رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العبادة المتضعة (الفريسي والعشار) إن كان كلمة الله في حبه لنا نزل إلينا بروح التواضع ليحملنا فيه أعضاء جسده المقدس، فإنه يليق بنا لكي نثبت في هذه العطية ونحسب بالحق أحباء وأصدقاء أن نحمل روح التواضع فينا. لذلك قدم لنا مثل الفريسي والعشار، وكما قال القديس يوحنا الذهبي الفم في عظته الخامسة ضد أنوميانوس Anomoeans أن الفريسي ركب مركبة يجرها البرّ مع الكبرياء بينما مركبة العشار تجرها الخطية مع التواضع؛ الأولى تحطمت وهوت، والثانية ارتفعت وعلت بعد أن غُفرت خطايا العشار بتواضعه. *عندما أشرت أخيرًا إلى الفريسي والعشار، وافترضت أن لهما مركبتان هما الفضيلة والرذيلة، أشرت إلى حقيقة كل منهما، كم هو مفيد تواضع الروح، وكم هو مفسد الكبرياء؟! فالكبرياء وإن لازمه البرّ والأصوام وتقديم العشور فإن مركبته تتقهقر، وأما تواضع الروح وإن لازمه الخطية، لكنه يسبق حصان الفريسي، ولو كان الذي يقوده فقيرًا (في أعمال البرّ)! لأنه من كان أشر من العشار، ومع ذلك إذ كانت روحه متواضعة ودعى نفسه خاطئًا، وهو بحق خاطئ، إلا أنه سما على الفريسي الذي كان له أن يتكلم عن أصوامه ودفع العشور... لقد نُزعت الشرور عن العشار، إذ اُنتزعت عنه أم كل الشرور، أي المجد الباطل والكبرياء. وعلى هذا الأساس يعلمنا الرسول بولس، قائلًا: "ليمتحن كل واحد عمله، وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره" (غل 6: 6). أما الفريسي فتقدم متهمًا العالم كله جهرًا، حاسبًا نفسه أفضل من جميع البشر. ومع أنه ولو فضل نفسه عن عشرة فقط أو خمسة أو اثنين أو حتى عن واحد، فإن هذا ليس بمقبول؛ لكنه لم يقف عند حدّ تفضيل نفسه عن العالم كله، بل واتهم البشرية كلها، وبهذا تخلف عن الركب كله. وكما أن السفينة إن جرت كثيرًا بسبب الأمواج غير المحصية والعواصف الشديدة، تتحطم على الصخور في داخل الميناء وتفقد كل ما تحمله من كنوز، هكذا فعل الفريسي، إذ قدم أصوامًا، وصنع بفيض فضائله، إلا أنه لم يحكم لسانه، فتحطمت نفسه داخل الميناء، ورجع إلى بيته بعد الصلاة - أي في داخل الميناء - وقد أصابه دمارًا عظيمًا، وبدلًا من أن ينال نفعًا أدركه التحطيم!! أيها الإخوة، إذ عرفنا هذا كله فلننظر إلى أنفسنا أننا آخر الكل، ولو كنا قد بلغنا قمة الفضيلة عينها، عالمين أن الكبرياء قادر أن يُسقط حتى السمائيين إن لم يحذروا، بينما تواضع الفكر يرفع من هاوية الخطايا أولئك الذين يعرفون كيف يسمون، وهذا ما جعل العشار يسبق الفريسي. الكبرياء، أقصد غرور النفس، أقوى حتى من القوات غير المتجسدة، أي الشيطان، بينما تواضع النفس ومعرفة الإنسان لخطاياه التي ارتكبها جعلتا اللص يسبق الرسل إلى الفردوس... إنني لا أنطق بهذا لكي نهمل البرّ، وإنما لكي نتجنب الكبرياء، ولا لكي نخطئ، بل نسمو بأفكارنا، إذ تواضع الروح هو ينبوع