النفى الثالث إلى البرية
كــان الإكليــروس والشــعب ينظــرون إلــى البابــا أثناســيوس كأحــد الشــهداء المعتــرفين، لمــا لاقاه من اضطهاد وظلم.
وعاد الآريوسيون لمناصبة أثناسيوس العداء مرة أخرى، منتهزين فرصة قتـل قسـطنطوس قيصر روما إمبراطـور الغـرب وصـديق أثناسـيوس ووشـوا بـه لـدى الإمبراطـور الـذى أصدر أمراً بنفيه.
وذهــب والــى مصــر ســريانوس علــى رأس خمســة آلاف جنــدى مســلحين حيــث حاصــروا كنيسـة السـيدة العـذراء، وكـان البابـا يصـلى صـلاة الغـروب مـع شـعبه. ٕواذ بقائـد هـؤلاء الجنود يدفع الأبواب بقوة ويدخل جنوده ومعهم بعض المشاغبين إلى داخل الكنيسة.ويصف لنا أثناسيوس ما حدث فى هذه الواقعة فيقول: كنت ً جالسا على الكرسى المرقسى، وأمرت الشماس أن يتلـوا المزمـور 136وكـان الشـعب يجاوب قائلاً: “لأن إلى الأبد رحمته” ولما حان وقت الانصراف طرق الجنود جميع الأبواب طرقًا عنيفًـا! وانـدفع العسـاكر فـى الكنيسـة كالسـيل الجـارف، وهرعـوا قاصـدين إيـاى. أمـا أنــا فوقفـت وأمرت الشعب بالفرار. ولكن بعضـهم اعتـرض العسـاكر فـى طـريقهم، فـذبحهم الجنـود وداسـوهم تحت أقدامهم عندما كانوا يركضون نحو ردهة الكنيسة للقبض على الفارين!! ولما انصرف أكثر الشعب جاء الرهبان مع الذين تخلفوا من القسوس وحملونى ً خارجا.
وغادر الإسكندرية متوجهًا إلى البرية باختياره، حيث بقى مع الآباء الرهبان ما يقرب من ستة سنوات تقابل فيها مع الأنبا أنطونيوس كوكب البرية.
وهكـذا اسـتمر أثناسـيوس فـى إدارة كنيسـته مـن البريـة، ولـم يتـوان قـط عـن تشـجيع شـعبه بالرسائل لكى يثبتهم على الإيمان المسـتقيم. بالحقيقـة كـان أثناسـيوس كمـا يلقبـه الـبعض “بالبطريرك غير المرئى.”
استغل الآريوسيون فترة ابتعاد أثناسيوس وعينوا رجلاً ً كبادوكيا يدعى جورجيوس ً بطريركـا بدلاً منه على الإسكندرية، فرفضه الشعب الأرثوذكسى. فأمعن جورجيوس فـى اضـطهاد الشعب بكافة الطرق والوسائل، وارتكب أفظع الجرائم، كما سـجن اثنـى عشـر أسـقفًا لعـدم خضــوعهم لــه. إلا أن الــوثنيين الــذين اضــطهدهم جورجيــوس قــاموا بقتلــه وأحرقــوا جثتــه وألقوها فى البحر!!
ولــم يســتمر الحـــال هكــذا فمــات الإمبراطــور قســطنطيوس، وتملــك بـــدلاً منــه يوليـــانوس الجاحد كان مسيحيا ولكنه أنكر المسـيح منـذ شـبابه وعـاد إلــى الوثنيــة وكــان يريــد أن يجــذب قلــوب الشــعب فطلــب إرجاع أثناسيوس، وهكذا عاد القديس أثناسيوس مرة أخرى إلى كرسيه بالإسكندرية.