القس بيشوي فايق[*] يُعَّلم الإنجيل بمبدأ الاتكال على الله، فهل هذا المبدأ يتعارض مع التدبير والتخطيط لأمور الحياة؟ وإن كان لا يتعارض، فلماذا يتهم الوحي الإلهي الرجل الذي أخصبت حقوله بالغباء، لأنه فكر في إقامة مخازن جديدة أوسع؟ وهل علينا أن نترك أمر المستقبل لمشيئة الله بدلًا من العمل، متكلين على أمر الله بعدم الاهتمام بالغد؟
[*] الإجابة:
[*]إن التدبير الحسن لأمور حياتنا واجب على الإنسان، لأن الله ميزه بالعقل والفكر، ولا يوجد تعارض بين مبدأ الاتكال على الله، واهتمام الإنسان بتدبير أموره حسنًا.
[*]أما التخطيط والاستعداد للمستقبل فأمر واجب على كل مسيحي حريص على التمتع بالحياة والأفضل بحسب القانون الإلهي القائل: "فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا" (غل6: 7).
[*]فيما يلي نشرح ذلك، ثم نفند أربع شُبهات وهمية عن تعارض بعض نصوص الكتاب مع الاستعداد للمستقبل بالعمل والتدبير الحسن والتخطيط الجيد.
[*]
[*]أولًا: التدبير الحسن واجب مسيحي[*]التدبير الحسن لأمرٍ ما هو إتمامه بعناية ودقة، ويعتمد التدبير الحسن على التفكير السليم والدراسة الدقيقة، ويرتبط التدبير الحسن بالتخطيط الجيد، والاستعداد لما قد يأتي به المستقبل من مفاجآت قد تعطل العمل.
[*]فيما يلي نشرح البراهين، التي تدل على اهتمام الكتاب المقدس بالعمل الجاد، وحثه أولاد الله على تدبير أمورهم حسنًا:
[*]
[*]* الله هو المدبر الأعظم
[*]دبر الله للإنسان كل ما يلزمه للحياة على كرة الأرض قبلما يخلقه. فخلق له الماء والهواء والنبات والحيوان والأرض التي يمشي عليها، ونَظَّم له الكون بالقوانين التي تحكم الطبيعة، وتسمح له بالحياة الآمنة على كوكب الأرض. لقد شهد الله لتدبيره السامي حين أتمَّ الخلقة في اليوم السادس قائلًا: "وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا" (تك1: 31).
[*]
[*]* الله يدبر خلاص جنس البشر
[*]إن الله هو المدبر الأعظم، الذي استخدم بحكمته كل أحداث التاريخ لتدبير خلاص وفداء الإنسان، وما زال الله يدبر خلاص كل نفس وفقًا لحكمته وإرادته الصالحة، وذلك بالرغم من الشر الذي يحيط بالإنسان، لأنه المدبر الخلاص، كقول الكتاب: "وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ" (مت2: 6). وقوله أيضًا: "الَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ" (كو1: 25).
[*]
[*]* الله يطالب الرعاة والمعلمين بتدبير أمور شعبه
[*]وهب الله الخدام والرعاة في الكنيسة مواهب عديدة، وخصص منهم أناسًا للقيام بوظيفة التدبير والرعاية لأمور شعبه الروحية، كقوله: "فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلًا رُسُلًا، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ" (1كو12: 28).
[*]وقد طالب الله هؤلاء المدبرين بالاجتهاد في تدبير احتياجات شعبه الروحية كقوله: "أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ" (رو12: 8). وطالب الله شعبه أيضًا بتكريم هؤلاء الرعاة الذين يدبرون أمور كنيسته حسنًا قائلًا: "أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلًا لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيم" (1تي5: 17).