التسبحة الثالثة
يومك يشبهك يا رب
v مبارك هو ذاك اليوم الأول الذي لك يا رب!...
يومك يشبهك، إذ فيه تظهر الرحمة للبشر،
تتمتع به كل الأجيال، يغدو مع كل جيل، ويأتي مع كل جيل آخر.
هذا هو اليوم الذي ينتهي مع المسنين، لكنه يعود ليتمتع به الحديثون.
فاليوم ينعش نفسه بنفسه بحبه (لكل الأجيال)،
منعشًا إيانا - نحن الخليقة الفاسدة – بقوته!
يومك قد جاء ثم عبر وانتهي،
وبالرحمة عاد ليفتقدنا مرة أخرى،
لأنه يعلم كيف تحتاج البشرية إليه،
إنه مثلك في كل شيء يبحث عنا!
v يا رب... إن العالم محتاج إلى نبع يومك، فهو إليه يعطش كما إليك!
هذا هو اليوم الذي يسود على الفصول!
سلطان يومك يشبهك في أنه يمتد على الأجيال التي أتت والتي ستأتي!...
يومك مثلك يا رب... ليكن شفيعًا عنا وواهبًا السلام لنا.
يومك صالح السماوات والأرض، لأنه فيه نزل العالي إلى السفليين!
يومك كان فيه قدرته أن يصالح العادل وحده، الذي كان متضايقًا بسبب خطايانا!
يومك غفر آلاف الخطايا، فمن أحشائه اندفعت الرحمة على المجرمين!
عظيم هو يومك يا رب
v عظيم هو يومك يا رب! دعه يظهر الرحمة على معاصينا...
لأنه إن كانت مغفرتك تتدفق علينا يا رب، فكم بالأكثر في هذا اليوم؟!
إن كل الأيام من كنز يومك اللامع هذا تأخذ بركة!
كل الأعياد من مخزن هذا العيد تأخذ بهاءها وزينتها!...
أعطنا أن نميز يومك هذا عن كل الأيام،
لأنه عظيم هو كنز بيتك الذي ليوم ميلادك!
v عظيم هو هذا اليوم عن كل الأيام، ففيه جاءت الرحمة للخطاة!
مخزن الأدوية هو يومك العظيم، إذ ظهر "دواء الحياة" للجرحى!
كنز النعمة المخلصة هو هذا اليوم، لأن فيه أضاء "النور" لنا نحن العميان!
نعم! لقد قدم لنا "حزمة" (السيد المسيح) مشحونة بغذاء لجوعنا!
هذا هو اليوم الذي اختفي فيه "العنقود" في كأس الخلاص!
هذا اليوم هو بكر الأعياد، إذ وُلد أولاً، وفاق كل الأعياد!
ففي الشتاء حيث لا تكون ثمار في الكرمة... ظهر "الثمرة" (المسيح) فينا!
في البرد تتعرى كل الأشجار، ظهر من أجلنا نبت أخضر من بيت يسى!
في شهر كانون حيث تختفي البذور في الأرض خرج "سنبلة الحياة" من الرحم!
بينما في شهر نيسان حيث تظهر الحبوب على وجه الأرض،
اختفت "الحزمة" (أي المسيح) في الأرض (القبر)!
لقد اُبتلع المحصول في الجحيم،
لكن "دواء الحياة" الذي اختفي في الجحيم كسر أبوابه!...
يسوع صياد الخطاة!
v عند مجاري المياه حيث يقف الصيادون (خر 10:47 الخ)،
اعتمد الرب وصعد، ذاك الذي شملت شبكته من كل الأصناف...
بالصليب أصطاد اللصوص، إذ أمسك باللص (اليمين) في الحياة (لو 43:23)!
الحيّ بموته أخرج الأموات من الجحيم،
فك رباطات الجحيم، وأعطى للجموع أن تهرب منه!
العشارون والزناة، الذين هم شباك دنسة وفخاخ خادعة، اصطادهم الواحد القدوس!
المرأة الشريرة التي كانت فخًا للرجال، صارت مثلاً للنساء العفيفات!
شجرة التين المجدبة، التي رفضت أن تعطي ثمرًا (لو19)،
حملت زكا كثمرة، لم تقدم ثمرًا من طبعها، لكنها أخرجت ثمرة واحدة فائقة!
