رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراهب القمص بطرس البراموسي
قراءة في حياة الأنبا أنطونيوس الكبير منارة الرهبنة صار الشاب أنطونيوس صاحب الآذان الصاغية والقلب المُهيَّأ لإنبات بِذرة الملكوت أو مَنْ بدأ الوحدة الرهبانية والسُّكنى في الجبال، راعيًا فئة الشباب التي سمعت عن سيرته وسلكت مسلكه، تارِكةً كل ما يملكون من مُقتنيات أرضية لكي يغتنوا بالكنز السماوي الذي لا يفسده سوس، ولا يسرقه سارِق.. خرج الأنبا أنطونيوس وهو يشعر بصوت الله على لِسان الأميرة التي نزلت إلى النهر لتستحِم هي وجواريها في مقولتها الشهيرة: "هذا المكان لا يصلُح لِسُكنى الرهبان، إن كنت راهبًا فادخل البرية الجوَّانية"". فسمع الصوت الذي يدعوه إلى البرية الجوانية، حيث العريس يسكن في الهدوء والجِبال والقفار، بعيدًا عن صخب الحياة وضوضائها ومشغولياتها وحروبها الكثيرة، وشرود الفِكر والحواس والتشتيت الدائِم بصخب الحياة.. ذهب من بلدته "بني سويف" إلى داخل صحراء البحر الأحمر، إلى جبل العربة حيث البرية القاحلة التي نراها حتى الآن.. وإذا كانت هي الآن هكذا، فكيف كانت في القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الميلادي.. تمتَّع الأنبا أنطونيوس بالذهن النقي، والرؤية الروحية العميقة، والشيخوخة الحسنة والقلب المتسع، وطهارة الجسد والروح، وصموده باتضاع أمام حروب الشياطين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. واقفًا أمامهم ليخزيهم بكلماته القليلة المُلتهبة بنار الروح القدس الذي كان يسكن فيه ويشعل قلبه قائلًا: "عجبي لتجمهركم، على ضعفي وتظاهركم، أنا أضعف من أصغركم". فكانت الشياطين المرعبة بشكلها الأسود والتي تتخِذ شكل الفهود والأسود الضارية تنحَل كالدخان وتهرب منه ومن اتضاعه الكامل. فكان مخيفًا لهم، لا يحتملون ذِكر اسمه أو رؤيته. وكذلك نجده يكتب لنا في عِظة من عِظاته موضحًا أنه لا يوجد مبرر للخوف من إغراءات الشيطان، ويقول: "الشياطين إذا رأت كل المسيحيين ولاسيَّما الرهبان، مجاهدين بابتهاج ومتقدمين، يهاجموننا أولًا بالتجربة، ويضعون الأفكار الشريرة أمامنا كمعوقات ليعرقلوا طريقنا.. ولكن لا مبرر لنا للخوف من إغراءاتهم، لأنه بالصلاة والصوم والإيمان بالرب تفشل هجماتهم في الحال. وحتى عندما تفشل، فإنهم لا يكفون بل يكررون هجماتهم بمكر وخبث، لأنهم إذا عجزوا عن أن يخدعوا القلب بطريقة مكشوفة بالملذات الدنيئة، فهم يقتربون منّا بصورة مختلفة، ثم من ذلك الحين فصاعدًا يشكلون استعراضات يحاولون بها أن يثيروا الفزع، مغيرين أشكالهم، متخذين هيئة نساء أو وحوش أو زحَّافات أو أجساد ضخمة أو فِرَق من الجنود. ولكن حتى هذه لا مبرر لكم أن تخافوا من مظاهرها الخدَّاعة لأنها كلها لا شيء وتختفي بسرعة، ولاسيَّما إذا سبق الإنسان أن حصَّن نفسه بالإيمان وعلامة الصليب. ومع ذلك فإنهم جسورون ولا يستحون قط، لأنهم إذا غُلِبُوا