تاريخ نهاية الاتحاد السوفيتي
في ديسمبر عام 1991، شاهد العالم الساعات الاخيرة في تاريخ الاتحاد السوفيتي في دهشة، نعم تفكك الاتحاد السوفيتي الى خمسة عشر بلدا منفصلا ، وقد قابل الغرب انهياره هذا بمثابة انتصار للحرية، وانتصار الديمقراطية على الشمولية، وكان بالنسبة لهم دليلا قويا على تفوق الرأسمالية على الاشتراكية .
فقد فرحت الولايات المتحدة بعدما اخضعت عدوها اللدود ، وبذلك انهت الحرب الباردة التي كانت تحوم فوق هذين القوتين العظميين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي الواقع ان تفكك الاتحاد السوفياتي حول الحالة السياسية العالمية برمتها، مما ادى الى اعادة صياغة كاملة للتحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية في جميع انحاء العالم .
ولكن ما الذي ادى الى هذا الحدث التاريخي الضخم ؟ ، في الواقع الجواب معقد جدا، حيث انه لا يمكن التوصل اليه الا مع فهم تكوين وتاريخ الاتحاد السوفيتي ، فقد بني الاتحاد السوفيتي على نفس المنطقة تقريبا ما يسمي بالامبراطورية الروسية والتي نجحت ، فبعد الثورة البلشفية في عام 1917، وضعت الحكومة التي شكلت حديثا فلسفة الاشتراكية الانتقال النهائي والتدريجي الى الشيوعية .
وكانت الدولة التي انشأها البلاشفة تهدف الى التغلب على اي خلافات وطنية، بل كانت تهدف الى خلق دولة واحدة متجانسة تقوم على نظام اقتصادي وسياسي مركزي ، وهذه الدولة، التي بنيت على ايديولوجية الشيوعية، تحولت في نهاية المطاف الى دولة شمولية، حيث كان للقيادة الشيوعية سيطرة كاملة على البلاد .
ومع ذلك، فان هذا المشروع لانشاء دولة اشتراكية موحدة اثبت فشله وهذا لعدة اسباب ، اولا، انتشار جماعات غير روسية في البلاد والتي كانت تضم اكثر من 50 % من مجموع سكان الاتحاد السوفيتي ، ثانيا، فشل تخطيط هذا المشروع اقتصاديا في تلبية احتياجات الدولة التي كانت محاصرة في سباق تسلح شرس مع الولايات المتحدة ، وادى ذلك الى تدهور اقتصادي تدريجي، مما ادى في نهاية المطاف الى ضرورة الاصلاح ، واخيرا، نجد ان ايديولوجية الشيوعية، التي عملت الحكومة السوفيتية على غرسها في قلوب وعقول سكانها، لم تتأصل ابدا، وفقدت في نهاية المطاف اي تأثير كانت قد حملته من الاساس .
وبحلول عام 1985، وصل الى السلطة ميخائيل جورباتشوف ، آخر زعيم للاتحاد السوفيتي، وكانت البلاد وقتها في حالة ركود حاد، مع مشاكل اقتصادية وسياسية عميقة تحتاج الى معالجة حازمة ، وادراكا منه لذلك، ادخل جورباتشوف سياسة اصلاح ذات شقين ، حيث انه على مستوى بدأ في السماح بحرية التعبير وعلى المستوي الآخر، بدأ برنامجا للاصلاح الاقتصادي يعرف باسم البيريسترويكا او اعادة البناء .
وما لم يدركه جورباتشوف بهذه السياسة الجديدة انه من خلال اعطاء الناس حرية التعبير الكاملة، كان يطلق العنان للمشاعر السياسية التي تم كبتها على مدى عقود، والتي اثبتت انها قوية للغاية عندما طرحت في العراء ، وبالاضافة الى ذلك، فان سياسته المتعلقة بالاصلاح الاقتصادي لم تحقق النتائج الفورية التي كان يأملها .
وبدأ تفكك الاتحاد السوفيتي على الاطراف، في المناطق الغير روسية تحديدا وكانت المنطقة الاولى التي تنتج المعارضة الجماعية هي منطقة البلطيق، حيث طالبت حكومة استونيا في عام 1987 بالاستقلال الذاتي ، وبعد ذلك تبعهم تحرك مماثل في ليتوانيا ولاتفيا، الجمهوريتان البلطيقيتان الاخريان ، وفي الواقع شكلت الحركات القومية في دول البلطيق تحديا قويا لسياسة جورباتشوف في غلاسنوست .