عند البئر أعلن الرب عطشه،
واصطاد تلك التي كانت عطشى إلى الماء الذي سألها إياه!
عند البئر اصطاد نفسًا واحدة، ثم عاد فاصطاد بها المدينة كلها (يو 42:4)!
إثنا عشر صيادًا اصطادهم الواحد القدوس، بهم عاد فاصطاد بهم العالم كله!
شبكته المحيية للجميع اصطادت الأحياء (مت47:8)،
لكن من هرب منها إنما هرب من الحياة!
بين يومي ميلاد الرب وميلاد هيرودس
v عظيم هو يومك يا رب، دعنا لا نزدري به!
أنت البار وحدك، لتحفظ مجد ميلادك،
لأنه حتى هيرودس كرَّم يوم ميلاده (مت 6:14).
لكن الطاغية أبهجته رقصات (ابنة هيروديا) الشريرة،
أما أننت يا رب فأجعل صوت الطاهرات حلوًا!...
يوم هيرودس كان يشبهه، وأنت يا رب يومك يشبهك!
يوم ذاك المضطرب كان مضطربًا بالخطيئة، ويومك أنت أيها الهادئ كان هادئًا!
في عيد الطاغية قتل المبشر (يوحنا)، وفي عيدك بُشر الكل بمجدك!
ذاك الغبي أخفى في عيده النور حتى تسود الظلمة على الزواني،
أما في عيد القدوس فأشرقت الأضواء (السرج) لكي تهرب الظلمة مع خباياها!
يوم ذلك الثعلب نجس مثله، وأما عيد الحمل الحقيقي فمٌقدس!
يوم العاصي مضى مثله، وأما يومك فباقٍ إلى الأبد مثلك!
يوم ذلك الطاغية هائج مثله، إذ أخمد صوت البار (يوحنا) بقيوده،
أما عيدك أيها الواحد الوديع فهادئ مثلك،
لأن شمسك قد أشرقت على مضطهديك!
كان الطاغية يدرك أنه ليس بملكٍ، لذلك ترك المكان لملك الملوك!
لا يكفيني اليوم كله يا رب للمقارنة بين مجدك وعاره،
لكن لينزع عني خطاياي إذ قارنت يوم ذاك الشرير بيومك الذي لا يمكن أن يُقارن،
فيوم الإنسان هو من الأرض، ويوم الله من الله.
يومك أيها الرب أعظم من كل أيام الأنبياء (مت 30:8)،
لكنني قارنته بيوم ذاك الشرير!
أنت تعلم أيها الرب العالم بكل شيء، كيف أقدم المقارنة التي نطق بها لساني!
بين مائدة الرب ومائدة هيرودس
v ليت يومك يحقق طلبتنا من جهة الحياة،
فإن يوم هيرودس حقق طلبة (ابنة هيروديا) من جهة الموت (قتل يوحنا)!
لقد أقسم الملك المحتاج في عيده أن يعطي نصف مملكته مكافأة عن الرقص،
فليغننا عيدك، إذ برحمة تكسر كسرة خبز من دقيق طاهر!
من الأرض الجافة تدفق "الينبوع" الذي يروي عطش الأمم!
ومن رحم البتول، كما من صخرة قوية، خرجت البذرة كثيرة الثمر!
مخازن لا حصر لها ملأها يوسف (تك 9:41)،
لكنها فرغت وانتهت في سنوات الجوع،
أما "الحزمة" (يسوع) الواحد الحقيقي، فأعطى خبزًا سماويًا لا ينفذ!
الخبز الذي كسره "البكر" في البرية (يو 6) نفد وانتهى رغم كونه خبزًا جيدًا جدًا،
لكنه عاد فكسر "الخبز الجديد" الذي لن تفنيه كل الأجيال والعصور!
الخبزات السبع التي كسرها نفدت (مت 36:15)،
والخبزات الخمس أيضًا التي باركها انتهت،
أما "الخبز" الذي كسره، فقد أشبع احتياجات العالم،
لأنه بقدر ما يكسر يبقى كما هو متزايدًا!
بخمر كثير ملأ الأجران، لكنهم شربوه فنفذ رغم قوته،
أما "الكأس" التي أعطانا، فإنها رغم صغرها لكنها عظيمة في قوتها، لا تنفد قط!...
