الراهب القمص بطرس البراموسي
لكي نعرف السيد المسيح | لكي نعرف الثالوث
أن هناك سبعة أسباب واضحة لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان، وتحدثنا عن السبب الأول وهو أنه:
(1) يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر
والسبب الثاني هو:
(2) لكي نعرف السيد المسيح
هذه العبارة قالها يوحنا المعمدان بنفسه في (يو1: 33-34) "وأنا لم أكُنْ أعرِفُهُ، لكن الذي أرسَلَني لأُعَمدَ بالماءِ، ذاكَ قالَ لي: الذي ترَى الرّوحَ نازِلًا ومُستَقِرًّا علَيهِ، فهذا هو الذي يُعَمدُ بالرّوحِ القُدُسِ. وأنا قد رأيتُ وشَهِدتُ أنَّ هذا هو ابنُ اللهِ".
* قبل معمودية السيد المسيح.. كان له المجد في نظر الناس شابًا عاديًا لا يتميز بأي شيء عن غيره.. هذا الشاب يعمل نجارًا (حسب شريعة اليهود)، وكان يمارس حياته شخصًا عاديًا جدًا.. يعمل ليأكل.
* لكن منذ لحظة المعمودية.. عرفوه الناس عن طريق يوحنا المعمدان أنه هو "ابن الله".. وذلك حينما سمعوا صوت الآب من السماء يقول: "أنتَ ابني الحَبيبُ، بكَ سُرِرتُ" (لو3: 22)، ورأوا الروح القدس مستقرًا عليه مثل حمامة.
بذلك آمن يوحنا وكل الحاضرين أن هذا الإنسان هو ابن الله واعترفوا جميعًا بذلك.
* فمن أهم مفاعيل عيد الغطاس (عيد الظهور الإلهي) في حياتنا أنه يثبت فينا عقيدة مهمة جدًا في حياتنا المسيحية، وهي أن السيد المسيح هو "ابن الله الظاهر في الجسد".
* هذا الإيمان الثابت على الصخرة لا يستطيع أحد أن ينزعه من قلوبنا، مهما قدَّم لنا الآخرين تشكيكات في إيماننا المستقيم.. فنحن أبناء الشهداء الذين سفكوا دمائهم من أجل حفاظهم على الإيمان المستقيم المسلّم لنا من القديسين.. "أنْ تجتَهِدوا لأجلِ الإيمانِ المُسَلَّمِ مَرَّةً للقِدّيسينَ" (يه1: 3).
* فنحن نؤمن أن السيد المسيح هو "الله الظاهر في الجسد".. لأنه هو الذي يعلمنا ذلك بنفسه..
ومُعلمنا بولس الرسول ذكر لنا: "ليس أحَدٌ يَقدِرُ أنْ يقولَ: "يَسوعُ رَبٌّ" إلاَّ بالرّوحِ القُدُسِ" (1كو12: 3). وهذا الروح القدس الذي يسكن فينا يوم المعمودية.. كما حل على السيد المسيح يوم عماده في شكل حمامة، واستقر عليه وهو لم يكن محتاجًا لهذا الحلول والاستقرار، لأنه هو وأبيه وروحه القدوس موجودين منذ الأزل ومتحدين اتحادًا كاملًا.. هكذا يحل علينا الروح القدس يوم معموديتنا ويستقر فينا فنصير هياكل للروح القدس.
* نحن الآن نواجه تشكيكات كثيرة من ناحية لاهوت السيد المسيح، وهجومًا مستمرًا على ألوهيته.. فالبعض يريد أن يثبت أن السيد المسيح هو إنسان عادي بدليل أنه كان يجوع ويعطش ويتعب وينام ويتألم ويصرخ من الألم إلى أبيه.. "إيلِي، إيلِي، لَما شَبَقتَني؟" أيْ: إلهِي، إلهِي، لِمَاذا ترَكتَني؟" (مت27: 46) ويحزن ويكتئب....
ويُقال: "إذا كان هو الله".. فهل الله:
* يحتاج أن يأكل؟ "في التجربة على الجبل (جاع أخيرًا)".
* يحتاج أن ينام؟ "نام في مؤخرة السفينة".
* يحتاج أن يصوم؟ "صام أربعين يومًا".
* يحتاج أن يستريح؟ "تعب وجلس عند البئر (في قصة المرأة السامرية)".
* يحتاج أن يشرب؟ "على الصليب عندما صرخ: (أنا عطشان)".
* يحتاج أن يرفع أبيه عنه الألم؟ "على الصليب صرخ: (إلهي إلهي لماذا تركتني)".
وغير ذلك من المواقف التي تثبت الاحتياج البشري أو إنسانية السيد المسيح..
هذه الأقوال يرد علينا فيها القديس كيرلس الكبير بقوله: "إننا يجب أن نعرف ونؤمن إيمانًا كاملًا أن السيد المسيح كان إلهًا كاملًا وإنسانًا كاملًا".
إلهًا كاملًا يحمل كل صفات الله:
الخلق
1. معجزة عرس قانا الجليل وتحويل الماء إلى خمر (يو2: 1-11).
2. معجزتي إشباع الجموع: الخمس خبزات والسمكتين للخمسة آلاف نفس (مر6: 30-44)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. والسبع خبزات وقليل من صغار السمك للأربعة آلاف ما عدا النساء والأولاد (مر8: 5-9).
3. معجزة خلق عينين للمولود أعمى (يو9: 1-34).
إقامة الموتى
1. إقامة ابنة يايرس من على فراش الموت (مر5: 35-43).
2. إقامة ابن أرملة نايين وهم في طريقهم لدفنه (لو7: 11-17).
3. إقامة لعازر من القبر بعد دفنه بأربعة أيام (يو11: 1-44).
