رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يعقوب عند موتهِ «اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هَذَا الْيَوْمِ ... يُبَارِكُ الْغُلاَمَيْنِ» ( تكوين 48: 15 ، 16) «االلهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هَذَا الْيَوْمِ»: يا لها من عبارات نطق بها يعقوب في نهاية حياته الطويلة، شاهدًا عن الله الذي في أمانته ورعايته وكفايته ونعمته وصبره؛ كيف رعاه، وترفَّق به، وأطعمه، وقاده، وحمله، واحتمله، وحفظه كل الطريق منذ وجوده إلى هذا اليوم! «الْمَلاَكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» ... فكم من ورطات تعرَّض لها، وكم من مخاطر أحاطت به، ومن جميعها نجَّاه الرب، حتى في الأوقات التي كان فيها في أوضاع خاطئة. «يُبَارِكُ الْغُلاَمَيْنِ... وَلْيَكْثُرَا كَثِيراً فِي الأَرْضِ (أرض كنعان)»: ويا لها من نظرة إيمان بعيدة المدى، على خلاف كل المنظور وكل التوقعات، وما هو بحسب المنطق الطبيعي. فما للأميرين المصريين الصغيرين وأرض كنعان؟ كيف سيتركان مصر التي ولدا فيها، من أمٍ مصرية، ويحملان جنسيتها، وكانت شيئًا مُشرِّفًا في ذلك الوقت؟ ولماذا يهاجران إلى أرض كنعان، هما أو نسلهما؟ إن الطبيعي أن يكثرا ويتعظَّما كثيرًا في أرض مصر، حيث يتمتعان بالحقوق الملكية والمكانة السامية، وليس في كنعان. ثم كيف يمكن أن يصبح كل منهما سبطًا مستقلاً، والطبيعي أنهما يتبعان سبط يوسف؟ وكيف أن الصغير يتعظَّم على الكبير في الأهمية والعدد؟ كيف رأى يعقوب كل ذلك في الأميرين المصريين الصغيرين؟ وبأي استنتاج بشري رأى أن سبط أفرايم، بعد قرون طويلة، سيصبح ممثلاً لمملكة إسرائيل الشمالية كلها بعد استقلالها عن مملكة يهوذا؟ إنه بالإيمان، وليس بالعيان أو المنطق، قد سمع صوت الله وفهم قصده لمستقبل بعيد جدًا، وكانت الأمور في منتهى الوضوح أمامه، وآمن أن الله سيفي بمواعيده، ويفعل كما نطق. ويا له من استعلان عظيم للإيمان في الوقت الذي أظلمت فيه عيناه الطبيعية، لكن بصيرة الإيمان كانت حادة للغاية، ومن بعيد رأى كل ذلك، وقوة الإيمان في ضعفه الجسدي كملتْ! وهذا ما جعل الرسول يسجل هذه اللقطة ليعقوب في سحابة الشهود. |
|