القديس ثيؤفان الحبيس
يكتب ثيؤفان: "إنَّ الهموم والمشغوليات لا تترك للإنسان وقتًا لكي يهتم بنفسه، فهناك عمل في اليد وعشرات من الأعمال في الرأس، وبهذه الطريقة تدفع الهموم والانشغالات الإنسان دومًا إلى الأمام دون أنْ تدع له أيّ فرصة ليتأمل في حاله، لذلك اترك عنك لبعض الوقت سائر الانشغالات والاهتمامات بدون استثناء، إذ يمكنك أنْ تهتم بها في الوقت المناسب، أمَّا الآن فَدَعها جميعًا عنك، لكن حتى حينما تدع عنك الانشغالات والقلق يسود اضطراب في ذهنك لوقت طويل، فالأفكار تتوالى وتتسابق الواحدة تلو الأخرى، وتناقض بعضها البعض، فتتشتت النفس ويميل الذهن أحيانًا إلى جانب، ثم في حين آخر يميل إلى جانب آخر، ممَّا يحول دون ترسيخ أو تثبيت أيّ شيء دائم ثابت".
وبحسب هذا المجاهد الحبيس، لا يمكن أنْ ينال الإنسان أيّ درجة من الثبات الروحي دون أنْ يجلس في خلوة، وأفضل مكان لحياة الخلوة هو الدير، وكلما كان أبعد كلما كان أكثر نفعًا، وأفضل وقت هو الصوم الكبير، ففي الوحدة يفيق الإنسان تدريجيًا إلى نفسه ويدرك خطيته وفساده، فيعتريه اشتياق أنْ يُصلح حياته ويُقوّمها، ويسمع الصوت الداخلى الذي يقول: "توقف، إلى أين وصلت؟" ومن تأمل الإنسان في خطاياه وأثامه وشهواته، تتولّد المخافة، وعندما توقظ النعمة نفسه من غفلتها، يدرك الإنسان اعتماديته على الله وبشاعة وجسامة الخطية، ويبدأ ضميره يصحو ويشعر بحلاوة في الله كأسعد وأأمن ملجأ له من كل المتاعب والضيقات، لكن قليلًا ما يعتزم الإنسان ويُصمم على تغيير حياته، إذ تثور كل عاداته وسلوكياته على الذبيحة المفروضة عليها، ولا يمكن للإنسان أنْ يخلص إلاَّ بالنعمة الإلهية مع تصميم وعزم ثابت من جانبه.