القديسة الشهيدة أجنس
لوحة تصور السيدة العذراء مريم والدة الإله مع القديسة الشهيدة آجنس (مع الحمل) والقديسة مارتينا، رسم الفنان إل جريكو سنة 1597-1599 تقريبًا، زيت على قماش، محفوظة في معرض الفن القومي في واشنطون
عريس لا مثيل له
إنها فتاة صغيرة جميلة جدًا أكملت جهادها ونالت إكليل الاستشهاد وهي في الثانية عشر من عمرها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. ولدت في روما من أبوين مسيحيين تقيين من أشراف المدينة ومنذ طفولتها وأحبت أن تكون هيكلًا مقدسًا لمخلصها.. فنذرت بتوليتها وكرست حياتها لعريسها السماوي وهي لا تزال في سن العاشرة فثار عليها عدو الخير مكثفًا جهده ضدها لعرقلة سيرتها الطاهرة واستغل جمالها الجسدي ليفقدها جمالها الروحي.. ولتنفيذ خطته أثار في قلب ابن حاكم روما حبًا شديدًا تجاهها وعقد العزم على الزواج بها.. ولكن كانت المفاجأة إذ سمع إجابة أجنس (لن أتخلى عن عريسي الذي سبق واختارني وارتبطت به.. ولا تحيا روحي إلا بمحبته فلا مثيل له وهو وحده يستحق كل الحب فهو أبرع جمالًا من بنى البشر.. حكيم.. سيد ممالك الأرض.. غنى.. شريف.. رؤوف.. عظيم.. فإن محبتي له تزيدني عفة وطهارة واقترابي منه يزيدني نقاوة إني لم أغير أبدًا عريسي السماوي الذي سبق أن اخترته حتى ولو وضعت أمامي كل ممتلكات العالم).
شعرها غطى جسدها
وهنا بدأ طريق الاستشهاد.. اقتادها الحاكم بأغلال الحديدية إلى هيكل الأصنام لتسجد لها.. فوضعوا أصغر قيد حديدي في يديها ولكنه انزلق من يديها الصغيرتين وسقط على الأرض وكانت تقف ثابتة ولعنت الآلهة.. فوضعوها في بيت للشر.. وشرع الجند يعرونها من ثيابها ولكن في الحال طال شعرها وصار كثيفًا جدًا بصورة معجزيه وغطى كل جسدها وتعجب الكل من ذلك.. حقا إن الرب هو حافظ نفوس أتقياءه من يد الأشرار ينقذهم (مز 97:10).. وعندما زج بالفتاة في بيت الأشرار أضاء المكان بنور ساطع جدًا ورأت أجنس ملاكًا واقفًا بجوارها كما وجدت ثوبًا جميلًا جدًا أكثر بياضًا من الثلج فارتدته وتعزت أجنس إذ غمرت بمحبة عريسها وفاديها واستغرقت في صلاة عميقة تشكر إلهها صانع العجائب الذي يحميها.
فلم يجسر أحد من الأشرار أن يدنو منها.. فما من شاب دنس اقترب من الحجرة إلا وتراجع مذهولًا مما رآه وخرج مؤمنًا بإله أجنس.. بل وأحب العفة والطهارة.. حقا لقد تشرف هذا المكان الذي للفساد بذهاب عروس المسيح إليه فحولته إلى فردوس وميناء للطهارة والعفة وهيكل لله.. وصار هذا المكان كنيسة على اسم الشهيدة أجنس بعد مضى زمن الاضطهاد.
أما ابن الحاكم تجاسر ودخل ذلك البيت مقتحمًا ليفتك بأجنس غير مكترث بالنور العجيب الذي يملأ المكان وأسرع ليقترب منها ولكن ملاك الرب ضربه ولم يمهله فسقط ميتًا طريحًا عند أقدام الفتاة النقية الطاهرة أجنس التي سترها الله بيمينه.
الحاكم يتذلل للفتاة
وبدأ الحاكم يتذلل لها طالبًا منها أن ترد الحياة إلى ابنه حتى يعرف الجميع أنها لم تميته بفنونها السحرية.. فأجابت. إن ظلمة عينيك وقلبك لا يستحقان مثل هذا الصنيع ولكن من أجل أن يتمجد أسم إلهي ويعلم الجميع قوته وعظمته فإني سأطلب منه أن يقيم لك ابنك وجثت أجنس وصلت إلى الله بدموع غزيزة راجية منه أن يتمجد ويقيم الشاب ليعلم الجميع أنه هو الإله الوحيد الحقيقي وحده.. وما كادت تنتهي من صلاتها حتى مثل أمامها ملاك وأقام الشاب.. فقام وخرج في الحال وهو يصيح بعظمة الإله العظيم القادر على كل شيء الذي يعبده المسيحيون.
وعند قطع رأسها.. وضعوها في السجن.. وأوقدوا نارًا تحتها ولكن العناية الإلهية لم تسمح أن تصيب النار جسدها فحكموا عليها بالموت بحد السيف وأحنت الفتاة رأسها منتظره أن يهوى عليها السياف بحد السيف ولكن السياف لم يستطع وارتعشت يده.. وشحب لونه أما أجنس فكانت تلومه على تباطئه.. فقالت له.. ماذا تنتظر.. لماذا تتوانى.. أمت هذا الجسد الذي أعثر آخرين.. أمت هذا الجسد لتحيا الروح التي هي ثمينة في عين الله.. حينئذ زمجر القاضي منتهرًا السياف لينفذ الحكم سريعًا.. وهنا غطى السياف عينيه بيده اليسرى وباليد اليمنى أطاح برأس الحمامة الوديعة الراكعة أمامه.
أنظروا يا أحبائي أنه نموذج رائع يلزم أن تقتدي به كل شابه وفتاة مدحها آباء الكنيسة على عظمة شجاعتها فيقول عنها القديس أمبروسيوس.. (إن الفتيات في هذا السن الصغير لا يحتملن نظرة غضب من والديهم.. ويبكين من خز الإبرة كأنها جرح حاد.. أما الفتاة أجنس فكانت ثابتة لا تتزعزع بين أيدي الجلادين الملطخة بالدماء.. لم تكن أجنس تدرك بعد معنى الموت ولكنها كانت مستعدة أن تواجهه وتذوقه.. ففي خطوات ثابتة وسريعة تقدمت نحو موضع العذاب ورأسها مزين ليس بضفائر الشعر وإنما بالمسيح رأسها وعريسها ومتوجة بإكليل مزين ليس بالورود وإنما بالفضائل وثمار جهادها.. فكان لها ما هو فائق الطبيعة من خالق الطبيعة نفسه.. كان الكل يبكى أما هي فلم تذرف دمعة.. إنها انطلقت إلى أحضان حبيبها وعريسها لتحيا معه إلى الأبد).