وقوف الجيش الى جانب الشعب في الاتحاد السوفيتي السابق
وبالرغم من ذلك لم يرغب جورباتشوف ان يقضي بشدة على المشاركين في هذه الحركات، ولكن في الوقت نفسه، اصبح من الواضح على نحو متزايد ان السماح لهم باستكمال مسارهم سيشكل كارثة للاتحاد السوفيتي .
وبعد مبادرة استونيا، نشأت تحركات مماثلة في جميع انحاء الاتحاد السوفيتي ، وفي منطقة القوقاز (في جنوب الاتحاد السوفيتي)، نشأت حركة داخل منطقة ناغورنو ،تحديدا في كاراباخ ذاتية الحكم التي يسكنها الارمن في جمهورية اذربيجان ، وطالب السكان الارمن في هذه المنطقة بمنحهم الحق في الانفصال والانضمام الى جمهورية ارمينيا التي يرتبطون بسكانها عرقيا ، ورفضت حكومة جورباتشوف السماح لسكان ناغورني كاراباخ بالانفصال، وتطور الوضع الى نزاع اقليمي عنيف، في نهاية المطاف تحولت الى حرب شاملة تستمر بلا هوادة حتى يومنا هذا .
وهذا اظهر بدوره حركات قومية في جورجيا ، اوكرانيا ، مولدوفا ، بيلاروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى ، وادت هذه الحركات الى اضعاف قدرة الحكومة المركزية الى حد كبير ، واخيرا ، في اغسطس 1991 ، نظم الشيوعيون انقلابا ، واختطفوا جورباتشوف، ثم في 19 اغسطس من عام 1991، اعلنوا على التلفزيون الحكومي ان جورباتشوف كان مريضا جدا ولم يعد قادرا على الحكم .
وبدأوا في تنظيم مظاهرات ضخمة في موسكو ولينينجراد والعديد من المدن الكبرى الاخرى في الاتحاد السوفيتي ، وعندما حاولت الحكومة استخدام الجيش لقمع المتظاهرين، تمرد الجنود انفسهم، قائلين انهم لا يستطيعون اطلاق النار على مواطنيهم ، وبعد ثلاثة ايام من الاحتجاج الضخم استسلمت الحكومة .
وبعد كل هذه المحاولات لم يمر سوى عدة شهور فقط حتى انهار الاتحاد السوفيتي تماما ، وادرك كل من الحكومة والشعب في ذلك الوقت انه لا توجد وسيلة للعودة ، فقد اظهرت المظاهرات الضخمة التي جرت ان السكان لن يقبلوا شيئا اقل من الديمقراطية ، واعترف جورباتشوف اخيرا انه لم يعد قادرا على احتواء قوة السكان ، وفي 25 ديسمبر 1991، استقال جورباتشوف .
وبحلول يناير 1992، تم تشكيل كيان جديد للاتحاد السوفيتي كان يطلق عليه "كومنولث الجمهوريات المستقلة"، وكان يتألف من معظم الدول المستقلة في الاتحاد السوفيتي السابق ، في حين ان هذه البلدان الاعضاء تتمتع باستقلال سياسي كامل، كانت ترتبط ببلدان اخرى في الكومنولث اقتصاديا .
وبعد ان اصبح الاتحاد السوفيتي، مع نظامه السياسي والاقتصادي المركزي الجديد واجهت خمسة عشر بلدا مستقلا نشأت حديثا مهمة ثقيلة ، فقد كان عليها ان تطور اقتصاداتها، وان تعيد تنظيم نظمها السياسية، وان تحل في حالات كثيرة منازعات اقليمية مريرة ، لذا فقد تطور عدد من الحروب على اطراف الاتحاد السوفيتي السابق .
وبالاضافة الى ذلك، عانت المنطقة باسرها من فترة من الصعوبات الاقتصادية الشديدة ، وعلى الرغم من الصعوبات العديدة التي تواجه المنطقة، الا انها اتخذت خطوات جريئة نحو ارساء الديمقراطية واعادة التنظيم واعادة البناء في معظم بلدان الاتحاد السوفيتي السابق .