الأقباط ..بين الهوية والعقيدة والمواطنة-1
السبت 14 يوليو 2012
القمص روفائيل سامي
حفر تاريخ العالم هويات مختلفة لشتي البلاد والأوطان وكل بلد يعتز بقوميته وهويته التي يفتخر بها فالهوية تجمع أصول مجتمعية لها جذور ضربت في أعماق التاريخ يصعب علي المرء إزالتها أو استنكارها علي أصحابها ومن هنا صار الاحترام واجبا لكل من يحافظ علي هويته الوطنية ويساعد علي الإعلاء بها في كل زمان ومكان مجاهدا ضد كل أفكار التحويل والتجريد منها ولعل أقدم تاريخ يحمل لنا معني واضحا للهوية التي حافظت علي كيانها أمام العالم آلاف السنين سواء كان بالعبادات المختلفة أو الفن والعلوم المختلفة في كل المجالات كان التاريخ القبطي أي المصري القديم والذي جذب إليه كل محبي التاريخ في العالم فهو موثق بالمخطوطات والأماكن والخرائط أي منظور وملموس ومقروء لهذا أحب أن أصطحبك عزيزي القارئ في رحلة سريعة إلي عمق هذا الصرح الشامخ الذي به نفتخر ونعتز,بينما البعض الذي ليس له أصول مصرية قديمة يريد أن يطمس هذه الهوية القبطية التي تجمع بين أحضانها حضارة وإنسانية وعلم ودين فيصدق عليه قول الشاعر الإغريقي:هزمناهم ليس حين غزوناهم...بل حين انسيناهم تاريخهم وحضارتهم.
عرف العالم الأقباط وبحث عن هويتهم ووجد أن لفظ قبطي جاء من تسلسل وطني عريق يعبر عن نسيج وطني له أصول تاريخية عميقة منقولة عن(ها كا بتاج) والتي جاء تفسيرها بمعني أرض أو معبد الإله فتاح عند المصريين القدماء وهو يعبر عندهم عن إله الخلق(ويعلق علي هذا المتنيج نيافة الأنبا أغريغوريوس أسقف البحث العلمي قائلا إن هذا التفسير هو منشأ مايردده المصريون حتي اليوم في صباحهميافتاح يا عليم علي أن كلمة فتاح هي أحد الأسماء التسعة والتسعين للفظ الجلالة) كما عرف قديما أن كل مصري هو تابع لهذا الإله وظل المصريون قرونا طويلة معروفين أنهم أتباع الإله كابتاح حتي جاء اليونانيون ولم يستطيعوا نطق هذه الجملة فنطقوها إيجبتوس والتي منها جاءت كلمة إيجبت التي يعرفها كل العالم تقريبا وفي فتح العرب لمصر في القرن السابع الميلادي لم يجدوا أقرب من الحرف قاف لإبداله بالحرف(g) فصارت قبط بدلا من إيجبت واستخدما الكلمتان لمعني واحد واصل واحد وهو المشار به إلي كل المصريين الأصليين القاطنين بوادي النيل.ومن هذا التعريف الجميل الذي يوثق رباطات الوحدة الوطنية يقلقني بعض الساسة والإعلاميين الذين يطلقون كلمة أقباط علي المسيحيين فقط وكأنهم مصريون ولايعرفون أن هناك فرقا كبيرا بين الهوية القبطية والعقيدة المسيحية فالهوية القبطية هي أمجاد وطن نعيش فيه جميعا ويجب أن نفتخر به وهي امتياز حضاري تاريخي يوضع علي صدر كل قبطي بعيدا عن التعصب الديني والانحياز إلي عقيدة معينة بل إنني أري عندما يلصق أحد جنسية قبطي للمسيحي فقط فهو قد ميز وفرق بين أبناء الوطن الواحد فكلنا أقباط وطنا وهويتنا قبطية لا شك فيها فالهوية القبطية عرفها العالم عن طريق تلك العلوم التي استنار بها كل عقل علي وجه هذه البسيطة فالقبطي القديم أول من عرف الفلك والتقويم وفصول السنة وشهورها وأيامها بل حقق ذاته في التعليم والتشييد والبناء فأقام الأهرامات والسدود علي النيل والمعابد الفخمة وكتب تاريخه علي الجدران بالكتابة والتصوير والنحت بل احتفظ للعالم بالبيئة النظيفة وكيفية الحفاظ عليها وأقام أعيادا للنيل وقدسه وأقام أعيادا للحصاد وأخري بصلوات مختلفة للحفاظ علي هوية القبط وأفراحهم والاحتفال بذكري رأس السنة القبطية التي يستخدم شهورها الفلاح المصري حتي اليوم وهي الشهور القبطية المعروفةتوت-بابه-هاتور-كيهك-طوبة-أمشير-برمهات-برمودة-بشنس-بؤونة-أبيب-مسري-نسئ) وكلها تسميات لها مدلولها الوطني عند أجدادنا المصريين كما اشتهر المصري القديم بعلم التحنيط وكثير من المعجزات العلمية التي أبهرت العالم فيحق لمصر قول الشاعراجر يا نيل عزيزا في الوجود...وارم للأيام تاريخ الجدود...وانهضي يا جنة الدنيا وسودي...واعيدي مجدك الماضي اعيدي..بأس أحرارك من بأس الحديد...فاثبتي كالطود في يوم الصراع نعكم لقد تعرضت الهوية القبطية أي المصرية القديمة لكثير من الاعتداءات ولكنها وقفت أمام كل هؤلاء شامخة تتحدي الأعداء فجميعهم يمضي ويزول وأما مصر باقية باقية لا تنتهي وإلي اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الرب وعشنا.