18 - 09 - 2021, 01:00 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
القديسة الشهيدة أجنس
Saint Agnes of Rome
ولدت القديسة أجنس في روما من أبوين مسيحيين تقيين من أشراف المدينة. واهتما بتربيتها في مخافة الرب حسب المبادئ المسيحية ووصايا الكتاب، وكان ذلك له أثر بالغ علي نضجها الروحي المبكر، فكانت تأملاتها الكثيرة في آلام الرب وجراحاته تملأ روحها خشوعا وفرحا، فانعكس ذلك علي كل حياتها وسلوكها. لقد أحبت أجنس أن تكون هيكلا مقدسا لمخلصها، والتهب قلبها بهذا الاشتياق المبارك، فنذرت بتوليتها وكرست حياتها لعريسها السماوي وهى لا تزال في سن العاشرة، وأعطاها الرب نعمة، فصارت قدوة ومثالا وجذبت نفوسا كثيرة من بنات جنسها إلى الإيمان الحقيقي.
وما أن بلغت أجنس سن الثانية عشر أو الثالثة عشر حتى ثار عدو الخير مكثفا جهده ضدها لعرقله مسيرتها الطاهرة، واستغل جمالها الجسدي ليفقدها جمالها الروحي. ولتنفيذ خطته هذه، أثار في قلب الفارس الشاب بروكوبيوس ابن سيمفرونيوس حاكم روما، حبا شديداً تجاه الفتاه أجنس وعقد العزم علي الزواج بها.
وافق والداه علي ذلك، وطلبا يد أجنس من والديها، ولما تأخر ردهما، نفذ صبر الشاب وانتهز فرصة رؤيتها في الطريق، عند عودتها من المدرسة في صحبة مربيتها، وحاول أن يظهر لها عواطفه، معتقدا أن ذلك أقصر الطرق للوصول إلى غايته. ولكن أجنس العفيفة أجابت: "لن أتخلى عن عريسي الذى سبق واختارني وارتبطت به، ولا تحيا روحى إلا بمحبته. فهو يتميز بصفات كثيرة ولا مثيل له وهو وحده يستحق كل الحب. فهو أبرع جمالا من بنى البشر، حكيم، غنى، شريف، حنون، رؤوف، عظيم. وظلت أجنس تزيد من إظهار مشاعرها نحو عريسها السماوي ، رافضه قبول الهدايا التي قدمها لها.
وبعد سماع بروكوبيوس هذه الكلمات، اعتقد أنها مولعة بحب أحد الأشراف العظماء غيره، وإنها تسكر بحبه متحيزة له وتدعوه إلهها، ومعبودها. حينئذ مرض بركوبيوس من فرط تعلقه بالفتاة أجنس ولزم الفراش، وعندما علم والده سيمفرونيوس سبب مرض ابنه، استدعى الفتاه وقال لها: "إنى استدعيتك لأخبرك بما يسرك لقد اخترتك لتكوني عروسا لأبنى الذى يعتبر أفضل زوج يمكن أن تتمناه أي فتاه. وبعد أن لاطفها كثيرا واعدا إياها بوعود ثمينة، باذلا كل جهده في إقناعها بالزواج من ابنه، أجابته أجنس بثبات قائلة: "إني لن أغير أبداً عريسي السماوي الذى سبق أن اخترته، حتى لو وضعت أمامي كل ممتلكات العالم". أما الحاكم سيمفرونيوس، فلم يفهم ما تعنيه أجنس وأراد أن يعرف من هو هذا الشخص الذى تدعوه عريسها السماوي، والذى له كل هذا الحب العظيم وتفضله علي ابنه.
حينئذ أخبره أحد الحاضرين قائلاً: "أن هذه الفتاة مسيحية وقد تغذت بحب إلهها منذ المهد، فتأكد يا سيدي الحاكم أن هذا العريس الذى تتحدث عنه أجنس هو إله النصارى ولا أحد غيره". سر الحاكم إذ وجد سبباً يستطيع أن ينتقم به من الفتاة ويعرضها لأبشع العذابات، إذ كان لا يمكنه أن يعاقبها من قبل لمجرد رفضها الزواج من ابنه.