على أمرهم ينقضون علينا بطريقة أخرى، ويتظاهرون بالتنبؤ ويخبرون بالمستقبل، وهم يستعرِضون أنفسهم بصورة بطول يصل إلى السقف، وبعرض ممتلئ (سمين) لكي بمثل هذه المظاهر يستولون خِلسة على الذين لم يتمكنوا من أن يخدعوهم بالمناقشة، وفي هذه الحالة أيضًا إذا وجدوا أن النفس متقوية بالإيمان وثبات العزيمة، يأتون بزعيمهم لمساعدتهم".. ولذلك أحث المؤمنين جميعًا وليس الرهبان فقط من أن نحذر كل الحذر من حِيَل إبليس ومكره ودهائه، قائلًا: "لنجاهد حتى لا يتسلَّط علينا الغضب أو تغلبنا الشهوة، لأنه مكتوبٌ: "أَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ" (يع 1: 20)، لأننا نصارع ضد إبليس وجنوده كقول معلمنا بولس الرسول: "إِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أف 6: 12). ولذلك يجب علينا الحِرص الدائم تجاه حيل الشياطين التي لا تهدأ إلا بإسقاط الإنسان في المُخالفة للوصية، زاعمين أنهم أقوى، ولكن الإنسان يكون أقوى مادام متسلِّحًا بقوة السيد المسيح القادِرة أن تهدم حصون الشيطان وكل أعوانه وكل جنوده الرديئة.. ليحفظنا الرب منهم كل أيام حياتنا. |
07 - 11 - 2021, 11:09 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: قراءة في حياة الأنبا أنطونيوس الكبير منارة الرهبنة
في حياة آباء الرهبنة الأنبا أنطونيوس الكبير وحِرصهُ على الإيمان ذُكِرَ عن القديس الأنبا أنطونيوس في أواخر أيام رحلته على الأرض، وبعد نياحة الأنبا باخوميوس، ذهب إليه أولاد الأنبا باخوميوس ليعزيهم عن أبيهم لِكِبَر سنّه وحِكمته وحِنكته الرهبانية، فتقابَل معهم مستقبلًا إيّاهم بالبشاشة والترحاب، وعزَّاهم بكلمات إنجيلية ووصايا رهبانية، في حين أنه لِكِبَر سنه كان لا يستقبِل أحدًا، ولا يقوم منتصبًا لأحد. ودار هذا الحديث بينه وبين رهبانه لما تكلم مع أولاد أنبا باخوميوس ومدح السيرة المقدسة التي للشركة وكثرة فضائلها، وكانت عنده جموع كثيرة في ذلك ا لوقت، وكهنة عظماء كانوا قد جاءوا إليه لكي يسألوه ويتبارَكوا منه، على أنهم (رهبان) قد تقمقموا، أي تذمروا في قلوبهم بسبب تمجيده للأخوة الذين هم تحت الخضوع في حياة الشركة. فقال لهم: "هل غضبتم بالحق في قلوبكم لأنني أكرمتُ صبر الإخوة وعبادتهم لله؟" فقالوا: "لم يكن ضيقنا باطلًا، ولكننا غضبنا في قلوبنا لأنه منذ زمانٍ طويل منذ أن ضعفتَ بالجسد، فإنّ كل مَنْ يأتي إليك ويسأل عنك من أسقف أو كاهن أو جندي أو مقدَّم أو أي رئيس لا تقف وتقبِّل أحدًا منهم بسبب ثقل مرضك، بل إنهم هم ينبسطون عليك ويقبِّلون رأسك وفمك وصدرك بشكر. ولما أخبروك عن الإخوة الذين من دوناسة في تلك الساعة قمتَ وتركتنا جالسين ومشيتَ أمامهم بفرحٍ عظيمٍ وقبّلتهم بفرحٍ وتهلّل قلبك من أجلهم". فقال لهم الطوباوي أنبا أنطونيوس: "أنا أطيِّب قلوبكم بخصوص هذا الأمر وأخبركم بكل ما صار إليَّ من الله بالحق. فالرب يعلم أنني لستُ من أجل الإخوة