رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصَّيد العجائبي ودعوة بُطرُس والتلاميذ الأولين
النص الإنجيلي (لوقا 5: 1-11) 1 وازْدَحَمَ الـجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله، وهُوَ قائمٌ على شاطِئِ بُحَيْرَةِ جِنَّاسَرِت. 2 فَرَأَى سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ الشَّاطِئ، وقد نَزَلَ مِنهُما الصَّيَّادون يَغسِلونَ الشِّباك. 3 فرَكِبَ إِحْدى السَّفينَتَين وكانَت لِسِمعان، فسأَلَه أَن يُبعِدَ قَليلاً عنِ البَرّ. ثُمَّ جَلَسَ يُعَلِّمُ الـجُموعَ مِنَ السَّفينَة. 4 ولـمَّا فَرَغَ مِن كَلامِه، قالَ لِسِمعان: ((سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد)). 5 فأَجابَ سِمعان: ((يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئاً، ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ)). 6 وفعَلوا فأصابوا مِنَ السَّمَك شَيئاً كثيراً جداً، وكادَت شِباكُهُم تَتَمَزَّق. 7 فأَشاروا إِلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم. فأَتَوا، ومَلأُوا كِلْتا السَّفينَتَينِ حتَّى كادَتا تَغرَقان. 8 فلَمَّا رأَى سِمعان بُطرُس ذَلِكَ، اِرتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع وقال: ((يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ)). 9 وكانَ الرُّعْبُ قدِ استَولى علَيهِ وعلى أَصحابهِ كُلِّهم، لِكَثَرةِ السَّمَك الَّذي صادوه. 10 ومِثلُهُم يَعْقوب ويوحَنَّا ابنا زَبَدى، وكانا شَريكَي سِمعان. فقالَ يَسوع لِسِمعان: ((لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً)). 11 فرَجَعوا بِالسَّفينَتَينِ إِلى البَرّ، وتَركوا كُلَّ شَيءٍ وتَبِعوه. مقدمة يصف لوقا الإنجيلي، في مطلع خدمة يَسوع الرسولية في الجليل، دعوته الثانية لبُطرُس وأخيه أَندَراوس يَعْقوب ويوحَنَّا بعد الصَّيد العجائبي. وهؤلاء التلاميذ الأوائل يمثلون العالم بأقطاره الأربعة حيث سيحملون إليه لواء الدعوة والتبشير بالإنجيل بعد صعود يَسوع إلى السماء. يعلق الطوباوي يوحنّا بولس الثاني " وثق بطرس ورفاقه الأوّلون بكلمة المسيح وأرسلوا شباكهم للصيد". مَن يفتح قلبه للمسيح لا يفهم سرّ وجوده فحسب، بل دعوته الخاصّة أيضًا" (الرسالة في اليوم الثاني والأربعين العالمي للصلاة من أجل الدعوات بتاريخ 17 نيسان 2005). ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل لوقا (لوقا 5: 1-11) 1 وازْدَحَمَ الـجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله، وهُوَ قائمٌ على شاطِئِ بُحَيْرَةِ جِنَّاسَرِت تشير عبارة "ازْدَحَمَ الـجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله" إلى ربط إطار التبشير مع معجزة الصَّيد العجائبي. إذ تمَّت المعجزة في إطار تعليم يَسوع مما يدلُّ على أنَّ المعجزة تبدو بمظهر تعليم يُلقى على التلاميذ، ويُعزِّز أقواله "سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً" (لوقا 5: 10). اليوم هل يزدحم الناس على المسيح؟ هل نحن متلهفين لسماع كلمة الله على مثال الجَمع أنداك؟ أمَّا عبارة " كَلِمَةِ الله" فتشير إلى وحي اللهالمتعلق بخلق العالم وفدائه وتقديسه وتاريخ معاملة الله لشعبه، كما يشير أيضا إلى مجموع النبوءات عما سيكون حتى المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع بني البشر في كل الأزمنة. أمَّا عبارة " وهُوَ قائمٌ على شاطِئِ بُحَيْرَةِ" إلى مكان لقاء يَسوع مع الجَمع لتعليمهم (مرقس 2:13، 3: 7، 4: 1). قد طلب المسيح الانفراد عن الجموع الذين زحموه في المدن بسيره على شاطئ البحيرة ولكنهم قد تبعوه بكثرة. أمَّا عبارة "بُحَيْرَةِ جِنَّاسَرِت" فتشير إلى بحيرة طبرية (يوحَنَّا 6: 21) أو بحر الجليل (يوحَنَّا 6: 1). وتسمّى في العهد القديم "بحيرة" أو "بَحرِ كِنَّارةَ" (كنَّرت) (عدد 34 :11) باسم مدينة كنارة في نفتالي (تثنية الاشتراع 3 :17)، وتُعرف في التوراة اليونانيّة باسم جِنَّاسَر (1ملوك 11 :67) أو جنيسارت Γεννησαρέτ الذي يشتقّ من كلمة العبرية גִּנֵּיסָר " גן " أي الجنة. وبعد هذا صارت جِنَّاسَر هي كنارة. تدلّ جنيسارت على سهل الغوير الخصب الواقع غربيّ بحيرة طبريّة (متى 14 :34) وتدلّ على خرائب المنية الحاليّة والتي بُنيت في العهد الروماني في المكان الذي كانت فيه الكنارة القديمة. يُطلق حالياً على البحيرة اسم "بحيرة طبرية"، ويبلغ طولها الأقصى من الشمال إلى الجنوب 21 كم، وعرضها الأقصى من الشرق إلى الغرب 12 كم. ويتراوح عمقها بين 42 و48 م، ومساحتها نحو 144 كم2. ويتراوح مستواها ما بين 208 و210 م. تحت سطح البحر المتوسط، ومياهها حلوة وصافية وكثيرة السَّمَك. وتهبُّ على بحيرة طبرية العواصف الهوجاء من حين إلى آخر. وكانت تحيط في البحيرة أيام المسيح نحو ثلاثين مدينة للصيَّادين، وأكبرها مدينة كفرناحوم. ولم يزل الصَّيد جاريًا عليها حتى يومنا هذا. 2 فَرَأَى سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ الشَّاطِئ، وقد نَزَلَ مِنهُما الصَّيَّادون يَغسِلونَ الشِّباك تشير عبارة " سَفينَتَينِ " إلى سفينة بُطرُس وأَندَراوس أخيه وسفينة يَعْقوب