حينئذ توجه إليها الحاكم سيمفرونيوس محاولا مرة أخرى ملاطفتها لقبول الزواج من أبنه ولكنها رفضت. فأمر الحاكم بأن تقيد الفتاة أجنس بالأغلال الحديدية وتقاد إلى الهيكل للأصنام لتسجد لها، وأطاع الجندي الأمر، وأحضر أصغر قيد عنده، ووضعه في معصمها ولكن القيد الحديدي انزلق من يديها الصغيرتين وسقط علي الأرض عند قدميها.حينئذ قال الجندي: "إنه أصغر قيد لدينا يا سيدي الحاكم، كان من الواجب أن نحضر لها غوايش ذهبيه". فانتهره الحاكم ثم اتجه نحو الفتاة قائلا: "أجنس إني أشفق علي شبابك النضير والتمس لك العذر لتعلقك بالأوهام الباطلة، نظراً لصغر سنك وطيش عقلك، فكرى قليلاً، وقدمي ذبيحة للآلهة وأطيعي أمر قيصر، فإما أن تتزوجي، أو أن أرادت أن تظلي عذراء، فلتضحى للآلهة فيستا وتخدميها طول حياتك كما تفعل الفتيات الرومانيات"
أجابت الفتاة والابتسامة لا تفارق شفتيها: "لا جدوى يا سيدي من محاولة إغرائي ولا فائدة من تهديدي". حينئذ ربطها الجند بسلاسل وسحبوها إلى هيكل الأصنام لتسجد لها كأمر الحاكم. أما هي، فرسمت ذاتها بعلامة الصليب، ولم تنظر نحو الأوثان بل رفعت وجهها إلى أعلى وضمت يديها علي صدرها في صورة صليب وناجت الله قائلة: "أيها الإله الكلي القداسة، ربي وإلهي يسوع المسيح، افتح باب تحننك وأدع إليك عروسك، لأكون ذبيحة مقبولة أمامك، أولا بتاج البتولية والعفة وثانيا بدم الاستشهاد".
احتد الحاكم غيظا إذ باءت كل محاولاته بالفشل ولم يفلح في إخضاعها، فقال لها: "اعلمي أيتها الشقية، إنك ستنالين العقاب الذى يستوجبه عصيانك". ثم أصدر أمراً بإرسال أجنس إلي بيت للأشرار معتقدا بذلك بأنه سيفقدها أثمن ما تعتز به وهو بتوليتها. حينئذ قالت له أجنس: "إعلم أيها الحاكم أنه لا يوجد شئ في العالم يقدر أن يفصلني عن محبتي لعريسي السماوي الذى ارتبطت به، فلن أخضع أبداً لعبادة حجارة صماء لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم. وإذ القيتني في بيت الأشرار، لتفقدني نقاوتي وعفتي، فاعلم إني لا أخاف لأن معي ملاك يحفظني من كل سوء، فهو أحد خدام عريسي الذين لا يحصي عددهم، فملاكي هذا يدافع عني. وربي يسوع المسيح الذى تجهله أنت يسيج حولي من كل ناحية، كسور منيع لا يقهر."
حينئذ استشاط الحاكم غضبا، وأمر أن تجرد الفتاة أجنس من ثيابها، وتزف عارية في شوارع المدينة حتى يصلوا بها إلى بيت الأشرار وأن يبوق البوق وينادى أمامها: "ها هي أجنس التي حكم عليها حاكم روما بإلقائها في بيت الأشرار لأنها لعنت الآلهة". شرع الجند يعرونها من ثيابها ولكن في الحال طال شعرها وصار كثيفا جدا بصورة معجزيه وغطى كل جسدها وتعجب الكل من ذلك. وعندما زج بالفتاة في بيت الأشرار، أضاء المكان بنور ساطع جدا ورأت أجنس ملاكا واقفا بجوارها، كما وجدت ثوبا جميلا جدا أكثر بياضا من الثلج، فارتدته وتعزت أجنس إذ غمرت بمحبة عريسها وفاديها واستغرقت في صلاة عميقة تشكر إلهها صانع العجائب الذى يحميها. أما بعض الأشرار ممن أتوا لارتكاب الشر، فقد ارتعبوا وخرجوا مذعورين في الحال، إذ رأوا النور ساطعا في المكان، فلم يجسروا أن يتقدموا أو يدنوا منها فما من شاب دنس اقترب من الحجرة، إلا وتراجع مذهولا مما رآه، وخرج مؤمنا بإله أجنس وتغيرت حياته وندم عن شره، وأحب العفة والطهارة.
