شعرت بوقوف أحدهم خلفي وكأن حرارته ألف درجة وكأنّ اللّحم يتساقط عن جسمي إستدرت لأرى ماذا يجري فشعرت بالعمى…
في سنوات مراهقته الأولى ترك سهيل جعجع قريته المتواضعة في شمال لبنان وتوجّه إلى المدينة بحثًا عن فرص عيش أفضل. إلّا أن جعجع لم يكمن يعلم حجم التّجارب التي سيخوضها…
من لبنان إلى قبرص فلندن فاستراليا… سنوات عنوانها العريض الفشل من حيث التّقدّم المهني أو التّطور الشّخصي والأهم من كل ذلك الفشل بالمحافظة على وجود الله في حياته اليوميّة.
ما لبث أن وصل جعجع إلى فقرا اللّبنانية حتّى سار وراء حياة التّرف والفحش ظنًّا منه أنها الحياة المثاليّة. كيف لا وهو لا يزال في سن الخامسة عشرة ولم ير من الحياة سوى مقتطفات.
على متن سفينة قبرصيّة بدأ جعجع بالعمل في الكازينوهات ليعود ويستقر لعامين في لندن ومن ثمّ أستراليا.
“أمضيت في أستراليا عامين من السّكر وحياة اللّيل … عشت في الخطيئة وشعرت في نهاية المطاف بالتّعب والإرهاق ورغبة شديدة بالقيام بشيء جديد…”
عاد جعجع إلى لبنان بحثًا عن التّغيير… ظن الأخير أنه سيجد الإستقرار بالزّواج. وهذا ما حصل فعلًا…
تزوّج وقام بتأجير عقار كان يملكه في جونية السّياحية حيث تمّ استخدامه كملهى ليلي ومن ثم ككباريه أُجبر على تسلّم إدارته بعد فرار المستأجرين ومن ثمّ عقد شراكة مع أحد الضّالعين في هذا المجال .
“قال لي أن أشاركه دون القيام بأي شيء سوى حساب الغلّة.”
أصبح لجعجع 4 كباريهات حيث كان يقوم بتشغيل نحو 200 فتاة. هذا وما لبث أن بدأ بتوسيع شبكته لتطال العالم من الباب الأوروبي.
“توصّلت إلى تكوين أكبر شبكة دعارة حيث تخطّت الأرباح المئة ألف دولار أمريكي شهريًّا.”
“أصلّي لأجلك كي لا تموت بخطيئتك”
كل تلك الأموال لم تحصّن حياة جعجع الزّوجيّة حيث إنتهت بالطّلاق وتشتت 3 أولاد.
بدأ بالإهتمام بأولاده وكلام أخته لم يبارح فكره. أخته المتعبّدة للعذراء مريم والمواظبة على الصّلاة كانت تقول له مرارًا وتكرارًا أنها تصلّي لأجله كي لا يموت بخطيئته فيكون مصيره جهنّم.
“كانت تذكّرني دائمًا أن لا أحد يسير مع الشّيطان، ولا يقوم الشّيطان بتدميره.” يقول جعجع.
إلّا أن الأخير كان يضرب كلام اخته في عرض الحائط قائلًا إنّها مجنونة.
الشّرارة الأولى
“ولكن ماذا لو كان كلام أختي حقيقة، ماذا لو أن في داخلي شيطان فعلًا؟” تساءل جعجع.
ومن تلك اللّحظة بدأ التّغيير. إليكم التّفاصيل كما رواها جعجع بكل صدق:
في تلك المرحلة من حياتي قدمتني أختي لشخص تعرفه كانت حياته قد تغيّرت من خلال تدخّل يسوع فيها.
ذات ليلة هاتفت الرّجل ودعوته إلى منزلي في إحدى أرقى المناطق اللبنانية بدافع الفضول لا أكثر. ما كانت إلّا بضعة دقائق حتّى وصل طوني وأخبرني قصّة حياته. بدأ بالتّحدّث عن الإنجيل والحياة الأبدية إلّا أنّي لم أهتم لكل ما قاله لا بل اعتبرته مجنونًا.
بدأ طوني بالتّردد إلى منزلي إلّا أنّي ما لبثت أن شعرّت بالملل ففكرت بإعطائه مبلغًا من المال (300$) علّه يتوقف عن المجيء.
وهناك كانت المفاجأة. عندما قدّمت له المال قال لي:”يقول يسوع مجانًا أخذتم مجانًا اعطوا، أنا لست هنا لآخذ أتعابي. أنا هنا كي أبني لنفسي حجرًا في السّماء.” أعاد لي أموالي ففكرّت أن المبلغ لم يعجبه.
في المرّة اللّاحقة قدّمت له 3000$ إلّا أنّه رفضه أيضًا.
صعقت بردّة فعله:”هل هناك في هذه الحياة من يحبّني مجانًا.”