الحكمة الخاصة بنا. القديس يوحنا الذهبي الفم *عندما كان الفريسي يصلي ويشكر الله من أجل فضائله لم يكذب بل نطق بالحق، ولم يُدن من أجل هذا... لكنه عندما التفت نحو العشار وقال: "إني لست مثل هذا العشار" [11] ارتكب الإدانة! القديس دوروثيؤس *مع أن الفريسي كان يصوم يومين في الأسبوع إلا أنه لم يستفد شيئًا، لأنه افتخر بذلك على العشار القديس أثناسيوس الرسولي *صلوات العشار غلبت الله الذي لا يُغلب! *الكبرياء ضد التواضع، خلاله فقد الشيطان سموه كرئيس ملائكة... فكر أيها الأخ أية خطية هذه التي يقاومها الله؟! القديس جيروم *في كل كلماته لم يطلب (الفريسي) شيئًا من الله، لذلك لم ينل شيئًا. صعد ليصلي لكنه لم يفكر في الصلاة لله، وإنما في تمجيد ذاته. أكثر من هذا استخف بذاك الذي كان يصلي. *وقف العشار من بعيد لكنه بالحقيقة كان قريبًا من الله. بإحساس ضميره كان بعيدًا لكن بتقواه اقترب. *لم يجسر أن ينظر إلى فوق، إذ كان ضميره يضغط عليه إلى أسفل، أما رجاؤه فقد رفعه إلى فوق. *صار الفريسي ملومًا لكونه متكبرًا، وليس لأنه يشكر الله *ليظهر دنس قلبك في اعترافك فتنتمي لقطيع المسيح، فإن الاعتراف بالخطايا يستدعي شفاء الطبيب... أَلم يصعد الفريسي والعشار إلى الهيكل؟! واحد ظن أن حالته جيدة والآخر أظهر جراحاته للطبيب... بالتأكيد لم يكن الفريسي سليمًا، لكنه ادعى ذلك، فنزل بدون شفاء. أما الآخر فأحنى عينيه إلى أسفل ولم يجسر أن يرفعهما للسماء، وقرع صدره قائلًا: "اللّهم ارحمني أنا الخاطي". فماذا قال الرب: "أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبررًا دون ذاك، لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع" [13،14]. كما ترون من يطلب الافتخار لا يدخل بل يسقط، أما من يتواضع فيدخل من الباب بواسطة الراعي ولا يسقط. القديس أغسطينوس *لقد نطق (الفريسي) بما هو صدق، نطق به ليس في سمع إنسان، ومع هذا فقد دين... فأية عقوبة تسقط فيها النساء الثرثارات وهن يتكلمن بالكذب في كل موضع حتى في الأمور التي لا يصدقن هن إياها؟! لنُقم بابًا ومزلاجًا على الفم (ابن سيراخ 28: 29)، فإن شرورًا بلا حصر تصدر عن الثرثرة، فبسببها تتحطم عائلات، وتتمزق صداقات، وتحدث مآسي. لا تشغل يا إنسان نفسك بما يخص قريبك (لا تدنه) ! القديس يوحنا الذهبي الفم *واحد صلى فدين، لأنه لم يقدم صلاته بحكمة. قيل إن "إنسانين" صعدا إلى الهيكل ليصليا... فيدعو (المسيح) الذين يصلون بشرًا دون النظر إلى غناهم أو سلطانهم... إنه يتطلع إلى كل سكان الأرض كبشرٍ دون محاباة لأحد على حساب الآخر. *كثيرة هي أخطاء الفريسي، أولًا لأنه كان متعجرفًا بلا إحساس، يمدح نفسه مع أن الكتاب المقدس يصرخ: "ليمدحك الغريب (قريبك) لا فمك، الأجنبي لا شفتاك" (أم 27: 2)... *كن معتدلًا أيها الفريسي، وضع بابًا ومزلاجًا للسانك. أنت تتحدث مع الله العارف كل شيء، انتظر