أما بروكوبيوس ابن الحاكم الذى كان يود أن يتزوجها والذى كان سببا في كل ما أثير ضدها فقد تجاسر ودخل ذلك البيت مقتحما الحجرة ليفتك بأجنس العفيفة غير مكترث بالنور العجيب الذى يملأ المكان، وأسرع ليقترب منها. ولكن ملاك الرب ضربه ولم يمهله، فسقط ميتاً وطريحا عند أقدام الفتاة النقية الطاهرة أجنس التى سترها الله بيمينه. ولما طال انتظار رفقاء بروكوبيوس بالخارج، دخلوا الحجرة فوجدوه جثة هامدة مطروحة علي الأرض فانزعجوا وفروا هاربين صارخين وهم يقولون: " تعالوا يا رجال روما، هلموا وانظروا لقد قتلت أجنس الجنية، الساحرة، الشاب بروكوبيوس ابن الحاكم".
انتشر هذا الخبر سريعا في كل أنحاء المدينة ووصل إلى مسامع سيمفرونيوس والد الشاب فأسرع في الحال وتوجة إلى أجنس وهو في حالة من السخط والغضب، فعنفها ملقبا إياها، جنية خرجت من الجحيم، ساحرة، مشعوذة، ولدت لإهلاك حياتها. ثم سألها قائلا: "لماذا قتلت ابني أعز ما لي وأغلي من حياتي؟! آي إهانات تستوجيبنها علي ارتكابك لمثل هذه الجريمة؟!" لم تهتز أجنس لهذه التهديدات بل أجابت في هدوء: "لم أكن السبب في موت ابنك بل جسارته هي السبب الوحيد لموته، فكثيرون من الشباب دخلوا قبله إلى هنا وخرجوا سالمين إذ أعطوا الملك السماوي المجد اللائق به عندما رأوا نوره يملأ المكان، فقد أيقنوا أن إلهي قد كساني عندما جردت من ثيابي، وحماني من إهانات مضطهدي عندما تركت بمفردي، وحفظ بتوليتى التى كرستها له منذ طفولتي، أما ابنك فإنه بدافع الغضب والسخط والشر اقتحم الحجرة مزدريا بإلهي وبعمله الظاهر أمام الجميع، لذا ضربه الملاك الذى أرسله إلهي لحمايتي فسقط ميتا "
حينئذ بدأ سيمفرونيوس يتذلل لها طالبا منها أن ترد الحياة إلى ابنه حتى يعرف الجميع إنها لم تميته بفنونها السحرية. أجابت أجنس: "إن ظلمة عينيك وقلبك لا يستحقان مثل هذا الصنيع، ولكن من أجل أن يتمجد اسم إلهي ويعلم الجميع في رما قوته وعظمته، فإنى سأطلب منه أن يقيم لك ابنك". ثم طلبت منه الانتظار خارجا حتى تنتهي من الصلاة.
جثت أجنس وصلت إلى الله بدموع غزيرة راجية منه أن يتمجد ويقيم بروكوبيوس ليعلم الجميع أنه هو الإله الواحد الحقيقي وحده، وما كادت تنتهي أجنس من صلاتها، حتى مثل أمامها ملاك وأقام بروكوبيوس، فقام وخرج في الحال وهو يصيح قائلاً: "لا يوجد إله آخر في السماء ولا علي الأرض، ولا في البحر، ولا في أعماق الهاوية سوى هذا الإله العظيم القادر علي كل شئ الذي يعبده المسيحيون، فله وحده يجب الإكرام وله وحده يجب السجود والعبادة".