قمتُ وخرجتُ أمامهم وقبَّلتهم لأنهم مكرَّمون عندي أكثر منكم، كلاّ الرب يعلم، بل إنّ ملاك الرب سبق أن دخل إليَّ قدامكم وقال لي: ’هوذا أولاد أنبا باخوم الذي من دوناسة قد جاءوا إليك، فقُم الآن واخرج أمامهم‘. وفيما كان الملاك يتكلم معي جاء إليَّ خبر مجيئهم، وحينئذٍ حلَّت عليَّ قوة الرب، فقمتُ وخرجتُ وقبلتهم إليَّ بفرحٍ كما أمرني ملاك الرب. نعم طوباهم إذا ما صنعوا وأكملوا كل الوصايا والقوانين التي وضعها رجل الله الصدِّيق أنبا باخوم“. فأجابه الإخوة الجالسون عنده قائلين: ”إن كان هؤلاء الإخوة الذين لتلك الشركة مستحقين للكرامة والمجد الذي مجّدتَهم به فكيف أنه عندما نجتاز بأديرتهم يُتعبوننا إذ يستقصون منا إن كنا من أتباع "ماني" الهرطوقي(1) في إيماننا، ونتعب في كلامنا معهم بأننا من أصحاب الأب أنطونيوس ولا يصدِّقوننا بل يقولون: ’إنّ كثيرين يجيئون إلى هنا ويقولون ذلك فنقبلهم إلينا كوصية الإنجيل، وبعد أن يرحلوا نتقصَّى عنهم فنجدهم مانيين (أي من أتباع ماني المهرطق)‘. فأجاب عليهم أنبا أنطونيوس قائلاً: ”أيها الساذجون الذين ليس عندهم تمييز الكتب وتقبلون إليكم كل واحدٍ بدون اختبار، هل تريدون أنّ إخوة الشركة المقدسة يكونون بلا فحصٍ للذين لا يعرفونهم في إيمانهم؟ أمّا هم فلأنهم متحفِّظون في كل شيء لأنهم يذكرون الكلمة المكتوبة في الإنجيل المقدس التي قالها لنا الرب: »اِحذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم« (مت7: 15، 16)، وأيضًا: »امتحنوا كل شيء، تمسّكوا بالحسن« (1تس5: 21). فقد توجد محبة ترون أنها جيدةٌ ولكن آخرتها تبلغ إلى عمق الجحيم“. فطابت قلوب الإخوة والكهنة جميعًا من التعليم الذي قاله لهم القديس أنطونيوس عن الشركة التي لأبينا القديس أنبا باخوم.. وإنني هنا أتعجب كل العجب عن الفارِق في الحِرص الشديد الذي كان يحيا به أولاد الأنبا باخوميوس أب الشركة، والذي أوصى به الأنبا أنطونيوس تلاميذه، وما نراه اليوم أن الأفكار الجديدة التي تقلق الكنيسة وتبلبل البسطاء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وتُحْدِث شقًّا بين صفوف المؤمنين تخرج من داخل أديرتنا العريقة، وتصدر إلى المجتمع الكنسي على أنها استنارة روحية جديدة، وفهم سامي لحقائق الإيمان الأرثوذكسي الذي لم يفهمه مَنْ كانوا قبلنا!!! _____ |
||||
08 - 11 - 2021, 09:22 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: قراءة في حياة الأنبا أنطونيوس الكبير منارة الرهبنة
شفاعته تكون معنا ربنا يبارك حياتك |
||||
08 - 11 - 2021, 06:53 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: قراءة في حياة الأنبا أنطونيوس الكبير منارة الرهبنة
بركة صلاته تفرح قلبك
|
||||
07 - 01 - 2022, 05:41 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: قراءة في حياة الأنبا أنطونيوس الكبير منارة الرهبنة
شكرا جدا الرب يباركك |
||||
|