رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الضيقة أداة التجديد والنمو كلما تقدم الإنسان في العمر كلما شعر بعناء هذه الحياة وبمرور الوقت يزداد إحساسه بضعفه أكثر فأكثر، ولكن البعض قد يتعجب عندما يرى الضيقات والآلام تصيب أولاد الله، حسبما ذكر معلمنا بولس الرسول، بقوله: "مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ" (2كو 4: 8، 9). لقد أكد الرسول أن هذه الضيقات تتحول إلى بركة في حياة المؤمنين بالله، وأكد أيضًا أنها لن تضرهم لكنها على العكس دافع لتقدمهم في معرفة الله وفي الإيمان به، وأيضًا دافع لنجاحهم في حياتهم العملية، كقوله: "لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا" (2 كو 4: 16). إن قوة الله تصاحب المتألمين والمتضايقين المتكلين عليه، وتعمل في ضعفهم، كقوله: "لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ" (2كو 12: 10). إن الضيقات تُخلص الإنسان الروحاني من التنعم والرفاهية الزائدة، التي توقع بالكثيرين في خطايا الكبرياء والأنانية، كما أنها تساعده على الانسحاق أمام الله الذي يرفعه، كوعده الصادق: "اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ" (يع 4: 10). فأوقات الشدة لها أهمية كبيرة في خلاص الإنسان، لأنها تعمل على نموه في النعمة. وتُعَلَّمنا الطبيعة أن بعض الحيوانات الزاحفة مثل (الثعابين) يلزمها تغيير جلدها القديم بانتظام حتى تتمكن من النمو، وذلك بالاحتكاك بجسم صلب (مثل الصخرة). كذلك الأوقات العصيبة في حياة الناس لها فائدة عظيمة لمن يحسن استغلالها. إنها كثيرًا ما تساعد الإنسان على التخلص من طباعه السيئة وشهواته المتمكنة منه، لكي يتجدد وينمو، ويحقق أمر الكتاب القائل: "أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ" (أف 4: 22-24). لقد أتت الضيقات التي سمح بها الله لشعبه إسرائيل في أرض العبودية في مصر بثمارها، كقوله: "وَلكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هكَذَا نَمَوْا وَامْتَدُّوا. فَاخْتَشَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (خر 1: 12). وفيما بعد أتت الضيقة بأعظم ثمارها في حياة يوسف الصديق الذي نما في النعمة والحكمة، فأنقذ الله به العالم من الموت جوعًا. |
|