انتشر خبر هذه المعجزة في كل روما، أما كهنة الأوثان فقد هيجوا عامة الشعب وصاروا يصيحون: "لتمت الجنية أجنس، لتمت الساحرة، لتمت المشعوذة، التي بسحرها تفقد الرجال عقولهم وأرواحهم، فتصيرهم حيوانات فاقدين العقل".
ارتبك الحاكم سيمفرونيوس، عندما سمع صخب الشعب، إذ كان يريد أن يخلي سبيل الفتاة أجنس لما رآه من العجائب التى تجرى معها، ولكن نظراً لغضب الجمع وثورتهم بتحريض من كهنة الأوثان، ساده الخوف وترك الحكم في أمر الفتاة أجنس لوكيله اسباسيوس، أما هو فانسحب إذ جبن ولم يستطع أن يعلن الحق، وساق الجند الفتاة أجنس إلى السجن حيث قضت ليلتها. وبينما كانت أجنس مستيقظة تصلي فإذ بالسجان يفتح الباب ومن خلفه بروكوبيوس الذى بادرها بقوله: "لقد جئت لأطيل حياتك إلى سنين، فالآن تستطعين الهرب معي قبل أن تشرق الشمس." أجابت أجنس: "لا لن أطيعك في هذا الأمر، لن أهرب أبداً وأفقد إكليلي، إني سأظل أمينة حتى الموت لعريسي الذى أحبني وفداني بدمه ربي وإلهي يسوع المسيح". فقال بروكوبيوس: "يا لعنادك وصلابة رأيك، سوف تفقدين حياتك بسبب ذلك".فأجابته أجنس: "إن وعد إلهي صادق، فهو الذى قال "أنا هو الطريق والحق والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا". فالحياة التي وهبني إياها هي حياة أبدية لن يقوى عليها الموت أو الآلام." فقال لها بروكوبيوس: "اطيعى نصيحتي أيتها العنيدة، فسوف تفقدين حياتك، وقد جئت إلى هنا لأنقذك".فردت أجنس : "إن الله الذى حفظني في كل ما سبق، هو أيضا سيرسل ملاكه وينجيني". صر بروكوبيوس علي أسنانه وهو يستعد لمغادرة المكان قائلا لها: "إذا دعي هذا الملاك ينجي رأسك من السيف". ثم خرج.
أما أجنس فتابعت صلاتها وأخذت ترنم المزمور "الله لنا ملجأ وقوة. عونا في الضيقات. وجد شديدا. لذلك لا نخشي ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار رب الجنود معنا. ملجأنا إله يعقوب". وما كادت أجنس تنتهي من ترنيم هذا المزمور، حتى سمعت صوت أقدام الجند في الممرات الحجرية، الذين سرعان ما اقتحموا السجن وساقوها حيث مثلت أمام أسباسيوس الذى أمر بأن توقد نار وتلقي فيها.