ويوحَنَّا ابني زَبَدى. والسفينة عبارة عن قارب لصيد السَّمَك الذي عُثر على قارب شبيبه به الإخوان موشية ويوبال لوفن، من هواة الأثار في كيبوتس، عام 1986 على ضفاف بحيرة طبرية ما بين كيبوتس جنوسار والمجدل. يعود تاريخ القارب إلى القرن الأول قبل الميلاد حتى سنة 70م. يبلغ طول القارب 8.20م وعرضة 2.35م. أمّا سواري القارب فهي مصنوعة من خشب الأرز. وأمَّا الجناح فهو مصنوع من خشب شجر البلوط. وهذا الأسلوب في صنع السفن الذي كان منتشرا في العالم الروماني في فترة القرن الأول قبل المسيح حتى أخر القرن الأول الميلادي. ويقال انه أحد القوارب السبعة المكتشفة في العالم التي تعود إلى ذلك العصر. وكان هذا القارب يستخدم كما يبدو للصيد ولنقل البضائع والرُكاب بين المدن على ضفاف البحيرة. وتتوفر معلومات عن نشاط وفعاليات السيد المسيح في أوساط صيَّادي السَّمَك في هذه المنطقة، إذ أنَّ الصَّيَّادين بُطرُس ويوحَنَّا وأَندَراوس ويَعْقوب كانوا يملكون مثل هذا القارب. أمَّا عبارة “الصَّيَّادون" فتشير إلى التلاميذ الأولين وهم بُطرُس واخوه وأَندَراوس واخوه يَعْقوب (متى 4: 1-2). أمَّا عبارة "يَغسِلونَ الشِّباك" فتشير إلى تنقية الصَّيَّادين الشباك مما عَلِق بها من الأعشاب والطين والحصى وما صاحب ذلك من سحبها على قعر البحيرة في مدَّة الليلة الماضية. وكان الصَّيَّادون يستخدمون شباكاً على شكل جرس، لها أثقال ٌمن الرصاص مربوطة بأطرافها، وكانت تُلقى مُسطَّحة مفرودة على المياه. وتقوم أثقال ُالرصاص بسحبها للأسفل بحيث تغطي السَّمَك تحتها حيث يجلب الصَّيَّادون بعد ذلك حبلا يسحبون به الشبكة حول السَّمَك. ولا بدَّ أنَّ تُحفظ الشباك في حالة جيدة، لذا تُنظف لإزالة الأعشاب العالقة. أمَّا عبارة " الشِّباك " فتشير إلى شباك لصيد السَّمَك (متى 13: 47)، وهذه الشباك على أنواع، فمنها ما يطرح في البحر لصيد السَّمَك، ومنها النوع الكبير الذي يلقى بالقوارب على مساحة كبيرة من الماء لحجز ما فيها من أسماك. وهناك شباك لصيد الطيور والحيوانات (اشعبا 51: 20). واستخدمت الشباك رمزاً لاجتذاب الكثيرين إلى الملكوت (متى 13: 47 -48). كذلك استخدمت أيضاً لتدل على الحيلة والغدر (الجامعة 7: 26)، والإيقاع في الشراك (حزقيال 12: 13). 3فرَكِبَ إِحْدى السَّفينَتَين وكانَت لِسِمعان، فسأَلَه أَن يُبعِدَ قَليلاً عنِ البَرّ. ثُمَّ جَلَسَ يُعَلِّمُ الـجُموعَ مِنَ السَّفينَة تشير عبارة "إِحْدى السَّفينَتَين" إلى سفينة سِمعان بُطرُس لأنه يَسوع عرف سابقاً على شاطئ الأردن (يوحَنَّا 1: 42). وكان يَسوع ضيف سِمعان في كفرناحوم (لوقا 4: 38). رمز "كنيسة واحدة من شعبين (اليهود والأمم) اتَّحدا معًا في المسيح بالرغم من أنهما من مصدرين مختلفين" كما يقول القديس أوغسطينوس. أمَّا عبارة "فسأَلَه" فتشير إلى سؤال وليس إلى امر يَسوع لبُطرُس حيث لم يتخطَّى يَسوع حق بُطرُس ليفعل ما أراده بسفينته. ولم يتردَّد بُطرُس أن يقدِّم السفينة دون أن يتذرع بالانشغال ليسهِّل عمل المسيح. ونحن، هل نضع تحت تصرف المسيح إمكانياتنا من اجل تسهيل عمل الخير ونشر إنجيله الطاهر؟ أمَّا عبارة " ِسِمعان" اسم عبراني שִׁמְעוֹן (معناه مُستمع) فتشير إلى سِمعان بُطرُس. إذ اخذ سِمعان اسما جديدا وهو الاسم الأرامي כֵיפָא " كيفا " (يوحَنَّا 1: 42) ويقابله في اليونانية Πέτρος, بُطرُس (معناه الصخرة) الذي يُوحي بشخصيته الحقيقية أي صخر الكنيسة بكونه يَسوع عيَّنه رئيسا لها. أمَّا عبارة "جَلَسَ" فتشير إلى وضعية الواعظ والرابي في ذلك الزمان حيث كان المعلم جالساً لإلقاء التعليم على تلاميذه (لوقا 4: 20(؛ أمَّا عبارة " يُعَلِّمُ الـجُموعَ مِنَ السَّفينَة" فتشير إلى السفينة التي حوّلها يَسوع إلى منبرٍ لإعلان كلمة الله، وهذا المشهد مماثل في إنجيل متى (متى 13: 2-3) وفي إنجيل مرقس (مرقس 4: 1-2). المسيح يُسمع صوته وتعليمه حتى في غمرة الأعمال اليومية. 4ولـمَّا فَرَغَ مِن كَلامِه، قالَ لِسِمعان: سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد. تشير عبارة " العُرْض " في الأصل اليوناني βάθος (معناها العمق) إلى الابتعاد عن الشاطئ حيث الماء رقيق فلا يجتمع السَّمَك فيه بكثرة. والعرض يرمز إلى المغامرة مع الاتكال على قدرة الله التي تسند ضعفنا بالرغم من أنَّ الصَّيد لم يكن بالشباك في العمق بل على الشاطئ! وهنا ينتقل يَسوع من الخبرة البشريّة البحتة إلى خبرة الإيمان بكلمته الفعّالة. يعلق القديس أوغسطينوس "أن السيِّد المسيح لم يقل للصيَّادين أن يلقوا شباكهم على الجانب الأيمن ليدخل فيها الصالحون وحدهم، ولا الأيسر ليدخلها الأشرار إنما يلقونها في العمق لتحمل الاثنين معًا، فالدعوة موجَّهة للجميع لدخول شباك الكنيسة لعلهم يتمتَّعون بالحياة الإنجيليّة". السير إلى عمق البحر ترمز إلى عمق معرفة المسيح وعمق الحب وعمق الإيمان، وعمق كلمة الكرازة. وفي هذا الصدد يقول القدّيس مَكسيمُس الطورينيّ " فإنّ نصيحة يسوع لبطرس لم تقتصرْ على رمي أدوات الصيد في عمق الماء، وإنّما في إرساء كلمات البشارة في القلوب. وقد دخل القدّيس بولس عمق القلوب عندما قال: "ما أبْعدَ غَورَ غِنى اللهِ وحِكمَتِه وعِلمِه" (رومة 11: 33)" (العظة 39). كثيرا ما يطلب إلينا يَسوع أن نسير في العمق. فما هو رد فعلنا؟ أمّا عبارة " أَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد" فتشير إلى وقفة يَسوع في ساعة الأزمة مع الصيادين حيث أتى في لحظةٍ، كان فيها الصَّيَّادون -سِمعان وأَندَراوس ويَعْقوب ويوحَنَّا -في ضيق شديد… كانوا قد أمضَوا الليل، ولم يصطادوا شيئاً يحملوه لأولادهم، أو للسوق، لكي يكسبوا منه شيئاً، يؤمّنوا به لقمة عائلتهم. أمَّا الصَّيد بالشباك في بحيرة طبرية فهي أكثر طرق الصَّيد شيوعاً فيها، إذ كان الصَّيد حرفة هامة حول بحيرة طبرية بحيث كانت تحيط في البحيرة أيام المسيح نحو ثلاثين مدينة للصيادين، وأكبرها مدينة كفرناحوم. ولم يزل الصَّيد جاريًا عليها في أيامنا. 5 فأَجابَ سِمعان: يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئاً، ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ تشير عبارة " مُعَلِّم " في الأصل اليوناني Ἐπιστάτα إلى أحد القاب يَسوع الذي لم يَرِدْ إلاَّ في إنجيل لوقا وعلى لسان التلاميذ دائما الذين يؤمنون بيَسوع ويثقون بسلطانه (لوقا 8: 24، 9: 33). وهذا اللقب يشير إلى إيمانٍ أعمقٍ بسلطة يَسوع من اللفظة اليونانية διδάσκαλος التي تترجم هي أيضا ب " معلم (لوقا: 7: 40). أمَّا عبارة " َتعِبْنا " فتشير إلى الإرهاق النفسي والجسدي والإجهادِ الشَّديد ورُبّما اليأس يَختَبِرها بطرس، بَعدَ لَيلةٍ مُرهِقةٍ وشاقَّة بِلا نَتيجة. ويعلق القدّيس مَكسيمُس الطورينيّ " لقد تعب بطرس الليل كلّه؛ عندما سطع نور المخلِّص، تكشّحَتْ الظلمات، وسمحَ له إيمانه أن يميّز في عمق أعماق المياه ما عجزَتْ عيناه عن رؤيته" (العظة 39). فصدق قول الفيلسوفُ الصّيني كونفوشيوس: "إنَّ الغروبَ لا يَحولُ دونَ شروقٍ جَديد". أمَّا عبارة "طَوالَ اللَّيلِ" فتشير إلى أنسب أوقات الصَّيد، وهو الليل. ومع هذا لم يحصلوا على شيء رغم تعبهم وتوقعاتهم نجاحا من الصَّيد وقتئذ. بطرسُ في لَيلِه يمثّل كلَّ إنسانٍ قَامَ بِعدّةِ محاولاتٍ دون جَدوى، وجرّب مرارًا وتَكرارًا دونَ نَتيجة. إنه يُمثّل كلَّ إنسانٍ حَزينٍ وفاقِدٍ للأمل، وَوصلَ إلى طريقٍ مَسدود، وَبلغَ حُدودَ اليأسِ من الحياة. لكن الليل يُعَبّرُ عن مَرحلة التَّطهير الّتي لا بدَّ أن يَمُرَّ بها الْمؤمنُ للاتّحادِ الحَقيقي بالله. ويعلق القديس أمبروسيوسعلى لسان سِمعان بُطرُس "أنا أيضًا يا رب أعلم تمامًا أن ظلام (الليل) يكتنفني عندما لا تكون أنت قائدي تأمرني" (مقالة عن إنجيل القدّيس لوقا). أمَّا عبارة "لَم نُصِبْ شَيئاً" فتشير إلى صعوبة العودة إلى الصَّيد بعدما فشل الصَّيَّادون في الصَّيد شيئا طيلة الليل. إذ طلب يسوع من بطرس أن يصطاد في العمق بعيداً عن الشاطئ وفي النهار وليس في ساعات الليل. في حين أنّه لم يصطدْ شيئاً لا في المكان المناسب ولا بالزمان المناسب، فكيف بنا الآن بظروف معاكسة للصيد؟ أما عبارة " ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ " فتشير إلى ثقة بُطرُس وأصحابه بكلمة معلمهم يَسوع على الرغم من الصعوبات حيث انهم وافقوا على إلقاء الشبكة والمحاولة مرة أخرى؛ وهنا ينتقل بُطرُس من الخبرة البشريّة البحتة إلى خبرة الإيمان بكلمة الرب الفعّالة " بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئاً" (يوحَنَّا 15: 5)؛ ويُعلق القديس أمبروسيوس " ما هي شباك الرسول التي أُمر بإلقائها في العمق إلا العظة وقوّة الحجة". فهل نحن نؤمن بكلام الرب ونتق به ونرسل الشباك، تلبيةً لطلبه؟ وكثيرًا ما تقودنا خبراتنا البشرية لليأس، ولكن مع الإيمان والاتكال على الرب نرى العجائب. وهذا ما يُذكرنا بترنيمة صاحب المزامير "إِن لم يَبْنِ الرَّبُّ البَيتَ فباطِلاً يَتعَبُ البَنَّاؤون. إِن لم يَحرُسِ الرَّبُّ المَدينة فباطِلاً يَسهَرُ الحارِسون. باطِلٌ لَكم أَن تُبَكِّروا في القِيام وتَتَأَخَّروا في المَنام آكِلينَ خُبزَ المَتاعِب واللهُ يَرُزقُ حَبيبَه وهو نائم" (مزمور 127: 1-2). يُعلمنا بُطرُس أن الله موجود وهو حاضر معنا في حياتنا اليومي. هذه الحقيقة هي الهيكل العظمي لحياتنا ولعملنا. ليتنا نُلقي شباك الخير بكلمته تعالى. 6 وفعَلوا فأصابوا مِنَ السَّمَك شَيئاً كثيراً جداً، وكادَت شِباكُهُم تَتَمَزَّق عبارة "فعَلوا" في الأصل اليوناني καὶ τοῦτο ποιήσαντες (معناها ولمَّا فعلوا هذا) تشير إلى طاعة الصَّيَّادين لكلمة المسيح التي كانت نتيجتها الرائعة. أمَّا عبارة "فأصابوا السَّمَك شَيئاً كثيراً جداً" فتشير إلىصيدٍ وفيرٍ يفوق كل توقعات بُطرُس ورفاقه. وهذا برهان أن سمك البحيرة كان خاضعا ليَسوع المسيح فتحقق فيه ما ترنم به صاحب المزامير "على صُنعِ يَدَيكَ وَلَّيتَه كلُّ شَيءً تَحتَ قَدَميه جَعَلتَه، وطَيرَ السَّماء وسَمَكَ البَحْرِ ما يَجوبُ سُبُلَ البِحار" (مزمور 8: 7، 9). هذه المعجزة لم يذكرها إنجيل متى وإنجيل مرقس، إنما اكتفيا بذكر دخول يَسوع إلى سفينةٍ خاطب الشعب منها. ويذكر يوحَنَّا الإنجيلي أن معجزة الصَّيد العجائبي تمَّت بعد القيامة وأنَّ الشبكة امتلأت نحو 153 سمكة (يوحَنَّا 21: 11). وقد جاء على لسان القديس ايرونيموس "إنَّ علماء الطبيعة الأقدمين كانوا يجعلون السَّمَك 153 صنفا". فمهمة شبكة الرسل أن تجمع جميع الأسر البشرية في الكنيسة الواحدة (متى 13: 47-50) علما أن "السَّمَكة" ترمز للسيِّد المسيح نفسه كما ترمز لمؤمنيه. 