القمح الذي بذر، في اليوم الثالث قام، وملأ "مخازن الحياة".
الخبز الروحي، يشبه واهبه، ينعش الروحيين روحيًا،
أما الذي يتقبله جسديًا فبتهوره يأخذه بغير نفع!
خبز النعمة يتقبله الروحي بتمييز لأنه "دواء الحياة"...
إن كان من يأكل ذبائح باسم الشياطين يصير شيطانيًا بدون تكذيب،
فإن من يأكل الخبز السماوي يصير سماويًا بدون شك!
الخمر تعلمنا، أنها تجعل المشهورين مثلها، فهي تمقت بشدة من يشغف بها،
إذ تربكه وتجعله مخبولاً وموضوع سخرية!...
بالصليب انهزم الشيطان!
v بسيف المخادع كسا "البكر" نفسه (أي بأطفال بيت لحم المذبوحين)،
وعندما قُتل (بالصليب) عاد فقام مرة أخرى!
بالشجرة التي قتلنا بها (الشيطان)، أنقذنا بها الرب!
بالخمر الذي به صرنا مخبولين، صرنا به (في التناول) طاهرين!
لقد تدفق من الجنب (الإلهي) قوة سرية،
حطمت الشيطان مثل داجون (1 صم 1:5-5)،
لأن في هذا التابوت يختبئ كتابًا يصرخ عنا "المنتصر" (السيد المسيح)!
لقد كان في أمر سقوط داجون في بيته، في داخل حصنه (أمام التابوت)، يكمن سرًا انكشف الآن!
لقد تحقق ما قد حدث في الرمز، إذ سقط الشرير في الموضع الذي وُثق فيه!
وفيه تحققت أسرار الذين عن يمين، والذين عن يسار (مت23:25).
تحقق السٌر الذي يخص "الحمل"، وتحقق ما كان رمزه - داجون!
مبارك هو ذاك الذي كحملٍ حقيقيٍ خلصنا، وأهلك مُهلكنا كما حدث مع داجون!
الذئب القديم (الشيطان) رأى الحمل الرضيع (يسوع) فارتعب منه،
فكما أن الذئب حمل ثوب الحملان، هكذا صار "الراعي" للكل حملاً وسط القطيع،
حتى متى تجاسر الذئب النهم على "الوديع" يرد هذا القدير ذاك المفترس!
لنقبل يسوع في نفوسنا!
v سكن الواحد القدوس جسديًا في الرحم، ويسكن روحيًا في الذهن...
أدركته مريم فتركت أمر خطبتها،
وهو يسكن في عذارى (روحيًا) عفيفات إن أدركن إياه.
لا يدرك الأصم الرعد القاصف، ولا يدرك الإنسان العنيد الوصاياّ
يكون الأصم شاردًا أثناء قصف الرعد،
ويكون الإنسان العنيد شاردًا عند سماعه التعاليم.
فلو أمكن للرعد المرعب أن يخيف الأصم،
لأمكن للغضب (الإلهي) المرعب أن يثير الشرير!
لكن الأصم لا يُلام إذ لا يسمع، أما العنيد فيطأ الوصايا بأقدامه في عناد!
من حين إلى حين يأتي رعد، أما صوت الشريعة فيرعد على الدوام!
ليتنا لا نسد آذننا مادامتا مفتوحتين،
لأن فتحها وعدم وجود ما يغلقهما سيديننا؛
فباب الأذن مفتوح حسب الطبيعة، ولعل هذا يوبخنا لعنادنا ضد إرادتنا!
أما الحنجرة والفم فبابهما يمكن لنا أن نغلقهما ونفتحهما حسب إرادتنا!
لننظر ماذا وهبنا ذاك الصالح، ولننصت إلى "الصوت القدير" ولا نغلق أبواب آذننا!
المجد لذاك الصوت (الكلمة) الذي صار جسدًا...
مجديه أيتها الأعضاء والحواس، لأنه جاء وأحيا الجسد كله.
الطفل الإله
v حملت مريم الطفل الصامت الذي فيه تختفي كل الألسن!
حمل يوسف من فيه تختفي الطبيعة وهي أقدم من الزمن!
صار العالي طفلاً، وفيه يختفي كنز الحكمة الذي يغني الكل!
مع أنه "العالي جدًا" إلا أنه رضع اللبن من مريم،
هذا الذي كل الخليقة ترضع من صلاحه!...
