إبراهيم السموح النفس المتعفف
ومن عاش في صداقة مع الله، ستتسع حياته أمام الصديق أو العدو، القريب أو البعيد، على حد سواء، وذلك الذي أغناه الله في كل شيء وأدرك أن ما يتمتع به، هو عطية الله أولاً وأخيراً،.. هذا الإنسان سيصرفه غنى الله عن غنى الناس، ومال الله عما يتصور الناس أنه مالهم وحقهم دون غيرهم من البشر، وهنا تحضر واقعتان، تخلى فيهما إبراهيم عن حقه، في أروع صور النفس المسحة المتعففة المترفعة الغنية،.. أما الأولى فمع ابن أخيه لوط، والثانية مع ملك سدوم، وفي كلا الحالين، وبكل المعايير المعروفة في ذلك التاريخ كان من حق إبراهيم أن يأخذ ما يريد أو ما يشاء، ففي النزاع بين ورعاة مواشي لوط ورعاة مواشي إبراهيم كان من حقه –وهو الأصل، والأكبر، والذي جاء بلوط معه- أن يختار، ولكنه اختار السماحة والتعفف، وترك للوط أفضل مراعي وأبهج المروج، في سبيل الحب، والإخاء، والسلام، والإيثار لابن أخيه. وكان مثلاً رائعاً في طرح الماديات للإبقاء على المعنويات، وفي اللقاء مع ملك سدوم، كان من حقه كمنتصر في الحرب أن يجمع كل الأسلاب،.. ولكن ملك سدوم رأى شيئاً ربما كان عنده أدعى إلى العجب، من انتصار إبراهيم على الملوك الذي حاربهم، وهو انتصار إبراهيم على نفسه أمام أسلاب في قبضة يديه، يرفضها، ويركلها بقدميه، في الوقت الذي يسيل فيه لعاب الآخرين على الفتات منها،.. وهنا ضرب مثل رائع وعجيب لغنى النفس المترفعة المتعففة،.. من الحق أنه رائع أن تتمسك بحقك، فتحافظ عليه، ولكن قد يكون أروع وأعظم أن تتخلى عن الحق للحفاظ على المعاني التي يمكن أن تقود الآخرين للتعرف على مجد الله أمام الآخرين!!.. كان الدرس الذي يريد أن يعلمه إبراهيم لملك سدوم أن الغنى والثروة والقوة والجاه والنفوذ هي عطايا يمنحها الله للإنسان الذي يستند إليه، وكما أعان الله إبراهيم في المعركة وأعطاه النصر العجيب، فإن الله وحده هو الذي يغني البشر، وهو الذي يعطي إبراهيم ثروته وغناه وكل ما يملك،.. وهو لا يرغب أن يكون مديناً لأحد بهذه الثروة، حتى ولو كان شراك نعل، لأن الله أعطاه ويعطيه كل شيء بغنى للتمتع!!.. آه هل يتعلم أبناء إبراهيم من المؤمنين كيف يكون التعفف السمح المتعالي الذي يمد أصوله إلى نهر الله الواسع العظيم الفياض دون الاتجاه إلى الناس أو انتظار عطائهم، شح هذا العطاء أو كثر!!..