مركز العلمانيين في الكنيسة:
1. ليس من آباء الكنيسة الأولين والمحدثين من سجل لنا عن رهبة سر الكهنوت وبهاء عمله السرائري وخطورته مثل القديس يوحنا، حتى رفع الكاهن إلى ما فوق الملائكة، وطالبه أن يكون أكثر بهاءًا من الشمس...
لقد عرف سلطان الكهنوت حتى قال(152):
"الملك له وظيفة إدارة الأمور الزمنية، أما السلطة الكهنوتية فمستمدة من فوق... ليس مسموحًا لك أيها الملك أن تقدم بخورًا في قدس الأقداس، وألا تكون قد تعديت حدود سلطانك، وتطلب ما لم يعط لك. هذا ليس لك إنما هو لي!".
بقدر إيمانه بسلطان الكهنوت آمن أيضًا بمركز العلمانيين بكونهم "كهنة علمانيين"، مميزًا بين "الكهنوت كسر" وبين "الكهنوت العلماني - Laymen Priesthood"... فالمؤمن إذ يدخل المعمودية يصير كاهنًا علمانيًا يقدر -في المسيح يسوع- أن يقدم ذبيحة صلاة وصدقة وصوم وبذل... إذ يقول(153):
"في جرن المعمودية صرت ملكًا وكاهنًا ونبيًا.
أنت ملك، تحطم على الأرض كل أعمال الشر وتذبح خطاياك.
أنت كاهن تقدم لله ذاتك تقدمة: تقدم جسدك وذاتك ذبيحة لله، قائلًا(154). إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه.
أنت نبي تعلم ما ستكون عليه، إذ أوحى لنا من قبل الله...".
يعلق(155) أيضًا على قول الرسول بولس(156): أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية، قائلًا:
"كما أن الذي يخدم في بيت الله ويقوم بالتقديس -أيًا كانت رتبته- يجمع نفسه(157) ويصير أكثر بهاءًا(158)، هكذا يليق بنا أن نضع في أذهاننا أن نكون كذلك كل أيام حياتنا بكمالها بكونها خدمة وتقديسًا...
هذا ما تحققه بتقديم نفسك ذبيحة له كل يوم، فتصير كاهنًا لجسدك لصالح نفسك، مقدمًا على سبيل المثال تعقلًا وصدقة وصلاحًا واحتمالًا... أي تقدم "عبادة عقلية"!
لقد أظهر (الرسول) إن كل إنسان كاهن لجسده".
2. كشف أيضًا القديس عن مركز العلماني في العبادة الليتورجية فأن العبادة هي عمل الكنيسة كلها، ليست عمل الكاهن وحده ولا العلماني وحده، يشترك العلماني في العبادة لا كمتفرج ولا كمستمع لكنه كمشترك حقيقي، بدون لا يقوم العمل الليتورجي.
لقد سبق لي معالجة هذا الفكر الكنسي الأرثوذكسي عند الحديث عن الإفخارستيا، كذبيحة الكنيسة كلها وعمل تعبدي للجميع كأعضاء في جسد المسيح(159)... وهذا أيضًا ما أكده القديس في أكثر من موضع، نذكر منه(160):
توجد ظروف لا يكون فيها تفريق بين الكاهن ومن يسودهم. مثال ذلك عندما نتناول الأسرار المرهبة، فأننا جميعًا نتساوى في التأهل لها فالأمر ليس كما في العهد القديم حيث يأكل الكاهن أشياء والذين تحته أشياء أخرى، إذ لم يكن يحق للشعب أن يشارك الكاهن أشياء الخاصة به. أما الآن فالأمر غير ذلك، إذ هو جسد واحد وكأس واحدة أمام الجميع...
الصلوات أيضًا مشتركة بين الكاهن والشعب...
تقدمة الشكر أيضًا مشتركة بينهما، فلا يقدمها الكاهن وحده بل ومعه كل الشعب. يبدأ بالشكر عندما يتقبل أصواتهم معلنين قبولهم، قائلين "مستحق وحق (عادل)"...
لماذا تتعجبون...؟ فأن الجميع يشتركون مع الشاروبيم أنفسهم والقوات السمائية، مقدمين التسابيح المقدسة في شركة معًا.
قلت هذا، لكي يكون كل علماني متيقظًا، مدركًا أننا جميعًا جسدًا واحدًا، أما الاختلافات بيننا فهي اختلاف أعضاء قبالة أخرى. بهذا لا نلقي بالعبء كله على الكهنة، إنما نشترك أيضًا معهم في الاهتمام بكل الكنيسة، بكونها جسدًا واحدًا عامًا للجميع، فأن هذا يسند سلامنا العظيم ونمونا المتزايد في كل فضيلة".
3. لا يقف عمل العلماني عند الشركة مع الكاهن في العمل التعبدي إنما أيضًا في التدبير مثل اختيار الكهنة والشمامسة إلخ...
يقول القديس يوحنا أنه لا يليق بالكهنة أن يعتدوا برأيهم ويملأوا كبرياء، فأنه أفضل للكنيسة أن يتشاور الكاهن مع أصحاب الرأي من العلمانيين، مقدمًا لنا الرسل أنفسهم مثالًا، إذ "غالبًا ما كانوا يضمون معهم العلمانيين ليشتركوا معهم في قراراتهم، فعند رسامتهم السبعة(161) (شمامسة) اجتمعوا أولًا مع الشعب. وعند رسامة متياس(162) كان الكل حاضرًا: الرجال والنساء(163)...".
4. العلمانيون يسندون الكهنة بالصلاة، فقد رأيناه يطالبهم بالصلاة من أجله ومن أجل الكرازة...
هذا ما تعلمه إيانا الكنيسة في ليتورجياتها "إذ في أكثر الأسرار رهبة يصلي الكاهن من أجل الشعب، ويصلي الشعب من أجل الكاهن أيضًا(164)".
حدثهم أيضًا عن قوة صلاة الشعب في خدمة الرسل أنفسهم، قائلًا(165).
وبالتأكيد صلوات الكنيسة حلت بطرس من قيوده، وفتحت فم بولس (للكرازة)، أصواتهم سندت -ليس بقليل- الذين نالوا سلطانًا روحيًا.
5. العلمانيون كأصدقاء أقدر على الخدمة الفردية:
هذا ما لمسه القديس يوحنا الذهبي الفم في خبرته العملية، أن العلمانيين خلال الصداقة أقدر من الكاهن على الخدمة الروحية الفردية، وله في ذلك أقوال رائعة، منها.
[لا تلقوا كل العبء على معلميكم، لا تلقوه بأكمله على من يقودكم...
إن أردتم تستطيعون أن تعملوا فيما بينكم أكثر منا. فإن لديكم فرصًا أكثر للالتقاء معًا وتعرفون ظروف بعضكم أكثر منا، ولا تجهلون سقطات بعضكم بعضًا، لديكم أيضًا حرية أعظم في الحديث والحب والمودة، هذه الأمور ليست بقليلةٍ في التعليم...