عندما كان يرضع اللبن من أمه، كان يُرضع الكل بالحياة!
بينما كان يرتمي على صدر أمه، كانت الخليقة كلها ترتمي في أحضانه.
كرضيعٍ كان صامتًا، لكن كانت الخليقة كلها تنفذ أوامره!
في السنوات الثلاثين (ثلاثة وثلاثين) التي قضاها بالجسد على الأرض، كان يدبر كل الخليقة، فكان يتقبل كل تسابيح السمائيين والسفليين!
هو بكليته في الأعماق، وهو بكليته في الأعالي!
هو بكامله مع كل الأشياء، وهو بكامله مع كل منها على حدة!...
بينما الحمل بالابن يتم في الأحشاء، كان يكَّون الأجناء في الرحم!
مع أن جسده كان ضعيفًا في الأحشاء، إلا أن قوته لم تكن ضعيفة!
وهكذا أيضًا كان جسده ضعيفًا على الصليب،
بينما لم تكن قوته ضعيفة على الصليب، إذ كان يحيي الموتى...
أنظر كيف يحرك الخليقة كلها بقدرته وهو على الصليب:
لأن به أظلمت الشمس، وتزلزلت الأرض، وتفتحت القبور، وخرج الأموات!
أنظر كيف وهو بكليته على الصليب كان بكليته في كل مكان!
هكذا وهو بكليته في الأحشاء، هو بكليته في كل مكان!
وهو يُصلب كان يفتح القبور، وهو في الأحشاء كان يكَّون الأجناء!
تعالوا أيها الأخوة اسمعوا بخصوص ابن الواحد السري،
الذي ظهر في الجسد، بينما قوته كانت مخفاة!
لأن سلطان الابن مطلق. الرحم لا يحده، والجسد لا يقف قدامه...
أحضر له المجوس مرًا (ولبانًا) وذهبًا، بينما تختفي فيه كل كنوز الغنى.
المر واللبان (والذهب) الذي خلقه وأوجده، أحضره له المجوس،
بقوة منه استطاعت مريم أن تحمله في حضنها، هذا الذي يحمل كل الأشياء!...
أرضعته لبنًا هو هيأه فيها، وطعامًا هو صنعه.
كإله أعطى مريم لبنًا، ثم عاد فرضعه منها كابن الإنسان!
يداها كانت تعريانه، إذ أخلى هو نفسه...
ذراعاها احتضنتاه، من حيث كونه قد صار صغيرًا!
قوته عظيمة، من يقدر أن يحدها؟ لكنه أخفى قياسها تحت "الثوب".
فقد كانت أمه تغزل له وتُلبسه، إذ أخلى نفسه من ثوب المجد...
البحر سكن وهدأ عندما حمله، فكيف استطاع حضن يوسف أن يحمله؟!
أحشاء الجحيم أدركته، فانفجرت أبوابه، فكيف احتوته أحشاء مريم؟!
الحجر الذي على القبر تدحرج بقوة، فكيف اشتملته ذراعا مريم؟!
لقد تنازلت لترفع الكل إلى الحياة...
من يقدر أن يتكلم عن ابن الواحد السري، الذي جاء لابسًا الجسد من الرحم؟
جاء ورضع اللبن كطفلٍ، وبين الأطفال ابن الله كان يزحف.
رأوه كطفلٍ صغيرٍ في الطريق، بينما يسكن فيه حب الجميع!
كان الأطفال المرئيون يحيطون به في الطريق،
وكان الملائكة غير المرئيين يحيطون به في خوف!
كان بشوشًا مع الصغار كطفلٍ، مخوفًا لدى الملائكة كآمرٍ!
كان مخوفًا لدى يوحنا أن ينحني ليحل سيور حذائه،
وكان (الرب) رقيقًا مع الخطاة الذين قبَّلوا قدميه!
الملائكة كملائكة رأوه، وكل إنسان حسب قياس معرفته أدركه...
لكن هو والآب لهما المقياس الكامل للمعرفة،
فالآب وحده هو الذي يعرفه كما هو!...
لأن كل الخليقة علوية أو سفلية تنال قياسها في المعرفة (وإن أدركته كإله لكن لا تدركه كما هو... )
أما رب الكل فهو الذي يهب كل شئ لنا...