حكم الديان. ليس أحد من المهرة في ممارسة الصراع يضع الأكاليل لنفسه، وليس أحد يقبل التاج من نفسه، إنما ينتظر ما يقضي به الحكم. انحنِ بكبريائك، فالكبرياء مكروه لدى الله، ولعين في عينيه. مع أنك تصوم، فبذهنك المتعالي لا تنتفع به شيئًا. تعبك لا يُكلل، لأنك تمزج القاذورات بالروائح الطيبة. حتى حسب الشريعة الموسوية لا يمكن تقديم ذبيحة لله بها عيب، فقد قيل له إن كل غنم أو ثور يقدم ذبيحة لا يكون فيه عيب (لا 22: 21). لذلك فكل صوم يصحبه كبرياء توقع أن تسمع عنه من الله: "أليس هذا صومًا أختاره" (إش 58: 6) أنت تدفع العشور لكنك إذ تدين البشر عامة تخطئ إلى ذاك الذي كرمته. مثل هذا العمل غريب عن الفكر الذي يخاف الله، إذ قال المسيح: "لاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ" (لو 6: 37). ويقول أحد تلاميذه: "واحد هو واضع الناموس... فمن أنت يا من تدين غيرك؟!" (يع 4: 12). ليس أحد بصحةٍ جيدةٍ يحتقر مريضًا ملقيًا على فراش، إنما يخاف لئلا يسقط هو نفسه تحت نفس الآلام... *ولكن ماذا عن العشار؟ يقول إنه وقف بعيدًا، لم يجسر حتى أن ينطق أو يرفع عينيه إلى فوق. ها أنت تراه خاليًا من كل نطق جسور، كمن ليس له حق في ذلك، بل كان مضروبًا بتوبيخات ضميره، يخشى حتى من أن ينظره الله، بكونه إنسانًا أهمل في شرائعه، حياته منحلة غير طاهرة. ها أنت تراه يتهم نفسه بطريقة منظورة... لقد كان خائفًا من الديان، يقرع صدره، ويعترف بخطاياه، ويكشف مرضه كما إلى الطبيب، ويسأل نوال الرحمة. ماذا كانت النتيجة؟ اسمع ما يقوله الديان: "نزل (هذا الإنسان) إلى بيته مبررًا دون ذاك" [14] . القديس كيرلس الكبير *صلى (الفريسي) مع نفسه وليس مع الله، لأن خطية الكبرياء ردته إلى ذاته. القديس باسيليوس الكبير *لم يكفه الازدراء بكل جنس البشر لكنه هاجم أيضًا العشار. ربما كان خطأه أقل لو لم يهاجمه، لكن بكلمة هاجم الغائبين، وجرح من هو حاضر القديس يوحنا الذهبي الفم هذا وقد أراد القديس باسيليوس الكبيرفي تعليقه على تصرف هذا الفريسي موضحًا الفارق بين الفكر المتعالي المملوء عجرفة وكبرياء والفكر السامي النبيل الذي يرتفع فوق الأهواء، لا يحطمه اليأس، ولا تشغله الزمنيات. بمعنى آخر التواضع لا يعني انحطاط الفكر بل سموه وارتفاعه خلال اتحاده بالسيد المسيح المتواضع، فنحمل مع الرسول بولس فكر المسيح. أخيرًا فقد حمل هذا المثل صورة رمزية عامة، فالفريسي يمثل بوجه عام جماعة اليهود الذين حسبوا أنفسهم أبرارًا بالناموس دون سواهم، أما العشار فيشير إلى جماعة الأمم التي اشتاقت إلى الخلاص رغم فقرها في المعرفة، وحرمانها من كل ما سبق فتمتع به اليهود من عهود ووعود وشريعة ونبوات إلخ. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
في مثل الفريسي والعشار |
الفريسي والعشار |
مثل الفريسي والعشار |
الفريسي والعشار |
الفريسى والعشار |