وبالفعل نفذ الجند الأمر، ولكن العدالة الإلهية لم تسمح بأن تصيب النار جسد أجنس بأي أذي، تلك التي لم تمسها نار الشهوة والغريزة، فقد انقسم لهيب النار إلى شقين تاركا الفتاة أجنس في المنتصف دون أن تؤذيها بينما تحول لهيب النار المتأجج إلى الجانبين، مما هيج الوثنين، وأخذوا يصبون اللعنات علي أجنس. أما هي فكانت فرحة متهللة، وصلت وما أن انتهت أجنس من صلاتها حتى انطفأت النار تماما، وارتفعت صيحات كهنة الأوثان: "لتمت الساحرة أجنس" ولكي يهدئ أسباسيوس من هياج الشعب، مد سيفه وطعن الفتاة في عنقها، فأحدث جرحا عميقا وسال دم غزير حتى صار جسد القديسة ملطخا بالدماء. حينئذ سجدت أجنس علي الأرض ورفعت وجهها الملائكي نحو السماء وضمت يديها علي صدرها بشكل صليب وصلت قائلة: "أيها الإله كلي القداسة ، افتح أبواب أمجادك، واقبل روح عروسك كذبيحة مقدسة فيك"
أما أسباسيوس، فرجع وجلس علي كرسيه في ساحة الفوروم محاطا بجمع غفير من اليمين ومن اليسار، وما إن ساد الصمت والسكون في الساحة حتى أصدر أسباسيوس أمرا بأن تحضر أجنس أمامه ثم صاح قائلا: "أيها الكاتب، دون باسم قيصر، أننا نحكم علي الفتاة أجنس بالموت بحد السيف لاحتقارها لأوامر الإمبراطورية وازدرائها بآلهتنا العظام". حينئذ انبرى رئيس الجلادين وسأله قائلا: "يا سيدي في أي طريق تري أن ننفذ الحكم". أجاب أسباسيوس: "ليتم الإعدام هنا وفي الحال."
أحنت الفتاة رأسها منتظرة أن يهوى عليها السياف بحد السيف، ولكن مرت لحظات صمت وسكون وارتعد السياف وارتعشت يده وشحب لونه كما لو كان قد حكم عليه هو بالإعدام. أما أجنس فكانت تنتظر إتمام هذه الضربة بشجاعة فائقة وكانت تلوم السياف علي تباطئه، فقالت له: "ماذا تنتظر؟! لماذا تتوانى؟ أمت هذا الجسد الذى أعثر الآخرين، أمت هذا الجسد لتحيا الروح التي هي ثمينة في عيني الله، فسيدي وإلهي اختارني لأكون عروسا له وبه تفرح وتسر نفسي فليقبلني بحنانه ورأفته بين يديه". حينئذ زمجر القاضي منتهرا السياف لينفذ الحكم، وهنا غطى السياف عينيه بيده اليسرى وباليد اليمني أطاح برأس الحمامة الوديعة الراكعة أمامه. وهكذا مع ضربة السياف لعنقها طارت روحها إلى عريسها السماوي مكللة بأكاليل البتولية والعفة والشهادة في اليوم الحادي والعشرين من شهر يناير عام 302 ميلادية الموافق الثالث عشر من شهر طوبة عام 18 للشهداء الأطهار.
كان من بين الحاضرين في ساحة الفورم، سيدة من النبلاء تقف مستندة علي أحد الأعمدة الرخامية، وقد لفت نفسها بإزار وأرخت نقابا علي وجهها حتى لا تظهر ملامحها، كما كانت تقف بجوارها أيضا إحدى إمائها وقد تخفت كسيدتها. وفي لحظة تنفيذ الحكم، أشاحت السيدة بوجهها بعيداً حتى لا تنظر إعدام الفتاة أجنس. وما إن علمت من الجمع أن كل شئ قد تم حتى تقدمت وغطت جسد الشهيدة بالإزار الذى كانت تتستر به ثم تقدمت نحو الحاكم طالبة منه أن يتكرم بإعطائها جسد الشهيدة لتضمه إلى قبر آبائها. ولكنه رد عليها في حدة وغضب قائلا: "مستحيل، مستحيل. لن يكون هذا، لا نهاية للجثة إلا الحرق أو مياه التيبر". فاستعطفته السيدة قائلة: "أرجوك يا سيدي بحق الشهامة والرجولة التي يمجدها كل روماني، استجب لتوسلاتي". وهنا علت صيحات العطف والشفقة من كل الجمهور فغضب الحاكم وصاح قائلا: "لماذا تلحين في طلبك؟! هل أنت أيضا مسيحية؟" أجابت: "إني لست مسيحية ولكني أقول بأن ما حدث اليوم سوف يدفعني لأصير كذلك".
