مقومات الحب الحقيقى - العامل الثالث : الجاذبية و الإلهام
عندما يكون الإنسان جسدياً , فإن ما يجذبه إلى الآخر هى الأمور الجسدية ... و عندما يكون الإنسان نفسانياً , فإن ما يجذبه للآخر هى الأمور النفسية ... و عندما يكون الإنسان روحانياً , فإن ما يجذبه تجاه الآخر هى الأمور الروحية ... و فى إطار الجنس فإن الجاذبية هذه لها عدة مستويات
المستوى الأول : الجاذبية الجسدية البحتة
و هذه تكون عند المراهقين غير المتديّنين عندما يكونوا مسوقين بشهوات أجسادهم فإنهم ينجذبون إلى كل فتاة لا لشخصها و إنما عشقاً فى جسدها . و هذا العشق الجسدى هو أحط أنواع الحب الجنسى كما سبق و قلنا , لأنه متغير , أنانى , ترابى , لا يحقق الوحدة و لا يُشبع النفس الإنسانية
المستوى الثانى : الجاذبية النفسية
هذه تكون عند الذين انتهوا من مرحلة المراهقة و لا يزالوا يعيشون حسب الجسد . فنجد هنا الطالب الجامعى ينجذب نحوالفتاة لا لأجل جمالها و إنما لأجل قوة شخصيتها و غزارة علمها و رزانة طبائعها
و هذا الإنجذاب , و إن كان أرقى من سابقه , إلا أنه _ مسيحياً _ يُنظر إليه على أنه ترابى المصدر لأن الجسدانية و النفسانية هى خصائص المولودين من الدم و مشيئة الجسد كما عبّر القديس يوحنا . و حينما تكون الجاذبية الجنسية لا شخصية تكون ينبوعاً لأبشع الإنحطاطات و أذل العبوديات للنفس الإنسانية
المستوى الثالث : الجاذبية الروحية
هذه تكون لدى الناضجين الروحيين الذين تخلصوا من الربط النفسية التى تشدهم نحو التخلف و عدم التقدم , و الذين صلبوا الجسد مع الأهواء و الشهوات , و الذين عرفوا كيف يعيشون حسب الروح و ليس حسب الجسد
هؤلاء فى نضجهم يحدث عندهم إلهام و نداء و جاذبية لا يكون مصدرها الجسد و لا النفس , و لكن الروح أولاً و قبل كل شئ
و فى هذا المضمار تتحول الغريزة و جاذبية الدافع الجنسى إلى نوع من السرية , و يصير الحب فيها نداء , أو دعوة صافية شفافة نقية
ليس معنى هذا أن الشاب الروحى المتقدم إلى الزواج تخلو الجاذبية الروحية عنده من القبول الجسمى و النفسى , و لكن عناصر الجسد و النفس خاضعة عنده للنظرة الروحية و الإلهام الإلهى و الإتجاه الروحى المسيحى الحقيقى
و كما حدث لتلميذى عمواس إلهاماً عند كسر الخبز , فإن هذه اللحظة المباركة موجودة أيضاً فى الحب . إنها لحظة طاهرة جداً , فيها يتذوق الأحباء طعام الملائكة , و يتعارفون فى استعلان مباشر فجائى , و كما يشق البرق الظلام يرى الأحباء بعضهم بعضاً ... فالمحب يرى نفسه فى المحبوب كما فى مرآه , كما يستجيب الوجه للوجه فى الماء هكذا قلب الإنسان يستجيب لقلب الآخر --أمثال سليمان 27 : 19
و الذى يضمن للشاب الروحى القدرة على تحمل متاعب الحياة الزوجية و التحديات الكثيرة أمامها , أنه إذا ذبلت النضارة الجسدية و تعرضت للأمراض و العلل المتوقعة , و إذا أصابت الشخصية المحبوبة بعض المتاعب النفسية و الضيقات الداخلية غير المُستغرَبة , فإن رابطاً قوياً لا ينفصل يبقى بين الزوجين المحبين , ألا و هو الاتحاد الروحى و الانسجام القلبى الروحى الحقيقى القائم على النظرة السليمة المشتركة , و الهدف الواحد , و الحب الواحد , و الإيمان الواحد , و الرجاء الواحد , و الثقة و اليقين الشديد فى اختيار الله و دعوته لكل واحد منهما و تدخُّل الله الواضح فى حياتهما