153سمكة هو رقم رمزي يشير للكنيسة، أبناء الله المؤمنين. ب 153 تتعادل 3 + 50 + 100 بحيث " رقم 3 يشير لله مثلث الأقانيم ولمن آمن بالله (الثالوث) وقام مع المسيح (3 رقم القيامة) من موت الخطيئة. ويشير أيضا للروح القدس الأقنوم الثالث. ورقم 50 يشير إلى يوم العنصرة لأن من قام مع المسيح يعطيه الله أن يتحرَّر ويحل عليه الروح القدس، و50 في العهد القديم هي سنة اليوبيل أي الحرِّية. ورقم 100 يشير إلى قطيع المسيح الذي لا يهلك منه أحد (100خروف)، فالمسيح يبحث حتى عن الخروف الضال لكي يردَّه إليه فلا يهلك. أمَّا عبارة "شِباكُهُم" فيقول إنجيل لوقا إنها َتَمَزَّقت؛ في حين يذكر أنجيل يوحَنَّا أنَّ الشبكة لم تتمزَّق (يوحَنَّا 21: 11). كما يجمع الصياد السَّمَك في شبكته كذلك حين يكرز الرسل بالإنجيل يجمعون الناس في الكنيسة. تبدلت حياة الرسل كليا، من شبكة إلى شبكة، ومن صيد إلى صيد. فالشبكة رمز للكنيسة، ومن يترك الكنيسة يغرق في بحر هذا العالم. أمَّا عبارة " تَتَمَزَّق" فتشير إلى تقطع بعض خيوط الشباك الدقيقة التي يُمكِّن السَّمَك أن يفلت منها. وهذا يدل على وفرة السَّمَك التي تمّ صيده. ويرى البعض أن تمزُّق الشباك بسبب هروب السَّمَك الصغير منها، وهذا السَّمَك رمز لمن إيمانهم ضعيف. هل نحن أيضا اختبرنا الخيرات التي أغدق الله علينا وغمرنا بها؟ 7 فأَشاروا إلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم. فأَتَوا، ومَلأُوا كِلْتا السَّفينَتَينِ حتَّى كادَتا تَغرَقان. تشير عبارة "شُرَكائِهم" إلى ابني زَبَدى ومن معهما (لوقا 5: 10) الذين أصبحا بعد ذلك شريكي سِمعان وأَندَراوس في عمل أعظم وهو صيد النفوس. أمَّا "في السَّفينَةِ الأُخرى" فتشير إلى سفينة ابني زَبَدى اللذين قد فرغا من غسل الشباك وإصلاحها. والظاهر أن مسافة ما بين السفينتين كانت قصيرة حيث تَمكَّن من في السفينة الواحدة أن يرى إشارات من السفينة الأخرى. أمَّا عبارة "مَلأُوا كِلْتا السَّفينَتَينِ حتَّى كادَتا تَغرَقان" فتشير إلى نتيجة غير متوقعة من وفرة السَّمَك التي أعطت بُطرُس إعلانا جديدا عن شخصية يَسوع الذي كافأه عن استخدام سفينته. وهذا الأمر يدل على اهتمام يَسوع بعمل بُطرُس الروتيني اليومي ومساعدته في احتياجاته. لا يهتم الله بخلاصنا فقط، بل أيضا بمساعدتنا في حياتنا اليومية. أمَّا عبارة "حتَّى كادَتا تَغرَقان" فتشير إلى وشك السفينة من الغرق لو زاد الصَّيَّادون قليلا من السَّمَك. 8 فلَمَّا رأَى سِمعان بُطرُس ذَلِكَ، اِرتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع وقال: يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ تشير عبارة "رأَى" إلى مشاهدة بُطرُس للصيد الوفير، لكن اهتمامه لم يكن بالصَّيد بحد ذاته، إنما كان انجذابه لشخص المسيح، صاحب السلطان على السماء والأرض والبحار (مزمور 8: 8)، إذ أدرك أنه أمام شخصٍ مُميَّزٍ، نبيٍ ومُرسل من قِبل الربّ. أمَّا عبارة "سِمعان بُطرُس" فتشير إلى الاسم المزدوج الذي يطلقه يَسوع على بُطرُس للمرة الوحيدة في إنجيل لوقا. وفي ضوء الكتاب المقدس من أطلق على أحد اسما جديداً، كان له سلطان عليه (2 ملوك 23: 34)، كسلطان الأب على ابنه عند مولده، وهو الذي يحدَّد له أيضا المصير الجديد بفضل الاسم الجديد (تكوين 17: 5). تروي الأناجيل إطلاق اسم "بُطرُس" على "سِمعان" في ظروف مختلفة؛ في إنجيل لوقا ومرقس غيَّر يَسوع اسم سِمعان إلى بُطرُس لدى اختياره الاثني عشر (لوقا 4: 38؛ مرقس 3 :16). أمَّا في إنجيل متى فإن تغيير اسم سِمعان كان جوابا على شهادة سِمعان أنَّ يَسوع هو المسيح المنتظر (متى 16:18)؛ أمَّا في إنجيل يوحَنَّا فغيّر يَسوع اسم سِمعان في أول لقاء يَسوع كمعلم وبُطرُس كتلميذ (يوحَنَّا 1: 42)؛ وعادة نجد هذه الاسم المزدوج في إنجيله (يوحَنَّا 21: 2، 3، 7، 11). أمَّا عبارة" اِرتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع" فتشير إلى رهبة بُطرُس أمام الصَّيد العجائبي، فعرف بُطرُس نفسه على حقيقته. وكانت استجابته الأولى نحوها هي الإحساس بضعفه مقارنة مع هذا الشخص العظيم يَسوع القدوس وشعوره بعدم استحقاقه أن يقترب ممن اظهر بفعله انه ذو قوة إلهية. أمَّا عبارة " يا ربّ " فتشير إلى السيد أو المولى دلالة على الاعتبار والإكرامبمعنى المالك والآمر، والسيد المُطاع والمعلم. وهنا تدل على بُطرُس الذي عرف نفسه أمام يَسوع فخاطبه باللقب "يا رب". بطرس لا يصغي ليسوع ولا يفكر به كمعلّم بل يسجد له ويناديه "يا رب". فحين ردَّدها بُطرُس شعر فيها معاني كثيرة، ومنها الانكسار للمسيح الرب معترفا انه صاحب القدرة والفضل، وأيضا تحمل كلمة "يا رب "معنى الحب العميق لواهب النعم. وفي كلمة "يا رب" أيضا سؤال طلب العون وتفريج الهم والغم، وأخيرا تحمل كلمة "يا رب" معنى الغنى بالمسيح ولو فقد الكثير من أمور الدنيا، وتعني أخير الفقر من دون