إنّهم مجانيييييين!
أردت معرفة إن كان هذا الرّجل حقيقة! فاشتركت في رياضة روحيّة سبق ودعاني إليها لأصدم بوجود العشرات على مثاله!!! لا يتوقفون عن شكر الرّب… إنّهم مجانيييييين!
جلست مستمعًا لأحاديثهم عن محبة الله الأمر الذي لمس قلبي في الصّميم. هل يُعقل أن يحبني الله بهذا القدر وأنا غير مدرك لهذا الأمر؟
في تلك اللّيلة ألغيت كل أعمالي وتابعت الرّياضة الرّوحيّة لأتفاجئ بالجميع وهم يتحدّثون عن الرّوح القدس. لم أكن أعلم أهمية الرّوح القدس في حياتنا! عندها أدركت مدى جهلي للدّين المسيحي الذي ورثته عن والدي.
بعد أن تحدّث الجميع عن تجربته وصل دوري، لم أكن أعلم ماذا أفعل فقلت بعفويّة وغضب:”أنا لم أختبر شيء ولا أعرف شيئًا عن ما تقولونه. ولكن إن كان كلامكم حقيقة أتمنّى اختباره.”
الغضب من يسوع
عدت إلى بيتي وذات ليلة تشاجرت مع الله قائلًا:” لا أفهم أبوتك لي وأنا لا أعرفك؟ عن أي حقّ يتحدّثون وأنت تقوم بالتّفرقة بين أبنائك؟ تخاطب أحدهم ولا تخاطب الآخر؟ ”
غضبت من الله كثيرًا ونكرت وجوده صارخًا بأني سأنظّم أفحش حفلة زنى في التّاريخ…
شعرت برغبة بقتل “طوني” الشّاب الذ كان يبشّرني…
في اليوم التّالي زارني طوني الذي كنت قد هاجمته بأبشع أنواع العبارات ليقول لي : “يسوع يحبك” وأنا أحبك.، وإن لم يُظهر الله نفسه أمامك كإله حي سانكره.”
قبل أن يغادر قال لي طوني: ”
سهيل، أنت تلقي اللّوم على الله وتقول إنّه غير عادل. القرار بيدك، لقد مات يسوع فداءً لك، وأكبر اثبات هو وجودي هنا برغم كل ما اقترفته بحقي. يسوع يطاردك إلّا أنك تهرب منه. أتحداك إن أظهرت توبة صادقة أن لا يُظهر لك الله نفسه …”
هل الله هو فعلًا أب؟
في اليوم التّالي أحضرت صورة ليسوع ووضعتها أمامي على الأرض وقلت:
يقولون لي أنك حيّ وأنّك أبي وأريد أن أكلمك كأب. إن كان ما يفرّقنا هو الخطيئة التي أغرق بها فأنا نادم على كل ما فعلته في حياتي.
سامحني يا رب واغفر لي. أنا وسط تحدّي كبير. أنت تطلب منّي أن أغلق الكباريهات وأترك كل شيء خلفي وأتبعك وأنا لا أعرف إن كنت موجودًا أصلًا!!
اعتبرني توما الثّاني واسمح لي أن أضع اصبعي في جرحك.
لا أملك القدرة على التخلّي عن السلطة والمال ولا أعلم إن كنت حقيقة. تلومني اليوم وتوما الذي عرفك لم يصدّق أنك حيّ.
إسمح لي أن أضع إصبعي على جرحك وإن كنت موجودًا حقًا أعدك بإغلاق كل الكباريهات والعدول عن كل هذه الحياة.
وفجأةً
ما لبثت أنهيت كلامي شعرت بوقوف أحدهم خلفي وكأن حرارته ألف درجة فشعرت وكأنّ اللّحم يتساقط عن جسمي. إستدرت لأرى ماذا يجري فشعرت بالعمى وشاهدت شريط حياتي أمامي يُظهر الخطايا التي اقترفتها.
أجهشت بالبكاء كطفل صغير طالبًا الرّحمة والمغفرة من الله. شعرت وكأن رأسي ينقسم ما بين الضّحك والبكاء. لم أستطع
إستيعاب كل ما يحدث معي..
شعرت وكأنّ ضجيجًا قوّيًا في رأسي همد فجأة فامتلأت سلامًا.
كان قلبي سينفجر من الفرح
تمنيت في تلك الدقيقة أن أبقى مع يسوع ولا أعود إلى هذا العالم.
قلت لله: “انا لا أريد شيئًا من هذه الحياة سوى أن أعبدك وأتبعك.”
إتصلت بطوني وقلت له باكيًا: “هللويا، هللويا”.
باع سهيل كل ممتلكاته وبدأ بنشر تجربته والتّبشير بأن يسوع حيّ وهو قريب منّا. تزوّج مجدّدًا وعاش بتقوى وسلام مع عائلته.