الميلاد المجيد - افراميات - مار افرام السرياني
بياناً قد بان حبُّ الرحمن نحوَ الانسان
لما أشرقت شمسُ النعمة والسر استبان
ومن قد تاقت اليه الانبيا من قديم الزمان
ببيتَ لحم بدا وشاهدهُ الكل مُشاهَدةَ العيان
مغارة بيت لحم دخلت مريم ويوسفُ البار
لأن ليس لهما مأوى سواها لحال الافتقار
لحال الافتقار وقرب الميلاد حلاَّ في دار
مغارةٍ ضاقت ليولد فيها الغنيُّ الجبار
ولدت مريم ووضعت طفلها بمذود البهيم
طفلاً صغيرا إلهاً قديراً محدثاً وقديم
غدا محتاجاً حليب والدته بنتِ يواكيم
وكلٌّ يحتاج الغِذا من فيض فضلهِ العميم
مولودٌ قبلَ أمهِ العذراء من حضن الآب
وكان اتلادُهُ قبلَ اتلادِها يا لأمر عُجاب
لم يزل قديماً محدثاً حاوياً صفات الاعجاب
بالقماط احتوى ويحوي الدنيا كما نص الكتاب
مَن رأى مغارةً تَحوي ضمنها الهاً وانسان
طفلاً تردّى بخلقان القماط كالفقير المهان
فعندَ الملائك مجيدٌ مهابٌ قديرٌ ديان
وعندَ والدتهِ محمولٌ على يديها ومُضان
وأبدت نحوه حباً غريباً بما لا يوصف
تُقبِّل وجهَهُ بحشمةٍ ووَجْد جُلّ ان يُعرف
ان الغارق في بحرِ الحب لا يتكلّف
ووالدةُ الحب ألا يكون حبُّها أسمى واشرف
تأملت مريم بصفات ابنها تأملاً دقيقاً
فوجدت فيه من كل وجه سراً عميقاً
فهتفت ولدي ناجِ فؤاداً وقلباً رقيقاً
ولمعاطاتي لك في المربى أبِن لي طريقاً
إن قلتُ فجنودُ السما تُبدي التعظيم
دليلاً على أن اصلَك السامي خلاف يواكيم
وان قلتُ ربي ها انت تبكي لكل عارضِ ذميم
دليلاً انك انسانٌ تام ما الرأيُ القويم
ان كنت اهابك فكيف يمكني فعلُ من يربّي
وان لا اهابك فجنودُ عرشك قد حاطت بي
وما الحقُّ الا كما انت حقاً ألهمتَ قلبي
أخدمك كابني وأعبدك كربّي وهذا حسبي
مغارة بيت لحم ما الذي جرى بكِ وكم قد سعدتِ
هل انتِ السما ام فوقَ السما علوتِ وسُدتِ
كراسي ملائكة السما فرغتْ وانت وجدتِ
مصاف ترتيبهم وعز تمجيدهم كم تمجدتِ
ألملاكُ اتى رعاةً كانوا يسهرون نُوَبا
على مراعيهم فخافوا رُعباً وراموا هَرَبا
فقال لا تخافوا ان حاملٌ أمراً عجبا
أبشركم بمن جاء مخلصا مسيحا ورباً
اني مبشرٌ بفرحٍ عظيمٍ لكم ولأمتكم
فالمسيحُ الذي انظرتم اتلد في بلدتكم
وهذه علامةٌ مني اليكم لمسرتكم
تجدون طفلاً بمذودٍ فيهِ تمامُ بغيتكم
ومع تمام الكلام ظهرت ملائك تُسبّح وتقول
المجدُ لله في العلا وفي الارض السلام المقول
وفي بني الانسان تمامُ المسرّة والرضى والقبول
لأن المخلص وافى والضلال ولى بخمول
وبعد أن ذهبت ملائكةُ السما من عند الرعاه
قالوا قوموا نذهب ونُبصر ما قد سمعناه
ذهبوا فوجدوا مثلَ ما سمعوا من ملاكِ الله
طفلاً بمذودٍ ومريمَ أمهُ ثم يوسف اباه
وأخبروا بكلما قد سمعوهُ عن الصبي العجيب
وكل من سمعوا تعجبوا من كلام الرعاة الغريب
والرعاة رجعوا كمن قد عاين فعل الله الرهيب
حيارى ممجدين مستبشرين في ورود خير قريب
هذا ومريم عقلها غارقٌ تأملاً بما يُرى
من فيضِ العطا من جزيلِ الندى وما بقلبها سرى
مريمُ افرحي كفاكِ فخراً فيما قد جرى
ربُّكِ ابنُكِ هل من عقلٍ مثلَ هذا درى
مريمُ خصَّكِ المولى بحظٍ وفرح صنوان
بمثلِهما ليس يحظى احدٌ من بن الانسان
افرحي بالرب الذي ولدتهِ في مِلء الزمان
وحل الأسرى من قيودِ الخطا وأسرِ الشيطان
افرحي يا من وحدكِ للملا مبدا الافراح
ومنك بزغت بَشرى الاماني شبهَ صبح لاح
افرحي وفرّحي عبداً وافى يرجوكِ السماح
وأنجديه لكي يختم عمرَه فَرحاً بالصلاح