المسيح، وإن ملك الدنيا وما فيها. ما أروعها هذه الكلمة إلى كل من ثـقل عليه الهم وضاقت عليه الأرض برحابها إلى أن ضاقت عليه نفسه. والجدير بالذكر بان بُطرُس نادى يَسوع "يا معلّم" (لوقا 5: 5)، أما بعد الصَّيد العجيب فقد ناداه "يا رب" (لوقا 5: 8)" أمَّا عبارة "تَباعَدْ عَنِّي" فتشير إلى بُطرُس الذي اكتشف في معجزة صيد العجائبي قوة يَسوع الإلهية فاعترف أنه غير مستحقٍ أن يمثل أمام الرب، وشعر انه ليس أهلا أن يبقى معه؛ كما أكد ذلك شفاعة إبراهيم لأهل سدوم وعمورة في (تكوين 18: 23) وموقف أيوب أمام الله (أيوب 42: 6) ورد فعل أشعيا النبي أمام دعوة الله له (أشعيا 6: 5). لم يكن تواضع بُطرُس الرسول كلامًا بل هو تفاعل مع العمل الحيّ الإيجابي، إنَّها عاطفة نجاسة أمام القداسة، عاطفة الضعف أمام القدرة، عاطفة الحيرة والدهشة أمام معجزة الإيمان واليقين. وتُذكر عبارة بُطرُس ما قاله قائد المئة "يا ربّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي"، ويُعلق القديس يوحَنَّا الذهبي الفم " أعتبر بُطرُس أنّه لا يستحقّ حضور الرّبّ لأجل خطيئته، لكنّ السّيّد أكبر من خطيئتنا وهو يشتاق إلى غفران خطايانا أكثر ممّا نشتاق نحن للتّوبة". أمَّا عبارة ""رَجُلٌ خاطِئ" فتشير إلى اختبار بُطرُس بخطيئته والإقرار ببعده عن الربّ وبعدم استحقاقه. فهناكهوة قائمة بين قداسة يَسوع وضُعف الإنسان، إذ تجلى مجد الله في يَسوع (يوحَنَّا 1: 14). ومن هذه المشاعر تنبع الرَهْبة كما شعر النبي أشعيا لدى رؤيته عرش الله "وَيلٌ لي، قد هَلَكتُ لِأَنَّي رَجُلٌ نَجِسُ الشَّفَتَين، وأَنا مُقيمٌ بَينَ شَعبٍ نَجسِ الشِّفاه" (أشعيا 6: 5). وأمام الله يشعر الإنسان بدهشة ملؤها عرفان الجميل (لتكوين 32: 31) أو بمخافة (قضاة 6: 22-23)؛ ويُعلق القديس يوحَنَّا الذهبي الفم "ليس شيء مقبولًا لدى الله مثل أن يحسب الإنسان نفسه آخر الكل". وفي هذا الصدد يقول البابا فرنسيس "إن لم نتعلّم أن ندين أنفسنا فلن نتمكّن من السير في الحياة المسيحيّة. هذه هي الخطوة الأولى لكلِّ فرد منا إن أراد أن يسير قدمًا في الحياة الروحيّة، في حياة يَسوع وخدمته". 9 وكانَ الرُّعْبُ قدِ استَولى علَيهِ وعلى أَصحابهِ كُلِّهم، لِكَثَرةِ السَّمَك الَّذي صادوه. تشير عبارة " كانَ الرُّعْبُ قدِ استَولى علَيهِ " إلى الخوف أمام قداسة الله وقدرته حيث اكتشف بُطرُس انه غير مستحق أن يمثل أمام الرب كما كان الحال مع قائد المائة الذي قال ليَسوع "يا رَبّ، لَستُ أَهْلاً لأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقفِي" (متى 8: 8). تعتبر الرهبة علامة تسامي الله وعظمته كما يقول العالم الاجتماعي رودلف اوتُّو. نجد أن المسيح قد أظهر سلطانه أمام تلاميذه في هذه المعجزة التي جعلتهم يطمئنّون لتدبير الله نظراً لاحتياجاتهم المادية. ويُعلق البطريرك بيير باتيستا "أن أفضل لحظة لمعرفة الرب هي لحظة الفشل والإرهاق والهزال: وهناك حيث تنهار مقاومتنا وغطرستنا، يستطيع الربّ عندها الاقتراب منّا ليقول لنا بأنّ اقترابه هو هبة مجانيّة مضمونها الرحمة والغفران. أمَّا عبارة "على أَصحابهِ كُلِّهم" فتشير إلى جميع الذين كانوا مع بُطرُس، والأرجح انهم كانوا: اخوه أَندَراوس والخدم في سفينته (متى 4: 8). 10 ومِثلُهُم يَعْقوب ويوحَنَّا ابنا زَبَدى، وكانا شَريكَي سِمعان. فقالَ يَسوع لِسِمعان: لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً تشير عبارة "لا تَخَفْ" إلى دعوة يَسوع إلى بُطرُس إلى الاطمئنان والثقة، لأنه اليهود اعتقدوا انه لا أحد يرى الله ويعيش (لوقا 1: 12)؛ لان الخوف لا يُغيّر أي شيء، لكن الثقة بالرب يَسوع تغيِّر كل شيء. لكنمن البديهي أن يخاف المرء أمام قدرة المسيح وعظمته من ناحية، وضعفه البشري وعدم استحقاقه من ناحية أخرى. فالخوف وبالتحديد الرهبة دليل على الإكرام لاسمه القدوس. وهذه العاطفة مرتبطة بوجود الإنسان أمام الله الذي هو سرّ يحيطنا بخشيته ويسحرنا بحضوره المتسامي. لانَّ الحضور أمام الله الحيّ أمر رهيب كما يقول صاحب الرسالة إلى العبرانيين "ما أَرهَبَ الوُقوعَ في يَدِ اللهِ الحَيّ!" (عبرانيين 10 :31). هذا الاله الذي يستطيع أن يخلّص وأن يهلك (يَعْقوب 4 :12). أمَّا عبارة "سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً" فتشير إلى أقدم وعد عن الدعوة للإنجيل الذي يوحي أنَّ العمل الرئيسي للدعوة في العالم هو أن يربح المرء النفوس للمسيح، فيجمعهم من أجل الدينونة لدخول إلى الملكوت (متى 13: 47-50). يدعو المسيح بُطرُس لإتِّباعه لا كسامع فقط، بل كمعاونٍ وشاهدٍ لملكوت الله وعاملٍ في حصاده (متى 10: 1-27). يدعوه ليس لما هو عليه، بل لما يجعله أن يكون، إذا كان مستعداً لطاعته. وفي مفهوم يوحَنَّا الإنجيلي يَسوع يعهد إلى بُطرُس المهمة الرعوية لقطيعه إذ جعله راعي الخراف (يوحَنَّا 21: 15-19). أمَّا عبارة " لِلبَشَرِ صَيَّاداً " فتشير إلى مناداة بُطرُس بالإنجيل لكي يجذب الناس إلى معرفة الحق وقبولهم إياه لخلاص نفوسهم. وهذه الدعوة لبُطرُس أن يتبع المسيح ويكون معه رسولا له. لذلك ترك بُطرُس مهنة يعيش منها، وأخذ مهنة أخرى، حين يكرز بالإنجيل، يجمع الناس كما يجمع الصياد السَّمَك في الشباك. فتبدَّلت حياته كليا من شبكة إلى شبكة، ومن صيد إلى صيد؛ وتحوّل من صيّاد سَمَك إلى صيّاد بشر. فالأوّل يصطاد ليأكل، وأمّا الثّاني فيصطاد ليُطعم النّاس كلام الحياة الأبديّة. إن الدعوة الإلهية تغيّر مصير الإنسان في لحظة. ويُعلق القديس كيرلس الكبير" فلنمدح الطريقة التي أصبح بها التلاميذ صيَّادي العالم قاطبة، أنه طُلب منهم أن يصطادوا الشعوب الأخرى إلى حظيرة المسيح الحقيقيّة". 