الرهبنة المصرية في الكنائس الأخرى
-مع ازدهار وانتشار الرهبنة في الربوع المصرية، فاح ليملئ العالم كله من عطر رحيقها وأشتهت الكنائس المجاورة أريج الروائح الذكية التى انبعثت منها، وتوافد على مصر كثيرين من عشاق الحياة الملائكية إذ أن الرب لا يترك نفسه بلا شاهد في أمة ومكان من كل الذين يتقونه ويحملون اسمه القدوس،وكان في مقدمة هؤلاء القديس هيلاريون "ايلاريون" الفلسطينى الكبير الذى تسمى فيما بعد بـ "أثناسيوس الغرب". هذا الذى بعد أن درس الفلسفة في مدينة الإسكندرية تتلمذ على يد القديس أنطونيوس فرسم له طرق الحياة الروحية. ومن ثم عاد إلى بلاده وتعبد في صحراء غزه، غازيًا الصحراء المقفرة مثل معلمه أنطونيوس، وبعد أن قضى سبعين عامًا في العبادة انتقل إلى الأمجاد السمائية بعد أن ترك أديرته مليئة بآلاف الرهبان المتعبدين.
- ويروى لنا التقليد الكلدانى أن القديس أوجين المعروف عند عامة السريان بمار آيون، قدم من صعيد مصر ومعه عدد من رهبان الأقباط يقدر بسبعين راهبًا ونزلوا بالقرب من ماردين ونصيبين، وبنوا الأديرة في الموصل وجزيرة ابن عمر وطور عبدين وسنجار وأماكن أخرى، حيث أذاعوا بشرى الخلاص بين الأشوريين وعبده النار من المجوس والقبائل الأخرى، كما وفد إلى مصر القديس أفرام الكبير من الكنيسة السريانية حيث درس مبادئ الرهبنة في الأسقيط المقدس وتقابل مع القديس الأنبا بيشوى التى كانت تربطه به صداقة روحية متينة.
- أما في الغرب فقد وصلت حياة القديس انطونيوس إلى مسامع أوغسطينوس وهو يدرس الفلسفة في إيطاليا، فأثرت عليه تأثيرًا بالغًا وجعلته يقبل على اعتناق المسيحية بشوق ولهفة، وقد صار هو نفسه فيما بعد أسقفًا على قرطجنة وقائدًا عظيمًا من قادة الرأى في الكنيستين الشرقية والغربية ونحن نعتز بكتاباته ونقتبس منها الكثير ما عدا فكرة الخاص عن النعمة فلنا تحفظاَ شديدًا على رأيه الخاص فيها. ولكن أغلب كتاباته الإيمانية والروحية تتفق تمامًا مع إيمان كنيستنا وآبائها العظام.
- كما أتى إلى مصر بعد ذلك بحثًا عن خلاص النفس والسلوك في الرهبنة القبطية المصرية الأصيلة من بلاد الغرب القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك وعاش في برية الأسقيط طول حياته وأصبح منارة رهبانية ومعلمًا لفضيلة الصمت والهدوء والتمتع بالحياة الملائكية،كما وفد عليها أيضا الأميران العظيمان والأخوين البارين "مكسيموس ودوماديوس" الذى كان أحدهما وارثًا لعرش القيصرية الرومانية، وقد هربا إلى صحراء فلسطين عند القديس أغابيوس وقبل نياحة أرشدهم للذهاب إلى برية الأسقيط حيث القدس مكاريوس ليتتلمذوا على يديه وظلا تحت إرشاده وتدبيره حتى نياحتهما. ويقال أن جسديهما الطاهرين مدفون تحت المذبح المسمى بإسميهما بدير السيدة العذراء (البرموس) والمعروف بإسميهما ولكنها لم يريدا إظهارهما حتى اليوم.
- وقد نشر الرهبنة المصرية في البلاد الغربية القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرين من بطاركة الكرازة المرقسية الذى وفد على روما سنه 339 م. وأخذ معه عددًا من الكهنة وراهبين مصريين وأعلن هناك فضائل رهبان الأسقيط وما يقومون به من أعمال خلاصية نافعة للجميع.