كلنا نعرف قصة بابل المذكورة في العهد القديم (تك 1:11-9) حيث تتحدث عن محاولة البعض لبناء مدينة ذات برج عالي يصل إلى السماء إلى الآلهة التي تخصهم “تعالوا نبن لنا مدينة وبرجاً رأسه في السماء”، فنزل الرب وبلبل ألسنتهم فلم يفهموا على بعضهم وتفرقوا في كل مكان “سميت بابل لأن الرب هناك بلبل لغة الأرض كلها ومن هناك فرقهم الرب على وجه الأرض”.
خطيئة أهل مدينة بابل هي الكبرياء إذ أرادوا أن يبنوا مدينة كبيرة ذات برج يصل للسماء يكتبون اسمهم عليه فعاقبهم الرب بأن بلبل لغتهم وفرقهم. أراد أهل المدينة أن يبنوا مدينتهم بعيداً عن الله لا بل وأخذوا يبنون برجاً لآلهة غير الله وكانت النتيجة أنهم أصبحوا يتكلمون لغات مختلفة بنتيجةِ ألاّ يستطيع واحدهم أن يفهم الآخر.
وجدتُ هذا متطابقاً مع حالة بعض العائلات التي تحاول أن تعيش وتبني مستقبلاً وحياة بعيدة عن الله فيبدوا أنّ أفرادها لا يتحدثون اللغة ذاتها. بمعنى آخر، الأب يتحدث لغة لا يفهمها الأولاد أو حتى الأم وكأن بهذه العائلة قد تعرضت لبلبلة في تواصل أعضائها بعضهم ببعض، وهذه مشكلة كبيرة إذ تشير إلى مدى تفكك هذه العائلة لأنهم لا يتكلمون لغة واحدة بل كل واحد بسبب الكبرياء يتحدث بلغة مصلحته الخاصة ولا يفكر بأي رابط عائلي مع أبيه أو أمه أو أخوته، هذه أنانية نابعة من الكبرياء فليس من أحد مستعد أن يضحي بأي شيء حتى من أجل أقرب الناس له.
أعطي مثلاً: يتعرض الابن لمشكلة ما فيأتي ليعالجها الأب بطريقة لا تساعد الابن للخروج منها بل يقدم حلولاً بطريقة تخرج الأب أنه المنقذ أو بطريقة تحمي اسم العائلة من أي تلوث ما، عندها يشعر الابن أن أباه يتحدث بأشياء لا يستطيع فهمها فيقول أن أبي لا يعيش عصري ولا يستطيع فهمي أو على الأقل تفهمي، والأمر ذاته يمكن أن يحدث بين الأب والأم، أو بين الأم وبناتها، وكل ذلك يحدث بسبب الأنانية والكبرياء لدى الأطراف، أو كأن يريد الأبُ ابنَه أن يصبح طبيباً لا كي يصبح طبيباً ناجحاً بل ليكون هو أب الطبيب، بغض النظر عن ميول أو الابن رغباته.
لغة المسيح هي التي توحّد وتُفهم لأنها لغة التواضع والمحبة، هي لغة لسانها القلب فكلامها يخرق القلوب فتفهم من الجميع وبكل بساطة، معلّم هذه اللغة هو الروح القدس الذي حلّ يوم العنصرة على التلاميذ فجعلهم يتكلمونها في كل المسكونة، لغة لا تعلم الأنانية أو المصلحة الخاصة بل الموت على الصليب من أجل الآخرين.
في البيت المصلي الذي يحضر الله فيه بشكل دائم يعلمهم الروح القدس أفراد البيتِ هذه اللغة أي لغة المحبة والتواضع ومهما تعرضوا لمشاكل واختلاف فما داموا يتحدثون هذه اللغة فهم سيبقون على تواصل بشكل مستمر وستحل هذه المشاكل بشكل يرضي الله. إذا أردنا أن نتواصل مع الجميع لنكسب الجميع للمسيح علينا أن نتعلم لغة واحدة للحوار هي لغة المسيح أي المحبة والتواضع.