11 فرَجَعوا بِالسَّفينَتَينِ إلى البَرّ، وتَركوا كُلَّ شَيءٍ وتَبِعوه تشير عبارة "تَركوا كُلَّ شَيءٍ" إلى التخلي بحرية عن سفينتهم وشباكهم وصنَّارتهم والأسماك التي صادوها ومهنة الصَّيد وإتِّباعهم يَسوع. فكان التشديد هنا على التجرد التام المطلوب من تلاميذ يَسوع؛ ومن هذا المنطلق يستلزم إتباع يَسوع هجر الحرفة على مثال متى العشار (لوقا 5: 28)، وقصم عُرى الروابط العائلية. إنها دعوة إلى ولاءٍ وإخلاص من القلب. إذ لا يمكن معاينة الحقيقة والبقاء عند شاطئ العالم. ويُعلّق القديس يوحَنَّا الذهبي الفمعلى هذا الترك بالقول " أخبرني أي شيء عظيم تركه بُطرُس؟ أليست مجرد شبكة ممزقة (لوقا 5: 11) وعصا وصنارة؟! ومع ذلك فقد فتح له الرب بيوت العالم، وبسط أمامه الأرض والبحر". أمَّا عبارة "تَبِعوه" في الأصل اليوناني ἠκολούθησαν(معناها يسير وراء شخص) فتشير لفظياً إلى التلاميذ الذين "جاءوا وراء يَسوع" (متى 4: 20) وهو امر أكثر من مجرد الاعتراف به مُخلصا، إنما ترك الرسل الماضي خلفهم، وتكريس مستقبلهم للمسيح ليصبحوا مُبشِّرين بإنجيله الطاهر. ترك الرسل الأربع شباكَ الصيد ليكونوا صيَّادَي بشر سالكين دربَ التبشير ومتأبّطًين صنّارة الإيمان. وهكذا أصبحوا تلاميذ حقيقيين للمسيح من خلال إصغائهم لتعليمه، وطاعتهم لأوامره وتصديقهم لأقواله واتباعهم له. وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف واللاهوتي سورين كيركغور " لا يريد المسيح أناسا مُعجبين به، بل أناسا يتبعونه" مبينا أهمية اختيار الإنسان والتزامه. وهذا الاتباع يتطلب الزهد بالنفس وحمل الصليب والسير وراء يَسوع كما صرّح يَسوع "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني" (مرقس 8: 34). فإتباع يَسوع يتطلب الزهد في النفس المعبّر عنه بقبول الصليب، أي بتعريض حياته للخطر في سبيل يَسوع والبشارة (مرقس 8: 35-37) وملازمته ليَسوع. وأخيرا عندما نتبع يَسوع لا بد لنا من الاعتراف بطبيعتنا البشرية الخاطئة، فنحن لا نقدر أن نُخلص أنفسنا، إنما الله وحده الذي يقدر أن يُخلصنا. هذا ما فعله سِمعان بُطرُس وأَندَراوس، وهذا ما فعله يَعْقوب ويوحَنَّا. سمع الأربعة النداء فتركوا كل شيء وتبعوا يَسوع (متى 4: 18-22) علما أن هؤلاء التلاميذ كانوا قد عرفوا يَسوع المسيح من قبل وقد دعاهم لإتباعه (متى 4: 18-22). سِمعان بُطرُس ممثِّل صخرة الإيمان، وأَندَراوس ممثِّل الجِدِّية والرجولة، ويَعْقوب ممثِّل الجهاد والتعقب المستمر، ويوحَنَّا ممثِّل حنان الله ونعمته. اقترب يَسوع من التلاميذ الأولين وحوّلوهم من مجموعة اختبروا ضعفهم البشري إلى أشخاص التقوا بالحياة الحقيقية، التي مكّنتهم من ترك كلّ شيء للبقاء مع الربّ كي يحملوا رسالته إلى العالم. إن الدعوة الإلهية تغيِّر مصير الإنسان في لحظة. والرب لا يزال يدعو كل واحد منا لنتبعه بالرغم من ضعفنا وعدم استحقاقنا. ثانياً: تطبيقات نص الإنجيلي (لوقا 5: 1-11) بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي وتحليله، نستنتج انه يتمحور حول الصَّيد العجائبي ودعوة بُطرُس ورفاقه الثلاثة. فبعد الدعوة الأولى للتلاميذ (متى 4: 18-22، ومرقس 1: 16: 20) عاد بُطرُس وأَندَراوس ويَعْقوب ويوحَنَّا إلى صيد السَّمَك. فقابلهم يَسوع في عملهم وأعانهم في عملهم ودعاهم. ومن خلال دعوة يَسوع أثناء صيد السَّمَك العجائبي تمّت مواجهة بين سيدنا يَسوع في عظمته وسره من ناحية، وبين بُطرُس الذي ظهر على حقيقته بما فيه من خوف وثقة وإيمان من جهة أخرى. ومن هنا نتساءل عن نقطتين: دعوة سِمعان بُطرُس وشركائه، وما علاقة الصَّيد العجائبي في الدعوة؟ 1) دعوة سِمعان بُطرُس والتلاميذ الأولوين؟ بُطرُس هو سِمعان واسم أبيه يونا (متى 16: 17) واسم أخيه أَندَراوس واسم مدينته بيت صيدا. فلما تبع سِمعان يَسوع سمَّاه يَسوع "كيفا" Κηφᾶς "يوحَنَّا 1: 42) وهي كلمة آرامية כֵיפָא معناها صخرة والصخرة باليونانية Πέτρος أي بُطرُس (متى 16: 18). وبعد قيامة يَسوع، حقَّق بُطرُس ما أنبأ المسيح عنه "أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي" (متى 16:17). وقد دعا يَسوع بُطرُس ثلاث مرات. فأولاً دعاه ليكون تلميذا، (يوحَنَّا 1: 15-42) ودعاه ثانيةً لكي يكون رفيقا ملازما له باستمرار (لوقا 5: 10) ثم دعاه ثالثة لكي يكون رسولا له (لوقا 6: 13-14). تُعتبر الدعوة نداءً يوجّهه الله للإنسان الذي اختاره لذاته، والذي يخصُّه لعمل معيّن في تدبيره الخلاصي وفي مصير شعبه. لذلك فإن لدعوة بُطرُس عنصران: نداء وجواب. نداء من يَسوع يوجّه إلى قلب بُطرُس. إذ قالَ يَسوع لِسِمعان: "لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً" (لوقا 