وبعد أن تعرف الحاكم على اسمها وشخصيتها، قال: " أيتها السيدة النبيلة، قد سمعت الكثير عنك وعن علمك وأدبك، تستطعين أن تفعلي بهذا الجسد ما تشائين". حينئذ تقدمت السيدة وبمعاونة المؤمنين الحاضرين، أخذوا جسد الشهيدة ودفنوه بإكرام جزيل في أرض يملكها والدى القديسة. أما الوثنيون، فقد هيجهم عدو الخير، فثاروا ضد المسيحيين، يمنعوهم من تكريم الشهيدة، فكانوا يعتدون عليهم لينصرفوا من عند المقبرة.
أما إمرينتين التى كانت تجمعها صداقة وطيدة بالشهيدة أجنس وتعتبر شقيقتها بالرضاعة، فلم تذعن لتهديد الوثنين. ولم تفارق مقبرة الشهيدة. فرجموها بالحجارة. فنالت إكليل الشهادة معتمدة بدمائها فدفن المؤمنون جسدها بجوار الشهيدة أجنس وتعيد لها الكنيسة في اليوم الثالث والعشرين من شهر يناير تذكاراً لاستشهادها
ولما استمر الوثنيون في ملاحقة المسيحيين، الذين يتوافدون علي مقبرة الشهيدة والاعتداء عليهم، حدث زلزال عنيف أفزع المؤمنين، فتشتتوا. كما حدث برق ورعد شديد، فمات كثيرون وفر الآخرون هاربين ومنذ ذلك الوقت يتوافد المؤمنون علي مقبرة الشهيدة في أمان لنوال بركة طلباتها وصلواتها.
أما والدا الشهيدة، فلم يبرحا من جوار مقبرة ابنتهما. وبينما كانا يصليان ذات يوم بجوار المقبرة، رأيا جمعا كبيرا من العذارى مزينات بثياب مرصعه بالذهب والأحجار الكريمة ومتوجات بإكليل من اللؤلؤ والماس. ومن بين هؤلاء العذارى تقدمت القديس أجنس الشهيدة وبجوارها حمل أكثر بياضاً من الثلج. توقفت الشهيدة وطلبت من رفقائها الانتظار ثم اتجهت نحو والديها وخاطبتهما قائلة: "والديَّ الأعزاء لا تبكيا علي بعد الآن، بل افرحا بالأحرى معي لما اقتنيته في السماء من إكليل مجد، فقد أصبحت مع عريسي السماوي الذي أحببته من كل قلبي وروحي ومشاعري وأنا علي الأرض". ثم انصرفت الشهيدة أجنس مع الخورس السماوي الذي جاء في صحبتها تاركه والديها في فرح وسلام عميق. وكانت هذه الرؤيا السماوية في اليوم الثامن من استشهادها وانتشر خبرها في كل روما. ولذا تعيد لها الكنيسة عيداً خاصاً في اليوم الثامن والعشرين من شهر يناير.
" فيا أيتها الطوباوية النبيلة، يا ساكنة السموات. أميلي نحونا وانظري إلينا برأسك المرصعة بإكليل البتولية والشهادة فقد منحك العلي أن تجعلي حتى المكان الدنس من الخطية طاهرا ونقيا".
وبعد مرور عدة سنوات علي استشهاد القديس أجنس، مرضت الأميرة قنسطنس ابنة الملك قسطنطين إذ أصيب جسدها كله بجراحات دامية من أعلي الرأس إلى أسفل القدمين. ولما اشتد عليها الألم، وسمعت عن العجائب الكثيرة التي يجريها الله ببركة صلوات الشهيدة أجنس، عزمت علي الذهاب إلى مقبرة الشهيدة لطلب صلواتها من أجل شفائها ونوال بركاتها وعلي الرغم من أن قنسطنس لم تكن قد تعمدت بعد إلا أنها طلبت من الشهيدة أجنس بإيمان أن تطلب إلى الله من أجلها وظلت قنسطنس بجوار المقبرة. إلى أن غفلت عيناها، فنامت وإذ بها ترى أثناء نومها الشهيدة الطوباوية أجنس تخاطبها قائلة: "قنسطنس لا تنسِ معنى اسمك، فاثبتي في الإيمان بربنا يسوع المسيح الذي به ستنالين الشفاء وستزول كل قروحك ولا تعودي تشتمي الرائحة الكريهة التي تفوح منها، ولا تعاني بعد الآن من هذه الآلام. ولكن تذكري دائما ما كان بك من ألم وكيف شفيت الآن. وأثبتي في الرب الإله يسوع المسيح الذي منحك الشفاء واشكريه دواما علي عظم صنيعه معك".
