(الفريسي والعشار)
لوقا 18 : 9 - 14
"وقال لقوم واثقين بأنفسهم انهم أبرار ويحتقرون الآخرين هذا المثل. إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا واحد فريسي والآخر عشار. أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع واعشر كل ما اقتنيه. وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلاً اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم أن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع."
فيما سبق رأينا الصلاة بلا إنقطاع لنحيا في السماء، وهنا نرى كيف نتحول إلى السماء. وذلك بأن يسكن الله في داخلي كيف؟ وذلك بالإنسحاق فالله يسكن عند المنسحق (إش15:57)
في الآيات السابقة رأينا أهمية الصلاة بلا ملل وبلجاجة، وهنا نرى شرطاً آخر لتكون صلواتنا مقبولة، وهو أن نصلي ونحن شاعرين أننا لا نستحق شيئاً، نشغر بخطايانا أنها السبب في أننا لا نستحق شيئاً. الشعور بأننا خطاة لا نستحق شيئاً، ونقف لا نطلب شئ سوى مراحم الله "اللهم إرحمني أنا الخاطئ" هو الطريق المقبول للحصول على مراحم الله. وهذا هو نفس الدرس الذي أخذناه من قصة المرأة الخاطئة التي بللت قدمي السيد بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها فهي قد حصلت على الخلاص وعلى غفران خطاياها بينما لم يحصل الفريسي الذي إستضاف الرب في بيته عليهما، فمن يقترب من المسيح شاعراً بإحتياجه للمسيح ليغفر ويرحم، شاعراً بخطاياه التي تجعله غير مستحق لشئ، صارخاً طالباً الرحمة، فهذا يخلص (لو36:7-50) ومن صلاة هذا العشار تعلمت الكنيسة صلاة يسوع التي نرددها "يا ربي يسوع المسيح إرحمني أنا الخاطئ" وأيضاً في كل صلوات الكنيسة نردد صلاة "يا رب إرحم". نرى في هذا المثل أن كل من يتكل على بره يسقط ومن يتكل على بر المسيح شاعراً بخطاياه يتبرر. من يتكل على بره يرى في نفسه كل الحسنات ولا يرى في غيره سوى السيئات (رؤ17:3-19).
علينا أن نحمل روح الإتضاع فينا، أي [1] نشعر بأننا لا شئ بسبب خطايانا [2] نشعر بأننا بالمسيح فقط تغفر خطايانا فنشكره ونسبحه العمر كله. ولاحظ قبول العشار مع أنه خاطئ ولكنه متضع شاعر بخطيته، وعدم قبول الفريسي مع أنه يدفع عشوره ويصوم مرتين، فقد كان الفريسيون يصومون يومي الإثنين والخميس. لقد إنتزعت من العشار شروره، إذ إنتزعت عنه أم كل الشرور، أي المجد الباطل والكبرياء. فالمتكبر يسهل وقوعه في إدانة الآخرين بل في أي خطية. ونلاحظ أن صلاة الفريسي كانت تدور حول محور واحد وهو الذات. فكانت صلاته عن نفسه وعنها وإليها فكلمة أنا هي محور صلاته، حتى شكره لله كانت تهنئة لنفسه على بره وأنه أفضل من الآخرين. فلننظر لأنفسنا أننا آخر الكل ولو كنا قد بلغنا قمة الفضيلة. فالكبرياء قادر أن يسقط حتى السمائيين، بينما أن الإتضاع يرفع من هاوية الخطايا. ولاحظ أنه ربما كان الفريسي حين صلَّى كان محقاً فيما قاله وأنه لم يكذب، ولكن الله لا يريد أن نذكره بفضائلنا فهو يعرفها بل لنذكر له خطايانا لكي يرحمنا. لاحظ قول الرب لملاك كنيسة أفسس "أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك.." (رؤ2:2-3) أي لا داعي أن تذكرني بأعمالك فأنا أعرفها. لا داعي أن نقف أمام الله ونضع الأكاليل على رؤوسنا، بل ننتظر الحكم من الله، بل نردد مع داود "خطيتي أمامي في كل حين" ومن يذكر خطاياه ويتضع ينساها له الله.
عموماً ما يجعل الإنسان ينساق وراء فكر الكبرياء، هو أن تكون له مواهب كثيرة ولكن فلنفكر هكذا [1] كل عطية صالحة هي من عند الله (يع17:1) إذاً فلنشكر على ما عندنا فهو ليس من عندياتنا [2] كل المواهب التي لي هي وزنات، وبقدر ما عندي من مواهب ووزنات، فأنا مطالب بأكثر فلنطلب الرحمة إذا إكتشفنا أن لنا مواهب كثيرة.