5: 10). وهذا النداء هو نداء شخصيّ مُوجّه إلى أعماق ضمير بُطرُس، إذ َقَلَب يَسوع أوضاع كيانه، لا في ظروفه الخارجية فحسب، إنما أيضا في عمق قلبه. فجعل منه شخصاً آخر. فأطلق عليه اسماً جديداً وهو بُطرُس (يوحَنَّا 1:42). إن الدعوة تفترض تغييراً في الحياة. المسيح يدعو الناس، ليس لما هم عليه، بل لما يجعلهم هو أن يكونوا، إذا ما كانوا مستعدين لطاعته. فنِداء يَسوع لبُطرُس جعله ينتقل من صَيَّاد سمك إلى صَيَّاد بَشرٍ (لوقا 5: 9) ودفع به نحو مكان لا يعرف سرَه إلاَّ الرب: "ترك كل شيء وتبع يَسوع" (لوقا 5: 11) كما قالَ الرَّبُّ لأَبْرام: "اِنطَلِقْ مِن أَرضِكَ وعَشيرَتكَ وبَيتِ أَبيكَ، إلى الأَرضِ الَّتي أُريكَ" (تكوين 12: 1). وترك بُطرُس ومعه شركائه يَعْقوب وأَندَراوس الصَّيد والسفينة في البحر وتبعوا يَسوع لصيد آخر، على بحر آخر. تركوا شباكهم في السفينة، واتخذوا للصيد شباكا غيرها. ولكل نداء جواب. على النداء، انتظر يَسوع جواباً، أي موافقة واعية تعبِّر عن الإيمان والطاعة. فجواب بُطرُس كان تكريس قلبه وحياته بأكملها للمسيح. "تَرك كُلَّ شَيءٍ وتَبِع يَسوع (لوقا 5: 11). جواب بُطرُس بالموافقة لم يتمَّ فورياً، قد خالجه شعور بالخوف كما تبيّن من كلام يَسوع لبُطرُس "لا تَخَفْ! " (لوقا 5: 9)، كما خالجه شعور بعدم الاستحقاق كما نستنتج من كلام بُطرُس "يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ (لوقا 5: 7). ويلمّح هذا الكلام إلى تأثر بُطرُس السريع في معجزة الصَّيد العجائبي التي صنعها المسيح، فآمن بيَسوع، ابن الله ووضع ثقته فيه. فأجابه يَسوع بكلمة تشجيعية وأخبره أنه سيصبح صيّاد بشر. وباختصار، الدعوة هي عمل الله، وجواب الإنسان للمبادرة الإلهية، ولا يجب أن يخاف المرء من ضعفه عندما يدعوه الله، بل عليه أن يثق بقدرته تعالى التي تعمل في ضعفه البشري وبقوة رحمته التي تحوّله وتُجدِّده. غاية الدعوة هي الأرسال. يوجه الله هذا النداء إلى جميع من يختارهم كأداة لعمله أي تنفيذ الأمر الإلهي. دعا يَسوع بُطرُس ليرسله كما فعل الله مع إبراهيم (تكوين 12: 1)، وموسى (خروج 3: 10)، وعاموس (عاموس7: 15)، وأشعيا (أشعيا 6: 9)، ولإرمياء (إرميا 1: 7)، وحزقيال (حزقيال 3: 1). فبُطرُس دعي كرسول لتَبْشيرِ المَختونين (غلاطية 2: 8) وواصل الكنيسة تبشيره حيث يوجد اليهود تاركا اورشليم لقيادة يَعْقوب، أخو الرب (أعمال الرسل 12: 17) واستشهد كما سبق الرب وأخبره ذلكَ "مُشيراً إلى المِيتَةِ الَّتي سيُمَجِّدُ بِها الله" (يوحَنَّا 21: 19). وبحسب تقاليد الإباء ايرونيموس واكليمندس الاسكندري وترتوليانس أوريجانوس ويوسابيوس فانه قد استشهد في روما. وهكذا يبرز سِمعان بُطرُس أمامنا مثالا في تلبية الدعوة والثبات في الإيمان ونموذجا للرجاء. 2) معجزة الصَّيد العجائبي ودعوة بُطرُس والتلاميذ الأولين يربط لوقا الإنجيلي رواية الصَّيد العجائبي بدعوة سِمعان بُطرُس حيث حدثت هذه المعجزة في إطار تبشير الجموع. ولما انتهى يَسوع من التبشير تمّت المعجزة. وتبدو هذه المعجزة خاصة بمظهر تعليم يُلقى على التلاميذ، وتُعزِّز كلمة يَسوع سِمعان بُطرُس "لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً " (لوقا 5: 9). في نظر لوقا الإنجيلي، أن المعجزة عمل من أعمال الله من حيث أنَّها تدعو الإنسان إلى الإيمان؛ وإنَّ بُطرُس حرٌ في قبوله أو رفضه. دعوة موجّهة إلى بُطرُس ليتقبّلها بحرية ليكون صيادَ بشرٍ. يبدأ يَسوع بتحضير بُطرُس وباختباره بطلب عادي ومن خلال حياته وعمله اليومي الروتيني المُتعب وهو الصَّيد. وهنا يترك لبُطرُس الحرِّية التامة في تلبية الدعوة أولا " أَن يُبعِدَ بسفينته قَليلاً عنِ البَرّ " (لوقا 5: 3)؛ وثانياً يطلب يسوع من بُطرُس أمراً أكثر صعوبة " سِرْ في العُرْض " (لوقا 5: 4). فأطاع بُطرُس كلمة الرب يَسوع وعلى هذه الكلمة كان اكتشف عمق الذات وعمق الكلمة الفاعلة المُثمرة روحياً، وعمق المسيح وقداسته وقدرته على تغير مجرى حياته. وثالثاً بناءً على هذا الاكتشاف أخذ بُطرُس يعترف بأنه "رَجُلٌ خاطِئ " (لوقا 5: 8). رابعا: بدأ تغيير مسار حياته حيث يصبح صياداً للبشر (لوقا 5: 10) بدلاً من صياد السَّمَك بتشجيع المسيح وقوته. وأخيراً ترك بُطرُس ورفاقه الثلاثة كل شيء وتبعوا يَسوع بلا جدال أو شروطٍ (لوقا 5: 10). المعجزة كانت علامة لبُطرُس. فالعلامة الأولى للمعجزة هي رهبة أو خوف بُطرُس أمام المعجزة، وكانت استجابته الأولى نحوها هي الإحساس بضعفه البشري مقارنة مع يَسوع هذا الشخص العظيم. عرف بُطرُس نفسه أمام المسيح، ولم يتمالك نفسه أمام المعجزة "وِارتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع وقال: يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ "(لوقا 5: 8)، وهي عاطفة جليلة من التواضع العظيم، عاطفة من الذهول والضعف أمام القدرة الإلهية، عاطفة من الحيرة والارتباك أمام معجزة الإيمان واليقين. والعلامة الأخرى التي يجب أن ننتظرها من يَسوع هي دعوة بُطرُس إلى الإيمان به، الإيمان بشخصه الذي يدعوه إلى حمل رسالته. فقبل بُطرُس دعوة المسيح، لان الإيمان مَكَّنه من الاعتراف