شفاء الأمراض المستعصية
1. شفاء نازفة الدم لمدة اثنتي عشر سنة (مر5: 25-34).
2. شفاء الأعمى (مر8: 22-26).
3. شفاء المفلوج (مر2: 3-12).
4. شفاء طريح بركة بيت حسدا (يو5: 1: 47).
5. شفاء حماة سمعان (مر1: 29-30).
6. شفاء صاحب اليد اليابسة (مر3: 1-6).
7. شفاء كل مَنْ فيه داء (مر3: 10).
8. شفاء الأبرص (مر1: 40-45).
9. شفاء الأصم الأعقد (مر7: 32-35).
إخراج الشياطين
1. إخراج شياطين كثيرة (مر1: 34)، (مر1: 39).
2. رجل به روح نجس في المَجمَع (مر1: 23-26).
3. سجود الأرواح النجسة له (مر5: 23-24)، (مر5: 6-7).
4. الإنسان الساكن في القبور (مر5: 2-13).
غفران الخطايا
هذه هي أهم صفة يوصف بها الله وحده..
فالله وحده الذي له حق مغفرة الخطايا.
1. المرأة التي أمسكت في ذات الفعل (يو8: 4).
2. المرأة السامرية (يو4: 7-15).
3. المفلوج (مر2: 5).
4. مغفرة خطايا صالبيه (لو23: 34).
فإذا أمكن لأي أحد من البشر أن يشفي المرضى ويقيم الموتى ويخرج الشياطين ويحول مادة إلى أخرى أو يكثر من الأطعمة... فهل أحدًا من البشر جميعًا يقدر أن يغفر خطية واحد لأي شخص؟!
إذًا فالسيد المسيح هو إلهًا كاملًا يتصف بكل صفات الله..
وإنسانًا كاملًا يتصف بكل صفات الإنسان.
السبب الثالث الواضح لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان:
(3) لكي نعرف الثالوث
* يوم معمودية السيد المسيح هو أول يوم يظهر فيه الثالوث بشكل واضح أمام الكل.. فالثالوث كائنًا منذ الأزل من قبل إنشاء العالم.. فمن بداية سفر التكوين أول أسفار الكتاب المقدس الذي حكى لنا قصة خلق الخليقة كلها.. "في البَدءِ خَلَقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ. وكانَتِ الأرضُ خَرِبَةً وخاليَةً، وعلَى وجهِ الغَمرِ ظُلمَةٌ، وروحُ اللهِ يَرِفُّ علَى وجهِ المياهِ" (تك1: 1-2).. سمعنا الله يتكلم بلغة الجمع قائلًا:
* "وقالَ اللهُ: "نَعمَلُ الإنسانَ علَى صورَتِنا كشَبَهِنا" (تك1: 26).. لاحظ هنا لغة الجمع: "نعمل"، "صورتنا"، "كشبهنا".
* "وقالَ الرَّبُّ الإلهُ: "هوذا الإنسانُ قد صارَ كواحِدٍ مِنَّا عارِفًا الخَيرَ والشَّرَّ" (تك3: 22).. وهنا أيضًا تظهر صيغة الجمع "كواحد منَّا".
فقبل ميلاد السيد المسيح من السيدة العذراء كان موجود هذا الثالوث (آب، وابن، وروح قدس).. فنحن نؤمن ونعرف أن السيد المسيح له ميلادان... الميلاد الأول من الآب قبل كل الدهور كما نقول في قانون الإيمان: "المولود من الآب قبل كل الدهور"، والميلاد الثاني من السيدة العذراء في ملء الزمان حينما أخذ جسدًا إنسانيًا منها وظهر لنا الإله المتجسد مولودًا من السيدة العذراء.
* أما نحن فلم نرى الثالوث القدوس مجتمعًا مع بعض واضحًا إلاَّ في وقت معمودية السيد المسيح.. لذلك نسمي هذا العيد "عيد الظهور الإلهي"، كما نسمع في cuna[arion سنكسار اليوم: (الآب في السماء يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"، والابن في نهر الأردن، والروح القدس مستقرًا عليه مثل حمامة).
* الله أراد أن يربط بين الثالوث القدوس والمعمودية.. فلكي نستطيع أن ندخل الإيمان لابد من المعمودية.. فالمعمودية هي "باب الأسرار".. ندخل الإيمان بالمعمودية ونعتمد على اسم الثالوث القدوس.
* فنقول إنه لا يستطيع أحد أن يفهم ما هو الثالوث إلاَّ حينما يعتمد على اسم الثالوث القدوس بالثلاث غطسات.. "ليس أحَدٌ يَقدِرُ أنْ يقولَ: "يَسوعُ رَبٌّ" إلاَّ بالرّوحِ القُدُسِ" (1كو12: 3).. ونحن نأخذ الروح القدس في المعمودية، ويسكن فينا من وقت المعمودية، ونصير هياكل لروح الله القدوس.. ولا يستطيع أحد أن يأخذ الروح القدس ويسكن فيه ويعمل فيه.. وينير في حياته إلاَّ من خلال إيمانه بالسيد المسيح والمعمودية.
نأخذ الروح القدس في المعمودية،
ويثبت فينا ويعمل فينا باستمرار..
ما دام كل منَّا يحافظ عليه داخله،
بالأعمال الصالحة والطهارة الجسدية.
* نحن نعتمد على اسم الثالوث القدوس بثلاث غطسات على اسم "الآب والابن والروح القدس"، ونُدفن مع السيد المسيح ثلاثة أيام كمثال الثلاث غطسات، ونخرج من المعمودية بإيمان ثالوثي على مثال الآب والابن والروح القدس.. وبذلك نستطيع أن نفهم ما هو معنى الثالوث القدوس.
وللحديث بقية..
لإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.