عجائب وطرائف فى ماسبيرو

[Mary Naeem]

عجائب وطرائف فى ماسبيرو






عماد الدين حسين



نشر فى : الإثنين 10 سبتمبر 2012 - 8:00 ص

قبل أيام ذهبت ضيفا لإحدى قنوات التليفزيون المصرى. جاءنى المخرج وسألنى سؤالا تقليديا عن التعريف او اللقب الذى أحب أن يقترن باسمى فى البرنامج، فأجبته بتلقائية: مدير تحرير جريدة «الشروق».

لكننى فوجئت به يصدمنى بقوله: لن نستطيع ذلك وسنكتفى بتعريفك أنك مدير تحرير إحدى الصحف.

فمى انفتح وعيونى بحلقت، وسألته بكل براءة: لماذا؟!.

فرد بكل اريحية، لأن ذكر اسم «الشروق» يعد إعلانا عن الجريدة، وأن القطاع الاقتصادى فى التليفزيون الذى أمره بذلك، ولو خالف هذه التعليمات ستخصم قيمة الإعلان منه.

ظللت هادئا وأنا أحاول إقناعه بأننى كنت ضيفا قبلها بليلة على قناة النيل وقبلها بثلاثة أيام فى «الفضائية»، وتم تعريفى بأننى مدير تحرير «الشروق»، فما الذى تغير؟!.

رد بأن التعليمات قديمة من القطاع الاقتصادى، وستطبق على كل الضيوف من الصحف غير الحكومية.

عند هذه اللحظة غلى الدم فى عروقى، شكرته على كوب الماء واستأذنت فى الانصراف.

منعنى من الخروج مستغربا من اصرارى، وعبثا حاولت إقناع المخرج والمذيعة وبقية الموجودين بأن ما يطلبونه هو شىء عبثى وأن احترامى لنفسى لا يسمح لى بقبول ذلك.

المخرج طلب منى مهلة للتفاوض مع مسئول آخر تليفونيا، ثم عاد وأساريره متهلهلة يزف لى البشرى أنه سيسمح بظهور وظيفتى على مسئوليته الخاصة.

قلت له: آسف هذا حقى، ثم اتصل بشخص آخر، وبعدها تمت تسوية الأمر.

أتأسف بشدة للقراء لأننى أقحهمهم فى مثل هذه التفاصيل الشخصية، لكن تقديرى أنها شديدة الارتباط بالمأساة الشاملة التى نعيشها.

مثل هذه العقلية هى سبب جزء كبير من مصائبنا، وأغلب الظن أن العبقرى صاحب نظرية أن ذكر اسم الصحف المستقلة يعتبر إعلانا ينتمى لنفس مدرسة تثبيت الكاميرا على كوبرى قصر النيل بينما قوات العادلى كانت تعيث فسادا فى ميدان التحرير.

الغريب أن نفس البرنامج بدأ بموجز أنباء كان الخبر الأول فيه نقلا عن جريدة «الشروق»، وعندما طلبت من المخرج تفسيرا صمت.

كان الله فى عون وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود وهو يحلم بتطوير هذا التليفزيون المصرى.

هذا المبنى لا يحتاج إصلاحا، يحتاج نسفا وبداية من جديد على «مية بيضة»، إذا كنا جادين فعلا فى التحرك إلى الأمام.

أعلم تماما أن الإصلاح الجذرى مستحيل الآن فى هذا المبنى، لأنه إذا كانت الدولة عاجزة عن التعامل مع إضراب عمال مصنع لا يزيدون على مائة، فكيف تتعامل مع اكثر من 45 ألف موظف فى هذا القطاع، سبعون فى المائة منهم على الأقل عمالة زائدة وغير مؤهلة؟

أعرف زملاء وأصدقاء كثيرين على أعلى درجة من الخبرة والمهنية وهم نجوم فى فضائيات خاصة وعربية، لكنهم مجرد أفراد فى «سيستم متكلس»، بل ويشعرون بالإحباط بسبب هذا المناخ الذى لا يستثمر إمكاناتهم وطموحاتهم.

مأساة ماسبيرو ربما كانت تلخص مأساة مصر.. هذا المبنى المترهل هو صورة مصغرة لهذا الوطن.

الآن لدينا رئيس منتخب بسلطات لا يحلم بها أوباما، ولدينا وزير إعلام صحفى يتمنى أن يكون آخر وزير للإعلام.

أمام الرئيس مرسى والوزير عبدالمقصود أكثر من سيناريو، الأول أن يفعلا مثلما كان يفعل الحزب الوطنى وأن يحولا ماسبيرو لمدفعية ثقيلة تهلل للرئيس وحكمته وتواصل تخدير البسطاء، والحل الثانى أن ينفذا ما كانا يقولانه عندما كانا فى المعارضة وأن يعيدا بناء المبنى على أسس مهنية ليصبح جهازا لكل الوطن.

وما بين هذين الحلين هناك العشرات من الحلول الوسطية أو التلفيقية، التى لا تغضب أحدا، لكنها لا تغير من هذا الواقع المأساوى شيئا.


الشروق