سفر الرؤيا ودانيال النبي
سفر الرؤيا هو الامتداد الطبيعى لسفر دانيال، كل منهما هو رؤيا من الله أعطيت لشخص تميز بالقرب الشديد من قلب الله ومن ثم فقد دعى بالمحبوب، فقد دعى الملاك دانيال النبى ثلاث مرات ب "الرجل المحبوب(47)"، وكما دعى الوحى القديس يوحنا خمس مرات ب "التلميذ الذى كان يسوع يحبه(48)"، وكل منهما كتب فى الأسر؛ رؤيا يوحنا كتبت وهو أسير فى جزيرة بطمس(49)، ورؤيا دانيال كُتبت فى السبى البابلى. سفر دانيال هو سفر النبوات العظيمة الخاصة بشعب الله وإمبراطوريات العالم وملكوت المسيح، وسفر الرؤيا هو سفر النبوات العظيمة الخاصة بتاريخ الكنيسة، سفر دانيال ختمت بعض رؤاه إلى وقت النهاية وسفر الرؤيا كشفت فيه الختوم وأعلن فيه ما كان خفياً فى العهد القديم. كل منهما تنبأ بالمجيء الثانى والانتصار النهائى لملكوت الله، وكل منهما تنبأ بما كان وما هو كائن وما هو عتيد أن يكون. كان سفر دانيال هو رؤيا العهد القديم وما يزال، وكان سفر رؤيا يوحنا هو رؤيا العهد الجديد وما يزال. ومن ثم فقد اشترك كل منهما فى استخدام صور ورموز أدبية ورؤوية ونبوية واحدة، خاصة فى الأمور الأخروية :
وصف القديس يوحنا المسيح الممجد بنفس الوصف الذى وصف به دانيال النبى القديم الأيام : "وأما رأسه (المسيح) وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج(50)"؛ "وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقى(51)".
وأيضا بوصف قريب من وصف الكائن الملائكى الذى ظهر لدانيال النبى : "وعيناه كلهيب نار ورجلاه شبه النحاس النقى كأنهما محميتان فى آتون وصوته كصوت مياه كثيرة... فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت(52)"؛ والكائن الملائكى "عيناه كمصباحى نار وذراعاه ورجلاه كعين نحاس المصقول وصوت كلامه كصوت جمهور … ولم أضبط قوة(53)".
فى سفر الرؤيا يحذر ملاك كنيسة سميرنا بأنهم سيجربوا "ويكون لكم ضيق عشرة أيام(54)"، وهذه صورة قريبة من قول دانيال ورفاقه "جرب عبيدك عشرة أيام(55)".
فى سفر الرؤيا يصف عرش الله فى السماء بقوله "وإذا عرش موضوع فى السماء وعلى العرش جالس" ثم يضيف "وحينما تعطى المخلوقات الحية مجداً وكرامة وشكراً للجالس على العرش الحى إلى أبد الآبدين(56)"، وفى سفر دانيال يقول "كنت أرى أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام... وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه(57)"، أما وصف "الحى إلى أبد الآبدين" فهو لقب مميز لله فى سفر دانيال(58).
فى سفر الرؤيا يتكلم عن سفر مختوم بسبعة ختوم وقد قام المسيح وفتح ختومه(59)، أما فى سفر دانيال فقد طلب منه الملاك أن يخفى "الكلام ويختم السفر إلى وقت النهاية(60)"، كما أن هناك أقوال فى سفر الرؤيا لم تكتب على الإطلاق وطلب من القديس يوحنا أن يختم عليها "أختم على ما تكلمت به الرعود السبعة ولا تكتبه(61)"، ولكن طلب منه أن لا يختم على نبوات السفر نفسه "وقال لى لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب(62)".
فى سفر الرؤيا يصف الأجناد السمائية كالآتى : "ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والكائنات الحية والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف(63)"، وهو نفس أسلوب ووصف سفر دانيال "ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه(64)".
