- قراءة في حياة الأنبا بيصاريون
الراهب القمص بطرس البراموسي
سمعنا كثيرًا وقرأنا أكثر في كتب الآباء عن تعريف الآباء الرهبان أنهم "[شر سمائيين أو ملائكة أرضيين"، ومع ذلك يصعب علينا هذا الفهم أو نأخذه كمجرد تشبيه أو استعارة مكنية عن الحياة التي يحياها الآباء الرهبان، ولكن على أرض الواقع نراه لونًا من المُغالاة في التشبيه(1). ولكن حينما ندخل إلى العمق في حياة الآباء نجد منهم مَنْ وصل إلى هذا التشبيه بالفِعل وليس بالكلمات البرَّاقة فقط..
نجد في حياة القديس بيصاريون تلميذ الأنبا أنطونيوس والأنبا مقار ما يشبه ذلك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وإليك ما ذُكِرَ عنه:
* قال أبا دولاس تلميذ الأب بيصاريون: "يومًا ما كنا سائرين بجوار البحر وكنت عطشانًا، فقلت للأنبا بيصاريون "إنني عطشان جدًا يا أبي"، فتلا صلاة وقال لي: "اشرب من ماء البحر"، فلما شربت منه وجدته ماءً عذبًا، حتى أنني احتجزت بعضًا منه في زق (قربة) خوفًا من العطش مرة أخرى. فلما رأي الشيخ سألني عن سبب ذلك، فقلت له: "اغفر لي فإن ذلك خوفًا من العطش مرة أخرى"، فقال الشيخ: "الله موجود هنا وفي كل مكان".
* وفي مرة أخرى -كما يقول أبا دولاس أيضًا- حدث أن الأنبا بيصاريون صلى ثم عبر نهر بقدميه، ثم استأنف سيره، فاندهشت جدًا وطلبت عفوه قائلًا: "ما الذي شعرت به بقدميك وأنت تتمشى على الماء"؟ فأجاب: "شعرت بالماء حتى عقبي رجلي فقط، أما بقية رجلي فكانت جافة".
* وذكر أيضًا أبا دولاس عنه أنه في يوم آخر بينما كنا ذاهبين لزيارة شيخ غربت الشمس، فصلى الأب بيصاريون قائلًا: "أسألك يا رب أن تقف الشمس حتى نصل إلى عبدك"، وهذا ما حدث بالفعل".
أليس هذا الموقف يُذَكِّرنا أيها الأحباء بما حدث أيام يشوع بن نون أثناء الحرب مع الأموريين وإيقاف الشمس بالفعل: "حِينَئِذٍ كَلَّمَ يَشُوعُ الرَّبَّ، يَوْمَ أَسْلَمَ الرَّبُّ الأَمُورِيِّينَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ أَمَامَ عُيُونِ إِسْرَائِيلَ: «يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ، وَيَا قَمَرُ عَلَى وَادِي أَيَّلُونَ». فَدَامَتِ الشَّمْسُ وَوَقَفَ الْقَمَرُ حَتَّى انْتَقَمَ الشَّعْبُ مِنْ أَعْدَائِهِ" (يش 10: 12، 13).
* وعن اتضاع هذا القديس قبل أن أخًا قد أخطأ فطرده الكاهن من الكنيسة، فقام الأب بيصاريون وخرج معه قائلًا: "وأنا أيضًا خاطئ"، وفي مرجع آخر قال: "إن كنا قد حكمنا على هذا الإنسان الذي ارتكب خطية واحدة فقط، لا يليق أن نعبد الله، فكم بالحري أكون أنا الذي ارتكبت خطايا عديدة".
* وقال أبا دولاس عنه أيضًا: عندما ذهبت إلى قلايته يومًا ما وجدته واقفًا يصلي ويداه مرفوعتان نحو السماء، وكان قد بقي على هذا الحال مدة أربعة عشر يومًا. ثم دعاني وطلب مني أن أتبعه، فمشينا في البرية، ثم قلت له: أنا عطشان يا أبي، فأخذ قربتي ومشى نحو رمية حجر وصلى وأتى بها مليئة بالماء"..
ففي الحقيقة عندما أقرأ هذا الذي أسطره لك أيها الحبيب أتعجب وأقول هل هذا هو يشوع صاحب وقوف السماء، أم موسى رئيس الأنبياء الذي ضرب الصخرة وأخرجت ماء ليسقي الشعبـ أم إيليا الذي أعالته الغِربان وقت القحط والمجاعة..؟! أم هو ملاك الله على الأرض كما نقول ملائكة أرضيين أم بشر سمائيين..
ويستكمل الحديث ويقول: ثم مشينا وبلغنا إلى مغارة، ولما دخلناها وجدنا أخًا جالِسًا وهو يجدل حبلًا ولم يرفع عينيه نحونا ولا حيَّانا حيث لم يرد أن يتحدَّث معنا. فقال لي الشيخ: هلم نذهب، فلا شك أنه غير متأكد أنه كان يجب أن يتكلَّم معنا. واستأنفنا سيرنا نحو أسيوط حتى وصلنا إلى قلاية الأب يوحنا الأسيوطي، ثم بعد أن سلَّمنا عليه صلّينا، ثم جلس الشيخ ليتكلم عن الرؤية التي رآها.. وقال الأب بيصاريون أنه علم أن الهياكل الوثنية سَتُهْدَم. وأثناء رجوعنا وصلنا مرة أخرى إلى المغارة التي رأينا فيها الأخ، فقال لي الشيخ: هلم ندخل لنراه، فربما يكون الله قد أوحى إليه أن يتكلم معنا، ولما دخلنا وجدناه ميتًا. فقال لي الشيخ: هلم يا أخ نحمل جسده، فإن الله لهذا السبب أرسلنا إلى هنا. ولما أخذنا الجسد لندفنه أدركنا انه جسد امرأة، فاندهشنا جدًا. فقال الشيخ: "انظر كيف أن المرأة تنتصر على الشيطان، في حين أننا لا زال سلوكنا رديئًا"..
تخيلوا أيها الأحباء ماذا يقول الأنبا بيصاريون عن نفسه: "سلوكنا رديء"! فإذا كان هذا الذي أوقف الشمس، وظل أربعة عشر يومًا واقفًا للصلاة، وملأ قربة الماء بمجرد صلاته، وغير ذلك الكثير.. يقول سلوكه أنه رديء، فماذا نقول نحن الآن؟!!
_____