محكمة العار 3
أَغَارُونِي بِمَا لَيْسَ إِلهًا، أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ،
كان وَجْهُهُ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ، وَعَيْنَاهُ كَمِصْبَاحَيْ نَارٍ، وَذِرَاعَاهُ وَرِجْلاَهُ كَعَيْنِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ، وَصَوْتُ كَلاَمِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ.
ولكن ولأنهم بطئي الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ لم يروه هكذا ولا رأوا َكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ.
تقدمَ، وقُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَتَرْجُفُ السَّمَاءُ الى ذاك الذي شهد عليه ليسمع منه سبب شهادته الكاذبة سائلا إياه ان لماذا أَطْلَقْتَ فَمَكَ بِالشَّرِّ، وَلِسَانُكَ يَخْتَرِعُ غِشًّا؟ وبدل أن يهرب هذا الشرير مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ، من وجه الرَّبِّ الإِلهِ الْقُدُّوسِ قائلا لِلْجِبَالِ: غَطِّينَا، وَلِلتِّلاَلِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا ويندم في التراب والرماد صارخا ارْحَمْنَا يَا رَبُّ ارْحَمْنَا، لأَنَّنَا كَثِيرًا مَا امْتَلأْنَا هَوَانًا، اذ به يرفع صوته قائلا:قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ!
يا لغباء قلب الانسان ونجاسته؛ مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ، وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتًا، وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى الْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ؟ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ!
حقاً إِنْ دَقَقْتَ الأَحْمَقَ فِي هَاوُنٍ بَيْنَ السَّمِيذِ بِمِدَقّ، لاَ تَبْرَحُ عَنْهُ حَمَاقَتُهُ.
ثم حول نظره مرة أخرى إليهم وهذه المرة لا الى قلوبهم بل الى مظهرهم. رأى قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. رأى كيف كانوا يُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ، تلك الأهداب التي طلب منهم أن يصنعونها وَيَجْعَلُوا عَلَى هُدْبِ الذَّيْلِ عِصَابَةً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ حتى متى نظروا الى هذا اللون السماوي تذكروا وعملوا كل وصاياه ولم يطوفوا وراء قلوبهم وأعينهم التي هم فَاسِقُونَ وَرَاءَهَا.
هل تذكّروا وصاياه؟ لا بل عَصَوْا كَلاَمَ اللهِ، وَأَهَانُوا مَشُورَةَ الْعَلِيِّ.
هل يا رب كلهم هكذا بدون إيمان، منافقين، متفاخرين بعظمة أهداب ثيابهم؟
لم أنتظر الجواب كثيرا اذ ها هي قادمة..
تسللت من ورائه .. قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: «إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ»! وطلبت الشفاء بإيمان عظيم وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ.. فرضخت السماء لطلب تلك المسكينة وخرجت القوة من شمس البر لتسكب الشفاء من اجنحتها.فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا..
لربما بعدما شاهدوا معجزة الشفاء هذه قد يرجعون اليه، فناداهم قائلاً: تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. و اذا أراد ان يؤكد لهم أنه هو هو الامس واليوم والى الابد, و انه كما عمل معهم في البرية بان أطعمهم طوال مدة حياتهم في البرية سيطعمهم أيضا ناداهم ثانية :أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا.
و إذ سمعوا هذه الدعوة الرقيقة منه, طلبوا أن يتشاوروا ليعطوه جوابا.
لم تطل مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وتقدم من أنابوه في الكلام ليعطي الجواب. فوقف بجوار تمثال القمر الذي صاغوه من ذهبهم وفضتهم ووضع يده عليه وفتح فاه وقال بصوت أجش:
إِنَّنَا لاَ نَسْمَعُ لَكَ الْكَلِمَةَ .. بَلْ سَنَعْمَلُ كُلَّ أَمْرٍ خَرَجَ مِنْ فَمِنَا، فَنُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ، وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ. كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا ..َ، فَشَبِعْنَا خُبْزًا وَكُنَّا بِخَيْرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا.!
ثم فتح الجعبة التي معه وأخذ كعكا وقدم للتمثال وهو ينظر بمكر الى قدوس إسرائيل ليرى هل حقا الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ ؟