فى سفر دانيال أدان الله الملك بيلشاصر : "وأنت يا بيلشاصر... لم تضع قلبك... بل تعظمت على رب السماء... وسبحت آلهة الفضة والذهب والنحاس والحديد والخشب والحجر التى لا تبصر ولا تسمع ولا تعرف. أما الله الذى بيده نسمتك وله كل طرقك فلم تمجده(65)". وهو نفس السبب الذى أدان الله به البعض فى سفر الرؤيا فقد سجدوا "للشياطين وأصنام الذهب والفضة النحاس والحجر والخشب التى لا تستطيع أن تبصر ولا تسمع ولا تمشى(66)".
جاء فى رؤيا "والملاك الذى رأيته واقفاً على البحر وعلى الأرض رفع يده إلى السماء واقسم بالحى إلى أبد الآبدين(67)"، وجاء فى سفر دانيال "فسمعت الرجل اللابس الكتان الذى من فوق مياه النهر إذ رفع يمناه ويسراه نحو السموات وحلف بالحى إلى أبد الآبدين(68)".
يذكر فى سفر الرؤيا رقم 1260 يوم كالمدة التى سيتنبأ فيها الشاهدان(69)،والمدة التى ستهرب فيها المرأة المتسربلة بالشمس(70)، وهذه المدة تساوى ثلاث سنوات ونصف (2/1 3 ÷ 360 = 1260 يوم)، وهى نفس المدة المستخدمة فى سفر دانيال والمعبر عنها ب "زمان وزمانين ونصف زمان(71)"، وهى مدة تدنيس الهيكل، وأيضا مدة القرن الصغير أو ضد المسيح، والزمان فى العبرية “Zeman” وهو هنا مساوى تماماً لسنة، ومن ثم فهذا النص مترجم فى الترجمة العربية الجديدة "ثلاث سنوات ونصف".
فى سفر دانيال يبحث يتحدث عن نموذج ضد المسيح بقوله "وتعظم حتى إلى جند السموات وطرح بعضاً من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم(72)"، وهذه صورة قريبة مما جاء فى سفر الرؤيا عن إبليس المصور بتنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون "وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض(73)".
كما يصف سفر الرؤيا ضد المسيح بالوحش الخارج "من البحر له سبعة روؤس وعشرة قرون وعلى قرونه عشرة تيجان وعلى رؤوسه اسم تجديف. والوحش الذى رأيته كان شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد(74)". وهو هنا يجمع بين أوصاف الوحوش الثلاثة الأولى فى رؤيا دانيال الأولى(75).
هذا الوحش الذى رآه يوحنا الرائى "أعطى فما يتكلم بعظائم وتجاديف وأعطى سلطاناً أن يفعل أثنين وأربعين شهراً. ففتح فمه بالتجديف على الله وعلى اسمه وعلى مسكنة وعلى الساكنين فى السماء. وأعطى أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم(76)". ومدة ال 42 شهراً تساوى ثلاث سنوات ونصف، أى زمان وزمانين ونصف. وهذا نفس الوصف الذى ذكره سفر دانيال عن ضد المسيح فى صوره الثلاثة؛ القرن الصغير الخارج من الحيوان الرابع (ص7) والقرن الصغير الخارج من أحد أفرع الحيوان الثالث (ص8) وملك الشمال (ص11) : "وإذا بعيون كعيون الإنسان فى هذا القرن وفم يتكلم بعظائم … ويتكلم بكلام ضد العلى ويبلى قديسى العلى … ويسلمون ليده إلى زمان وزمانين ونصف زمان(77)"، "وتعظم قوته ولكن ليس بقوته. يهلك عجباً وينجح ويبيد العظماء وشعب القديسين(78)"، "ويتكلم بأمور عجيبة على إله الآلهة(79)".
وأخير يصف القديس يوحنا أحد مشاهد الدينونة كالآتى : "ورأيت عروشاً فجلسوا عليها... ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت الأسفار...(80)". ونجد وصف قريب من ذلك فى سفر دانيال : "فجلس الدين وفتحت الأسفار(81)".
أنها كلمة الله الواحدة التى أعطيت لكل من دانيال النبى والقديس يوحنا الرائى.