به من خلال المعجزة. فالمعجزة مهّدت لدعوة بُطرُس؛ والدعوة تُضفي معنى على المعجزة، والمعجزة بدورها مكّنت الدعوة من أن تتحقق عمليا. نستنتج مما سبق أن هناك شرطان يسبقان إتباع المسيح. مطلوب أولا أن يعترف الإنسان بطبيعته البشرية الخاطئة الآثمة، فالإنسان لا يستطيع أن يُخلص نفسه، وليس سوى الله قادر أن يُخلِّصه. وثانيا مطلوب من الإنسان إن يعترف بعدم جدوى جهوده، فقد جاهد بُطرُس ورفاقه الصَّيَّادون طوال الليل عبثا بدون جدوى. من هذا المنطلق، نجد صلة قائمة بين الكلمة (التبشير) والعمل (المعجزة). لم يكتف يَسوع بالتبشير في الملكوت، بل اظهر هذا الملكوت في الأعمال. فقد أدخلت معجزة الصَّيد العجائبي التأهب والانفتاح على قلب بُطرُس بل هي دعوة لبُطرُس لاتخاذ موقف تجاه يَسوع. فمن خلال صيد السَّمَك العجائبي اكتشف بُطرُس نفسه يَسوع المسيح، وعرف أن الله تدخل في حينه عن طريق المعجزة. فالمعجزة هي علامة أنارتها كلمة الإيمان، وبالإيمان قبل بُطرُس دعوته في حمل رسالة يَسوع للخلاص والحياة الأبدية بان يكون صيَّاد بشر. فتخلى بُطرُس ورفاقه عن حرفة الصَّيد وصاروا أتباعا ليَسوع. وكانت مهنة صيد السَّمَك تدريبا حسنا على الاحتمال والانتظار وطول البال والصبر اللازم للعمل في صيد البشر وربح النفوس للمسيح. الخلاصة معجزة صيد السَّمَك امر واقع، والمسيح حقَّقها وعبّر من خلالها عن قدرته الإلهية. لا يركِّز لوقا الإنجيلي على معجزة الصَّيد بقدر كان تركيزه منصبَّا على دعوة الإنسان لاختبار كلمة الله وعيشها في حياته. فرسم لنا كيف أنّ يَسوع قد دخل في عمق حياة الناس، ودعاهم ليتبعوه، تمامًا في تفاصيل حياتهم اليوميّة، من على قوارب الصَّيد. فلم يسألهم أولاً أن يذهبوا إلى المجمع، ولا طلب منّهم تأجيل استجابتهم لله حتى يتخلّصوا من ضعفهم البشري وشوائبهم، وخطاياهم. إن استجابتهم لله تنمو وتتعمّق مع الزمن. فهي مسيرة، وليست حدث. ولكن دعوة يَسوع استلزمت معجزة لإقناع سِمعان بُطرُس كي يتبع المسيح. إذ طلب منه أن يترك صيد السَّمَك "ليصبح صيَّاد البشر" ويأتي بالآخرين إلى الله ويربح الناس إلى ملكوت الله. ما عمله يَسوع في الماضي على الأرض، لا يزال يعمله اليوم من خلال الروح القدس في الكنيسة. فالحياة المسيحيّة هي دعوة، لأنها حياة في الروح، ولأن الروح يقودنا إلى عالم جديد (رومة 8: 16). ولأن الروح هو منشئ الدعوة المسيحية. ويوجد داخل هذه الدعوة الواحدة، مواهب على أنواع... وخدمات على أنواع... وأعمال على أنواع... "ولكن، رغم هذه المواهب المختلفة، لا يوجد إلا جسد واحد وروح واحد" (1 قورنتس 12: 4-13). لا يزال الرب يَسوع يدعو كل واحد منا لنتبعَه. إتباع يَسوع يعني أننا نترك نظرتنا ونأخذ بمشروعه. ترك الصَّيد والشبكة والسفينة في البحر لكي نتبعه لصيد آخر وهو صيد النفوس، وترك شبكة لنأخذ شبكة الدعوة الإنجيلية التي تنشل الناس من قعر ظلمات الجهل والضلال إلى الأفق المُنير، وترك سفينة العالم لنأخذ سفينة الكنيسة. فيَسوع الناصري هو نفسه الذي أُولي كل سلطان في السماء والأرض وهو الباقي مع كنيسته حتى نهاية العالم كما وعد تلاميذه قبل صعوده إلى السماء "إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض. فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 18-20)، هذه هي دعوة يَسوع المسيح لسِمعان بُطرُس ولرسل والتلاميذ ولجميع المسيحيين في العالم. دعاء نعترفَ بك يا يَسوع المسيح ربًّا كما اعترف بك بُطرُس فقالَ: "يا ربّ، تباعَدْ عنّي، إنّي رجلٌ خاطئ، لأنّنا لسنا سوى إنسان وأنتَ الإله الإنسان. إننا خاطئون وأنتَ القدّوس، نحن الخَدم وأنتَ الربّ. فها نحن بين يديك فأرسلنا صيَّادي بَشر كي نُلقي شباك كلمتك المقدسة ونجذب الجميع إلى شاطئ الأمان في ملكوتك. آمين قصة صيادة النفوس ويوميات والقدّيسة تيريزا الطفل يَسوع "جعلني الرب صيّادة نفوس؛ فشعرت برغبة كبيرة في العمل على اهتداء الخطأة...سمعتُ عن مجرم كبير اسمه "برانزيني" حُكم عليه بالإعدام لارتكابه جرائم مريعة، وكان كلّ شيء يدلّ على أنّه سيموت في الخطيئة. كنت أريد منعه من الذهاب إلى الجحيم مهما كلّف الأمر... كنت أشعر في أعماق قلبي بأنّه سيتمّ تلبية هذه الرغبات، لكن بغية اكتساب الشجاعة الكافية للاستمرار بالصلاة من أجل الخطأة، قلت لله إنّني متأكّدة من أنّه سيغفر للمسكين برانزيني، ومن أنّني سأصدّقه حتّى لو لم يعترف ولم يتلفّظ بأيّ كلمة ندم، وذلك نتيجة ثقتي الكبيرة برحمة الرّب يَسوع اللامتناهية، لكنَّني كنت أطلب منه إشارة توبة لمواساتي فحسب. تمّت الاستجابة حرفيًّا لصلاتي! منذ هذه النعمة الفريدة من نوعها، بدأت رغبتي في إنقاذ النفوس تزداد يومًا بعد يوم؛ بدا لي أنّني أسمع الرّب يَسوع يقول لي كما للمرأة السامريّة: "اِسْقيني!" (يو 4: 7). كانت عملية تبادل للحبّ حقيقيّة؛ للنفوس، كنت أقدّم دم الرّب يَسوع. وللرّب يَسوع، كنت أقدّم هذه النفوس نفسها التي أنعشتها قطرات الندى الإلهيّة. هكذا، بدا لي أنّني كنت أرويه، وكلّما كنت أسقيه، كلّما كان عطش نفسي المسكينة يزداد، وكان هذا العطش المُتّقد الذي يشعرني به بمثابة شراب محبَّتِه اللذيذ" الأب لويس حزبون - فلسطين |
|