رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ ترد كلمة صليب 28 مرة في العهد الجديد، بينما يرد الفعل منها 46 مرة. لم يكن الصليب في العهد القديم وسيلة للإعدام، بل الوسيلة كانت الرجم. ولكن كان يمكن أنْ تُعلَّق الجثث بعد الإعدام رجماً على خشبةٍ (تثنية الاشتراع21/22). وكانت مَنْ تُعلَّق جثَّته يُعتبر ملعوناً من الله، ومن هنا يقول الرسول بولس أنَّ المسيح "صارَ لعنةً لأجلنا" (غلاطية3/13). لقد آمن المسيحيون على مرِّ العصور بحقيقةِ موت المسيح على الصليب من أجل خطايا جميع البشر، وقيامته من بين الأموات بعد ثلاثة أيام، وهذا هو جوهر إيمانهم، وقد ذاق الكثيرون منهم الاضطهادات والعذابات وحتى الموت في سبيل إيمانهم هذا. إنَّ صليب المسيح إذن هو محور المسيحيَّة وقلبها. حوله يدور كلُّ لاهوت العهد الجديد، وفيه يرتكز كلُّ غنى الإنجيل ومعانيه. إنَّه رمز المسيحيَّة وشعارها وفخرها "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ" (1كورنثس1/18). يستمدّ الصليب قوَّته وكرامته من الربِّ يسوع الذي عُلِّقَ عليه. وحينما نتحدَّث عنه فإنَّما نشير حتماً إلى موت المسيح .وحينما نذكر موت المسيح فواضح أنَّ صليبه وارد أيضاً فيه. لذا فلا غرابة إنْ رأينا أسفار العهد الجديد تمتلىء بالكلام عن موت المسيح وبالتالي عن الصليب . كان الصليب ومَنْ صُلِبَ عليه جوهرَ كرازة الكنيسة الأولى، والأساس الأول في الإيمان المسيحي "فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ. وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ" (1كورنثس15/3-4). لكن، كيف استطاع الصليب، وهو رمز قديم لوحشيَّة الإنسان وقساوته، رمز الإذلال والعار أن يصير ذا تأثير حضاري واسع، وأنْ يُغيِّر وجه العالم؟ لم يكن اهتمام كتبة العهد الجديد، بصليب المسيح ينصبّ أساساً على الناحية التاريخية، بل على الناحية المعنويَّة واللاهوتيَّة لموتِ الربِّ يسوع وقيامته. لذلك فهم يستخدمون كلمة "الصليب" تعبيراً موجزاً عن إنجيل الخلاص. أعني أنَّ يسوع المسيح قد "مات لأجل خطايانا"، فكانت الكرازة بالأنجيل تتركَّز في كلمة "الصليب" أو "بالمسيح يسوع وإيّاه مصلوباً" (1 كورنثس1/17)، ولذلك يفتخر الرسول بولس "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ" (غلاطية6/14)، فعندهم كلمة الصليب تعني كلّ عمل الفداء الذي أكمله الربّ يسوع بموته. كما أنَّ كلمة "الصليب" تعني "المصالحة". فقد صالح الله الكلَّ لنفسه، صالح ما على الأرض وما في السماوات، صالح اليهود والأمم في جسدٍ واحدٍ بالصليب قاتلاً العداوة به: "لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ. أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ" (أفسس2/14–16، كولسي1/20)، "إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ" (كولسي2/14). ثم أنَّ الصليب هو رمز اتِّحادنا مع المسيح، ليس فقط في اقتدائنا به، بل فيما لأجلنا وما يفعله فينا. ففي موته لأجلنا على الصليب متنا نحن "فيه" (2 كورنثس5/14) و"إنساننا العتيق قد صُلب معه" (رومية6/4 و5)، لكي نستطيع بروحه الساكن فينا أنْ "نسلك نحن أيضاً في جدَّة الحياة" (غلاطية2/20) ونحن ثابتون "فيه" (يوحنا15/4). أمّا صليبنا نحن فهو حبّنا وبذل ذواتنا والتضحيَّة بها من أجل الآخرين؛ صليبنا هو في إنكار الذات بأخذ المتَّكأ الأخير؛ صليبنا هو بأنْ نحملَ خطايا الآخرين، ونشترك في معاناتهم وآلامهم. صليبُنا نحن هو الباب الضيق الذي دعانا الربُّ إلى الدخول منه (متى7/13). إنَّ الحياة المسيحيَّة بواقعها العملي، هي رحلة إلى الجلجثة، والمسيحيَّة بدون صليب، لا تكون مسيحيَّة حقيقيَّة "مع المسيح صُلبت. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ" (غلاطية2/20)؛ و"أنَّه بضيقاتٍ كثيرة ينبغي أنْ ندخل ملكوت الله" (أعمال الرسل14/22). فإن أردتَّ أن يحيا المسيح فيك، ينبغي أن تُصْلَبْ مع المسيح، أو أن تُصلب من أجله. وتظهر محبَّتك لله، بأن تتحمَّل من أجله، وتتألم من أجله، ولو أدّى الأمر أنْ تموتَ من أجله أيضًا كالشهداء القديسين. فيا يسوع المسيح بقوّة صليبك المقدّس كُن تعزيتنا وقوِّنا على حمل الصعوبات والشدائد لأجل محبَّتك ومحبَّة جميع أخوتنا البشر آمين. |
|