عظيماً فعل كل ما بوسعه ليعالج المسيحيين. لقد واجهه العديد من الصعاب، والأسهار، والمتاعب، والاضطهادات، والسجون، والرجم، والضربات، والمخاطر، وتحطم السفن لكي يشفي الناس ويقودهم إلي عالم الإعلان الإلهي الرائع. بالإضافة إلي كل هذه التجارب، كان لديه أيضاً "رعاية كل الكنائس، والمحبة الأخوية، والتعاطف العالمي". لقد كان ضعيفاً للضعفاء وكان "يحترق" مع المتعثرين. من الصعب أن نعرف أي الأمور نُعجب بها أولاً في منهج القديس بولس. "أمانة تعليمه؟ أم طرق العلاج المختلفة التي يستعملها؟ أم لطفه المحب؟ أم حزمه من الجانب الآخر؟ أم الخليط من الأثنين بحكمة لا تجعل لطفه يضعف ولا شدته تسخط؟". استعمل بولس الرسول العديد من الطرق لعلاج الناس. فقد كان حازماً في بعض الأحيان، وليناً في أحيان أخري، وكان الأثنين في بعض الأحيان. لقد وضع قواعد للعبيد ولسادتهم، للرجال والنساء، للوالدين وللأبناء، للمتزوجين ولغير المتزوجين، للحكماء وللأميين، للمختونين ولغير المختونين. إنه يدعو البعض فرحه وإكليله، ويوبخ الآخرين علي غبائهم. في بعض الأحيان يحرم، وفي أحيان أخري يُمَّكن المحبة. "مرة يُحزن ومرة يُفَّرِح، مرة يُرضِع باللبن ومرة يلمح للأسرار، مرة يتنازل ومرة أخري يرفع إلي مستواه الخاص، مرة يهدد بالعصا ومرة أخري يقدم روح الوداعة". يقلد بولس الرسول المسيح في كل الأمور، وهذا ما يجعله معالج مثالي للناس. إنه يعالج بقوة وقدرة المسيح. "إنه يقلد المسيح الذي صار لعنة من أجلنا، والذي أخذ ضعفاتنا وحمل أسقامنا؛ أو لكي نستعمل مصطلحات أدق، فإنه مستعد، مثل المسيح، لأن يتحمل أي شيء حتي أن يصير كواحد من الذين هم بلا إله من أجلهم لو كان ذلك هو الطريق الوحيد لخلاصهم". لقد احتمل بولس الرسول كل شيء وكان مستعداً لأن يُحكم عليه هو من أجل الأخوة، لو كان ذلك سيساعد في خلاصهم. هذا هو عمل الراعي الصالح والطبيب الصالح. ينبغي علي المرء لكي يصل إلي مرحلة قول مثل هذه الكلمات العظيمة وتنفيذها عملياً، أن يقتني موارد روحية غنية متاحة. ينبغي عليه أن يكون قد عاين الله واقتني نوراً لكي ينير الظلمة المحيطة، بدلاً من أن يظلم بها. يتضح من كل ذلك أن الكهنوت هو علم علاجي والإكليروس هم معالجو الناس. إلا أنه ينبغي علي الكاهن لكي يمارس هذه الخدمة المجيدة أن يكون هو نفسه قد تعافي بقدر الإمكان، وإلا سيصبح ذئباً في قطيع الله بدلاً من أن يكون راعياً. |
|