استيقظت قنسطنس عند سماع هذه الكلمات الأخيرة وإذ بها معافية تماما كأن لم يصبها شئ. وعرفانا منها بهذا الفضل، شيدت مقبرة رائعة لتضع فيها رفات الشهيدة، كما بنت كنيسة فخمة تليق بكرامة ومجد الشهيدة أجنس. واعتمدت قنسطنس وظلت عذراء علي مثال الشهيدة أجنس وتبعها الكثير من الفتيات والشابات ليحيوا معها هذه الحياة الملائكية منتصرين بنعمة اله علي كل مغريات العالم.
توجد رفات الشهيدة أجنس في كنيستها الأثرية في الطريق النومتاني بروما. ونقل الأسقف Baudric في عهد البابا Benoit V جزء منه إلى مدينة Maestricht في هولندا ونقل جزء إلى دير Breuil – Benoit التابع لأبروشية Evreux بفرنسا. ثم نقل جزء منه إلى كنيسة Saint Eustzche في باريس بسماح من البابا بولس الثالث ويحتفظ بهذه الذخيرة المباركة من رفات الشهيدة أجنس في أنبوبة من الذهب وتقام الاحتفالات تكريما لها.
تعد القديسة أجنس من أشهر شهيدات روما في القرن الرابع. ونجد لها العديد من الصور المرسومة علي الزجاج المذهب والملون وحولها حمامتان من اليمين واليسار.وعادة ترسم الشهيدة أجنس وهي تمسك في يدها سعف النخيل رمز الاستشهاد، وعلي ذراعيها حمل يرمز للبساطة والنقاوة ويشر إلى عذاب الشهيدة عندما طعنت في عنقها وظلت تنزف دماء غزيرة مثل الحمل المذبوح الذي أشار إليه سفر الرؤيا: "ورأيت في وسط العرش خروف قائم كأنه مذبوح"( رؤ 5: 6). وفي بعض اللوحات الفنية ترسم الشهيدة واقفة وعلي رأسها إكليل وبيدها كتاب يرمز للخدمة إذ كانت تعلم الكثير من أقرانها وصايا الله والتعاليم المسيحية وجذبت كثير من الوثنيات إلى الإيمان المسيحي. وترسم أحيانا راكعة وتحمل علي يدها حملاً موضوعا علي كتاب كما ترسم أيضا وبيدها زنبقة وبجوارها ملاكا يدافع عنها في بيت الأشرار الذى وضعت فيه.
تحتفل الكنيسة الغربية بتذكار استشهاد القديسة أجنس في اليوم الحادي والعشرين من شهر يناير الموافق الثالث عشر من شهر طوبة حسب تقويم كنيستنا القبطية
وقد مدحها القديس امبروسيوس في عظاته فيقول عنها: "أن جميع الذين يسمعون خبرها رجالاً كانوا أو نساء كباراً أو صغاراً يمدحونها ويتعجبون منها، لأنهم يرون في هذه القديسة: الغنى الوافر مقترنا بالفقر الاختياري وشرف أصلها مقترنا بالاتضاع وصغر العمر مقترنا بشجاعة القلب ونضوج العقل والذكاء.كما يرون فيها أيضا الضعف المنتصر علي أقوى ما في العالم وبتولية مكللة بتاج العفة أينما كانت حتى في مكان الشر والفساد."
بركة صلواتها تكون معنا أمين
قصه حياه الشهيده اجنس St Agnes
الشهيدة أجنس - شفيعة الأطفال - بصوت الانبا يؤانس أسقف الغربية المتنيح
05طوبا_13_مديح الشهيدة أجنس
|